ملحق شعائر 3
آلُ محمّد صلّى الله عليه وآله بين الحُبِّ والنّصب |
خطبة الجمعة للدكتور الشيخ عدنان ابراهيم |
إمام مسجد الشورى في (فيينا)
11 تشرين الثاني 2011
إصدار المركز الإسلامي
تقديم
بين يدَي القارىء الكريم خطبة الجمعة التي ألقاها الدكتور الشيخ عدنان ابراهيم، في مسجد «الشورى» في العاصمة النمساوية «فيينا»، بتاريخ 11 تشرين الثاني 2011.
دعانا إلى نشر هذه الخطبة في «ملحق شعائر» حاجة الأمّة في عصر إرهاصات بداية تحقّق الوعد الإلهي ﴿..لِيُظهره على الدِّين كلِّه..﴾ التوبة: 33، إلى المزيد من الحرص على أبرز ركائز الوحدة الإسلامية «المودَّة في القُربى»، هذا المبدأ القرآني الذي يعني حبّ أهل البيت عليهم السلام.
سنَجد في خطبة الشيخ إبراهيم أنّه لا يأتي بجديدٍ لم يعرفه العلماء، بل تنحصر الجِدَّة في بياناته في اللّهيب الباطني، والتوثّب لخدمة وحدة الأمّة، وجميع الباحثين عن الأمن النفسي، وعبادة الواحد الأحد سبحانه وتعالى، وهو ما حمله على استخراج ما دوّنه العلماء السُّنة الكبار جيلاً جيلاً من حديث سيِّد النبيّين صلّى الله عليه وآله، وما قرّره هؤلاء العلماء الكبار في مواجهة مَن شقَّ عصا الأمّة، وحاول فصل الناس عن «حُبِّ» أهل البيت عليهم السلام.
لم يتمّ اختيارُ خطبة الشيخ للنشر في سياق الإصطفاف السياسي الإقليمي أو العالميّ الرَّاهن، فهو يدافع دفاعاً متفانياً عن الشيخ القرضاوي كما هو مثبتٌ بالصوت والصورة في «موقع الشيخ عدنان ابراهيم». بل جاء الإختيار على قاعدة فكريّة عقائديّة هي مورد إجماع الأمّة لم تتمكَّن كلّ الإمبراطوريات المتعاقبة من طمسها وإنْ تمكّنت من التعتيم عليها، وهي تتلخّص في أنَّه يجبُ على كلّ مسلمٍ أن يحبّ أهل البيت عليهم السلام، حبّاً حقيقيّاً لا ينفصل عن موالاة أوليائهم ومعادة أعدائهم.
على هذه القاعدة بنى العلمان ابنا حجر العسقلاني والهيثمي موقفهما من «ابن تيميّة» كما أورده الشيخ إبراهيم.
وقد أثارت هذه الخطبة وخطبة ثانية له حول «الصحابة» تهدف إلى التمييز بين مَن أحسنوا الصُّحبة، وبين غيرهم، -أثارت- عاصفة ما تزال تتوالى فصولاً، وكان الشيخ قد توقَّعها كما تجد في هذه الخطبة، إلّا أنّها لن تزيد الحقيقة إلّا توهُّجاً بحوله تعالى.
من هو الدكتور الشيخ عدنان ابراهيم؟
أمكننا أن نُقدِّم إلى السادة القرّاء ما يلي:
* مواليد 1966 (مخيم النصيرات بغزّة)
* النشأة: زاول في مخيم النصيرات تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي ليغادره إلى يوغسلافيا حيث درس الطبّ في جامعاتها، وبسبب ظروف الحرب، انتقل إلى فيينا بالنمسا أوائل التسعينيات حيث واصل دراسة الطبّ بجامعتها، والدراسات الشرعية في «كليّة الإمام الأوزاعي» بلبنان، والتي تخرّج منها بدرجة مشرّف جدّاً.
* أتّم حفظَ كتاب الله مبكّراً، وكذلك الكثير من أمّهات الكتب، وكان منذ نعومة أظفاره مطالعاً وقارئاً شغوفاً متمتّعاً بالتحصيل العلمي في جميع مجالاته: الشرعية والعلمية، وهو ما ولّد عنده البصيرة النيّرة والعقل المتفتّح، وانتهج لنفسه منهجاً وسطيّاً كان من توفيق الله سبحانه له أنّه لم يحِد عنه يوماً.
* متزوّج من فلسطينيّة وأبٌ لسبعة أطفال ـ خمس بنات وإبنين ـ، وهو عضو هيئة التدريس بـ «الأكاديمية الإسلاميّة» بفيينا والتي يعمل أستاذاً بها.
* حصل الشيخ في سنة 1995 على المرتبة الأولى في تجويد القرآن الكريم على مستوى القارَّة الأوروبيّة، وكان أحد أعضاء لجنة التحكيم الشيخ المقرئ علي بصفر.
* أسّس مع بعض إخوانه «جمعية لقاء الحضارات» بالنمسا سنة 2000، وهو يرأسها منذ ذلك الحين، وعنها إنبثق مسجد «الشورى» حيث يخطب ويدرّس.
* شارك في مؤتمرات ولقاءات كثيرة في العديد من الدول، والتقى بالعديد من العلماء الكبار الذين شهدوا بنبوغِه.
* من هذه الشهادات بحقّه:
قال الدكتور العلّامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
* «عندما تشرّفت بزيارة الإخوة جميعاً قبل عامين، قلتُ فى نفسي إنّ المسلمين فى خير، وإنّ المسلمين الذين يعيشون فى هذه البلاد الغربية هم بخير أيضاً ما دام أمثال الشيخ عدنان موجودون، أكرمه الله سبحانه وتعالى بألوان من الثقافات والعلوم، واستخدمها جميعاً لدين الله سبحانه وتعالى، هذه ظاهرة أشكر الله عزَّ وجلَّ عليها، وأحمده أنْ قيّض لهذه البلدة مَن يدعو إلى الله عزّ وجلّ، وهو يُمسك لا بمصباحٍ واحد، بل بمصابيح شتّى، يدلُّهم بها على الله سبحانه وتعالى ".."
ولذلك كنت دائماً أقول: الداعي إلى الله عزّ وجلّ عبئه ثقيل، وينبغي أن يتقبّل ذلك، فذلك هو قدَره، هكذا شاء الله عزّ وجلّ، لكنّني كنت أتساءل أين هو هذا الذي قد اصطبغ بهذه الثّقافات كلّها، ونال من كلٍّ منها حظّاً وافراً حتّى ينهض بالدّعوة إلى الله النهوض الأتمّ؟ كنتُ أبحثُ فلا أجد، وأنا أقولها لكم بصدق، منذ عامين عثرتُ على مَن يتّصف بهذه الصفة، والشيء يُثلج الصّدر أنّ الشيخ عدنان سخّر هذه المعارف التى أمتعَه وأكرمَه اللهُ بها، سخّرها جميعاً لدين الله عزّ وجلّ، كنت أنظر فأجد فى الناس مَن أُوتي بصيرةً في علم الفلك، في علم التاريخ، في علم التاريخ الطبيعي، في علم الحياة الحيوانيّة، في علم الهندسة، لكنّهم جَنحوا عن النهج الأمثل، وسلكوا طرائقَ مختلفة، فَأَغرتْهم بها معارفُهم المتلوّنة المتنوّعة...». (مقتبسة من كلمة ألقاها فضيلته بإحدى الجلسات المفتوحة خلال زيارته لفيينا)
* وقال الدكتور طارق السويدان
«الشيخ عدنان، من خلاله عرفتُ عمقَ العِلم الشرعيّ من جهة، والفكري والفلسفي من جهة أخرى، وفي نفس الوقت الإطّلاع على التكنولوجيا الحديثة وعلم الفيزياء، وهو سابقٌ زمانَه وسابقٌ كلَّ مَن نعرفه في هذه المسائل. حجم المعلومات التي جمعها والعمق والقدرة العالية على الحفظ والتذكّر أعطاه عمقاً في العلم الشرعي والربط بين هذه العلوم، وأدعو الجميع إلى الإستفادة منه والتواصل معه من خلال موقعه». (من كلمة موجّهة إلى زوّار موقع الدكتور عدنان إبراهيم بمناسبة إفتتاحه في نسخته الجديدة، 13 تشرين الأوّل 2011)
***
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من سيّئات أنفسنا وشرور أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مضلّ له، ومَن يُضلل الله فلا هاديَ له. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ولا نظير له ولا مثال له، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا وحبيبنا محمّداً عبدُ الله ورسولُه وصفوتُه من خلقه، وأمينُه على وحيه ونجيبُه من عباده، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطّاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.
