بين الحسين عليه السلام ويزيد

بين الحسين عليه السلام ويزيد

24/01/2012

بين الحسين عليه السلام ويزيد


 
بين الحسين عليه السلام ويزيد
خطبة الجمعة لسماحة الشيخ عدنان إبراهيم
إمام مسجد الشورى في فيينا
8 محرّم 1433 هـ-كانون الأول 2011




بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم


نقدّم إلى القرّاء الكرام خطبة ثانية لسماحة الشيخ عدنان ابراهيم، حفظه الله تعالى، ونفع المسلمين والناس أجمعين بعلمه ومنهجه في التّعامل مع الحقائق، بعيداً عن المسبقات والإسقاطات، وبكل شفافية وتجرَّد.
أشرنا في تقديم الخطبة السابقة إلى أنّ اختيار نشر نصِّ سماحته لم ينطلق من «اصطفافٍ سياسي» بل من القناعة والإعجاب بهذه الروح العلمية التي تحمل على ارتياد مواطن الخطر قربةً إلى الله تعالى وطلباً لرضاه سبحانه في إحقاق الحق وإزهاق الباطل مهما كانت جولاته.
سيجد القارىء في هذه الخطبة «بين الحسين ويزيد» وفرة الأدلَّة على أنَّ حبّ أهل البيت عليهم السلام يجمع الأمّة على توحيد الله تعالى وحسن التّأسي بسيِّد النبيّين صلّى الله عليه وآله، ويحصّن السّاحة الداخليّة للأمّة الوسط من خلال تحديد المتسلِّلين لواذاً إلى ادّعاء المحمَّدية والتّظاهر بالتوحيد والإسلام واتّباع القرآن.
أهمّ ما في منهج سماحته العقائدي أنه ينطلق من «علم الرجال» و«الجَرْح والتَّعديل» ليقدِّم «النصّ المعصوم» الذي يصحّ أن تحاكم الأمور بميزانه، ويعضد ذلك بآراء بعض كبار العلماء، ليتبدّى للمتابع أنَّ هذا هو منهج السّلف الصَّالح، والخَلف المتشرّع والموضوعي.
وقد آثرنا أن نقرن الطباعة الورقيّة لهذه الخطبة بـ «قرصٍ مدْمج» ليتمكّن المؤمنون من الإستماع إلى الخطبتين، واللهُ تعالى من وراء القصد، إنّه وليّ الإحسان والنِّعم.

«شعائر»
صفر، 1433 هـ
 

خطبة الجمعة
لسماحة الشيخ عدنان
ابراهيم
إمام مسجد الشورى – فيينا
8 محرّم 1433 هـ-كانون الأوّل 2011




إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من سيّئات أنفسنا وشرور أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومَن يُضلل اللهُ فلا هاديَ له. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ولا نظير له ولا مثال له، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا وحبيبنا محمّداً عبدُ الله ورسوله وصفوته من خلقه وأمينُه على وحيه، ونجيبُه من عباده صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحابته المباركين الميامين، وصحابته المجاهدين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.
عبادَ الله، أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذّركم وأحذّر نفسي من عصيانه سبحانه ومخالفة أمره، لقوله جلَّ من قائل:
 ﴿من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربّك بظلّامٍ للعبيد﴾ فصلت:46.
أمّا بعد: أيّها الأخوة المسلمون الأفاضل، أيّتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول المولى الجليل سبحانه وتعالى في محكم كتابه العظيم: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ آل عمران:59-62.
صدق الله العظيم، وبلّغ رسولُه الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين، أللّهمّ اجعلنا من شهداء الحقّ القائمين بالقسط آمين. أللّهمّ آمين.
إخواني وأخواتي، ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ آل عمران:61.

• مثلُ عليٍّ لا يُسَبّ

 أخرج الإمام مسلم في صحيحه رحمه الله تعالى: عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص أنّ معاوية بن أبي سفيان قال لأبيه سعد، والتعبير: «أمر سعداً، فقال ما منعك أن تسبَّ أبا التراب؟» أي أمره بسبِّه، فامتنع سعدٌ كما هو ظاهر الحديث، فقال سعد (رض): «أمّا وقد سمعتُ ثلاثاً من رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقولهنّ له، فلا أسبُّه»، يعني بعدما سمعتُ النبيّ عليه الصلاة وأفضل السلام يقول لعليٍّ عليه السلام ثلاثة أشياء فلن أسبَّه، لأنّ مثله لا يُسبّ. «سمعته يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه وهي غزوة العُسرة أو تبوك في السنة التاسعة، فقال له عليٌّ عليه السلام: يا رسول الله، خلّفتني النساء والصبيان، فقال صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم، له: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبوّة بعدي»، وهذا من أعظم مفاخر هذا الإمام الأجلّ عليه السلام، «وسمعته يقول له يوم خيبر: لَأُعطينَّ الراية رجلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبُّه اللهُ ورسولُه، قال سعدٌ: فتطاولنا لها، فقال: أُدعوا لي عليّاً، فجيئ به أرمد، وبصق في عينه ثمّ دفع إليه الرَّاية، ففتحَ اللهُ عليه»، هذه الثانية، والثالثة، قال سعد: «لمّا نزل قوله تعالى ﴿..فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ آل عمران:61 -إخواني وأخواتي إنّها آية المباهلة التي تلوتُها عليكم- دعا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال: أللّهمّ هؤلاء أهلي».

• حديثُ الكِساء
هذه هي الثلاث خصال التي منعت سعداً أن يسبّ عليّاً عليه السلام، وهي ثلاث من ثلاثين. من ثلاثمائة. ممّا لا يعلمه إلّا الله من خِصال هذا الإمام عليه السلام وكرّم الله وجهه في الدُّنيا والآخرة.
 وفي سُنن أبي عيسى الترمذي رحمه الله تعالى عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أنّه لمّا نزل قوله تبارك وتعالى ﴿..إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ الأحزاب:33، جلّل صلّى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين بكساء -أي وضع كساءً عليهم-، وفي حديث أم المؤمنين عائشة في صحيح مسلم: جلّلهم بِمُرطٍ مُرَحَّل -نوع من الثياب أو الأغشية عليه صُوَر رواحل، هذا هو المُرط المرحّل.  فالحديث عند مسلم من رواية أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها- وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: أللّهمّ إنَّ هؤلاء أهلي وخاصّتي، فَأَذهِب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً، فقالت أمّ سلمة: يا رسولَ الله، وأنا منهم؟ قال: إنّكِ إلى خير . لا تدخلين معهم تحت الكساء.


• خامس أصحاب الكساء
الكساء فقط لخمسة، وكان الحسين أبو عبد الله، أبو الشهداء وسيِّد الشهداء عليه السلام والرَّحَمات والقُربات والأنوار الباهرات الساطعات في الدنيا والآخرة، كان خامس أصحاب الكساء. محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين. فالحسين هو خامسُ أصحابِ الكساء. قال أبو عيسى رضوان الله عليه، وهذا أحسنُ شيءٍ في الباب، وفي الباب عن أنس بن مالك، وعن عمر بن أبي سَلَمة، ابنِ أمِّ سلمة لكن من زوجها، وعن أبي الحمراء، وعن معقل بن يسار، وعن عائشة، في هذا الباب، باب تفسير الآية، باب الكساء، يروي كلّ هؤلاء الصحابة والصحابيّات رضوان الله عليهم عن رسول الله هذا المعنى، تختلف ألفاظهم يسيراً، ويتواطؤون على تقرير جوهر المعنى.
الحسين بن عليّ عليهما السلام، أبو الشهداء وسيّدهم، ريحانةُ رسول الله من الدنيا، حسين منّي وأنا من حسين، أحبَّ الله مَن أحبَّ حسيناَ، حسين سبطٌ من الأسباط، ريحانته من الدنيا وابن بنته، ومستودَع ذرّيّته هو وأخوه الحسن عليهم السلام جميعاً، وخامسُ أصحاب الكساء.

 * أبو الشهداء وسيّدهم
نقول أبو الشهداء وسيّدهم. لماذا كان الحسين أبا الشهداء وسيّدَهم؟ ماذا فُعِلَ بالحسين؟ ماذا فعلت هذه الأمّة بالحسين، إبن محمّد، إبن بنت رسول الله، إبن عليّ وفاطمة، بأخِ الحسن، ماذا فعلت هذه الأمّة بهذا الإمام الأجَلّ؟
بعد يومين أيّها الأخوة، نوافي اليوم العاشر من شهر الله المحرّم، لنوافق فيه الذكرى الأليمة، الذكرى المُمِضّة الحزينة، ذكرى الكارثة والنّكبة والمصيبة، ذكرى الخَرْم العظيم الذي لم يُخرَم الإسلام بمثله، ذكرى هذه البائقة التي لأجلها سخطَ اللهُ على أهل السماوات والأرضين.
أبو حامد الغزّالي رضوان الله عليه في (كشف علوم الآخرة)  ذكر أنّ الله تبارك وتعالى غضب على أهل الأرض جميعاً لمقتل الحسين. شيخ الإسلام ونقل عنه هذا الأئمّة، ومن آخرهم إبن الوزير اليماني في (العواصم والقواصم)، وليس عواصم أبي بكر إبن العربي وهي قواصم وليست عواصم، هي قواصم النُّصب والبغض لأهل البيت، والكذب على الله والرسول والأئمّة والتواريخ، وعلى العقل والشواهد والحسّ والضرورات، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.


