العلم بالغيب في القرآن الكريم
لقد تعلّم الوهّابيّون بضع آيات وما انفكّوا يردّدونها:
الأية الأولى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُو..﴾ الأنعام:59.
الآية الثانية: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ الله..﴾ النمل:65.
هؤلاء يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. تراهم يستندون إلى ما يعضد حُجَجَهم من الآيات، ويغضّون الطرف عن تلك التي تدحضُ رأيَهم.
والحقّ، أنّ من الآيات القرآنية المباركة ما يؤكّد إمكانية أن يُطلع الله تعالى بعضَ عباده على الغيب.
الشاهد الأوّل: يقول عزّ من قائل: ﴿عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ..﴾ الجن:26-27
هاتان الآيتان ليستا من المتشابهات حتّى يُقال بقصورنا عن الإحاطة بمعناهما. تصرّح الآيتان بأنّ العلم بالغيب مختصٌّ بالله وحده، ولا أحد غيره تعالى يعلم الغيب على نحو الإستقلال. فإذا ما اعتقد أحدٌ بأنّ النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، أو المعصوم عليه السلام، يعلم الغيب من تلقاء نفسه وبنحو الإستقلال عن الله تعالى، فإنّنا نعتبره كافراً مرتدّاً منكراً للقرآن الكريم. أي أنّ الأنبياء والأئمّة عليهم جميعاً سلام الله تعالى، يطّلعون على الغيب بإذن الباري عزّ وجلّ.
الشاهد الثاني: قوله تعالى عن لسان نبي الله عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام: ﴿..وَأُنَبِّئُكمْ بِما تَأْكلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ في بُيُوتِكمْ..﴾ آل عمران:49. أي أنّ نبي الله عيسى عليه السلام يعلم الغيب بإذن الله تبارك وتعالى ويُخبر عن المغيّبات.
الشاهد الثالث: قوله تعالى: ﴿..وَما كانَ الله لِيُطْلِعَكمْ عَلَي الْغَيْبِ وَلكنَّ الله يَجْتَبي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ..﴾ آل عمران:179.
اعتقاد إبن تيميه بالعلم بالغيب
يقول إبن تيمية إمامُ الوهّابية الذي تعتقد به أشدّ من اعتقادها بالنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، يقول في (منهاج السنّة، ج 8: ص 135، تحقيق محمد رشاد سالم، ط المملكة العربية السعودية): «وفي أتباع أبي بكر وعمر وعثمان مَن يخبر
عن الصّحابي حذيفة بن اليمان:
«أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
بما هو كائنٌ إلى أن تقوم الساعة».
|
بأضعاف ذلك». جاء كلامه هذا ردّاً على قول العلّامة الحلّي بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم الغيب.
ثمّ يُضيف ابن تيمية: «..وحذيفة بن اليمان وأبو هريرة وغيرهما من الصحابة كانوا يحدّثون الناس بأضعاف ذلك».
هؤلاء يُسارعون إلى رمينا نحن الشيعة بالشِّرك، وإلى القول بوجوب قتلنا عندما ننقل رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام، أو عن الصدّيقة الكبرى صلوات الله عليها، أو عن أحدٍ من الأئمّة المعصومين عليهم السلام فيها إخبارٌ ببعض ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة. لكنّني أشير إلى رواية قلّ مَن سمعها، وردت في (صحيح مسلم، ج 8: ص 173، الحديث 7159، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إخبار النبي في ما يكون إلى قيام الساعة) وهي عن الصّحابي حذيفة بن اليمان حيث يقول: «أخبرني رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بما هو كائنٌ إلى أن تقوم الساعة».
فإذا كان شركاً قولُنا إنّ الزهراء عليها السلام تلقّت عن جبرئيل عليه السلام أموراً، وأنّها أو أمير المؤمنين أو الإمام الصادق عليهم السلام أخبروا عن بعض ما هو كائن إلى يوم القيامة، إذا كان ذلك شركاً، فهل تجرؤ الوهّابيّة على رمي الصّحابي حذيفة بن اليمان بالشّرك أيضاً؟ وهل يسعهم أن يتّهموا مسلم بن الحجّاج النيسابوري الذي أورد هذه الرواية، مثلما فعلوا مع الشيخ الكليني رضوان الله عليه؟
لقد أسهب إبن حجر العسقلاني في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج 4: ص 79) في الحديث عن هذا الموضوع، وكذلك فعل الخزرجي الأنصاري في (خلاصة تذهيب تهذيب الكمال، ص 74) حيث يقول: «حذيفة بن اليمان ... صحابي جليل من السابقين، أعلَمه رسول الله بما كان وما يكون إلي يوم القيامة من الفتن والحوادث».