عبادَ الله، أُوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذّركم وأحذّر نفسي من عصيانه سبحانه ومخالفة أمره، لقوله جلَّ من قائل: ﴿من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربّك بظلّامٍ للعبيد﴾ فصلت:46.
ثم أمّا بعد أيّها الأخوة المسلمون الأفاضل، أيّتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول المولى الجليل سبحانه وتعالى في مُحكم كتابه الجليل:
﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ الشورى:22-26.
صدق الله [العليّ] العظيم، وبلّغ رسولُه الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين، أللّهمّ اجعلنا من شهداء الحقّ القائمين بالقسط آمين، أللّهمّ آمين.
إخواني وأخواتي: سنجتنب في هذا المقام الكريم الخوض في شُعَب الكلام في قوله تبارك وتعالى: ﴿..قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ الشورى:23. ومذاهبُ العلماء والمفسّرين في هذه الآية الجليلة، وفي هذا الجزء منها، معروفة ومزبورة في الكتب المشهورة. فمِن قائلٍ إنّ المُراد من ﴿..لا أسألكم عليه أجراً.. ﴾ [هو]: إلّا أن تعرفوا حقّي ومكان قرابتي منكم، وهذا الذي رجّحه كثيرٌ من المفسّرين. ومن قائل إنّ المعنى هو أن تودّوني في قرابتي -في قراباتي- أي في ذوي قرباي؛ أهلي وذوي قرباي. ومن قائل إنّ المعنى: إلّا أن تتقرّبوا إلى الله تبارك وتعالى بما مِن شأنه أن يقرِّب ويزلف إليه من صالح الأعمال والأقوال.
مذاهبُ ثلاثةٌ مشهورة أيّها الأخوة، لن نخوض في محاكمتها ووزنها في هذا المقام، لأنّ هذا يطول وليس له كبير التعلّق بغرضنا في هذه الخطبة.
فمحبّةُ آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً أمرٌ مقرَّرٌ مقطوعٌ به عند كلّ مَن هداه الله وبصّره أيّها الأخوة. بل لعلّه يكون مقطوعاً به عند الجمّاء الغفير الأعظم من هذه الأمّة، باستثناء الذين خذلَهم اللهُ فأَصمّهم وأعمى أبصارهم فراحوا يتقرَّبون إلى الله تبارك وتعالى ببُغض آل محمّد، وسبِّهم ولعنهم، وملاحقتهم والتشريد لهم إن وَاتتهم وأمكنتهم فرصةٌ والعياذ بالله. فَلَعنةُ الله على الظالمين. هؤلاء الذين يُسمَّون ويُدعَون «النّواصب»، الذين نصبوا العداء لأهل بيت رسول الله، ثمّ أنّهم يزعمون أنّهم يؤمنون بالله ورسوله، وأنّهم يحبّون رسول الله. كذَبوا، لو أحبّوه لَأَحبّوا أهله وآله صلّى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم. كيف ونحن في كلّ صلاةٍ نقول: أللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد. ما مِن محيص، ما من مَناص، ولا مهرب ولا علّة لِمَن ناصبهم العداء في القديم والحديث، إلى أن يقوم الناس لِربِّ العالمين.
كيف الصَّلاة على محمّد وآل محمّد؟
الحديثُ المخرّج في الصّحيحَين من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه وأرضاه، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: «قلنا يا رسول الله، كيف الصلاة على محمّد وآل محمّدٍ أهل بيت النبوّة؟ فقال صلّى الله عليه وآله: قولوا: أللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، كما صلّيتَ على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمّدٍ وآل محمّدٍ كما باركت على إبراهيم وآلِ إبراهيم، إنّك حميدٌ مجيد»، أخرجاه في الصّحيحَين.
هكذا علّمهم النبيُّ صلّى الله عليه وآله كيف يُصلّون عليه وآله.
فلا تلتفتوا إلى بعض الذين يُنفِّرون من الصَّلاة عليهم والتسليم. إذا ذُكِر عليٌّ لا يُسلِّمون عليه، يقولون يكفي أن نقول رضي الله عنه وأرضاه، شأنه شأن الصحابة جميعاً رضوان الله تعالى عليهم.
أخطأوا! كلّا! ليس شأنه هنا شأن الصحابة. إنَّ له هنا شأناً خاصّاً، والحسن له شأنٌ خاصّ، والحسين له شأنٌ خاصّ، وفاطمة والذريّة الطيّبة والجناب الرفيع الأكرم.
• البخاري يسلِّم عليه
وإلّا فبالله لِمَ نجد الإمام البخاري يُسلِّم عليه في أربعة مواضع في صحيحِه مفرداً. ويسلِّم عليه في مواضع أخرى مقروناً بولده وذرّيّته. مثلاً الحَسن وعليّ عليهما السلام. وسلَّمَ على فاطمة في مواضع، ومعظم أماثل علمائنا يفعلون هذا. الإمام أحمد سلّم، الإمام الطّبري يُسلِّم كثيراً في كُتُبه، الإمام أبو جعفر الطّحاوي في (مشكل الآثار) لا يكاد يذكر عليّاً إلّا بالتسليم، يندر أن يقول كرَّم الله وجهه أو رضي الله عنه. أبو جعفر الطّحاوي الإمام الحنفي العَلَم يكاد يقول دائماً عليه السلام، هذا من خواصّهم ومن حقوقهم. لذلك رُوي عن الإمام محمّد الباقر أبي جعفر، وهو أبو الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ﴿أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله..﴾ النساء:54، قال: «يحسدون أهلَ البيت».
حسدٌ إلى اليوم. هناك أناسٌ لا في العير ولا في النفير، من الدّهماء والطّغام من العامّة. أحدُهم لا يكاد يعرف (كُوعه من بوعه) يقول لِمَ نسلِّم عليهم؟ تحسدُهم يا غبيّ، تحسدُهم، مَن أنت؟ نقطع بأنّ في قلوب هؤلاء -بعد أن تقوم عليهم الحُجّة والدليل- أنّ في قلوبهم نفاقاً.
ولذا أخرج الإمام أبو عبدالله الحاكم رحمه الله في مستدركِه على الصّحيحَين، وقال: صحيحٌ على شرط مسلم، ولم يخرّجه ووافقه الإمام الذهبي.
قال عليه الصلاة وأفضل السلام: «إنّي سألتُ الله فيكم يا بني عبد المطّلب ثلاثَ خصال -أو خلال- سألتُه أن يُثبّت قلوبكم، وأن يعلّم جاهلَكم وأن يهديَ ضالَّكم، وسألتُه أن يجعلَكم جُوَداء -أهل جود وكرم نُجَدَاء رُحَماء- فَوَالّذي نفسي بيدِه فلو أنّ رجلاً صَفَن -أي صفَّ قدمَيه واقفاً، ومنه الصَّافنات الجياد أي التي تقف ولا تتحرّك وتلك علامة الجياد الأصيلة- فلو أنّ رجلاً صفََن بين الرّكن والمقام، وصلّى وصام، ومات مُبغضاً لكم، لَأَدْخَلَه اللهُ النّار».
• تُبغضُ عليّاً فأنت منافق.. كائناً مَن كنت..