   
• كتمت الأمّة علومهم، وحاربت حتّى ذِكْرَهم وأسماءَهم
أهل البيت، أيّها الإخوة، الذين نصلّي عليهم في كلّ صلاة، نصلّي على محمّد وآل محمّد، لم تزل هذه الأمّة تطاردهم وتهجّرهم وتنكِّل بهم وتذبِّحهم وتفعل بهم الأفاعيل. كتمت علومهم، وحاربت حتى ذكرهم وأسماءهم. فإمامٌ مثل الإمام عليّ عليه السلام، ومَن مثل عليّ، باب مدينة العلم، وأخو رسول الله الذي لازمه منذ نعومة أظفاره إلى آخر لحظة، إلى أن أدخله في قبره الشريف، لم يُروَ عنه كما قال إبن حزم إلّا خمسون حديثاً، وله في الصحيحين عشرون منها. الإمام عليّ يُستَشهد سنة أربعين للهجرة، وقبل ذلك مكث ثلاث عشرة سنة في الإسلام المكّي المحمّدي، فهذه ثلاث وخمسون، وقبل ذلك رُبِّيَ في كَنَفِ رسول الله، وارتضع لبان علمه وهديِِه، عشرون حديثاً في الصحيحين، خمسون حديثاً في الجملة يقول إبن حزم، وأُناسٌ آخرون تشرّفوا برسول الله سنة أو سنتين أو ثلاثة تُروى لهم ألوف الأحاديث. أين أحاديث الحسن عليه السلام المستَشهد بالسم سنة 48، أين هي؟ أين أحاديث الحسين المستَشهد بالطريقة الوحشيّة الإجراميّة الأمويّة سنة 61، أين أحاديث أبي عبدالله؟ أين أحاديث آل محمّد؟

• كتاب الله وعترتي وليس «وسُنَّتي»!
 إخواني وأخواتي، لو سألتم أنفسكم وسألتم كلّ مَن تعرفون من العامّة وبعض أهل العلم والوعظ -حتّى المتخصّصين في الحديث- لو سألتموهم ما مدى صحّة حديث: تركتُ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنّتي، سيقولون قطعاً متواتر، قطعاً هذا كالقرآن الكريم. تقريباً لا تكاد تخلو خطبة من هذا الحديث: كتاب الله وسنّتي، وهو قطعاً في الصحيحين وقطعاً في المسانيد وفي السُّنن وفي المشيخات والمعجمات، في كلّ الكتب، حديث متواتر. كلّا! هذا حديث ضعيف، لم يخرّجه لا البخاري ولا مسلم ولا أبو داود ولا النسائي ولا الترمذي ولا ابن ماجة، لم يخرّجه واحدٌ من أصحاب الكتب الستّة. ستُصدمون الآن، طبعاً ولا بدّ أن تُصدموا، هل الحديث كتاب الله وسنّتي ليس في واحد من الكتب الستة؟ ولا في واحد من الكتب الستة. رواه مالك بلاغاً بلا إسناد: بَلَغني أنّ النبي قال: تركتُ فيكم. بَلَغني بلا سند، ورواه غيره مرسلاً كالطبري في تاريخه، وأسنده بعضُهم لكن في سنده مقال، بعضهم جازف في تصحيحه، ولكن هناك مقالٌ في تصحيحه.

• المؤامرة الأمويّة على أهل البيت مستمرّة
أمّا الحديث المخرّج في (صحيح مسلم)، وفي (مُسند أحمد)، و(مستدرَك الحاكم)، وعشرات الكتب بأسانيد على شرط الشيخين. أسانيد صحيحة، ويكفي أنّه في صحيح مسلم: تركتُ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهلَ بيتي، هذا لا نسمع به، وإنْ سمعنا به نقول: حديث شيعي، هذا عند الشيعة، نعم عند الشيعة، لكنّه عندنا في صحاحِنا. لماذا لا يُتكلّم بهذا الحديث؟ لأنّ المؤامرة الأمويّة مستمرّة إلى اليوم على أهل بيت النبيّ. إنتبهوا! هذا ما يصدم ويمرِّر ويُكبِد ويصيب الإنسان بالصدمة، بالمرارة، بالكُباد.
 كيف دأَبنا على أن نتلو حديثاً لم يصحّ آناء الليل وأطراف النهار في كلّ منتدىً ومجمع، في كلّ خطبة وموعظة، على أنّه لا يصحّ إلّا بعد التي واللتيّا، ونضرب الذِّكر صفحاً عن حديث في الصحيح، في (صحيح مسلم) من حديث زيد بن أرقم، وهو أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، كتاب الله وعترتي، والشيخ الألباني أيضاً ممّن صحّحه، لكن من غير طريق مسلم، لأنّ وروده في مسلم كافٍ، لكن في غير مسلم صحّحه الألباني، هذا حديث صحيح: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

• بنو أميّة لا يحبّون هذا الحديث، فليصمت النبيّ!!
 لكنْ، بنو أميّة لا يحبّون هذا الحديث، فليصمت النبيّ!! إذاً، صمتَ النبيّ عندنا أهل السنّة 1400 سنة، صمت النبيّ. لا نسمع بهذا الحديث، وإذا سمعنا به، مباشرةً نَشْتَمُّ رائحةَ التشيُّع، هذا حديث الشيعة، يا إخواني هذا حديث محمّد صلّى الله على محمّد وآل محمّد وإن رغِم مَن رَغِم، ورَغِب مَن رغِب، أللّهمَ اجعلنا من الراغبين، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، شيءٌ عَجَب يا إخواني.

• لولا أنّ الله قيّض أناساً لِأهل البيت يُظهرون شأنَهم
ونعود إلى مولانا الحسين، فالذكرى ذكراه، والمقام له، ونحن حضورٌ متطفّلون في هذه الذكرى الأليمة، وجزى الله خيراً كلّ مَن أحياها وذكَّر المسلمين بها، واللهِ الذي لا إله إلّا هو، لولا أنّ الله قيّض أناساً لِأهل البيت يُظهرون شأنهم ويتطهّرون بمحبّتهم ويعتقدونها، لربّما طُمِس ذكرهم من عند آخرهم.
نحن ندّعي أيّها الإخوة باللّسان حبّهم، لأنّه لا مناصّ من أن نصلّي عليهم في الصلاة و[لكن] لا نكاد نعرف عنهم شيئاً، لا نحزن لحزنهم، لا نتذكّر مصائبهم، المصيبة التي قال عنها «حجّة الإسلام» إنّ الله سخِط -غضِب- على أهل الأرض لأجلها. يقول سعيد بن جبير: سمعتُ عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قال صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم: «أتاني جبريل فقال: يا أخي يا محمّد، يقول لك الله تبارك وتعالى لقد قتلتُ بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وإنّي قاتلٌ بابنِ بنتِك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً».
أيّها الإخوة، الحديث المشهور الذي نتداوله ويدور على ألسنة الوعّاظ والخطباء: لتتّبعُنَّ سنَن مَن كان قبلكم حذوَ القُذّة بالقُذّة، حتّى وإن دخلوا جُحر ضَبٍّ دخلتموه، قالوا: يا رسول الله، مَنْ، اليهود والنصارى؟ قال: فَمَن؟ (أي فَمَن [المقصود] بالناس سواهم؟ طبعاً اليهود والنصارى). واليهود أكثر ما اشتهروا به ما هو؟ قتْلُ الأنبياء والمرسلين، هذه الأمّة حاولت قتل نبيّها كما في (صحيح مسلم). المنافقون المتظاهرون بأنّهم من أصحابه، حاولوا قتله مَرْجِعَه [أي عند رجوعه] من غزوة تبوك التي خلّف فيها عليّاً في المدينة لِحكمةٍ، لأنّ ناصبيّاً (معثّراً تعيساً) والعياذ بالله يزعم بعد ذلك، حريز إبن عثمان الحمصي، يزعم بعد ذلك أنّ عليّاً هو الذي أراد أن يقتل رسول الله في العقبة التَّبوكيّة! قدّم إليه بغلته وحلَّ رَسَنها -والبغلة مركب عَثور، والعياذ بالله، يكثر أن تقتل راكبها وصاحبها إذا وقع عنها- خلافاً للفرس أو الحصان.



  نحن نعبد الله ونتقرّب إليه بلعن كلّ مَن أبغضهم ولعنهم وحاربهم


أنظروا هذا الناصبي الذي يتعبّد إلى الله ببُغض أهل البيت، فلعنة الله على مبغضيهم إلى يوم الدّين، نحن نعبد الله ونتقرّب إليه بِكُره وبِغضة ولعنِ كلّ مَن أبغضهم ولعنهم وحاربهم، فلعنة الله عليه، نبرأ منه في الدنيا والآخرة، أللّهمّ لا تجمعنا به في موردٍ لا في الدنيا ولا في الآخرة، أيّاً كان ومَن كان، لا نستثني أحداً، كيف نستثني والنبيّ هو الذي يقول في ما صحّ عنه وصحّحه الأكابر من القدماء وصحّحه كثير من المحدَثين من علماء الحديث: مَن سبَّ عليّاً فقد سبَّني، هذا صحّحه حتى الشيخ أبو إسحاق الحويني المعاصر، قال: هذا صحيح -ما في كلام- إسناد صحيح، وهو صحيح بلا مثنويّة.

