كشكول الشيخ البهائي
___________قراءة: سلام ياسين__________
الكتاب: الكشكول.
المؤلّف: الشيخ محمّد بن الحسين الحارثي، المعروف بالبهائي (953،1030هـ)
الناشر:مجموعة من دور النشر في مصر وإيران ولبنان.
المجلّدات: تراوح عددها بين الواحد والأربعة بحسب الجهة الناشرة.
|
لم يكن الشيخ البهائي وحده من ألّف كتاباً وسمّاه بهذا الاسم، فقد استخدم التسمية عدد من المؤلّفين قبله وبعده، من تلك الكتب على سبيل المثال: (الكشكول في ما جرى على آل الرسول صلّى الله عليه وآله) للسيّد حيدر بن عليّ الآملي، من علماء القرن الثامن للهجرة في إيران، وقد ألّفه سنة 735 هـ. ومنها: (الكشكول) للحاج محمّد تقي الدهخوار قاني المتوفّى سنة 1093 هـ، وكتاب (الكشكول) للشيخ يوسف البحراني من علماء القرن الثاني عشر الهجري.
التسمية
كشكول أو كجكول أو كشكل بالفارسية، هو جراب الدراويش، يجمعون فيه حاجاتهم. وقد جرت العادة أن يكتبوا على ظهره أشعارهم وعباراتهم وشعاراتهم. لذلك كانت تسمية هذه الكتب تعبيراً عن محتواها الجامع لأمور مختلفة في شكلها ومضمونها، وقد تكون مبوّبة، إلّا أنّ كشكول الشيخ البهائي لا تبويب فيه، وقد عبّر عن ذلك في مقدّمته بالقول: «ولمّا لم يتّسع المجال لترتيبه، ولا وجدتُ من الأيّام فرصة لتبويبه، بعثته كسَفَط مختلط رخيصه بغاليه، أو عقد انفصم سلكه فتناثرت لآليه، وسمّيته بـ(الكشكول) ".." وتركت بعض صفحاته على بياضها لأقيّد ما يسنح من الشوارد في رياضها».
ويُخبر المؤلّف أنّه كان ألّف كتاباً قبل (الكشكول) متنوّع المضامين أسماه (المخلّاة)، ثم بدا له بعد الاستخارة أن يؤلّف على نهجه كتاباً، حيث يقول: «فإنّي لمّا فرغت من تأليف كتابي المسمّى بالمخلّاة، الذي حوى من كلّ شيء أحسنه وأحلاه ".." ثم عثرت بعد ذلك على نوادر تتحرّك لها الطباع، وتهشّ لها الأسماع، وطرائف تُسرّ المحزون وتُزري بالدرّ المخزون، ولطائف أصفى من رائق الشراب وأبهى من أيّام الشباب، وأشعار أعذب من الماء الزلال، وألطف من السحر الحلال، ومواعظ لو قُرئت على الحجارة لانفجرت، أو الكواكب لانتثرت، وفِقَر أحسن من ورد الخدود، وأرقّ من شكوى العاشق حال الصدود، فاستخرت الله تعالى، ولفّقت كتاباً ثانياً يحذو حذو ذلك الكتاب الفاخر..».
موضوعات الكشكول
قد أفصح المؤلّف في ما تقدّم من كلامه عن التنوّع الذي يسِم كتابه، ففيه النوادر، والطرائف، واللطائف، والأشعار، والمواعظ، وغير ذلك. تقول الدكتورة دلال عباس صاحبة كتاب (بهاء الدين العاملي) في كلامها عن كشكول البهائي: «ليس ثمّة جدول من جداول المعرفة في عصر الشيخ البهائي إلّا تسرّبت منه فروع ومنعطفات إلى هذا الكتاب، إنّه يشبه تمام الشبه معرضاً من المعارض الحديثة، يُعرض فيه جميع ألوان المعارف بشكل مشعّث، لذلك يُمكن أن نعدّه من أروع الكتب وأكثرها فائدة، وأجمعها لفنون المعرفة، وقد طارت شهرته في الآفاق، واشتهر شهرة كبيرة في الأوساط العلمية والأدبية، حتّى أنّ شهرته غلبت على شهرة كتب البهائي الأخرى».
تُضيف: «حين نتوغّل في الكتاب نستقصيه بحثاً واطّلاعاً، تتبيّن لنا ميزاته وما اشتمل عليه من مسائل مختلفة، وأحاديث متفاوتة، وطرائف متنوّعة، ليس لها ترتيب أو تبويب أو ترقيم، وإنّما سُجّلت حسب استطراق الذهن إليها، أو عرضها عليه، أو تأثّره بها، وهي تدور حول ما اختلف فيه نظر العلماء، ودقّ فهمه وتفسيره من مشكلات الحديث، وعلم الفقه والأصول، وعلم الكلام والتصوّف والأخلاق، أو علم التفسير والتجويد والقراءات، أو علم النحو والصرف ومفردات اللغة، والقطع الشعريّة أو النثريّة التي طُويت على حكمة أو عبرة أو توجيه، وعلى التأريخ والأمثال، إلى جانب تعريفات عن الكيمياء والسيمياء، والنيرنجات، التي هي كما يقول من الشعوذة وليست من السحر، وعلم الطلاسم والجفر، وحتّى الموسيقى. كما أنّ فيه الكثير من الألغاز الشعريّة والنثريّة، وترجمة لجماعة من مشاهير العلماء والشعراء، وفيه كذلك بعض الوصفات الطبية والمنزلية، وفيه فصل كبير عمّا التبست معانيه وبعُدت مقاصده من عبارات الصحيفة السجادية، اجتهد المؤلّف في تفسيرها وتأويلها وتقريبها إلى الأفهام، كما أنّ فيه أبحاثاً مستلّة من كتبه الأخرى، ومعظم شعره العربي والفارسي».