الروايات كثيرة عن جابر بن عبدالله، وأبي سعيد الخدري، وأبي ذر الغفاري رضي الله عنهم. كانوا يعرفون المنافقين بِبُغضِهم عليّاً -علامة واضحة جدّاً-. [هذا] مبغضٌ عليّاً فانحرفوا عنه. يبدو منك شيء تجاهه، فمَن كنت، وأنت مَن أنت، علامة على النفاق. إحذر واحفظ لنفسك وارغب لها الخير وراجع أمرَك، فالمرء من نفسه على بصيرة. كلّ امرىءٍ -أيّها الأخوة- من نفسه على بصيرة، وهو يعلم ما في قلبه، والله من وراء قلب كلّ امرىءٍ ولسانه.
وليست المسألة -وهذا ممّا يغيب- ليست المسألة بالدّعاوى -باستثناء النواصب لا تجد أحداً منهم إلّا ويقول نحن نحبّ أهل البيت ونكرمهم- تدافع عن أعدائهم وتلتمس لهم الأعذار الباردة أبرد من الثلج وأسخف من السُّخف نفسه، وتترضّى على قاتليهم ولاعنيهم وسابّهم وشاتمهم، ثمّ تقول أنا من محبّي أهل البيت! ما شاء الله!
يا إخواني، ذاتَ مرّة اختلف أسامة بن زيد، ومَن أسامة؟ إنّه الحِبّ ابن الحِبِّ؛ أسامة بن زيد بن الحارثة، الصحابيّ الجليل، العَلَم الشهيد رضوان الله تعالى عليهما، اختلف مع الإمام عليّ عليه السلام، هناك تمايز المقامات. لا تقُل لا أسامة ولا زيد. إذا ذُكِر عليٌّ انتهى! مقامات لا بدّ أن تكون واضحة، لا أن يُقرَن عليّ حتّى بالطُّلَقاء، وأحياناً يُقدَّم الطُّلَقاء عليه بطريقة أو بأخرى، بِطرقٍ غامضة عجيبة تغيظ المؤمن.
قال له أسامة: إنّي لا أُحبُّك، أو قال: إنّي مُبغضٌ لك. وذُكر هذا للرّسول، فقال النبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام وأسامة يسمع: يا عليّ، لا يُبغضُك إلّا منافق. مباشرةً يُحذّر أسامة، كأنّه يقول -وهذا ما أفهمه إن شاء الله من الحديث- يقول له: أعلمُ أنّك صادق الإيمان، ولكن إنتبه لنفسك، توخّى واحذر وَاحْتَط. المرء في حال الغضب والحَنَق يبدو منه ما يبدو، كان يقول له هذا ما بدرَ منك على سبيلِ الإغضاب لعليّ. ولكن لا بأس، إنتبه! إنِ انعقدتْ البُغضةُ في قلبك لعليّ، فهذه علامة النّفاق. النبيّ يُعطينا موازينَ ومعايير ولا يستثني أحداً، يُطبّقها على الجميع، وينبغي أن تُطبَّق على الجميع. ولذلك في الحديث الصّحيح الذي أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه، حديث الإمام أبي الحسن عليه السلام؛ عليّ كرّم الله وجهه، قال: والّذي بَرَأَ النَّسَمَةَ وفلقَ الحبّة –يقسمُ باللهِ خالقِ الحيوانات والنباتات والنّفوس- إنّه لَعَهدُ النبيّ الأُمّيّ إليّ –عهدٌ من النبيّ إليه- ألّا يُحبّني إلّا مؤمن، ولا يُبغضَني إلّا منافق.
• إنْ كان التشيّع هو أن نحبّ آلَ محمّد.. نحن أوّل المتشيِّعين
الإمام أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى، الحافظ والفقيه الشافعي الجليل. قال بعضُ العلماء: كلُّ أحدٍ من الشافعيّة للشّافعيّ في عنقه منّة، -للشّافعي عليه يد- إلّا أبا بكر البيهقي فلعلّه له يدٌ على الشافعي؛ لِكثرة ما خدَمَ مذهبَ الشافعيّ واستذلّ له وأوعز في ذلك، رضي الله عنه وأرضاه، له كتابٌ عظيمٌ في مجلّدَين إسمُه (مناقب الإمام الشافعي)، الشافعي كان مشهوراً بحبّه لآل محمّد، لذلك ظلّ الناس على الدّوام ينبذونه بالتشيّع. متشيِّعٌ يقولون، وهو لم يعترّ من هذا.
إذا كان التشيُّع هو أن نحبّ فاطمةَ البتولَ الزهراءَ عليها السلام، وعليّاً قرن هذه الأمّة أو ذا قرنَيها عليه السلام، أيّها الأخوة أخا رسول الله وصهره وابن عمّه، وهو القائل رضي الله تعالى عنه وأرضاه: أنا أوّلُ مَن عبَدَ الله في هذه الأمّة مع رسول الله -في البدايات الأولى كان يصلّي دائماً مع رسول الله- قال: أنا عبد الله، وأخو رسوله، لا يقول ذلك غيري أحدٌ إلّا كذب، لا أحد يقول أنا أخو رسول الله، أنا أقول فقط، هو أعطاني هذه الميزة. النبي قال له: أنت يا أبا الحسن أخي في الدّنيا والآخرة. أخوه هو الذي سُبَّ ولُعن وكُرِه وانحُرِف عنه وغُضّ منه، أخوه. قال: لا يقولُها أحدٌ غيري إلّا كذب. عليه السلام، شفّعه الله فينا يوم الحشر، أللّهمّ آمين.
المهم، الإمام البيهقي يقول: قال الربيع -وهو الربيع بن سليمان أحد خاصّة تلامذة الإمام الشافعي رحمة الله تعالى عليه- قال له: يا إمامنا، إنّ نفراً من الناس يتحدّثون عنك أنّك تتشيّع، منك تشيُّع. وفي مرّة أخرى قال له: إنّ نفراً من الناس إذا ذُكر عليّ أخذوا في حديث غيره. لا يحبّون مثل هذه الخطبة. هناك من الناس -أيّها الأخوة- إذا ذُكِر عليٌّ وأهل البيت يتساءلون: لماذا؟ لماذا خطبة عن عليّ؟ يعترضون في قلوبهم. لماذا ليست عن فلان أو علّان من أصحاب رسول الله رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم؟ عجيب! قد يتحدّث المتحدّث عن الصحابة في ألف خطبة لا يقنعون، فإنْ تحدّث عن أهل البيت في خطبة أو خطبتين، يسأل لماذا، أتُراه شيعي؟ لعلّه يتشيّع. إنْ كان التشيّع هو أن نحبَّ آلَ محمّد [فـ] نحن أوّل المتشيِّعين، فوالله الذي لا إله إلّا هو، لا نبالي بما يقول العالَمون، لا يعنينا، يُقال شيعي، يُقال زنديق، يُقال كافر، أقسم بالله لا يُقيمُ مؤمنٌ لهذا وزناً.
نحن نعيش إن شاء الله ونموت على حبّهم وَلو قطّعنا بإذن الله إرْباً إرْباً، حتى نلقى محمّداً على الجادّة، وهو الذي أوصانا بأهل بيته وشدّد الوصاه -أيّها الأخوة، في غير ما موضع- شدّد الوصاه، ولكنّ هذه الأمّة -وأنا أقول لكم- لم تحفظ النبيّ في آله، وضيّعت وصيّتَه وسيأتيكم البيان.
للأسف إلى اليوم -أنا أقول- ما زلنا مُضيِّعين لوصيّة رسول الله، وسوف نرى لماذا وكيف -كيف ضيّعناها-. يخوضون في حديثٍ غيره، لا يحبّونه، لماذا نتكلّم عن عليّ عليه السلام والحسن والحسين، لماذا؟ كأنّهم ما شاء الله شبِعوا من علوم الحسن والحسين وعليّ. يعرفون كلّ شيء، وهم لا يعرفون شيئاً عن أهل البيت، شيئاً لا يعرفونه تقريباً.