• مَن سبَّ عليّاً فقد سبَّني
دخل أبو عبدالله الجدَلي على أمّ سلمة، فقالت: يا أبا عبدالله، أيُشتَمُ فيكم رسولُ الله؟ قال: معاذ الله أو حاشا الله أو كلمة كهذه يقول الراوي، كيف؟ مَن الذي يشتم رسول الله؟ قالت: يُسَبّ فيكم عليّ، وقد سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: مَن سبَّ عليّاً فقد سبَّني، عليٌّ يُسبُّ ويُلعن على المنابر أيّها الإخوة، وتُقتّل شيعتُه وأحبابه وأولاده، في كلّ بلد أحدثوا لهم مقتلة ومجزرة، وسَجّل بعض الأسماء الشاعر «دِعْبِل الخُزاعي»  رضي الله عنه، وجزاه الله عن أهل بيت النبيَّ خير الجزاء. سجّل أسماء بعض مقاتل هؤلاء الطالبيّين، في بعض البلاد تحت كلّ نجم وفوق كلّ ثرى، يُقتّلون ويُذبّحون، ويُذبّح مَن يحبّهم، ويُطعن في دينه ويُحارب في رزقه ورزق عياله.

• التّفتازاني والآلوسي، لا يشكّان في كفر يزيد
نعود أيّها الأخوة، ماذا فعلت هذه الأمّة بحسين ولماذا؟ ما قصّة الحسين التي أراد بعض العلماء والمشائخ أن يصوِّروه لنا بمظهر الرجل خفيف الرأي. رأيُه خفيف، ليس رزيناً، لم يستمع إلى نصائح الوصاة الألبّاء العقلاء كابن عباس وابن عمر وعبدالله بن مطيع وغير هؤلاء، وعمرة بنت عبد الرحمن من الذين نهوه عن الخروج.
الحسين كان في الثامنة والخمسين، لم يكن إبن عشرين أو ثلاثين سنة، كان في الثامنة والخمسين، وهو إمام الأمّة في وقته، لا يزيدُ المتهتّك الخليع لعنة الله عليه إلى يوم الدين. يزيد الشّرِّيب، منادم الفهود والقرود والكلاب والحمام، ناكح أمّهات الأولاد، هاتك الحَرَمين. إلى اليوم تؤلَّف كتب ويُدافَع فيها عن يزيد، ويكتب بعضهم: الذي يطعن في يزيد مصابٌ بالكسل العلمي، لم يعرف الحقائق، وأنت مصابٌ والله بالعمى، عمى البصر والبصيرة، أنت أعمى لا تفقه شيئاً وكذّاب، تكذب على التاريخ، ولا زلت كَبني أميّة تكذب على المسلمين إلى اليوم.
يزيد، يزيد الملعون أيّها الإخوة، إسمعوا رأي الإمام الذهبي وهو من أئمّة السلف، وهواه أموي ومُتّهم بالنّصب قليلاً، يعني ليس من أحباب أهل البيت، بالعكس مائلٌٌ عنهم ينزِّه لسانه عن لعن قَتلتهم. بعد أن يُورد في تاريخه طرفاً من نبأ مقتل أبي عبدالله عليه السلام، وبعد أن يُترجم للملعون الدّعيّ ابن الدّعيّ، اللّعين ابن اللّعين عبيد الله بن زياد ابن سميّة، إبن أبيه، الذي استلحقه معاوية بن أبي سفيان، يقول عن عبيد الله بن زياد وأمثاله: نحن لا نحبّهم، لا نحبّه ولا نحبّ أمثاله، ونبرأ إلى الله منهم، لكن لا نلعنُهم، وأمرهم إلى الله.
أمّا نحن فنقول أيّها الإخوة بالتصريح لا بالتلويح، نحن نلعنهم ونتعبّد والله الذي لا إله إلّا هو، نتقرّب إلى الله وإلى محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإلى آل رسول الله ببِغضة هؤلاء ولعنهم.
إذا لم ألعن مَن قتل الإمام الحسين وقطع رأسه، وسبى بنات رسول الله واستاقهنّ من مكان إلى مكان، ألعن مَن؟ وأتساءل لِمَن خلق اللهُ جهنّم؟ أحبّ أن أعرف كمسلم، كموحِّد، لِمَن يا ربّي خلقتَ جهنّم؟ سيُقال للمشركين، للكافرين، وأقول لهم مَن المشرك؟ لستُ خارجيّاً، لكن أقرأ في كتاب ربّي: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ الماعون:1-4. جوهر الشرك ما يعادلُه، قسوةُ القلب والإجرام والوحشيّة وترك الصلوات واتّباع الشهوات، هذا هو جوهر الشرك.
إذا أردنا أن نفقه فقهاً لا أمويّاً، فقهاً قرآنيّاً، لا على طريقة معاوية وشيوخ معاوية ومحدِّثي معاوية، بل على طريقة ربّ معاوية وربّ الخلق أجمعين، على طريقة كتاب الله المُضيَّع في هذه الأمّة، ما عدنا نفقه فيه شيئاً إلّا ما رحم ربُّك، وقليلٌ ما هم، وويلٌ للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة، الله يقول هذه صفات المشركين. فإذا كان مَن ضيَّع الصلوات وركب أكبر الكبائر المحرَّمات، وانتهك حُرَم أهل بيت رسول الله، وهتك الحرمين الشريفين مكّة والمدينة، وقصف الكعبة بالمنجنيق حتى احترقت أستارها، إذا كان هذا اللّعين الملعون الخليع المهتوك لا يستحقّ اللّعن ولا يستحقّ جهنّم، مَن الذي يستحقّ اللّعن؟ أين ذهب الدّين؟ العلماء الصالحون في هذه الأمّة كالعلّامة التفتازاني، قال: نحن لا نمتري في كفره، ليس لدينا شكّ في كُفر يزيد، التفتازاني قال أنا لا أشكّ في كفره، والألوسي رحمة الله عليه في تفسير سورة القتال، سورة محمّد، قطع بنفس المعنى، الألوسي لا يمتري في كُفر يزيد بن معاوية.
أصلاً يزيد مَن ربّاه؟ ربّته أمّه ميسون بنت بَحْدَل طليقة معاوية، لم تحبّ معاوية، قالت له: أريد أن أعود إلى أهلي، هناك أفضل لي من قصرك ومن هذه الفخفخة، طلِّقني. فعاش يزيد مع أمّه أيّها الإخوة، عامّة حياته مع أمّه، لا يأتي دمشق إلّا قليلاً ولُماماً. وهناك تربّى على أيدي النصارى المشارقة، كما يذكر المستشرقون أنفسُهم. هذه حقائق، وإبنه خالد بن يزيد معلّمُه كان نصرانيّاً كبيراً، ومستشاره -وهو الذي أشار عليه بعزل النعمان بن بشير عن الكوفة وتولية عبيد الله بن زياد إبن أبيه- سرجون، يعني Sir John. سرجون المشهور وتعرفون إبنه يوحنّا، هذا كان مستشار أبيه، وصار مستشاراً له، وقال له: لو كان معاوية حيّاً وأمركَ أن تأخذ بقولي، تأخذ؟ قال: آخذ، قال: فأنا اقول لك إعزل النعمان وولِّ الكوفة عبيد الله بن زياد، لأنّ عبيد الله هو الذي سيأتيك برأس الحسين، فهو الذي سيقضي على هذه الحركة وعلى هذه الثورة. فأَخذ مباشرةً.

• تربية معاوية ليزيد: تحبّ أن تشرب وتُعربد، فليَكُن في اللّيل!
 يزيد ربّاه أهلُ أمّه، بعد أن مات معاوية، أتى -بعد أن مات معاوية- قِيل بعشرة أيّام، لم يكن موجوداً في دمشق أصلاً، فوجد أبوه قد قُبِر، فصلّى على قبره أمام الناس. كيف ربّاه أبوه؟ ربّاه كما ذكر ابنُ كثير، وانظروا إلى التحريف، إبن كثير يروي عن الإمام الطبراني ولم يتعقّب هذه الرواية بشيء بل برّرها، أنّ يزيد كان فيه ما في الأحداث والعياذ بالله، يميل إلى الشهوات وإلى المخالفات ويشرب الخمر، كان شرّيباً، كان شروباً، شرّيباً للخمر. فبماذا أوصى معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله إبنَه؟ كيف ربّاه؟ قال له: يا بنيّ، لا يليق بالعاقل أن يتهتّك هذا التهتّك -يعني أن يفعل المعاصي أمام الناس- بما يُذهب مروءتَه. وليت شعري أين مروءة معاوية أصلاً حتى يكون ليزيد مروءة، أين المروءة؟ هذا موضوع طويل، سوف نرى المروءة كيف، ونرى كيف يربّيه على المروءة، [تتمة كلام معاوية]: بما يذهب بمروءته ويُشمت به عدوّه، ويُسيئ إلى صديقه، العاقل الأريب يُمكن أن يصل إلى ما يشتهي دون أن يصل إليه شيء من هذا، يا بني وإنّي مُنشدُك شيئاً من الشعر فاحفظه وتأدّب به. فاستمعوا بالله عليكم، هذا ذكره الحافظ إبن كثير في (البداية والنهاية) حتى تعرفوا الحقائق التي لا تُقال لنا، ولا يُراد لنا أن نسمعها باسم الحقّ وباسم الفتنة، أنا أقول لكم باسم الكذب والتدجيل، كفى كذباً وتزييفاً علينا وعلى أمّتنا.
يقول معاوية لابنه:
إنصب نهاراً في طلاب العُلى   واصبِر على هجر الحبيب القريبِ
حتّى إذا اللّيلُ أتى بالدُّجى  واكتحلَت بالغمضِ عينُ الرَّقيبِ

ما شاء الله على التربية. الإخوة والأخوات الذين يحبّون أن يتلقّوا دروساُ في التربية، ليقرؤوا سيرة معاوية مع ابنه يزيد كيف يربّيه، وفي المقابل انظروا إلى عليٍّ كيف ربّى الحسن والحسين، ليأتي يزيد ويقتل الحسين شرّ قَتلة! إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ، إن كان في القلب إسلامٌ وإيمان.

