السيادة والمُلك
دلالة متغيّرة بتغيّر النُّظُم السياسيّة
______________إعداد: عماد مرتضى______________
«السيادة» بالمفهوم الإسلامي تُعطى لمن استمدّ عُلويّته من السيّد المطلق، وهو الله سبحانه وتعالى. وأمّا «المُلك»، فليس له في المصطلح الديني السياسي نصيب.
وقفة -بتصرّف بسيط- مع مصطلَحي «السيادة» و«المُلك» من كتاب (المصطلحات السياسية في الإسلام) للدكتور حسن الترابي.
السَّيِّد: هو ذو الأفضليّة والعلْوية وفق معايير الأفضليّة الرَّائجة عموماً في البيئة الثقافيّة المعيَّنة، أو حسب السِّياق الخاصّ في التَّعبير: (كالسَّيِّد) نسباً وشرفاً عندما يُفاضل النَّاس لا بالعمل والتَّقوى كما شرع الله، و(السَّيِّد) البالغ الكرم حلماً وحكمةً وطهراً بالفضل الأخلاقي، أو (السَّيِّد) للفئة الإجتماعيّة أو السِّياسيّة أو الثَّقافيّة الدِّينيّة.
(والسَّيِّد) لقب احترام عام كالمصطلح الشَّائع الآن في دارج الخطاب، ولعلها تأثَّرت بما يقابلها من كلمة (Mister)، واذا جاءت منسوبة للمتكلّم: سيِّدي، سيِّدنا، فهي خطاب أو ذكر باحترام بالغ تقابل كلمة (Sir).
والسُّؤدد أو السِّيادة كلمة لم يَكن لها مجال في المصطلح السِّياسي الإسلامي الأصيل، لكنَّ عدوى الثّقافة السِّياسيّة الأوروبيّة أوردت التّرجمة من (Sovereignty) -تعبيراً في مجال السُّلطان الدَّاخلي للبلد- عن معنى القوّة العليا التي تَصدر عنها التّكاليف بالأحكام والشَّرائع العامة.
أمّا في مجال العلاقات العالميّة فهي تعبير عن العزَّة والإستقلال بالأمر الذَّاتي، دون ذوي الإستعمار والسِّيادة في أرضٍ أُخرى.
والسِّيادة (Sovereignty) علويّة سلطان كانت في أوروبا منذ القرن السادس عشر للملوك، فوق أمراء الإقطاع - النُّبلاء المُتمكِّنين فوق الرَّعية، علوّاً مِن ورائهم ومِن وراء رؤساء الولايات والدُّويلات إن كان الملك امبراطوراً، وتجاوزاً لسلطان الكنيسة ولبعض مجالس الملأ وكبار القوم.
وفي تطوُّرات النُّظُم السِّياسة لا سيَّما بعد الثَّورة في فرنسا وأميركا، أصبحت السِّيادة للشَّعب الثائر الغالب في فرنسا، ولمجلس نوّابهم - مجلس التَّداول الأعلى أو (البرلمان) في إنجلترا، وهي (Supremacy)، وللدُّستور ونصِّه في أميركا.
والكلمة بالطّبع بعد انحسار الإستعمار أصبحت صفة للدَّولة المستقِلَّة جملة، وإن كانت العولمة تزحف الآن على سيادة الدُّول.
ولعلّ الأوفق في السِّياق الديني أن تكون عبارة (السِّيادة المطلقة) لله سبحانه وتعالىThe) Supreme Being)، فهو سبحانه وتعالى السَّيِّد الأعلى، والصِّفة معروفة لله تعالى في العربيّة، وإنْ لم تكن شائعة في الفقه السِّياسي.
والله سبحانه السَّيِّد الأكبر هو الذي يستخلف بقدرته من يشاء من الأقوام والشُّعوب لِيَسود عليهم بشرعه في أحكامه مؤمنين، إذا لم تَسُد فيهم أهواcهم الوضعيّة كافرين، أو ساد بعضهم على بعض بصراعات القوّة وشهواتها مشركين ملحدين بالله تعالى.
المُلك: المَلِك من أسماء الله تعالى. والمُلك أو المُلكيّة صفة في الأرض، تعني الإحاطة والقِوامة على المملوك.
أمّا سياسيّاً، فصفة المُلك كانت قديماً اصطلاحاً للقوامة المتسلِّطة على أمّة من النّاس، وكانت تلك القوامة على الأمر العامّ في غالب المجتمعات يداً مطلقة غالبة حتّى في تولية مَن يرثه في المكان وليّاً للعهد حتّى يخلف.
وقد يكون المَلِك صالحاً عادلاً أو مفسداً ظالماً، وقد يسوس المَلِك النّاس بحكمة ولطف وشورى، أو بسفاهة وعنف واستبداد ﴿..إنّ الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة وكذلك يفعلون﴾ النمل:34.
والنُّظُم الملكيّة الوراثيّة حديثاً تطوَّرت في غالبها بِأَثَر ثقافة الحرِّيّة والمساواة، حيث تضاءلت الشرعيّة الوراثيّة إلى زوال النّظام المَلَكي، أو إلى تحوُّل المُصطلح مِن المُقتضى الذي كان معروفاً إلى واقع رمزيّة رئاسيّة تمثِّل وحدة الرعيّة داخلاً وخارجاً - ملكيّة ذات طقوس إحترام بلا سلطات فاعلة تُذكَر لِلمَلِك (King) في بلده، التي ظلَّت تُسمّى المملكة (Kingdom).
وليس للمسلمين نصيبٌ مِن الملكيّة بمفهومها الرَّمزي الجديد في سياق سياسي لنظام الحكم، بل بقيت نُظُم تحمل اللّقب بأعراف تقليديّة.