• أين أحاديث عليّ، وهو باب مدينة علم رسول الله
أين أحاديثُ عليّ؟ عليّ -بفضل الله تبارك وتعالى- جاءت شهادته متأخّرة جداً -سنة 40 للهجرة- يعني بعد الصدّيق وبعد الفاروق وبعد ذي النورين، هو آخر الأربعة وفاةً، ولكن أيّها الأخوة أينَ حديثه؟ كم رُوِيَ له؟ ولماذا يُروى لغيره الآلاف من الأحاديث، وليسوا يُقرَنون ولا يُقاسون به لا من قريب ولا من بعيد، لا في العِلم، ولا في السَّبق، ولا في التُّقى، ولا في الهدى، لماذا؟ أينَ علمُه؟ أينَ رواياته؟ يقولون لم يكن في المدينة، كان في الكوفة. ما شاء الله، الكوفة صحراء ليس فيها رواة. كيف تضحكون علينا بهذا؟ كأنّه لا يروي الحديث إلّا أهل المدينة، هذا كذب! أهل مصر وأهل العراق والشام وما وراء النّهر رَووا، كلّ أمّة صارت تروي الحديث. أين أحاديث الإمام؟ أين عِلم الإمام وهو بابُ مدينةِ عِلمِ رسول الله، فمَن أراد المدينةَ فَلْيَأْتِها من بابها. أين علمه؟ يا حسرتنا! هذه حسرة واللهِ العظيم في القلوب أيّها الأخوة، فما أحسن ما قال الشافعي: هم هكذا، هذه حالهم. يقول الربيع بن سليمان: فأنشأَ -قرَضَ هذا الشّعر على البديهة من وقته- فأَنشأَ أبو عبدالله الشافعي رضي الله عنه يقول:
إذا في مجلسٍ ذكروا عليّاً |
وسبطَيه وفاطمةَ الزكيّة |
فأجرى قومٌ ذكرَ سِواهم |
فاعلمْ أنّه لِسَلَقْلَقِيّة |
هذا بسبب السَّلَقْلَقِيّة، إعلم أو قال: فأيقن. ما السبب وما العلّة؟ لماذا لا تحبّون أن تخوضوا في حديثِهم؟ فاعلم أنّه لِسَلَقلقيّة.
إذا ذكروا عليّاً وبَنِيه، قالوا تجاوزوا يا قوم هذا [الكلام]، فهذا من حديث الرافضيّة، من حديث الشيعة.
كلام عن عليّ وفاطمة الزهراء والحسن والحسين هذا من أحاديث الشيعة -الرافضة- لماذا نخوض في أحاديث الرافضة؟
إذا ذكروا عليّاً وبنيه |
أخذوا في الروايات العليّة |
وقال تجاوزوا يا قومُ هذا |
فهذا من حديث الرافضيّة |
برئتُ إلى المُهيمن من أُناسٍ |
يرونَ الرّفض حبَّ الفاطميّة |
قال أنا بريءٌ إلى الله تعالى من هؤلاء الذين يسمّون مَن أحبَّ فاطمة وبعلَها بنيها، بالرّوافض.
برئتُ إلى المهيمنِ من أُناسٍ |
يرونَ الرّفض حبَّ الفاطميّة |
على آل محمّدٍ صلاةُ ربّي |
ولعنتُه لتلك الجاهليّة |
رضي الله عن إمامنا الشافعي وأرضاه، وجزاه عن أهل بيته [بيت نبيّه] خير ما يُجزي محبّاً صادقاً، وحشره معهم وشفّعَهم فيه.
نعم، هكذا. وقد يتساءل بعضكم أو بعضكنّ ما هذه السّلقلقيّة؟ يقول: فَأَيْقِن أنّه لِسَلقْلَقيّة.
هناك حديث، وهذا الحديث من جهة الإسناد على مبلغ علمنا، على ما قرأنا للأئمّة والحفّاظ لا يصحّ. فيه مجاهيل. لكن لعلّه صحّ عند الشافعيّة، أو لعلّ المعنى صحّ عنده.
يُروى عن إبن عبّاس رضي الله عنهما خبرُ السَّلقلقيّة، [وهو] أنّ امرأةً أتت أبا الحسن عليه السلام فقالت له: إنّي لَأُبغِضُك ولا أُحبّك. لعلّ عليّاً قتل أباها أو جدّها أو عمّها أو ابنها مِن الظَّلَمة الذين تصدُّوا له وحاربوه مُبطلين. وعليٌّ -تقريباً باتّفاق كلّ أهل الحقّ في هذه الأمّة، مصيبٌ في كلّ حروبه، في الجمل وصفِّين والنهروان، عند معظم علماء الأمّة على الإطلاق، لا يخالف في هذا إلّا منكود متعوس- مصيبٌ في كلّ حروبه، لم يُخطئ في حربٍ واحدة. كان الحقّ معه في الجمل وفي صفِّين وفي النهروان.
نعم، قالت له أنا أبغضك ولا أحبّك، قال لها: فأنتِ إذن سَلَقْلَق، قالت: وما السلقلق؟ قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات مرّة، يا أبا الحسن، لا يُبغضُك من النساء إلّا السَّلَقْلَق، فقلت: يا رسول الله، وما السَّلَقْلَق؟ قال: التي تحيض من دبرها. منحرفة الطبع والخلقة. وإلى اليوم، لا ينحرف عن أهل البيت، لا يستشعر الإنحراف فضلاً عن البُغض لأهل البيت إلّا منحرفٌ مطعونٌ إمّا في رجولته، إمّا في إيمانه، إمّا في طبيعته، إمّا في خلقه، إمّا في شخصيّته. لا يكون شخصاً طبيعيّاً. أنا أقسم بالله على هذا، لا يُبغض عليّاً وأهل البيت رجلٌ أو امرأةٌ يكون طبيعيّاً.
عشّاق المجد، عشّاق الكمال، عشّاق الإيمان، عشّاق المعاني العالية يَهيمون عشقاً بأهل البيت، حتّى غير المسلمين، يهيمون عشقاً في عليٍّ وفاطمة وأبنائهم وذرّيّاتهم، لأنّهم يرون عندهم ما لا يُرَى عند غيرهم. نمط وحدوي، تقولون لا نفهم، نعم لا جَرَم أنّنا لا نفهم لأنّنا لم نتعلّم ولم نترَبّ على حبّ أهل البيت. لا نكاد نعلم عنهم شيئاً، لذلك نستغرب هذا الكلام. وفعلاً لِمَ نُصَلِّي عليهم في الصلاة؟ لِمَ نُصلّي على محمّد وآل محمّد؟ لِمَ هم بالذات؟ لا نكاد نفهم، لذلك لا نغضب لهم، لا نحزن لمصائبهم، يُمكن أن نحبّ أعداءهم تماماً وندافع عنهم.
قرأتُ لإمامٍ جليل من أئمّة الشافعيّة، وأنا متأكّد أنّ إمامه الشافعي يبرأ منه في هذه المسألة. يقول في كتابه: «ولو أنّ يزيد قتل الحسين، أو باشرَ قتله، مُستحلّاً لذلك لكن بتأوّل -تأوُّل استحلال قتل الحسين- لَمَا جاز لعنُه».
يا سلام، شيء عجيب، ما هذه المحبّة المفرطة في يزيد بن معاوية؟ تقول لو أنّ يزيد استحلّ قتل الحسين، رأى أنّ قتله حلال لكن عنده شبهة تأويل، قال أنا لا ألعنه.
نحن نقول لك لعنة الله على يزيد إلى يوم الدّين، والأدلّة متظاهرة على تجويز لعنته، بل لعلّها مطلوبة، لعلّ عينَ محمّد تقرّ في عالمه النوراني، لعلّ عين محمّد تقرّ قليلاً لِلَعن هذا اللّعين، الذي كما قال فيه أحد شعراء العراق في أيام الألوسي:
فنغدو على طول المدى نلعنُ اللّعنا |
يزيدُ على لعني عريضٌ جنابُه |
بالعكس، المعنى الصحيح «دقيقٌ جنابه»، فأغدو على طول المدى ألعنُ اللّعنَ، نقله الألوسي في (المعاني).