فباشِر اللّيلَ بِما تشتهي   فإنّما اللّيلُ نهارُ الأريبِ
الذّكي نهاره في اللّيل، يفعل ما يشاء، ماذا تريد، إفعل.
كم فاسقٍ تحسبه ناسكاً   قد باشر الليلَ بأمرٍ عجيبِ
غطّى عليه اللّيلُ أستارَهُ   فباتَ في أمنٍ وعيشٍ خصيبِ
ولذّةُ الأحمقِ مكشوفةٌ   يسعى بها كلُّ عدوٍّ مُريبِ
يا سلام على الحكمة والتربية، يا سلام على التربية.

 معاوية يقول لابنه يزيد: لا تسكر أمام الناس، لأنّ هذا سيُسيء إليك وإلى سمعتك، طبعاً معاوية في باله أن يجعله أمير المؤمنين، أمير المؤمنين بعده، قال له لا تشرب أمام الناس، تحبّ أن تشرب وتُعربد فليَكن في اللّيل، اللّيل نهار الأريب.
 
• ما هذا كهذه يا «ابن كثير»..
العجب والله، من الحافظ إبن كثير، رحمه الله وعفا عنه، قال: وهذا كما ورد في الحديث، مَن ابتُليَ بشيءٍ من هذه القاذورات فليَستَتِر. قلتُ لا والله، ما هذا كهذه يا ابن كثير، لا والله الذي رفع السماوات يا ابن كثير، ما هذا كهذا، فوالله الذي لا إله إلّا هو لا يقبل أحدٌ من أحدٍ منّا أن يؤدِّب ابنه على هذا النّحو، وسيُتّهم بأنّه منافق ومتهتّك، وربّما اتّهموه بالزّندقة، تقول له: أنت زنديق.
تقول لابنك عربد في اللّيل، وفي النهار إظهر بأزياء الصالحين. قال الله تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ..﴾ النساء:108، أين القرآن يا ابن كثير؟ يا مفسّر القرآن يا إمامنا، عفا الله عنه، زلّة لِعالمٍ كبير.
لكنّ الهوى، حبّك للشيء يُعمي ويُصمّ، إنتبهوا، حبُّك الشيء يُعمي ويُصمّ، وحبّك الحقّ والحقيقة يكشف الغمّاء عن عينيك، فترى الأشياء بأقدارها حتّى وإن كان القائل في مثل جلالة الحافظ إبن كثير، وإنّه لجليل، إمام وحافظ ومحدِّث ومؤرّخ ورجل صالح، ولكن هذه زلّة، زلّة كبيرة يا ابن كثير.
لماذا تريد أن تخدعنا عن الحقيقة؟ تقول هذا كهذا؟ لا والله! يا ابن كثير هذا الذي أتيتَ به أخرجه مالك، ولكن هناك الذي أخرجه إبن ماجة وهو الموافق للقرآن ولِما أطبق عليه الصُّلحاء في هذه الأمّة، وهو حديثٌ صحيح، ممّن صحّحه الشيخ الألباني أيضاً، حديث إبن ماجة عن ثَوْبان مولى رسول الله، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: لأعلمنّ أناساً من أمّتي يأتون بحسناتٍ كجبال تهامة بيضاء، فلا يعبأ الله بها، يأمر بها فتصير هباءً منثورا، ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ الفرقان:23، قال ثوبان: فقلت: يا رسول الله، صِفهم لنا، جلِّهم لنا، ألّا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنّهم منكم، ويأخذون من اللّيل كما تأخذون -يعني بعضهم يقوم اللّيل- ولكن إذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها. من علامات النفاق أيّها الإخوة أن تُظهر الصلاح للناس وتنتهك الحرمات في الخلاء، تُظهر الصلاح في الملأ، وتنتهك الحرمة في الخلأ.
الإمام الشافعي الفقيه إبن حجر الهيثمي ذكر في (الزّواجر عن اقتراف الكبائر)، ذكر هذا الأمر على أنّه من الكبائر -قد تكون الكبيرة 357 [حسب ترتيبها في الكتاب]، قال من الكبائر- معاوية يربّي إبنه على احتقاب الكبائر، يقول له لا تسكر أمام الناس، لم يقل له لا تسكر أبداً، هذه فاحشة أمّ الخبائث يا بنيّ، إتّقِِ الله، لكن قال له: لا، في اللّيل إفعل ما تريد.
ثمّ يقولون لنا معاوية ومعاوية، معاوية كما سنُثبت في السلسلة، مُدمن على الخمر، يشربه أمام الناس ويتاجر فيه، والأحاديث صحيحة، لن يمكنهم أن يكذِّبوا الصحيح، إخضعوا للحقّ، إبخعوا للحقّ يا إخواني.

• لماذا ثار الحسين؟
ونأتي الآن، لماذا ثار الحسين؟ ما الذي أخرج أبا عبدالله؟ هل كانت نزوة؟ هل كانت فلتة هكذا؟ أبداً يا إخواني، الرجل سلام الله عليه بكلمة واضحة حفظها لنا الزمان، قال: «إنّي ما خرجتُ أشِراً ولا بطراً، ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنّما خرجت لطلبِ الإصلاح في أمّة جدّي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير في أمّة جدّي بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمَن قَبِل عنّا بالحق ما جئنا به فالله أولى بالحقّ، ومَن ردّ علينا صبرنا حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا، وهو خير الحاكمين».
هذا هو الحسين، رأى أمر الأمّة قد فسد، رأى الشرع قد انتُهِك، رأى المعروف لا يُتآمَر به، والمنكر لا يُتناهى عنه، كما قال في خطبته، في ليالي مقتله الشريف المنيف، قال: «أما إنّ الدنيا قد أدبرت وتنكّرت وتغيّرت وانشمرت، حتّى لم يبقَ منها إلّا صُبابةٌ كصبابة الإناء، وإلّا خسيسُ عيْشٍ كالمرعى الوبيل، ألا تروْن الحقّ لا يُتآمر به، والمنكر لا يُتناهى عنه، أما إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا بَرَماً».
تبّاً لهذه الحياة التي نخضع فيها ليزيد اللّعين، الذي قال فيه الذهبي: وكان ناصبيّاً. وبالمناسبة، كلّ خلفاء بني أميّة بدءاً بمعاوية وانتهاءً بالحمار مروان بن محمّد المعروف بالحمار، باستثناء الراشد إبن عبد العزيز رضوان الله عليه، كلّهم نواصب، كلّهم أعداء لأهل البيت، وأوّلهم ومؤسِّس طريقتِهم معاوية، أكبر ناصبي هذا، هذا عاش ومات وهو يلعن عليّاً ويأمر بلعنه، كما في الأحاديث الصحيحة، ستأتيكم في السلسلة مخرّجة، أحاديث صحيحة يسكتون عنها، غير واحد، كثيرة، هو ووُلاته نواصب. الحافظ إبن كثير في (البداية والنهاية) يذكر أرجوزة عن بعض الأفاضل كما وصفه، قال هذه أرجوزة لبعض الأفاضل، ضمّنها أسماء الخلفاء جميعاً إلى وقته، ولمّا جاء إلى خلفاء بني أميّة، قال هذا المرتجز: وكلُّهم كان ناصبيّا.
كلّ خلفاء بني أميّة. إقرؤوا (البداية والنهاية) ، بالمناسبة نحن لا نقرأ، نحن أمّة لا تقرأ، إنتبهوا،

«وكلّهم كان ناصبيّا        حاشا الإمام عمر التّقيّا».


باستثناء عمر بن عبد العزيز، نواصب! خلفاء وملوك بني أميّة نواصب! يتديّنون ببُغض ولعن ومعاداة أهل بيت النبوّة، ونحن ندافع عنهم ونحبّهم، إلى اليوم، ونتفقّه بفقههم، ونتلقّى رواياتهم، وعمّن أجازوه، وعمّن أعطوه وأشبعوه. يا عجباً لهذه الأمّة!
تعرفون مَن الذي كان على رأس الجيش الذي سيّره عبيد الله بن زياد لعنة الله عليه وعلى أبيه لقتال الحسين وقتله وأهل بيته؟ عمر بن سعد بنِ أبي وقّاص، الصحابي الجليل. سبحان الله، أخرج الله من صُلبه هذه اللّعنة المسمّاة بعمر بن سعد لعنة الله عليه. الإمام العجلي يقول: عمر بن سعد بن أبي وقاص كان كذا، الزهري، وهو الذي قاد الجيش الذي قتل الحسين، ثقة. علّق يحيى بن معين، قال: يَقتل الحسين، وتقول ثقة؟ الجنون الأموي، هذه الأمّة جُنّت أمويّاً، نوع من الرعب ومن الخوف أيّها الإخوة.
أحد المحدّثين حدّث بحديث، فذكر: وعن عمر بن سعد، فقال له أحد طلّابه: تحدِّث عمّن قتل إبن بنت محمّد، أما تستحي من الله، أما تخاف من الله؟ فجعل يبكي وقال: لا أعود، لا أعود.
ضحكوا علينا علماء الجرح والتعديل. ثقة!! شيء لا يُصدّق، هل هناك أعظم من قتل الحسين؟ يُروى بالسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص وكان جالساً في ظلّ الكعبة، فأقبل أبو عبد الله الحسين عليه السلام -في سابق أيّام حياته السعيدة المجيدة العزيزة- فأقبل فأشار إليه، فقال: أرأيتُم هذا، هذا أحبُّ أهلِ الأرض إلى أهل السماء اليوم، أفضل مَن يمشي على وجه الأرض، هذا هو. النبيّ قال هذا، هذه أحاديث معروفة واضحة: سيِّد شباب أهل الجنّة، الإمام إن قام وإن قعد. إمام، يقتله عمر بن سعد، لماذا؟ لإمارة الرّيّ، لأنّه إن لم يقتله... أنا تمنّيت أن يقول له عبيدُ الله على الأقل لأقتلنّك، يعني يكون له بعض عذر، ولا عذر والله، لكنّه قال له لأعزلنّك عن عملك ولأهدمنّ دارك، لن تصبح أميراً على الريّ وهمدان وأهدم بيتك، فقط، فقال: أنا تفكّرت في أمري، وأحبّ الرّي، قال:

