الثقافة الإسلاميّة
بين ما ينبغي، وما هو كائن
ــــ إعداد: علي حمود ـــــ
هذا النصّ مقتطف (بتصرّف) من جواب لآية الله الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي على سؤالٍ حول «مسألة الثقافة الإسلاميّة» التي طالما أكّد عليها الإمام الخميني قدّس سرّه في كلماته ومؤلّفاته، ويؤكّد عليها الإمام الخامنئي دام ظلّه، مختصراً إيّاها بعبارة «الإسلام المحمّدي الأصيل». |
الإسلام هو الأساس الذي ارتكزت عليه الثورة الإسلاميّة في إيران، وهو [الإسلام] لا يعدو كونه مسألة ثقافيّة؛ أي هو مجموعة من المعتقدات والقِيم. فالهدف الأساسيّ من الثورة هو [التغيير الثقافي]، بل هو الهدف الأساسيّ لجميع الأنبياء.
إنّ مدلول مصطلح «الثقافة» والمراد من «العمل الثقافيّ» ليس واضحاً للكثيرين. قد يتم إعداد برامج ثقافيّة، وتُرصَد ميزانيّات لنشاطات معيّنة كالموسيقى، والرياضة، والسينما، والمسرح، وما إلى ذلك، لكن يا ترى هل هذا هو ما نرمي إليه من العمل الثقافيّ؟ فإذا سألت: لماذا لا تقومون بنشاطات ثقافيّة؟ قِيل لك: هذه هي النشاطات الثقافيّة؛ أفيكون العمل الثقافيّ غير هذا؟
أنا أقولها بصراحة إنّ هذه الأمور يتمّ تبنّيها كذريعة في الكثير من المواطن؛ بمعنى أنّهم لا يريدون أصلاً القيام بالعمل الأساسيّ؛ فتراهم يطلقون عنوان «الثقافيّ» على بعض الأمور، ويسعون جدّياً في تنفيذها ليخدعوا الناس في سبيل تمرير أغراضهم ومخطّطاتهم وتنفيذها على الأرض.
في المقابل، فإنّ أولئك الذين يرغبون فعلاً في إشاعة الثقافة الصحيحة، والحريصين على هذا الأمر، تجدهم يهابون عَظَمة هذا العمل وثقل مسؤوليّته، لأنّ «الثورة الثّقافيّة» أثقل وأعمق وأخطر من الثورة السياسيّة في بعض جهاتها.
كما أنّ هناك من الأشخاص ممّن يسعُه -بشكل أو بآخر- فعل شيء في هذا المجال، لكنّه يرى أنّه بإنجازه لهذا العمل سيفقد بعض مقرّبيه، فتراه يحدّث نفسه: لماذا أُضيّع أوقاتي بهذه الأعمال؟ فَلأُركِّز جهودي على الأعمال التي تُلفت أنظار الجماهير.
ومن ناحية أخرى فإنّ النزعات الحيوانيّة عند بعض الأشخاص تتعارض مع ازدهار الثقافة الإسلاميّة، فأمثال هؤلاء يعلمون أنّ تطوّر الثقافة الإسلاميّة يحول دون تمتّعهم بشهواتهم وملذّاتهم، بل ويجرّ عليهم الإتّهامات من قبل بعض الدول بالرجعيّة والتخلّف. فهؤلاء يحدّثون أنفسهم: لماذا نسعى لخلق المشاكل لأنفسنا؟ ولهذا السبب فعندما يتوقّع الناس إنجاز عمل ثقافيّ يطرحون المسرح والسينما وأمثالها على أنّها أعمال ثقافيّة.
أمّا البعض الآخر فيقول: إنّ هذا العمل هو مسؤوليّة علماء الدين، ولابدّ لهم أن يبذلوا جهوداً على هذا الصعيد، ونحن على استعداد لأن نمدّ لهم يد العون.
أمّا في ما يخصّ أوساط علماء الدين فهناك بعض العوامل التي تقف أمام تقدّم العمل الثقافيّ، منها ما هو مرتبط بقلّة الوعي عند بعضهم ممّن يتصوّر أنّ وظيفة عالم الدين تنحصر في الفقه والأصول، وكتابة الرسالة العمليّة، وتقاضي الحقوق الشرعيّة، غافلين عن أنّ العمل الثقافيّ هو وظيفتنا نحن علماء الدين أيضاً.
فإحدى سبل العمل في الإتجاه الثقافيّ الإسلاميّ هو السعي لصياغة نصوص دراسيّة جامعيّة في مختلف فروع العلوم الإنسانيّة لنستطيع عن هذا الطريق خلق تغيير ثقافيّ ملموس. ولن نستطيع تأليف كتاب دراسيّ ووضعه في مقابل كتاب الفيلسوف الغربي الفلاني، الذي ما زال يدَرَّس في الجامعات منذ عشرات السنين، إلّا بعد أن نكون قد بذلنا جهوداً في هذا الحقل العلميّ بمقدار ما بذلوا، وسَبَرنا غور كلّ خفاياه، كي نتمكّن -من حيث الظاهر ومن حيث العمق معاً- أن نُعدّ مباحث ومواضيع قيّمة يمكن أن تحلّ محلّ سابقتها وتملأ الفراغ فيها، وهذا عمل صعب للغاية ولعلّ صعوبته هي التي تشكّل أحياناً عائقاً أمام الإقدام على أوّل خطوة.
ومن أجل الخروج من هذه الحالة لا بدّ من أُناس مضحّين يضعون الدعة والراحة جانباً، ويغضّون الطرف عن لذائذ عيشهم، ومصالح دنياهم، والمناصب والمقامات وينهمكون في البحث والتحقيق، ويعملون على تنشئة كوادر متخصّصة، ويُعدّون خططاً تمكّنهم في فترة زمنيّة أقصاها عشر سنوات من تربية وإعداد أساتذة متضلّعين قادرين على إنجاز ما نصطلح عليه اليوم عمليّة أسلمة العلوم الإنسانيّة.