قال لا نلعنه!
الإمام الشافعي نفسه في كتابٍ آخر قال: «ولو أنّ مسلماً أخذ حبّة من أخيه مستحلّاً لذلك لَكَفَر». تأخذ حبّة، سدس الدّرهم، تأخذه من أخيك المسلم، تستحلّ ذلك، تكفر. ويستحلّ يزيد قتلَ الحسين بشبهة، لا يُلعن؟ مش [ليس] لا يُكَفَّر. لأنّ اللّعن ليس فقط في حقِّ الكافرين، النبيّ والكتاب لعنَ كثيرين من المسلمين في هذه الأمّة، وتعرفون مَن أوائل الذين يُلعنون؟ الذين استحلّوا من أهل بيت رسول الله ما حرّم الله ورسولُه.
روى الحاكم والبيهقي والترمذي في (الشُعَب)، والحديث طويل وليس بالضعيف، قال عليه الصلاة وأفضل السلام: ستّةٌ لعنَهم الله ولعنتُهم ولَعنَهم كلُّ نبيٍّ مُجاب -أي مجاب الدعوة- المُحرِّف لكتاب الله -وفي رواية الزّائد في كتاب الله- والمكذِّب بقدَر الله، والمتسلِّط بالجبروت فيعزّ مَن أذلَّ الله ويُذلّ مَن أعزَّ الله، كسائر الطواغيت من الحكّام الظّلَمة وأعوان الظّلَمة، هذا ملعونٌ لعنَه الله والرّسول والأنبياء المجابو الدّعوات.
اللّعن حكم شرعي يا عبدَ الله. أنت آدب من رسول الله؟ آدب من أصحابه ومن أهل بيته الذين لَعنوا؟ هناك مَن يستحقّ أن يُلعن لكي يكون عِبرةً للناس، لكي يتوقّى الناس أن يسلكوا مثل مسلكه أو يأخذوا مأخذه. هذا حكم شرعي أيّها الأخوة والمسألة طويلة. [تتمة الحديث]: والمُستحِلُّ لِحُرَمِ الله، كما استحلّ يزيد مكّة والمدينة، دمّر مكّة ودمّر الكعبة لعنة الله عليه، هذا أتى بكلّ ما يُوجبُ اللّعن، يقول لا نلعنه وإن استحلّ قتل الحسين، قد يكون استحلّه بتأويل، ما شاء الله، إذاً، نعطّل كلّ آيات وأحاديث اللّعن، لا نلعن أحداً إلّا مَن علمنا أنّه مات على كفره.
طيّب..أين الآيات والأحاديث التي تلعن مَن لم يمُت على كفره، [واستحق اللَّعن] تلعن مَن فعل أشياء بعينها. المسألة طويلة ولا نحبّ أن نخوض فيها فقهيّاً. والمستحِلّ من عترة أهلِ بيتي ما حرَّم الله، وختم بقوله: والمُكذِّب لسُنّتي –أو قال الرّادّ لسُنّتي- هؤلاء الستّة لعنهم الله ولعنهم رسول الله ولعنهم كلُّ نبيّ مُجاب .
فقالت له [تتمّة حديث السَّلَقْلَق]: يا أبا الحسن، صدق رسولُ الله –أنا البعيدة سَلَقْلَق- إنّي لَأَحيضُ من دبري وما عَلِم أبواي. صدق رسول الله لذلك أنا أبغضك.
***
يا حسرتنا على أمّة محمّد، الكولونيل «حبيب غطّاس» أديب مسيحي لبناني كان يستهيم ويُستهام عشقاً في أهل بيت رسول الله، قرأ سيرتهم، وقرأ عنهم، عشقهم، امتلأ قلبُه حبّاً لهم، له قصيدة غرّاء بعنوان «سيّدتنا فاطمة الزهراء».
والله حسرة على هؤلاء المنحرفين عن أهل بيت رسول الله، حبيب غطّاس يخاطب فاطمة عليها السلام:
فأنتِ من المختار حبّةُ قلبِه |
وأنتِ من الأطهار أصفى وأطهرُ |
حفظتِ لنا نسلَ النبيّ ومَن بهم |
على كلّ مخلوقٍ نَتِيهُ ونفخرُ |
قال نحن نتيه ونفخر على كلّ الخَلق بذريّة محمّد، وأنتِ يا فاطمة مَن حفظت لنا هذه الذّريّة، أنتِ مستودع هذه الذريّة.
عليكم صلاةُ اللهِ ثمّ سلامُه |
بكلِّ أذانٍ فيه أللهُ أكبرُ |
مسيحي يكتب هذا، نعم.
• نحبّ أهل البيت، ولكن هوانا مع الذين قاتلوهم وقتلوهم ولعنُوهم وشرّدوهم؟!!
يقولون لا تُسلِّم عليهم، لا تقل عليهم السلام، هذا شعار الشيعة، الشيعة يصلّون، نترك الصلاة إذاً، الشيعة يؤذِّنون نترك الأذان، الشيعة يوحِّدون نكفر بالله، أيّ فقهٍ هذا؟ ويُنسب إلى فقهاء كبار أجلّة، ممنوع، إذا صار شعاراً للمبتدِعة فلا. أترك الشرع إذا صار شعاراً للمبتدِعة، بدلاً من أن أفرح أنّ هؤلاء المبتدِعة –كما تسمّيهم- يشاركونني في سنّةٍ سنيّة، أنا أفرح وأريد الخير لكلِّ الناس، فمهما شاركني الناس في الحقِّ الذي أراه حقّاً فالحمد لله وله الحمد والمِنّة. فيقول: لا، أنا أترك هذا الحقّ، لا نريده لأنّ الشيعة تصطنعُه. في الحقيقة ليس لهذا، بل لشيءٍ في القلوب على أهل بيت رسول الله، يريدون أدنى حيلة وأدنى معذرة حتى يُنقصَ آل رسول الله من حقِّهم. ثمّ بعد ذلك نأتي ونزعم أنّنا من أحباب آل بيت رسول الله. يقول أحدهم: والله لا أعرف أحداً إلّا ويحبّ أهل البيت. ما الذي تعلمه أنت؟ أنت طالب علم؟ أنت محقِّق؟ أنت دارس؟ تعرف الكتب والدراسات والأدبيّات أنت؟
وكيف يُسلَّم لهم دعاوى حبِّها |
وهوى نفوسهم إلى ضرّاتها |
نحبّ أهل البيت، ولكن هوانا مع الذين قاتلوهم وقتلوهم ولعنوهم وشرّدوهم ونكّلوا بهم، نتربّى عليهم وندافع عنهم بحماسة وشراسة، ما شاء الله على هذا الحب.
إذا صافى حبيبُك مَن تعادي |
فقد عاداك وانقطع الكلامُ |
هذا منطق الفطرة والبداهة.
لقد رابَني من عامرٍ أنّ عامراً |
بعين الرضا يرنو إلى مَن جفاني |
يجيئ فيُبدي الحبَّ والنّصح غادياً |
ويُمسي لأعدائي خليلاً مواخيا |
فيا ليت ذاك الحبّ والنّصح لم يكن |
ويا ليتَه كان الخصيم المعاديا |
إسمعوا الحكمة واسمعوا كلام الذين في أدمغتهم عقول. نحبّ هؤلاء ونحبّ مَن عاداهم، نترضّى عليهم ونمنع انتقاصهم ولو بأيّ وجه، ونسكت عن الأحاديث التي ذمّتهم وحذّرت منهم وانتقصَتهم.
أقول لمحمّد صلّى الله عليه وآله تَأَخَّر يا محمّد، تأخّر لا تتكلّم، لدينا فقه آخر، وأحاديثي المتواترة والصحيحة؟ لا، هذا تحوير.