أَأَتْرُكُ الرّيّ، والريّ مُنْيَتي * أم أرجِعُ مأثوماً بقتل حسينِ
 قال إذن نرجع مأثومين بقتل الحسين، لعنة الله عليك، لك النار.

أحدهم رأى النبيّ صلّى الله عليه وآله، تابعيّ جليل في المنام، قال رأيته في المنام، فقال لي: إيتِ البُرَاء بن عازب صاحبي، فاقرأ عليه السلام منّي، وقل له: مَن قتل الحسين فهو في النار. كلّ قتلة الحسين في النار. والعياذ بالله. 
 
 

جنّنونا أيها الأخوة، كسّروا أدمغتنا بحكاية صحابي!!


واترك فقه أميّة، وحبّة إيمان وحبّة خردل، هذا فقه الأموييّن فقه الإرجاء، الله قال: ﴿ومَن يقتل مؤمناً..﴾ -(مِش) حُسيناً ابن رسول الله، مؤمناً- ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ النساء:93. روى الإمام أحمد في مسنده عن عمران بن الحصين حديث طويل، أجتزئ منه بهذا الجزء المبارك: النبيّ أمر بغزاة، فخرجنا واصطففنا، وصففنا الرجال إلخ، ثمّ غزونا وعدنا، فأتى أحدهم فقال: يا رسول الله، إستغفر ليَ اللهَ غفرَ اللهُ لك، قال: ماذا، أحدثتَ حدَثاً؟ -النبيّ قال له: عامل شي مصيبة؟- قال: نعم يا رسول الله، إنّه لمّا فرّ القوم أدركتُ رجلاً بين القوم والنساء، فأهويتُ عليه بحَرْبَتي، فقال إنّه مسلم، أشهد أنْ لا إله إلّا الله، قالها تعوّذاً من الموت، فقال النبي: ماذا؟ وعلى ماذا نُقاتل الناس؟ لماذا نحن أصلاً نُقتل ونقاتل، ألا نقاتل الناس حتّى يدخلوا في الإسلام، هلّا شققتَ عن قلبه فاطّلعتَ على ما فيه؟ قلت: كلّا يا رسول الله لم أفعل، قال: أما إنّي لن أستغفرَ لك، إذهب. لم يستغفر له. يقول عمران بن الحصين فمات فدفنَه أهلُه وأصبحوا وقد نبذته الأرض.
صحابيّ. لِمَن.. جنّنونا أيّها الإخوة، كسّروا أدمغتنا بحكاية صحابي، صحابي، صحابي.
 هذا صحابي أيضاً، أليس كذلك؟ ومجاهد وغزا بأمر رسول الله. قتل رجلاً مشركاً كافراً أسلم في لحظة. لا ندري. كان ينبغي أن تكفّ عنه. لا أن تقطع رأس الحسين، وأن تحمله إلى قصر الدّعيّ ابن الدّعيّ، ثمّ يُوضَع على رمح، وفي سفط، ويُخرج كلّ حين، ويؤتى به إلى الشام، ويُضرب على ثنيّتيه الملعونُ يزيد بقضيبٍ من حديد.

• يزيد يضرب بقضيب من حديد على ثنيّتَي الحسين
إبن تيميّة، حبيب بني أميّة، عاشق بني أميّة يُنكر هذا، والعلماء يُثبتونه، الطبراني يُثبته، الذهبي يُثبته، الطبري يُثبته، وأبو الحجّاج المزّي وهو أعلى من إبن تيميّة بمرّات في الحديث بشهادة الذهبي، بمرّات، لا يقاس إبن تيميّة بالمِزّي. المزّي خلق عجيب من خلق الله، أثبت هذا في ترجمة الحسين من (تهذيب الكمال من أسماء الرجال)، أثبتَه. يزيد يضرب بقضيب من حديد على ثنيّتَي الحسين، وسكينة بنت الحسين -من أين نأتي بقلب يسع هذه المرارة كلّها إخواني وأخواتي- وسكينة، خلف كرسي الملعون يزيد حتى لا ترى رأس أبيها، ورجل أزرق من عصابة يزيد لعنة الله عليه وعلى حاشيته يتطلّع إلى فاطمة بنت الحسين، يقول: يا أمير المؤمنين هب لي هذه، أريدها وهي سبيّة هكذا، فانتفضت زينب الكبرى أخت الحسين عليه السلام، قالت: كلّا، ما ينبغي ولا يحلّ هذا لك ولا له. قال يزيد: كلا، لو أردنا لفعلنا، قال يزيد الملعون. قالت: كلّا والله، إلّا أن تخرجَ أنت وهو، من ديني ودين أبي وجدّي. تخرج من دين محمّد لأنّك لست على دين محمّد. ونحن نعرف أنّ مشروعهم هو القضاء على دين محمّد.
يا أخي ما هذا الحقد كلّه؟ ما هذا الحقد المجنون يا أخي؟ حقد أبو سفيان على الرسول، ومعاوية على عليّ، ويزيد على الحسين، أحبّ أن أعرف ما هذا الحقد؟ أنا عارف، أقسم بالله والأمور واضحة عندي، أقسم بالله أوضح من أصابعي الخمسة هذه. واللهِ الذي لا إله إلّا هو إنّ الأمور لواضحة، كالشمس ليس دونها حجاب، ولكن نعوذ بالله من عمى القلوب، نعوذ بالله أن تعمى قلوبنا وأبصارنا ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
يُراد أن تؤخذ بنت عليّ، بنت فاطمة، سبيّة، ويتهدّد الملعون أنّه يستطيع أن يفعلها، لعنة الله عليه. ما هذا؟
وبعد هذا الذي حدث، رحمة الله على الإمام أبي عبدالله الحاكم الذي اتُّهم بالتشيُّع صاحب (المستدرك على الصّحيحين)، يقول أبو عثمان الصابوني: أنشدني شيخنا الإمام أبو عبد الله الحاكم في مجلس الإمام الحمشادي، يقول:

جاؤوا برأسِك يا ابنَ بنتِ محمّدٍ     متزمّلاً بدمائه تزميلا
وكأنّما بك يا ابنَ بنت محمّدٍ     قتلوا جهاراً عاقدين رسولا


كما قلت لكم، والنبي ثبت عنه هذا، ورد عنه هذا، كما قُتل يحيى، كما قتل بنو إسرائيل أنبياء هذه الأمّة، فشلت أن تقتل محمّداً ليلةَ العقبة التّبوكيّة، والنبي أخبر بأسماء هؤلاء المنافقين الذين أرادوا قتله. على كلّ ذكيٍّ وأريب أن يبحث وأن ينقّب وأن يفتّش، لكي يعرف على الأقلّ بعض أسماء هؤلاء الذين أرادوا قتل الرسول ليلةَ العقبة، إقرؤوا (صحيح مسلم) واقرؤوا الشروحات وكلّ ما كُتب حتّى تأخذوا فكرة عامّة عن الموضوع، الموضوع خطير. قال حُذيفة: أشهد أنّهم حربٌ لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
في (صحيح مسلم)، هذا لا يُقال لنا، لا نُعلَّم الحقائق، فشلوا أن يقتلوا النبيّ فقتلوا أخاه، وقتلوا إبنه، وقتلوا إبنه، الله أكبر!

• إنّا أعطيناك الكوثر
سميّةُ نسلُها أضحى كعددِ الحصى  وبنتُ رسولِ الله ليس لها نسلُ


لكن لا، أين نسلُ سميّة اليوم؟ لا نسل. أين نسل يزيد ومعاوية؟ لا نسل. الإمام إبن كثير في (البداية والنهاية) قال: وبموت هذا من أبناء يزيد، انتهت ذريّة يزيد وقطع الله عقِبه. لم يبقَ أحد على وجه الأرض اليوم من نسل معاوية بن أبي سفيان.
وأين نسل الحسن، وأين نسل الحسين، أنا أقول لكم في خمس قارّات العالم، في خمسة أصقاع المعمورة. أي والله، في الهند والسند، وفي العراق والشام، وفي مصر والسودان، وفي ليبيا والقدس، في كلّ بلاد العالم وفي الحِجازين. أيّها الإخوة، نسل محمّد. لا يعلم عدّتهم إلّا الله، إنّا أعطيناك الكوثر، هذا هو الكوثر، فلا تأسَ أيّها الشاعر المحبّ. قطعَ اللهُ نسل يزيد وقطع نسل ابنَ زياد، وهذا نسل محمّد. قال:

وكأنّما بك يا ابنَ بنتِ محمّدٍ  قتلوا جهاراً عاقدين رسولا
قتلوك عطشاناً ولم يترقّبوا  في قتلِك التنزيل والتأويلا


قبل يومين كان عنده ماء فأعطاهم، فحسينٌ إبنُ عليّ. في صفّين يقف معاوية على الماء، فلا يعطي عليّاً وجيشه، في اليوم التالي يغلب عليّ على الماء فيُعطي معاوية وجيشَه.