بدوره الألوسي الوهّابي يُصحّح في (روح المعاني، ج 14: ص 150) هذه الرواية عن حذيفة ويصرّح بأنه قال إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أخبره بجميع ما سيكون إلى يوم القيامة.
هؤلاء الوهّابيّة ينظرون بعينٍ واحدة، ويتصيّدون «عثرات» الشيعة، لكنّهم لا يقرأون ما هو مدوّن في كُتُبهم.
* ما هو السبيل الأمثل لتأسّي النّساء بالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام؟
يجدر بالنساء والفتيات اللّواتي عَقَدْنَ القلب على حبّ الزهراء عليها السلام أن يقتدِين بها، لا سيّما في هذا الزمن الذي يضجّ بالشرّ والفسّاد والتّهتّك، وحيث أصبحت العناوين الإقتصاديّة والماديّة هي المحور والمِلاك.
عندما يتقدّم أحدهم لخطبة فتاة، يُرمى من فوره بالسؤال عن الوظيفة والبيت والمدخول والسيارة. هنا يجدر بهنّ التنبّه كي لا يكون انتسابهنّ إلى الزهراء عليها السلام انتساباً لفظيّاً وحسب.
رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام قولُه: «تزوّجتُ فاطمه بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وما لي ولها فراشٌ غير جلد كبش ننام عليه باللّيل، ونعلف عليه ناضحنا بالنّهار، وما لي (ولها) خادمٌ غيرها».
فَلْتَعلم الأخوات العزيزات أنّ «التّوقَ والشوق إلى فاطمة» ليس بالكلام والشعارات. فالتّأسّي بها صلوات الله عليها يعني أن يَحيَين حياتها، وأن يتأسّين بها في زواجها، وفي تعاملها مع زوجها، وفي رعاية أولادها.
يُروى عن الزّهراء قولها لأمير المؤمنين عليهما السلام: «.. يا أبا الحسن إنّي لأستحيي من إلهي أن أكلّفك ما لا تقدرُ عليه».
فَلْتَعْلَم النّسوة اللّواتي يُجبِرن -من باب الغيرة والحسد- أزواجهنّ على تحمّل أعباء الدَّين لكي يشتروا لهنّ بعض ما رأين في بيوت الجيران أو الأقرباء، فَلْتَعلمنّ أنّهنّ غيرُ متأسّياتٍ بالزهراء عليها السلام، وأنّهنّ في غد القيامة سيحضرن والزّهراء في صعيدٍ واحدٍ للحساب.
إنّهنّ يُحلن الحياة الزوجيّة -التي يجب أن تكون روضةً من رياض الجنة- إلى جحيمٍ حارق، ومع ذلك يدّعين أنّهنّ يَقتدِين بفاطمة الزهراء عليها السلام!
ولا يفوتني هنا تحذير الرجال من ألّا يتعدّوا حدودهم. رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنّ الله عزّ وجلّ ليس يغضب لشيءٍ كَغَضبِه للنّساء والصِّبيان». ثمّة من الرجال من هو عالة على النساء، فتراه يفتّش على موظّفة يتزوّجها ليفيد من راتبها ويعيش في بحبوحة. أنا أرى أن حظّ هؤلاء من الرجولة الشارب واللّحية، لا غير. من واجب الرّجل أن يُهيّىء أسباب العيش. قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِم..﴾ النساء:34.
يجدر بالرجال أن يتعلّموا من أمير المؤمنين عليه السلام كيف يحيون برجولة وكيف يكونون أزواجاً صالحين، ويجدر بنسائنا وفتياتنا أن يتعلّمن من الصدّيقة الطاهرة عليها السلام حُسن التبعُّل وحُسن رعاية الأولاد.