بأيّ معايير نحبُّ أهل البيت؟ كيف يا أخواني وأحبابي وأخواتي؟ أنا أقول لكم محبّة أهل بيت رسول الله عليهم السلام أجمعين من محبّة رسول الله، فلا والله الذي لا إله إلّا هو ما أحبَّ عبدٌ نبيَّ الله صادقاً من قلبه، إلّا أورثته محبّتُه إيّاه حبّاً وعشقاً وهياماً في أهل بيته، مباشرةً، لا ينفصمان. نحن نصلّي عليه وعلى أهل بيته في كلّ صلاة. تلقائيّاً قد يقول قائل هذا أمر مقرَّر لا ينبغي أن تحلف عليه، أحبُّ كلَّ مَن متَّ إليه بوصلة وسبب، أليس كذلك؟
ويحبُّ حتى سود الكلاب لسوادها، كما قال المجنون –مجنون ليلى- لأنّها سوداء أصبح يحبّ حتّى الكلاب السُّود.
وقالوا يا جميلُ أتى أخوها |
فقلتُ أتى الحبيبُ أخو الحبيبِ |
أحبّكَ أَنْ نزلت جبال «سَحْما» |
وأَنْ ناسبْتََ بُثْنَةَ من قريبِ |
مَن أحبَّ أحداً أحبَّ كلّ مَن انتسب إليه وكلّ مَن اتّصل به، وأعظم الناس وُصلةً برسول الله مَن؟ لحمُه ودمه، أهله. قبل أن تحدّثني عن الصّحابة رضي الله عنهم، إنتبه، لا بدّ أن تكون الأمور مرتّبة، أعظم الناس مثابةً وقدراً عند رسول الله وأحبّهم إليه وأقربهم منه وأعظمهم رحِماً، مَن هم؟ هم خيرُ خليقةٍ بعد رسول الله، أَلَسنا نتلو ونروي حديث مسلم والتَّرمذي وغيرهما: «إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كِنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم».
وفي حديث آخر: «أنا خيار من خيارٍ من خِيار».
لذلك في الحديث يقول صلّى الله عليه وآله: «قال لي أخي جبرئيل: يا محمّد، إنّي قلّبتُ الأرض مشرقاً ومغرباً فلم أجد خيراً من محمّد..». صلّى الله على محمّد وآله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً إلى أبد الآبدين.
ما خلقَ اللهُ ولا برا |
بشراً في الورى كمحمّدِ. |
[هو] خيرُ خلقِ الله طُرّاً.
«..ويا محمّد، إنّي قلّبتُ الأرض مشرقاً ومغرباً فلم أجد بني أبٍ خيراً من بني هاشم»، أهل بيت النبوّة، مختلف الوحي، عرَصات القرآن والآيات، معدن الرسالة، كيف لا يكون هكذا أهله ودمه وحامّته وخاصّته وقرابته. فقد يقول قائل: هذا الأمر بذاته مقرّر، لا يحتاج أو يُحوج أن يُقسم عليه. لا، فما الجديد في القضيّة؟ هناك جديد، إنتبهوا، هناك زائد وهو شريف جدّاً. الزائد والجديد في القضية هو أنّ المسألة تخلو من التكلّف، وأنّ لها اعتلاقها بالإيمان.
• أحبّوا أهل بيتي لِحُبّي. هؤلاء منّي.
ما معنى هذا القيل: المسألة تخلو من التكلّف؟
يحدُث أنّ امرءاً يحبّ امرءاً آخر حبّاً صادقاً، لكنّه لا يحبّ بعض أهله وخاصّته، قد يغار منهم أو يحسدهم، قد يبغضهم لسببٍ أو لآخر، وقد يكون محقّاً وقد يكون مُبطلاً، فيتكلّف محبّتهم إرضاءً لمحبوبه، يدّعي أنّه يحبّهم ويبرّهم إرضاءً لمحبوبه.
القضيّة مع آل محمّد تختلف، إن أحببتَ رسولَ الله صدقاً حبّاً صافياً بلا جفاء، (حب حقيقي)، أكثر من نفسك وأهلك وولدك ومن الناس أجمعين، تجد نفسك بغير تكلّف مُستهاماً بأهل بيته وتعشقُهم عشقاً، وتفديهم فعلاً بنفسك وروحك ودمك، وبكلّ ما تملك لو طُلب إليك ذلك وحُتِّم عليك بلا تكلّف.
ثمّ إنّ للمسألة اعتلاقها بالإيمان، مهما صَفَت محبّتك لرسول الله، تحقّقت محبّتك لأهل بيته وشعرتَ برُبُوِّ الإيمان وزيادته، (إيمان حقيقي) مع خشوع ويقين.
بعض الناس يسألون عن المداخل العلميّة والفكريّة والفلسفيّة للإيمان. الإيمان له ذوقُه ومنطقُه الخاصّ. ليس طريق الإيمان فقط البراهين والأدلّة العقليّة والنقليّة والفلسفيّة. الإيمان له أذواق وموازين خاصّة . مِن أوسع وأرحب نُهُج وطُرق الإيمان أيّها الأخوة محبّة رسول الله وبالتّبع مباشرةً وبالتّفرُّع منها وبالترتُّب عليها وباللّزوم عنها محبّة أهل بيته.
روى الترمذي في (الحِسان)، الحديثَ لا ينزل عن مرتبة الحَسَن: «أحِبّوا الله لِما يغدوكم من نِعمِه، وأحبّوني لحبّكم الله، وأحبّوا أهلَ بيتي لِحُبّي». واضحة جداً جداً، لا بدّ أن تحبّ الله لأنّه خلقك ويرزقك، لا ينقطع مددُه عنك، لا ينقطع مدُّه عنك، ويقول النبيّ أحبّني لحبِّك الله تبارك وتعالى، واضح لأنّه رسول الله، عبدُه ورسوله، أنا النّاطق المفرغُ عن وحيه، وأَحِبَّ أهلَ بيتي لِحُبّي. هؤلاء منّي.
في صحيح مسلم عن يزيد بن حيّان أنّه أتى هو وحصين بن سبع وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم صاحب رسول الله الذي عُمِّر، قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد لقيتَ يا زيد خيراً كثيراً -يعني هنيئاً لك، لقيتَ رسول الله، رأيتَه وسمعتَ حديثه وغزوتَ معه وصلّيتَ خلفه- لقد لقيت يا زيدُ خيراً كثيراً، فحدّثنا يا زيدُ بحديثٍ سمعتَه من رسول الله –ما أعلى وأشرف هذا النسب، واسطة بينهم وبين رسول الله، تابعون أجلّاء يحبّون أن يسمعوا من هذا الصحابيّ الجليل العابد حديثاً سمعَه من رسول الله صلّى الله عليه وآله- فقال: لقد كبرت سنّي، ودقّ عظمي، ونسيتُ بعض ما كنتُ أعي من رسول الله صلّى الله عليه وآله، فما حدّثتكم فخذوه، وما لم أحدِّثكم فلا تكلّفوني -لا أريد أن أقع في اللّبس والسهو والخطأ، هذا حديث عن رسول الله، مقام خطير جداً- ثمّ قال: وقفَ بنا رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات يوم في ماءٍ يُدعى خُمّاً –الحديث أخرجه مسلم في صحيحه - بين مكّة والمدينة، فقال: ألا أيّها الناس، إنّي بشرٌ يوشك أن يأتي داعي ربّي –فأُلبّي- فَأُجيب، -هذه بعد حجّة الوداع- وإنّي تاركٌ فيكم ثَقَلَين.
ما أحسن هذه التسمية والنعت، الثَّقَل وهو الشيء النّفيس الخطير، خطير بمعنى له قيمة عالية، ما أحسن هذا النّعت، لماذا؟ لأنّ القرآن الكريم قال: ﴿إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً﴾ المزمل:5، التمسّك بالقرآن ليس لَعِباً. وليس شيئاً سهلاً أن تتمسّك بالقرآن وعَزَماته، شيء صعبٌ جداً وإنّه لَيَسيرٌ على مَن يسَّره الله، يسّر الله علينا سُبُل الخير وهدانا الصراط المستقيم الأزكى والأوقى.