• الذين يُحبّون بني أميّة أخلاقُهم كبني أميّة
شيءٌ عجب، وإلى اليوم، قسماً بالله يا إخوتي، الذين يحبّون بني أميّة أخلاقهم كبني أميّة، لا وفاء، وغدر، وكذب، ونفاق، وتدجيل، وحقد أسود. والذين يحبّون محمّداً وآل محمّد بصدق، هم الرّجولة، هم الشرف، هم المجد، هم الصّدق، هم الحقّ، هم البرّ، هم الطّهر. رحمة الله على الإمام القاضي إبن خلّكان في (وفيات الأعيان) يروي في ترجمة الشاعر الشهير «حيص بيص» سعد بن محمّد، إبن الصّيفي الذي عُرف بـ «حيص بيص»، يروي يقول: وحدّث الشيخ نصر الله إبن المنجلي، كان شيخاً فقيهاً، قال: نمتُ ليلةً -ويبدو أنّه نام في مثل هذه اللّيالي- مخموداً محزوناً، قال: فسنح لي الإمام عليّ عليه السلام في المنام، فقلتُ له: يا أبا الحسن، تفتحون مكّة، وتقولون مَن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن، ثمّ يتمّ على أهلك وولدك في الطفّ بكربلا ما تمّ، ما هذا؟ حاربوكم عشرين سنة، ولمّا أمكن الله من معاوية وأبيه وأخيه وأمّه آكلة الأكباد، قال محمّد رسول الخير والطُّهر والمرحمة: إذهبوا فأنتم الطُّلقاء، وقبلها قال: فمَن دخلَ بيتَ أبي سفيان فهو آمن، ويأتينا الحمقى التائهون ويقولون: لِمَ قالها؟ قالها لأنّه قال إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر، أراد أن يتألّف هذا الرجل المعطوب الفطرة، المنقوص الشخصيّة، أراد أن يتألّفه لعلّه يخشع قليلاً ويبخع للإسلام، تألّفاً أيّها السائل التائه، يا مَن ضربوك في التِّيه يضحكون عليك، فما كان جزاء محمّد وآل محمّد؟ قُتِّلوا تقتيلاً، ألله أكبر! وعلى يد مَن؟ على يد هذه العائلة بالذات. كلّ بلاء الإمام عليّ من معاوية، والبلاء الذي أصاب الحسن والحسين من بني أميّة ومن معاوية وأبناء معاوية.

• ويُمنع الحسن أن يُدفن عند جدّه رسول الله
الحسن يموت مسموماً أيّها الأخوة، سُمَّ عدّة مرات ونجا، حتى سُمَّ آخر مرة فلم يَنْجُ منها، كان يلفظ كبده لفظاً، لفظاً أيّها الإخوة وإلى الله المشتكى، وعند الله الموعد، فقال لأخيه الحسين: إدفنّي عند جدّي المصطفى، فأنا أولى به. ويأتي مروان بن الحكم لعنة الله عليه وعلى أبيه من قبله، يأتي ويمنع، وفعلاً يعمل الحسين بوصيّة الحسن ويُمنع الحسن أن يُدفن عند جدّه رسول الله، لأنّ بني أميّة لا يريدون، شيء لا يُصدّق. هذا حرصٌ على رسول الله؟ حبٌّ لرسول الله أم بغضٌ في أهل بيت رسول الله، وفي رسول الله نفسه؟
نعم، كانوا يخاطبون بعض المسلمين فيقولون: محمّديّكم هذا، ويقولون إنّهم مسلمون.
رحمة الله على حذيفة بن اليمان، الصّحابي الجليل، أمين سرّ رسول الله على أسماء المنافقين، تُوفّي سنة 36 بعد مقتل عثمان بأقلّ من سنة. رأى التحوّل الخطير على يد بني أميّة في آخر خلافة عثمان، رأى كيف تعبث بنو أميّة بكلّ شيء، كيف قلبوا الدين وكيف جاهروا بالنفاق. ومَن يعني حذيفة بقوله: إلّا هؤلاء؟ في ما رواه عنه البخاري، قال حذيفة: إنّما كان النفاق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله، أمّا اليوم فإنّما هو الكفر بعد الإيمان. قال لا يوجد نفاق اليوم، كفر، في صحيح البخاري، إنتبهوا حتى تفهموا التاريخ. لا تقل لي تاريخ وطبري وإبن عبد ربّه وأنت تقول عواطف، في صحيح البخاري عن ماذا يتكلّم؟ قال اليوم لا يوجد نفاق، اليوم كفر بعد الإيمان. هذه رواية للأكثرين. قال الحافظ: وفي رواية، الكفر أو الإيمان، بالترديد، بالترديد أيّها الإخوة.
المهمّ، إسمعوا القصة العجيبة [تتمّة المنام] فبماذا أجابه الإمام عليّ عليه السلام؟
قال له: الجواب عند إبن الصَّيفي، أما سمعتَ ماذا قال إبن الصّيفي؟ قلت: كلّا يا أبا الحسن، ما سمعت، قال فاسمع منه. قال: فاستيقظت وهُرعت إلى دار «حيص بيص» -وهو سعد بن محمّد المعروف بابن الصَّيفي، الشاعر العبّاسي الشهير المتوفّى سنة 574 للهجرة، «حيص بيص» مشهور- قال: فطرقتُ عليه الباب فخرج مذعوراً، فقلت: الأمر كذا وكذا فماذا قلت؟ فلمّا سمع ما قلتُ، شهق وأجهش بالبكاء. قال: والله إنْ عرف بها أحد -الأبيات- وإنْ قلتُها قبل اللّيلة، ما نظمتُها إلّا قبل قليل. عجيب، أنا كنت أفكّر في قضيّة مظلوميّة أهل بيت النبيّ، وكيف قابل بنو أميّة وآل أبي سفيان وآل مروان وآل الحكم إبن أبي العاصي [هكذا]، وحسبُكَ من شرٍّ سماعُه، كيف قابلوا عفو رسول الله وكرَمَ رسول الله بتذبيح آل البيت، وهو يبكي، قال:

• مَلَكْنا فكان العفوُ منّا سجيّةً

هذه الأبيات تسمعونها، هذه قصّتها، لا تُقال لنا كاملة، إنتبهوا، نُصْبٌ من تحت لتحت، لا يُراد حتّى أن تُقال لنا القصص كاملة، تُحفَظ الأبيات دون أن تُعرَف القصة، لأنّ القصة تنتصر لِأهل البيت وفيها كرامة للإمام عليّ عليه السلام، رؤياه حقٌّ هنا، «شفتوا؟»، قال إذهب إلى إبن الصيفي فتسمع الجواب منه، ألله أكبر، قال:

مَلَكْنا فكان العفوُ منّا سجيّةً  فلمّا ملكتُم سالَ بالدّمِ أبطَحُ
فحسبُكُم هذا التفاوتُ بيننا  وكلُّ إناءٍ بِالّذي فيه ينضَحُ


نحنُ بنو هاشم، وأنتم بنو عبد شمس، أنتم أبناء الحَكَم، وأبناء أبي سفيان، صخر بن حرب. هذا هو الفرق يا إخواني.
لماذا خرج الحسين على يزيد؟ خرج الحسين لأنّه رأى الدِّين يُهتك، الحُرُمات تُنتهك، الدِّين يذوب، خرج الحسين لهذا المعنى يا إخواني.
أتعلمون؟ في صحيح البخاري، دخل الإمام الزُّهري على أنس بن مالك صاحب رسول الله فوجده يبكي، فقال له: لِمَ تبكي؟ فقال: أبكي، لا شيءَ ممّا كنتُ أعرفه، لا أعرف الآن شيئاً ممّا كنتُ أعرفه عند أحمد على عهد رسول الله. قال: الدِّين انتُسِخ. أين هذا؟ بدمشق، دخل عليه بدمشق، قال الحافظ إبن حَجر: جاء من البصرة -أنس كان في البصرة- إلى دمشق لكي يشكو الحجّاج إلى الوليد بن عبد الملك -قال ضاع كلّ شيء، أبكي، أين الدِّين؟- إلّا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعت.