مصادر الكتاب
إنّ مصادر الكتاب الأساسية هي كتب البهائي الأخرى، وأشعاره باللغتين العربية والفارسية، بالإضافة إلى مجموعة معارف مستقاة من كتب: التفسير والكلام والحديث، والفقه، والفلسفة، والتأريخ، والأدب وغيرها، تُناهز المئة وخمسين، إضافة إلى معلومات وبحوث خاصّة سجّلها البهائي لنفسه، وهو يذكر في الكشكول أنّه ينقل عن مجموعة جدّه شمس الدين محمّد بن علي الحارثي العاملي اللويزاني، التي قيل إنّ الشيخ شمس الدين شحنها من (طرائف الفوائد ونوادر الفرائد) نظماً ونثراً، وإنّ الشيخ شمس الدين أكثر النقل عن مجموعة الشهيد الأوّل التي كانت عنده بخطّه.
وإلى جانب الكتب التي تزخر بها مكتبته، استفاد البهائي من رحلاته، فاطّلع على بعض الكتب في مصر، وهو يذكر صراحة في (الكشكول) أنّه اطّلع على كتاب (الأغاني) في القدس ونقل عنه بعض المعلومات، كما أنّه ينقل عن كتاب (إحياء علوم الدين) للغزالي في أكثر من موضع، وفي حديثه عن عجائب الحيوان ينقل عن كتاب الدميري (حياة الحيوان) الذي ينقل بدوره عن ابن الأثير.
من الكتاب
* في التفسير: قال الشيخ الثقة أمين الدين أبي عليّ الطبَرسي عند قوله تعالى: ﴿إنّما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة..﴾ النساء:17، اختلفوا في معنى قوله تعالى على وجوه:
أحدها: أنّ كلّ معصية يفعلها العبد جهالة وإن كانت على سبيل العمد، لأنّها يدعو إليها الجهل، ويزيّنها للعبد "..".
وثانيها: أنّ معنى ﴿بجهالة﴾ أنّهم لا يعلمون كُنه ما فيه من العقوبة "..".
* في الحديث: من صحيح البخاري، باب مناقب فاطمة عليها السلام. حدثّنا أبو الوليد، حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي مليكة، عن المسوّر بن خرمة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: «فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها فقد أغضبني».
* في الحكمة: قال بعض العارفين: إذا أُشرب القلب حبّ الدنيا لم تنجع فيه كثرة المواعظ، كما أنّ الجسد إذا استحكم فيه الداء لم ينجع فيه كثرة الدواء.
* في الموعظة: قال عليّ بن الحسين، زين العابدين عليه السلام: «لا يفخر أحد على أحد، فإنّكم عبيد والمولى واحد».
* في الشعر: من قصائده الولائية في التعبير عن شوقه لصاحب الزمان عليه السلام يقول: لكاتب الأحرف بهاء الدين محمّد العاملي عفا الله عنه:
يا كراماً صبرنا عنهم مَحال |
إنّ حالي بعدكم في شرّ حال |
إن أتى من حيّكم ريحُ الشمال |
صرت لا أدري يميني من شمال |
حبّذا ريحٌ سرى من ذي سَلَم |
عن رُبى نجد وسلْع والعلَم |
أذهب الأحزان عنّا والألم |
والأماني أُدركت والهمّ زال |
يا أخلّائي بحُزوى والعقيق! |
لا يُطيق الهجر قلبي لا يطيق |
هل لمشتاق إليكم من طريق |
أم سددتم عنه أبواب الوصال؟ ! |
لا تلوموني على فرط الضجر |
ليس قلبي من حديد أو حجر |
فات مطلوبي ومحبوبي هجر |
والحشا في كل آن باشتعال |
من رأى وجدي لسكان الحجون |
قال: ما هذي هوى هذا جنون |
أيها اللوّام ماذا تبتغون |
قلبي المُضنى وعقلي ذو اعتقال؟ |
يا نزولاً بين سلع والصفا! |
يا كرام الحي يا أهل الوفا! |
كان لي قلبٌ حمول للجفا |
ضاع مني بين هاتيك التلال |
يا رعاك الله يا ريح الصَبا! |
إن تجُزْ يوماً على وادي قُبا |
سل أُهيل الحيّ من تلك الربى |
هجرهُم هذا دلالٌ أم مَلال ؟ |
جيرةٌ في هجرنا قد أسرفوا |
حالنا من بعدهم لا يوصف |
إن جفَوا أو واصلوا أو أتلفوا |
حبّهم في القلب باقٍ لا يزال "..". |