وأمّا أهل بيت الرّسول، لماذا سمّاهم (ثَقَل) أيضاً؟ وخلّف عليّاً في تبوك على ثقله، لماذا نادى عترة أهل بيته بالثّقل؟ لأنّ التمسّك بهم وموالاتهم تجرّ إلى المشاكل والمِحن من بعد رسول الله إلى يوم الناس هذا. لذلك قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ أمرَنا معشر أهل البيت صعبٌ مُستصعب». تريد أن تحبّنا وتوالينا وتدافع عنّا؟ ستُبتلى. ومِن قبلِه قال جدّه وأبوه عليّ عليه السلام، أبو الحسن، وقد قال له رجل: واللهِ إنّي لَأُحِبُّكم أهلَ البيت، قال: «فاستعدَّ للفقر جِلباباً»، وفي روايات: «إستعدَّ للبلاء».
دخل أحدهم على أبي جعفر الصادق، الإمام الباقر عليه السلام، قال له: كيف أصبحتَ يا أبا جعفر؟ قال: «الحمدُ لله، أصبحنا برسولِ الله خائفين، وأصبح الناسُ كلُّهم به آمنين».
بسبب أنّنا أبناء رسول الله نُطرَد، ويُقتَل ويُسجَن ويُعرقب ويُقطَّع أحبابُنا وشيعتُنا، لأنّنا فقط أهل بيت رسول الله، هذه حالتنا قال، وأصبح الناس كلّهم بنا آمنين. والناس الآن آمنون لأنّهم ينتسبون إلى الإسلام دين رسول الله محمّد، هل رأيتم أعجبَ من هذا الأمر؟ هل رأيتم أفصحَ وأوجز من هذا الجواب؟ قال هذا حالنا، هذا ما فعلته أمّةُ محمّد بنا، بثقل رسول الله.
قال: ثقلين أحدُهما أثقلُ من الآخر، كتابُ الله كان يقول على الإستئناف، الثّقل الأوّل كتابُ الله، ولكَ أن تقول كتابَ الله على البدل. كتابُ الله حبلٌ متينٌ ممدودٌ بين السّماء والأرض.
قال: ثمّ ذكر كتاب الله، وعهدَ فيه ونصح، هذا الثقَل الأوّل كتاب الله، لن نضلّ إن تمسّكنا به، ولكن به وبالثّقل الآخر -والحديث في صحيح مسلم عن زيد بن الأرقم- أمّا الثقل الآخر، قال: وأهل بيتي. «يمكن» [ربّما] كان يرغّب فيهم؟ لا! هو يعلم وينظر إلى الغَيب من سِتْرٍ رقيق، يعلم ما سينزل بهم وبأحبابهم، ولذلك قال: وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، قالها ثلاث مرّات.
هل ذكرنا الله وهل حفظنا رسول الله ووفينا له بأهل بيته؟ لا والله، لا والله الذي لا إلهَ إلّا هو، لقد آذيناهم وسببناهم وشتمناهم وذبحناهم وانحرفنا عنهم إلى يومنا هذا، إلّا مَن رحم الله تعالى. عجيبٌ جدّاً هذا الأمر، لا يكاد يُفهم، لماذا؟ نفاق في القلوب، وسياسة قويّة حرّفت فقهَ الناس، وفهْمَ الناس، ودينَ الناس، وعواطفَ الناس دون أن يشعروا. نفاقٌ في القلوب. تُبغض أهل البيت، منافق. (روح صلِّي وصوم).
* عطيّة العوفي يروي عنه تلميذه الأعمش، وكان يُرمى بالتشيُّع، من أكبر أئمّة السنّة والجماعة، كان يُرمى بالتشيُّع لأنّه كان يتحدّث مثل حديثنا هذا عن أهل البيت. ممنوع، لا تكثر، لا تكن رافضيّاً، كما قال الشافعي: خُض في حديثٍ غيره، ما شأنك بأهل البيت؟ لذلك شيّعوا الأعمش، إتّهموه بالتشيّع.
إمام أهل الكوفة الإمام الأعمش يروي عن الشيخ عطيّة العوفي، قال: قال لي: كنت مع جابر بن عبد الله الصحابيّ الجليل الذي عُمِّر طويلاً، وهذا من أحباب أهل البيت صحابيّ جليل، إبن الشهيد، قال: فقال لي: إسمع كلامي يا عطيّة فلعلّك لا تسافر معي غيرَ سفري هذا، يا عطيّة أَحِبَّ آلَ محمّد ومُحِبَّ آلِ محمّد وإنْ أوقعَك في الذّنوب والخطايا، وإيّاك ومَن أبغضَ آلَ محمّد وإن كان صوّاماً قوّاماً، إبتعد عنه، سيُهلِكُكَ يومَ القيامة هذا، سيتطرّق النفاق إلى قلبك دون أن تدري .
* لماذا يا شيخَ الإسلام؟
سأطرح مسألة وأعلم أنّها ستُثير عجاجاً، ولكنّه الحقّ، والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبع، لاحظتُ بالتأمّل، ولكم أن تُلاحظوا وتفحصوها وتختبروها، أكثر الأمّة حبّاً لآل رسول الله، ولا أتحدّث عن الشيعة، مِن السنّة، مَن أكثر ألوان السنِّيّين محبّةً لِآل رسول الله؟ الصّوفيّة، أينما وجدت الصوفيّة تراهم يَهيمون ويُستهامون بحبِّ أهل البيت. لماذا؟ والصوفيّة عموماً، إلّا ما ندر، ليسوا أهل علم وليسوا أهلَ بحثٍ وتحقيق، أهلُ ذكرٍ وعبادة ومحبّة. بارك الله الصالحين فيهم. لماذا؟ لأنّ الصوفيّة في جملتهم يعشقون رسول الله عشقاً، مجالسُهم كلُّها أناشيد ورقائق وتذكير برسول الله، شيء يُفرِحُ القلوب، لذلك تجدهم مباشرةً -دون أن يدروا لماذا- يُحبّون أهل بيته حبّاً جمّاً، هذه طبيعة هذا الأمر. وفي المقابل تجد، حتّى مع الكبار الأَجِلّاء عفا الله عن الجميع وسامحهم، مَن تجد أنّه يجفو رسول الله ولو بعضَ جفاء، تجدون فيه انحرافاً عن آل البيت، وسأضرب مثالاً.
هذا المثال سيُزعج، وسيُسبّب لي مشكلة. شيخ الإسلام إبن تيميّة عفا الله عنه وسامحه، أقام علماءُ عصرِه الدّنيا عليه ولم يُقعدوها من أجل مسائل في العقيدة ومسائل في الفروع. من مسائل الفروع أنّه منعَ التوسّل برسول الله، قال لا يُتوسَّل به، محرّم، ومنع ابنُ تيميّة شدَّ الرّحال بقصد أن تزور قبر النبيّ. ممنوع، حرام شرعاً، لكن تزور المسجد النبويّ وتزور معه القبر بالتّبع، قال لا بأس. لكن تذهب بقصد أن تزور القبر أيّها المصطفوي، ممنوعٌ قال ابنُ تيميّة. غضب علماء عصره وخالفوه بهذا، ورأوا منه جفاءً لرسول الله.
يا أخي، كلّ قلوب المسلمين في العالم تحنُّ حنيناً عظيماً مؤبّداً إلى رسول الله في روضتِه الشريفة. ليس من قصدي أن أذهب لِأُصلّي، ليس واجباً، فهذه صلاة تضاعَف أضعافاً، لكن قصدي الأصلي أن أزور قبرَ النبيّ، أنا أحبُّ أن أذهب إلى الروضة الشريفة، أُسلِّم عليه، يقول حرام. لماذا يا شيخَ الإسلام؟
وفي المقابل، سُجِّل عليه مخالفات لافتة وعجيبة تشي بنوع من الإنحراف عن أهل بيت رسول الله. سنتكلّم فقط عن موقفه من الإمام عليّ عليه السلام.
دائماً كلامي يُحمل على أشياء عجيبة، والله أعلم، وهو من وراء قلب كلِّ امرىءٍ ولسانه.
إبن حَجر العسقلاني، وحافظ الإسلام، صاحب (فتح الباري)، في كتابه (الدّرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة)، في المجلّد الأوّل حين ترجم لابن تيمية الحرّاني، ماذا قال؟
قال: وافترق الناس فيه على أقسام، ومنهم مَن نسبه إلى النّفاق -العلماء طبعاً وليس العامّة- لأنّه قال في عليٍّ ما سبق. وقبل صحيفة –الصفحة السابقة- قال ابن تيميّة: عليٌّ أخطأ في 17 مسألة وخالف فيها نصّ الكتاب. ما شاء الله، جراءة عظيمة. الآن يستغربون من جرأتنا كيف ننقل، نبتدع الكلام، ننقل هذا الكلام المكتوب من إبن حَجر في إبن تيميّة، يستغربون، لماذا تنقل هذا؟ ما تريد؟ كأنّ شيخ الإسلام هو نبيّ الإسلام، طيّب هو خطّأ عليّاً في سبع عشرة مسألة، يظنّ أنّه يستطيع أن يُفحم عليّاً، شيء عجيب، قال خالف فيها نصَّ الكتاب.
عليٌّ علمُه قليل ويخالف النصّ الواضح في القرآن في 17 مسألة. دعوى غريبة جدّاً من شيخ الإسلام، قال: ولأنّه قال فيه، إنّه لم يزل مخذولاً حيث ذهب -قال عليّ مخذول- أستغفر الله، كما تُدين تُدان، هذه الكلمة العظيمة جازاه الله بها في الدنيا قبل الآخرة.
* إبن حَجر الهيثمي، أحد أئمّة الشافعيّة، توفّي سنة 974 وإبن تيميّة سنة 728، سُئل عن إبن تيميّة فقال: عبدٌ خذلَه اللهُ فَأَصَمَّه وأعماه. وحكم عليه بالكفر، في (الفتاوى الحديديّة).
كما تدين تُدان، تتكلّم هذا في أبي الحَسنين، في عليّ؟ تقول لم يزل مخذولاً حيث ذهب، وقال فيه أيضاً إنّه طلب الخلافة مراراً فلم ينَلْها، وقال فيه أيضاً والعياذ بالله إنّه كان محبّاً للرياسة، وعثمان بن عفّان كان محبّاً للمال. ما هذا؟ عثمان الذي أعطى معظم أمواله لله ولرسوله؟ ويقول إنّ عليّاً يُحِبُّ الرّياسة! ثمّ غمز إسلامه، إسلام عليّ وهو أوّل الناس إسلاماً. الرسول قال لفاطمة: زوّجتُكِ أقدمَهم إسلاماً. قال: وعليّ أسلم صبيّاً، وأبو بكر أسلم شيخاً أو كهلاً، وإسلام الصبيّ لا يُقبَل في قومه. ماذا تريد من هذا الكلام؟ تريد غمز إسلام عليّ؟ وتحدّث عن خطبة عليّ لإبنة أبي جهل وكأنّه شنّع على عليٍّ بذلك.
* قال الحافظ ابنُ حجر: نسبوه إلى النفاق لقول رسول الله عن عليّ: لا يُبغضُه إلّا منافق ولا يُحبُّه إلّا مؤمن. والمسألة خطيرة، وهذا الحكم ليس من الشيعة وليس من أعداء أهل السنّة، بل من علماء أهل السنّة، كما قال إبن حَجر: منهم، منّا، مَن حكم عليه بذلك، وهذا مكتوبٌ في التاريخ في محاضر جلسات الحكم، محاكمات إبن تيميّة.
* إحذروا يا إخواني الإنحرافَ عن آل بيت رسول الله، واعتقدوا محبّتهم، ووفّروا حشمتهم، واعرفوا لهم مقامَهم ومثابتَهم ومكانتَهم، ولا عليكم من العالَم، لا عليكم من النّاس أجمعين، لا يجعلنَّ أحدُكم نظرَه وتلمّحَه إلى ما سيُقال فيه ويُقال عنّي، ماذا سأكسب وماذا سأخسر، هذا لا يعنينا، يعنينا أن نصفّي ديننا وأن نُخلص محبّتنا لِمَن أمر الله بمحبّتهم، أقول هذا وأستغفرُ الله لي ولكم.
الحمدُ لله الذي يقبلُ التوبةَ عن عباده ويعفو عن السيّئات.
أختم ببعض الشعر الذي قاله الأديب المسيحي إدوار مرقص، له قصيدة اسمها «الحسين عليه السلام»، يقول:
ركبَ الحسينُ على الفَخارِ الخالدِ |
بيضَ الصِّفاحِ فكان أكرمَ رائدِ |
حشدَ الطغاةُ عليه كلَّ قواهُمُ |
وحَمَوْا عليه وِرْدَ ماءٍ بارِدِ |
تأبى البطولةُ أن يذلَّ لِبَغيِهم |
مَن لم يكُن لِسوى الإلهِ بِساجدِ |
أَيَهابُهُ سبطُ النّبيِّ وعندَهُ |
جيشٌ من الإيمانِ ليسَ بِناضِدِ |
ولَئنْ قضى بين الأسِنَّةِ ظامياً |
فلسوفَ يلقى اللهَ أكرمَ وافِدِ |
ولسوف يسقيهِ النّبيُّ محمّدٌ |
كأساً تفيضُ من المعينِ البارِدِ. |
مسيحي يكتب هذا، يقول قتلوا إبنَ بنت رسول الله عطشاناً، لكنّه سيرِد على ربِّه يوم القيامة أكرم وافِدِ.
بولس سلامة الشاعر اللّبناني الشهير جداً والأديب والكاتب، له ملحمة في عليٍّ وبَنيه في ثلاثة آلاف بيت، يقول فيها وبها أختم:
هو فخرُ التاريخِ لا فخرُ شعبٍ |
يصطفيهِ ويدَّعيهِ وليّا |
ذكرُهُ إن عرا وجومُ اللّيالي |
شقَّ في فلقةِ الصباحِ نجيّا |
يا عليَّ العصورِ هذا بياني |
صغتُ فيه وحيَ الإمامِ جليّا |
يا أميرَ البيانِ هذا وفائي |
أحمدُ اللهَ أنْ خُلِقتُ وفيّا |
يا أميرَ الإسلامِ حسبِيَ فخراً |
أنّني منك مالئٌ أصْغَرَيَّا |
جَلجلَ الحقُّ في المسيحيِّ حتّى |
صارَ مِن فرْطِ حبِّه علويّا |
يا سماءُ اشهدي ويا أرضُ قَرِّي |
واخشَعي إنّني ذكرتُ عليّا |
الله أكبر، وإنْ تتولَّوا. ألمجد يعشقُهُ مَن يعشق المجد، يعشقُ أهلَه مَنْ يعشقه، الكرامات المعالي الأشياء السامقة، يعشقُ أهلَه مَنْ يعشقها.
أللّهمّ اهدِنا واهدِ بنا، وأصلحنا وأصلِح بنا، أللّهمَّ اهدِنا لِأرشدِ أمورنا، وافتح علينا بالحقّ وأنت خيرُ الفاتحين، إهدنا لِما اختُلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي مَن تشاء إلى صراطٍ مستقيم، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، بفضلك
ورحمتك إنّك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدّعوات، وتابع بيننا وبينهم بالسعادات والخيرات، يا وليّ كلِّ خير، يا وليَّ المؤمنين، إلهنا ومولانا ربَّ العالمين.
عبادَ الله، ﴿إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ويعظكم لعلّكم تذكّرون﴾. النحل:90
***