• ماذا فعل بنو أميّة بالصلاة؟
هل تعلمون ماذا فعل بنو أميّة بالصلاة؟ فعلوا الأفاعيل، إقرؤوا شرح الحافظ (فتح الباري) وشرح الحافظ إبن رجب (فتح الباري) أيضاً على البخاري، أعاجيب لا تُصدَّق.
روى عبد الرّزاق عن عطاء، قال: جئتُ أصلّي الجمعة -كاليوم- خلف الوليد بن عبد الملك، طبعاً يؤخِّرون الصلاة، يصلّون الجمعة عند المغرب، ما في ظهر وعصر ويدخل المغرب أحياناً، هكذا. شيء لا يُصدّق، وهكذا كان يفعل الحجّاج ونحن لا نعرف ولا يُقال لنا. هذا ثابت ذكرَه كلّ الشُّرّاح، وكان معمولاً به، أضاعوا الصلاة، تعمّدوا أن يضيّعوها، حقدٌ على الدِّين دفين يا إخواني وبالقوّة، ولا بدّ أن تصلّي معنا وفي غير الوقت، أضاعوا الصلاة عن أوقاتها بالكلّيّة ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾ مريم:59، حتّى تعرفوا ما الذي حمل الحسين على أن يخرج، أمثال هذه الأمور التي آلت إلى تضييع الصلوات بالكليّة، ومعاوية كم عبث وعبث بالصلاة. معاوية كما قال سعيد بن المُسيَّب وكما قال الزُّهري: أوّل مَن أحدث الأذان للعيدين.
العلّامة المصري الأزهري الدكتور موسى شاهين لاشين في كتابه (فتح المنعم شرح مسلم)، أعتقد لا زال حيّاً أمتع الله بطول بقائه، يقول في شرحه الطيّب هذا: وقد كان الأمر على ذلك أيّام رسول الله، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، إلى أن أتى معاوية فأحدث الأذان للعيدين -صار العيد يؤذَّن له- هذا من أوّل بِدع معاوية. يقول الدكتور شاهين لاشين. أمّا لماذا أحدثوا هذا، لماذا أحدثوا هذه البدعة، قال: أحدثوا هذه البدعة لِما أحدثوه من سبِّ الإمام -هو لم يقل الإمام- مِن سبِّ مَن لا يجوز سبُّه.
يخشى، إلى اليوم يخشى أن يصرِّح بالحقائق، (شي غريب في رُعب)، لكنّ الأمور واضحة عند كلّ إنسان.
قال: لِما أحدثوه على منابرهم -في يوم الجمعة وغير الجمعة- من سبِّ مَن لا يجوز سبُّه، ومَن لا يجوز الثناء عليه -يعني معاوية-. العلّامة الدكتور موسى شاهين لاشين، الأزهريّون فيهم بعض هذا الفهم ولكن يخافون أيضاً، لكن ليس فيهم نُصْبٌ كغيرهم والحمد لله، هم أقرب إلى محبّة أهل البيت، يعرفون الحقائق.
ومدْح مَن لا يجوز مدحه -فالناس امتنعوا عن الصلاة، لا يحبّون أن يصلّوا، صلِّ العيد وحدَك. لا نريد أن نصلّي، أن يُسبّ عليّ لا نريد، الناس يحبّون عليّاً- فماذا فعلوا؟ أحدثوا الأذان، كأنّ هناك أمرٌ جلل، فصار الناس يأتون. لكن في العيدين كما تعلمون الصلاة أوّلاً ثمّ الخطبة. يقول العلّامة شاهين لاشين: فكان الناس يصلّون ثمّ يمضون، لا يسمعون خطبَهم، من أجل ماذا؟ أن لا يسمعوا سبَّ عليّ، فماذا فعلوا؟ فجعلوها كلّ جمعة في العيدين، فصاروا يخطبون أوّلاً، بني أميّة يلعبون في الدِّين، من أجل ماذا؟ لماذا تغيِّر دينُ الله، لكي نتمكّن من سبِّ عليّ ولعنِه، وإرغامكم على أن تسمعوا سبَّه، حقد رهيب، حقد فظيع يا إخواني على هذا الدّين.

• المخطّط الأموي: نضربُ رأسَ هذه العترة،  لِيَضعُفَ أمرُ الدّين!
 وعليّ ليس مجرّد شخص اختلفوا معه. لا، كما قلت لكم عليّ هو الثابت في الأحاديث المستفيضة أنّه عميدُ أهلِ بيت رسول الله بعد رسول الله، وهو رأس العترة، وهي عديل القرآن، ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، كتاب الله وعترتي. إذاً، لنضرب رأس هذه العترة، أمر الدين يضعف، هذا المخطّط الأموي، مخطّط لعين.
أنا أستطيع أن أقسم بالله، أنّه لولا أنّ الله حفظ القرآن من النقص والزيادة لحرّفوه من عند آخره، هم قتلوا أهل بيت رسول الله، لكن الله تكفّل بكتابه. وعلى كلّ حال الآن ثبت في آخر سنوات، في أيّام بني أميّة، في سنة 60، السنة التي هلك فيها معاوية، كان بعض الناس يكتبون المصاحف ثمّ يُطيِّنون عليها في الحوائط، يخافون أن تُحَرَّف المصاحف. نعم هذا ثبت الآن، وجدوا مصاحف مكتوبة بخطّ قديم من سنة 60، الآن كتب قديمة جداً مُطيَّن عليها، يخافون أن تحرَّف.
لا تعرفون الحقيقة، الحقيقة مخيفة، أنا نفسي مصدوم ومذهول ممّا حدث ولا زال مستمرّاً.
طبعاً تعلمون المسلسل بعد ذلك، يزيد بعد أن فعل بأهل بيت رسول الله ما فعل سنة 61، في سنة 63 بعث جيشه إلى المدينة لكي يستبيحَها، لأنّ أهل المدينة عزموا وأجمعوا أمرهم على أن يثوروا على هذا يزيد الخليع اللّعين. قالوا يفعل أشياء فظيعة، يُضيّع الصلوات، ويشرب المسكرات، وينكح أمّهات البنات، يعني أمّهات الأولاد، شيء فظيع.

• هذا الذي يُقال رضي الله عنه
إبن غسيل الملائكة-حنظلة- إبنه قال: والله لو لم أجد ما أقاومه أو ما أجاهده به إلّا نفسي وولدي هؤلاء لقاتلتُه، أنا وأولادي فقط، فَلْنَستشهد، لن نسكت على هذا.
عبدالله بن مطيع، نفس الشيء، وهو الذي نصح الحسين قبل سنتين أن لا يخرج، الآن كان في رأس المحرِّضين للخروج على يزيد. إبن مطيع، مستحيل قال الأمر لا يُحتمل، شيء فظيع، الدّين يذوب، الدين يضيع، الإسلام يُذبح على يد يزيد بن معاوية. وخرجوا وكان على رأس الجيش رجل إسمه «مسرف»، هو اسمه «مسلم»، السَّلف سمَّوه مسرف بن عقبة المُرِّي لعنة الله عليه. هذا وصيّة معاوية، قال له: فإنْ خرج عليك أهل المدينة فارمِهم بمُسلم بن عقبة، هذا كلام معاوية. ما شاء الله ختم أعماله بأحسن الخواتم، ولّى يزيد على الأمّة وقال له: إذا ثار عليك أهل المدينة، عندك مسلم بن عقبة، ويعلم مَن هو مسلم بن عقبة المرِّي، هذا عنده حقد دفين على أهل المدينة، فجاء واستباحها ثلاثة أيام، تعرفون ما معنى الإستباحة؟ شيء ولا المغول يعني، كلّ شيء مباح: الزنا، القتل، النّهب. والأذان، لم يؤذَّن في مسجد رسول الله ثلاثة أيّام، ولم يكن أحد في المسجد إلّا سعيد بن المسيَّب، وشهد عمر بن عثمان بن عفّان أنّه مجنون وإلّا أرادوا أن يقتلوه، فقال لهم: إنّه مجنون، سعيد بن المسيَّب، قال: وكنت أسمع النداء من قبر رسول الله للخمس صلوات، ثلاثة أيام لم يُؤذَّن.
هذا يزيد، هؤلاء بنو أميّة، هذا ابنُ معاوية، هذا الذي يُقال رضي الله عنه وكان أحقّ بالخلافة، شيء لا يصدَّق.

• إثنا عشر أميراً. من هم يا ابن تيميّة؟!!
إبن تيميّة أيّها الأخوة، شيخ بني أميّة، يقول لك، هناك الحديث الصحيح المخرّج في الصِّحاح: لا يزال أمر هذه الأمّة ماضياً ما وَلِيَهم إثنا عشر أميراً، وقال بعضهم خليفة، قال كلّهم من قريش، قال هؤلاء الإثنا عشر -لكي تعرفوا الحقائق، لكن الله يعينكم كما أعانني أن تحتملوا هذه الحقائق المُرّة يا إخواني التي شوَّهت ديننا وضيَّعته- إثنا عشر خليفة، قال المبشَّر بهم في التوراة، بُشِّر بهم إسماعيل. مَن هم يا ابن تيميّة؟ قال: الخلفاء الأربعة، سلَّمنا، ومَن بعد ذلك، الحسن؟ قال لا، معاوية، ويزيد بن معاوية، نعم، نعم، نعم!! -في (منهاج السنّة)، شيء لا يصدَّق- وعبد الملك بن مروان أبو الجبابرة الأربعة، أولاده الجبابرة الأربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز، العِدّة صارت كَم؟ إثنا عشر، قال هؤلاء 12 خليفة. ما شاء الله، مباركين مبشَّر بهم، يعني (مش) مبشَّر بالحسن ولا بالحسين ولا بأهل بيت رسول الله، مبشَّر بهؤلاء الظّلَمة. تعرفون أنتم، قال يزيد بن عبد الملك! هذا إبنه اسمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك، هذا كان عُهد إليه بعد هشام بن عبد الملك. هشام مجرم وهو الذي قتل زيد بن عليّ عليه السلام وصلبه في الكناسة، لكن هشام أراد أن يخلعه لِما رأى من فجوره، شيء لا يوصف، هذا زنديق. يقول الذهبي: ثابت عليه الإلحاد والزندقة في أشعاره. زنديق لا يؤمن بالله واليوم الآخر، هذا صار خليفة على المسلمين، وهذا جاء بعد هشام بن عبد الملك، أيّها الإخوة ذات ليلة خطر له أن يحجّ، يقول الذهبي: فقال أحجّ وأشرب الخمر فوق الكعبة. نعم، والله لو تعرفون التاريخ، هذا تاريخ مَن؟ ليس شيعة، الذهبي، شيوخ السلفيّة، شيوخ الأمويّة، هذا بعض ما وصلنا، وما خَفِيَ فهو أعظم بكثير.

