الثقافة الإسلاميّة
صياغة الهويّة الوطنيّة على هَدْيِها
ـــــ د. أحمد بن عبد العزيز الحليبي* ـــــ
تضطلع الثقافة الإسلاميّة بوظيفة مؤثّرة ورائدة في بناء الهوية الوطنيّة، وصياغتها وِفق تعاليم الإسلام، وقِيمه السامية، تتضح في المحاور التالية:
أولاً: المحافظة على سِمات شخصيّات الأمّة الإسلامية من الضياع، أو التلاشي والإندثار، فإذا كان الوطن الإسلامي قد تعرّض لغزو الثقافة الغربيّة أيّام الإستعمار السياسي، ولا يزال يتعرّض لموجات من التغريب عن طريق وسائل الإعلام والإقتصاد، وما يُعرف بـ «العولمة»، فإنّ الثقافة الإسلاميّة تؤدّي وظيفة الوقاية من ضرر هذا الغزو.
ثانياً: العمل على توحيد شعوب الوطن الإسلامي ودُوَلِه من الناحية الفكريّة، فوجود ثقافة إسلاميّة مشتركة يلتقي عليها المسلمون، ويشبُّ عليها الشباب المسلم سَيقيها من حالة التمزّق الفكري والتشتّت الثقافي، ويخلّصها من حالة الضياع والعيش بدون شخصيّة أو فكر موحّد.
ثالثاً: الإسهام في تشكيل البُعد النفسي للفرد داخل الوطن الإسلامي، وتكوين الشعور بالأمان النفسي؛ لأنّ الثقافة الإسلامية أكثر العلوم اتّصالاً بكرامة الإنسان، وأعمقها تأكيداً لذاته، وهذا يتحقّق من خلال تأكيدها على الأُطر والأنساق والنُّظم والقِيم المستمدّة من الوحي، وعنايتها بها؛ نظراً لأنّه ينشأ من الإلتزام بها واحترامها بشكل جماعي إطمئنانٌ ذاتيٌّ للفرد المسلم، وارتياحٌ داخلي، فهي تُكسب الفرد شعوراً بالتضامن والتعاون، وتحقّق له إحساساً بروح الإنتماء إلى جماعة المسلمين الواحدة.
رابعاً: الوقوف في مواجهة الأخطار الفكريّة التي يتعرّض لها الوطن الإسلامي ممثّلة في الدراسات «الإستشراقية» التي تستهدف تشويه صورة الإسلام في نفوس المسلمين، وزعزعة ثقتِهم بمصدر دينهم، وفي التنصير الذي يسعى إلى تحويل المسلمين عن دينِهم، ونشر الإلحاد في بلاد المسلمين، أو في التغريب الذي يعمل على صياغة المجتمعات الإسلاميّة صياغة غريبة تُحاكي حياة المجتمع الغربي في العادات والتقاليد ونُظم الحياة.
إنّ مواجهة هذه الأخطار التي تُحدق بالأمّة الإسلاميّة تحصل عن طريق تحصين أبناء الأمّة المسلمين من التأثّر بهذه الأفكار ووقايتهم من أضرارها، ونقد الدراسات «الإستشراقيّة» المعادية، وبيان مغالطتها للحقيقة، وتعمّدها للتشويه والكذب، وذلك عن طريق مضاعفة الجهد في الدعوة إلى الله تعالى، وتحقيق قدر من الوعي بأهداف «العولمة»، وخطرها على مكتسبات الأمّة.
خامساً: تعميق روح الإنتماء إلى الإسلام، وربط المسلمين بدينهم القيّم، وتاريخهم المجيد، وحضارتهم العظيمة، وتوثيق الصلات العَقَديّة والفكريّة بينهم مهما تباعدت بلدانهم، أو اختلفت أعراقُهم ولغاتُهم، وبناء الشعور بالأخوّة المبنيّة على الإيمان، بحيث يرتبط المسلم بأخيه برِباط فكري واحد، يوحّد مشاعرهم وأحاسيسهم؛ بل وتصوّراتهم، ونظرتهم إلى الحياة، ومواقفهم من متغيّراتها.
إن ثقافة إسلامية تقوم بهذه الوظيفة لَهي جديرة بأن يعتزّ بها أبناؤها المنتمون إليها، وذلك لسموّ أهدافها ومضامينها ومناهجها، فهي ثقافةُ دينٍ ختمَ اللهُ به الرسالات، ورَضِيه لعباده. لقد أصبحت الثقافة الإسلاميّة ثقافة عالميّة، وليست ثقافة أمّة عنصريّة منغلقة على نفسها كبني إسرائيل، وأصبحت ثقافة هداية للبشريّة تخاطب العقل، وتهديه للّتي هي أقوم، وليس ثقافة ضلال وجهالة، فعلى المسلم أن يتمسّك بهذا الدين، ويعتزّ به كما قال تعالى: ﴿فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم * وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون﴾، الزخرف 43-44، ومعنى:«ذكرٌ لك»، أي: شرفٌ لك، وفخرٌ لكلّ مَن يدين به.
* باحث من الحجاز