• جبريل للرسول صلّى الله عليه وآله: إبنُك هذا سيُقتل بكربلاء بأرض الطّفّ

لماذا خرج الحسين؟ أنا أقول لكم، لو لم يخرج الحسين ولم يُسفك دمه لَذهب الإسلام، وصدق مَن قال -أنا هذه المقولة ما كنت أستوعبها، يقولها الشيعة وغير الشيعة، لا أنا لم أكن أستوعبها حقيقة، الآن أنا مؤمن بها- الإسلام محمّديّ الوجود، حسينيّ البقاء، لولا الحسين وثورة الحسين لذهب الإسلام، لانتهى الإسلام. ولذلك كان لا بدّ للحسين، كان عنده أمر ربّاني، أمر من رسول الله، والرسول، الأحاديث صحيحة صحّحها الشيخ الألباني أنّ جبريل قال لأخيه محمّد وحبيبه بأنّ إبنك هذا سيُقتل بكربلاء بأرض الطّفّ، وإن شئتَ أشْمَمْتُك من تربتِه الحمراء، فضرب بجناحه فأتى بها، فَشَمَّها وكان يبكي عليه أفضل الصلاة وأفضل السلام، وأعطاها لِأُمّ سَلَمة، فجعلتها في خمارها، وقيل جعلتها في قارورة، أحاديث صحيحة، صحّحها الشيخ الألباني يا إخواني، والإمام عليّ عليه السلام استفاض عنه أنّه كان يبكي ويُخبر بهذا. إسمعوا هذا الحديث المؤسي المحزن ذكره العلّامة المِزّي في ترجمة الحسين من (تهذيب الكمال): يقول هرثمة بن سُلمى، تروي زوجته عنه: يقول كنّا مع عليّ في غزاة، حتى إذا صرنا بأرض كربلا، إنتحى ناحية فأناخ بعيره أو دابّته، ثمّ صلّى إلى شجرة، ثمّ أخذ كفّاً من تراب فهملت عيناه، وقال: واهٍ لكِ من تربة، يُقتل فيكِ نفرٌ يدخلون الجنّة بغير حساب، يقول هرثمة لم أفهم مَن هؤلاء النفر، ومرّة ثانية جاء بهذه الأرض وقال: صبراً أبا عبدالله، يخاطب إبنه، عليّ عليه السلام، النبيّ أخبره، وأخبرهم أنّ مصرع أولاده يكون بهذه الأرض، بأرض كربلاء أيّها الأخوة. يقول هرثمة: ذهبت الأيّام، ونسيت الحديث، فكنت في الجيش الذي توجّه لقتال الحسين، قال فلمّا رأيت الحسين ذكرت القصة، فتقدّمت بفرسي إليه وقلت له: أُبشّرك يا ابنَ بنت رسول الله، قال: هاتِ، بشِّر، قلت: سمعت أباك الإمام عليّاً يقول كذا وكذا  واهاً لكِ من تربة يُقتل فيكِ نفرٌ يدخلون الجنّة بغير حساب. يا ليتنا كنّا معهم فنفوز فوزاً عظيماً. فقال له: معنا أو علينا؟ -إسمعوا الحديث شيء محزن- فقلت له: لا معك ولا عليك، قد تركت من خلفي عيالاً وتركت -أي أموراً أخرى- فقال: فأمّا إنْ كنتَ لا تريد أن تلتحقَ بنا وتنصرنا فولِّ في الأرض هارباً، فوالّذي نفسُ حسينٍ بيده لا يشهد مقتلَنا اليومَ أحدٌ إلّا أدخلَه الله النار. لا يوجد أحد يرانا، فقط يرانا، إلّا أدخله الله النار، وأنا أقول لكم هذا هزّني من أعماقي، هذا الأثر. أقسم بالله، أنا متأكّد إلى اليوم، وليُقَل فيّ ما يُقال، والذي يسمع قصة وحكاية مصرع الحسين ولا يستعبر ولا ينفعل ولا يغضب ولا يبرأ ممّن أوجب اللهُ البراءة منه، أَحسب أنّه في النار. إنتبهوا! لأنّه لا يكون إلّا عن نفاق وإلّا عن نُصب، والعياذ بالله، لعنةُ الله على المنافقين، كلّ مَن يشمت في أهل البيت، كلّ مَن لا يُظهر التعاطف الكامل معهم، أنا أقول لكم منافق منافق منافق، لا يمكن أن يكون مؤمناً برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يا أخي هؤلاء أهلُه، أولادُه، لحمُه ودمُه.
في الحديث الصحيح عن أمّ الفضل بنت الحارث قالت: يا رسول الله، قد رأيتُ حلماً منكراً، فقال: ما هو؟ -هذا الحديث صحيح صحّحه الشيخ الألباني والهيثمي- قلت: يا رسول الله حلم شديد، قال: ما هو؟ قالت: يا رسول الله رأيتُ في المنام كأنّ بضعةً منك قُطِعت فوُضِعت في حجري، فقال: خيراً رأيتِ، فاطمة بنتُ محمّد تلِدُ إن شاء الله ولداً ذكراً ويوضَع في حِجرك، قالت: فحملت فاطمة فوضعت حسيناً، فوضعتُه في حجري، فدخلت على رسول الله ذات يوم ومعي حسين فوضعتُه في حجره، فحانت منّي التفاتة فرأيت عينيه الشريفتين تهريقان الدمع، فقلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، ما لك؟ فقال: أتاني أخي جبريل فقال لي: يا أخي يا محمّد، إنّ أمّتك من بعدك ستقتلُ ابنَك هذا، فقلت: إبني هذا؟ فقال: إبنَك هذا، وإن شئتَ أشممتُك من تربته التي يُقتل بها، فضرب بجناحه فأتاني بها، تربة حمراء. الله أكبر، ثمّ يُقال إجتهد يزيد.

• أحد وهّابية العصر: لو كنت أنا في عهد يزيد لقاتلت الحسين!!!
يقول أحد وهّابيّة العصر في (اليوتيوب)، قال: لو كنتُ أنا في عهد يزيد لقاتلتُ الحسين. شيخٌ كالتّيس أكرمكم الله، لحيتُه هكذا، أنا لم أكد أصدّق. الإمام إبن الوزير يقول: هذا لا يُصدَّق على مسلم، قال كذب، كلّ مسلم يقول الحسين قتْلُه جائز وحلال أنا لا أصدّق، قال إبن الوزير في (العواصم والقواصم): فإن ثبتَ هذا فليس من الإسلام في شيء، كفّره، قال هذا يستحيل إلّا أن يكون كافراً زنديقاً، وأنا أقول لا يبعد أن يكون إبن حرام والعياذ بالله، نغل مثل عبيد الله بن زياد، ومثل غيره، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

• ماذا تقولون إن قال النبيّ لكم
إسمعوا الآن ماذا قالت أيّها الإخوة إحدى بنات عبد المطلب جدّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وقد أُتي برأس الحسين على رمح، ومعه فاطمة وسكينة وزينب الكبرى وعليّ بن الحسين عليه السلام وهو مَن بقي من ولده، فدخلوا المدينة، فخرجت امرأة من بنات عبد المطّلب ناشرةً شعرها تضرب رأسها -وحُقَّ لها- تقول بصوتٍ يسمعه السامع:

ماذا تقولون إنْ قالَ النبيُّ لكم     ماذا فعلتم وأنتم آخر الأُممِ
بعترتي وبأهلي بعد مُفتقَدي       منهم أُسارى وقتلى ضُرِّجوا بدمِ
ما كان هذا جزائي إذ نصحتُ لكم    أن تخلفوني بِشَرٍّ في ذَوي رحِمي


محمّد يقول هذا جزائي؟ قتلتم أهلي وأولادي، وأَسَرْتُم بناتي. وأنا أقول له يا رسول الله، جزاؤك إلى اليوم من هؤلاء الملاعين المتاعيس المناكيد لعنة الله عليهم إلى يوم الدين أنّهم يدافعون عن مَن قتّل أهلك وأولادك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيّئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويزيدهم من فضله، والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبدُه ورسوله صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً. أللّهمّ اهدِنا فيمن هدَيت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن تولّيت، أللّهمّ أصلِح أمر هذه الأمّة المرحومة يا ربَّ العالمين، وأبرِم لها أمرَ رَشَدٍ تُعزّ فيه أولياءك وتذلّ فيه أنوف أعدائك، يُعمل فيه بكتابك وسنّة نبيّك صلّى الله عليه وآله وسلّم، يؤمَر فيه بالمعروف ويُتناهى فيه عن المنكر، ويأمن فيه المؤمنون والمؤمنات.
عبادَ الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعِظُكم لعلّكم تذكّرون.
 


  
    



اخبار مرتبطة

  الغنيّ، هو المتَّصل بالله تعالى المنقطعُ إليه

الغنيّ، هو المتَّصل بالله تعالى المنقطعُ إليه

  دوريات

دوريات

24/01/2012

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات