الموقع ما يزال قيد التجربة
..فتيةٌ آمنوا بربِّهم
أصحابُ الكهف والرّقيم
ــــــــــ إعداد: أحمد الحسيني ــــــــــ
جاء في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ قصة أصحاب الكهف، هي أحد الأمور الثلاثة التي أشارت اليهود على مشركي قريش أن يسألوا النبيّ صلّى الله عليه وآله عنها، ويختبروا بها صدقَه في دعوى النبوّة، والأمران الآخران هما: قصة النبيّ موسى وفَتاه، وقصّة ذي القرنين، فنزل الوحي عليه صلّى الله عليه وآله بسورة الكهف، وفيها تفصيلُ القصص الثلاث.
يتناول هذا التحقيق -المختصَر بمعظمه من بحثٍ مطوّل للعلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله في (تفسير الميزان، ج 13، تحت عنوان: كلام حول قصّة أصحاب الكهف في فصول)- قصّة أصحاب الكهف كما وردت في القرآن الكريم وفي مصادر المسلمين، مع وقفة عابرة على موارد الإختلاف في مصادر غيرهم، كما يقدّم ثبتاً وتعريفاً بالكهوف التي نُسب إليها «الفتية»، مرجّحاً أنّه المعروف بكهف «الرّجيب» قريباً من العاصمة الأردنيّة «عمّان».
ورد تفصيلُ القصّة في سورة الكهف المباركة؛ بدءاً من قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ الكهف:9، إلى قوله: ﴿قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به واسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا﴾ الكهف:26.
ويُفيدُ ما في هذه الآيات، وما يعضدُه من الأخبار والرّوايات في تفسيرها أنّ «أصحاب الكهف والرّقيم» فتيةٌ كانوا يعيشون في مجتمعٍ وَثَنيٍّ مشرك، تسرّبت إليه عقيدة التوحيد، فآمنت طائفةٌ منه، ومن جملتهم فتيةُ الكهف الذين كان إيمانُهم مكتوماً، ففي الرّواية عن الإمام الصادق عليه السلام: «ما بلغت تقيّةُ أحدٍ تقيّةَ أصحاب الكهف، إن كانوا لَيَشهدون الأعياد ويشدّون الزّنانير، فأعطاهم اللهُ أجرَهم مرّتين».
وفي عددٍ من المصادر، أنّ موطن أهل الكهف كان بمدينةٍ تُدعى «فيلادلفيا»، وأنّ أهلها كانوا موحِّدين على دين المسيح عليه السلام، فاحتُلّت مدينتهم من قِبل الجيش الروماني أيّام الطّاغية طراجان (حكم: 98 -117 م) الذي أصدر مرسوماً يقضي بقتل كلِّ عيسويّ يرفض عبادةَ الآلهة الرومانيّة، فارتدّ أقوامٌ وتكتّم آخرون، في طليعتهم أصحابُ الكهف الذين -كما تُصرّح الآيات القرآنيّة- آمنوا بالله تعالى إيماناً على بصيرة، فزادهم الله هدىً على هداهم، وربط على قلوبهم فلم يخشوا أحداً غيره، وعرفوا أنّهم لو أداموا المَكْثَ في مجتمعِهم الجاهل لم يسعهم دون أن يسيروا بسيرتهم، فلا يتفوّهوا بكلمة الحقّ ولا يتشرعّوا بشريعته، وعلموا أنَّ نجاتهم في اعتزال القوم ودخول الكهف، وذلك قوله تعالى: ﴿وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلّا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيّئ لكم من أمركم مرفقا﴾ الكهف:16.
ثمّ دخل الفتيةُ الكهف واستقرّوا على فجوةٍ منه [الفجوة: قيل الصفة أو المرتفع من الأرض]، وكلبُهم باسطٌ ذراعَيه بالوصيد، فدَعوا ربهم: ﴿..فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا﴾ الكهف:10، فضرب الله على آذانهم في الكهف سنين، ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنة وازدادوا تسعاً.
ثمّ إنَّ الله تعالى بعثهم بعد هذا الدهر الطويل، فقال قائلٌ منهم: كم لبثتم؟ قال قومٌ منهم: لبِثنا يوماً أو بعض يوم لِما وَجدوا من تغيُّر موقع الشعاع، فتردّدوا هل مرَّت عليهم ليلة أم لا؟ وقال آخرون: ﴿..ربكم أعلم بما لبثتم..﴾ الكهف:19، ثمّ قالوا: ﴿..فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه..﴾ الكهف:19 فإنّكم جياع، وليتلطّف الذاهب منكم إلى المدينة في مسيره إليها وشرائه الطعام ولا يشعرنَّ بكم أحداً، لأنّهم إذا علموا بمكانكم يرجُموكم أو يُجبروكم على عبادة آلهتِهم.
وكان هذا أوان أن يُعثِرَ الله سبحانه الناسَ عليهم، فإنَّ القوم الذين اعتزلوهم وفارقوهم يوم دخلوا الكهف قد انقرضوا وذهب الله بهم وبِمُلكهم ومِلَّتهم وجاء بقوم آخرين، الغلبةُ فيهم لأهل التوحيد، وقد اختلف هؤلاء -أهل التوحيد- وغيرهم في أمر المعاد، فأراد الله سبحانه أن يظهر لهم آيةً في ذلك، فَأَعْثَرهم على أصحاب الكهف. ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا..﴾ الكهف:21.
خرج المبعوث من الفتية وأتى المدينة فوجدَها قد تغيَّرت بما لم يعهدْ مثلَه، فلم يزل على حيرةٍ من الأمر حتّى أراد أن يشتري طعاماً بما عنده من الورق [المال] وهي يومئذٍ من الورق الرائجة قبل ثلاثة قرون، فأخذت المشاجرة فيها ولم تلبث دون أن كشفت عن الأمر العجيب، فشاع الخبر في المدينة لساعتِه، واجتمع جمٌّ غفير من أهلها فساروا إلى الكهف ومعهم الفتى المبعوث من أصحاب الكهف، فشاهدوا ما فيه تصديقَ الفتى، وظهرت لهم الآية الإلهيّة في أمر المعاد.
هذا، ولم يلبث أصحابُ الكهف بعد بَعْثِهم كثيراً دون أن توفّاهم الله سبحانه، وعند ذلك اختلف المجتمعون على باب الكهف من أهل المدينة ثانياً، فقال المشركون منهم: ابنوا عليهم بنياناً ربُّهم أعلم بهم، وقال الذين ﴿..غلبوا على أمرهم..﴾ الكهف:21 -وهم الموحِّدون- لَنَتّخذنّ عليهم مسجداً.
***
وفي سياق الآيات ما يُشير إلى خصوصيّات «رَقْدَة» أهل الكهف، والأسباب الطبيعيّة التي هيّأها الباري عزَّ وجلَّ لتستمرّ أكثر من ثلاثة قرونٍ متّصلة. من ذلك قوله تعالى:
1- ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ..﴾ الكهف:11 إشارة إلى تعطيل حاسّة السمع، حَذَر أن يوقظَهم صوتٌ من الخارج.
2- ﴿..وَنُقلّبُهُمْ ذاتَ اليْمَين وذاتَ الشّمَالِ..﴾ الكهف:19 وقايةً لهم من حدوث تقرّحات في جلودِهم، وحدوث الجلطات في الأوعية الدمويّة والرِّئتين.
3- ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ..﴾ الكهف:17 التّزاور هو التّمايل، والقرض هو القطع، والمقصود -على ما في بعض التفاسير- أنّ الشمس تُعطيهم اليسير من شعاعها، إصلاحاً لأجسادهم وللمحافظة عليها بمنع حصول الرّطوبة والتعفّن داخل الكهف، والشمس ضروريّة كما هو معلوم طبيّاً للتطهير، ولتقوية عظام الإنسان وأنسجتِه بتكوين الفيتامين دال.
4- ﴿..وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ الكهف:18، وفي هذا إشارة إلى الحماية لهم من العناصر الخارجيّة، بإلقاء الرَّهبة منهم وجعْلهم في حالة غريبة جداً غير مألوفة؛ لا هم بالموتى ولا بالأحياء، إذ يراهم الناظر كالأيقاظ ﴿وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود..﴾ الكهف:18، وفي الكلام تلويح إلى أنّهم كانوا مفتوحي الأعين حال نومهم ويتقلَّبون ولا يستيقظون، بحيث إنّ مَن يطّلع عليهم يهرب هلَعاً من مشهدهم، وكان لوجود الكلب في الوصيد دورٌ في حمايتهم. والوصيد، هو فناء الكهف، أو العتبة للباب كما في المعاجم.
وفي الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، ذِكرُ تفاصيل لم تتطرّق إليها الآيات القرآنيّة. منها أنّ أصحاب الكهف كانوا «صيارفة»، وفي (من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق أنّهم كانوا صيارفة كلام، ولم يكونوا صيارفة دراهم. وعلّق العلّامة المجلسي على هذه العبارة بالقول إنّ أصحاب الكهف كانوا نَقَدَة الأقاويل، فانتقدوا ما قرعَ أسماعَهم فأخذوا الحقّ ورفضوا الباطل، ولم يسمعوا أمانيَّ أهل الضّلال وأكاذيب رَهطِ السّفاهة.
وفي رواية عن أمير المؤمنين أنّ رقدتهم كانت ثلاثمائة سنة بسنيِّ الشمس، وثلاثمائة وتسع سنين بسنيّ القمر.
وفي (تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي) رواية منسوبة للإمام الصادق عليه السلام فيها أنّ الجبّار الذي هرب منه الفتية كان دقيانوس (حكم: 285 – 305 م)، وأنّه وكّل بباب المدينة ولم يدَع أحداً يخرج حتّى يسجد للأصنام، فخرج هؤلاء بِعِلّة الصيد، وذلك أنّهم مرُّوا براعٍ في طريقهم فدعوه إلى أمرِهم فلم يُجِبهم، وكان مع الرّاعي كلبٌ فأجابَهم الكلب وخرج معهم. وعلّق العلّامة الطباطبائي على هذه الرواية بالقول إنّها «من أوضح روايات القصة مَتْناً وأسلمها من التشوّش»، لكنّه توقّف عند بعض ما تضمّنته. وإذا صحّت نسبةُ هذه الرّواية إلى الإمام عليه السلام، فإنّ بَعْثَ أهل الكهف يكون بعد زمن القيصر ثيودوسيوس الثاني (حكم: 408 – 450 م)، كما هو المتدَاول في بعض المصادر.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام: «خرج أصحابُ الكهف على غير معرفةٍ ولا ميعاد، فلمّا صاروا في الصّحراء أخذ بعضهم على بعضٍ العهودَ والمواثيق، فأخذَ هذا على هذا وهذا على هذا، ثمّ قالوا أظهِِروا أمركم، فأظهَروه، فإذا هم على أمرٍ واحد».
وعنه عليه السلام: «يخرج للقائم عليه السلام من ظهر الكعبة سبعةٌ وعشرون رجلاً من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعةٌ من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وأبو دجانة الأنصاري، ومقدادُ بن الأسود، ومالك الأشتر، فيكونون بين يدَيه أنصاراً وحكّاماً».
وفي معظم المصادر الإسلاميّة أنّهم كانوا سبعةً وثامنُهم كلبهم، وأمّا أسماؤهم فقد تعدّدت الأقوال في ضبطِها، ذلك أنّها نُقلت من السريانيّة أو اليونانيّة أو اللّاتينيّة إلى العربيّة. ولم تثبت صحّة الرواية المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام والواردة في بعض مصادر المسلمين السنّة، وفيها ذِكرُ أسمائهم.
وفي هامش (تفسير الميزان) أنّ أسماء أصحاب الكهف في المصادر الإسلاميّة مأخوذة من روايات غيرهم. والمتداول منها هو:
1- مكسمليانوس (Maximilianos)
2- أمليخوس (lamblichos)
3- مرتينوس - مرطلوس (Martelos - Martinos)
4- ديونيسيوس Dionysios) )
5- يوانيس Joannes) )
6- إكساكدثوديانوس Exakoustodianos) )
7- أنطونيوس Antonios) )
واسم الكلب الذي كان معهم «قطمير».
وذُكر أنّ ستّة منهم كانوا من خواصّ الملك ومستَشاريه، وعن سبب تسميتهم بأصحاب الرّقيم قِيل: «إنّ قصّتهم كانت منقوشة في لوح (أو لوحين من نحاس) منصوبٍ هناك، أو محفوظٍ في خزانة الملوك، فبذلك سمّوا أصحابَ الرّقيم». وقِيل: إنَّ الرقيم اسمُ الجبل الذي فيه الكهف، أو الوادي الذي فيه الجبل، أو البلد الذي خرجوا منه إلى الكهف، أو الكلب الذي كان معهم.
وثمّة قولٌ شاذٌّ بأنَّ أصحاب الرّقيم غير أصحاب الكهف الذين فصّل الكتاب العزيز القول فيهم وأهمل الأوّلِين، لكنّ جمهور المحدّثين والمفسِّرين يقولون باتّحادهما.
هذا، وقد جمعت أكثر روايات القصّة من طرق أهل السنّة في (الدرّ المنثور)، ومن طرق المسلمين الشيعة في (بحار الأنوار) وتفسيرَي (البرهان) و(نور الثقلين)
القصةُ عند غير المسلمين
معظم أهل الرّواية والتاريخ على أنّ القصة وقعت في الفترة بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وبين المسيح عليه السلام، ولذلك لم يرِد ذكرُها في كُتب العهدَين، وإنْ اشتملت عدّة من الروايات على أنّ قريشاً تلقّت القصّة من اليهود، وإنّما اهتمّ بها النّصارى وتداولوها قديماً وحديثاً، غير أنّ روايتَهم تختلف عن روايات المسلمين في أمور.
أحدها: أنّ المصادر السريانيّة تذكر أنّ عدد أصحاب الكهف ثمانية، في حين يذكره المسلمون وكذا المصادر اليونانيّة والغربيّة سبعة.
ثانيها: أنّ قصّتهم خالية من ذِكر كلب أصحاب الكهف.
ثالثها: أنّهم ذكروا أنّ مدّة لبث أصحاب الكهف فيه مائتا سنة أو أقلّ، والمسلمون يذكر معظمُهم أنّه ثلاثمائة وتسع سنين على ما هو ظاهرُ القرآن الكريم.
أين كهفُ أصحاب الكهف؟
عُثِر في مختلف بقاع الأرض على عددٍ من الكهوف والغِيران، وعلى جدرانها تماثيلُ رجال ثلاثة أو خمسة أو سبعة ومعهم كلب، وفي بعضها بين أيديهم قربان يقرِّبونه، ويتمثّل عند الإنسان المطَّلع عليها قصّةُ أصحاب الكهف، ويقرب من الظنّ أنَّ هذه النقوش والتماثيل إشارة إلى قصة الفتية، وأنّها انتشرت وذاعَت -بعد وقوعها- في الأقطار، فأُخِذت ذكرى يتذكّر بها الرّهبان والمتجرِّدون للعبادة في هذه الكهوف. وأمّا الكهف الذي التجأ إليه واستخفى فيه أهل الكهف فجرى عليهم ما جرى، فالنّاس فيه في اختلاف، وقد ادُّعي ذلك في عدة مواضع:
الكهف الأوّل: كهف إفسوس (بكسر الهمزة والفاء). وإفسوس هذه مدينة خرِبة أثريّة واقعة في تركيا على مسافة 73 كيلومتراً من بلدة إزمير، والكهف على مسافة كيلومتر واحد أو أقلّ من إفسوس بقرب قرية «اياصولوك» بسفح جبل «ينايرداغ». وهو كهفٌ وسيع، فيه -على ما يقال- مئاتٌ من القبور مبنيّة من الطُّوب، وهو في سفح الجبل، وبابُه متّجه نحو الجهة الشمالية الشرقيّة، وليس بقربه أثرٌ لِمسجد أو صومعة أو كنيسة، وهذا الكهف هو الأعرفُ عند النّصارى، وقد ورد ذكرُه في عددٍ من روايات المسلمين. لكنّه -على الرغم من شهرته البالغة- لا ينطبق عليه ما ورد في الكتاب العزيز من المشخّصات، للأسباب التّالية:
أولاً: قال تعالى: ﴿وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال..﴾ الكهف:17، وهو صريح في أنّ الشمس يقع شعاعُها عند الطّلوع على جهة اليمين من الكهف وعند الغروب على الجانب الشمالي [اليسار] منه، ويلزمه أن يواجه بابُ الكهف جهةَ الجنوب، وباب الكهف الذي في إفسوس متجه نحو الشمال الشرقي . [فيكون المشرق على يسار الداخل والمغرب على يمينه، والاعتبار في الداخل لا الخارج من الكهف]
ثانياً: لِقوله تعالى: ﴿..وهم في فجوة منه..﴾ الكهف:17، أي في مرتفعٍ منه، ولا فجوة في كهف إفسوس على ما يقال، وهذا مبنيٌّ على كون الفجوة بمعنى المرتفع.
ثالثاً: قولُه تعالى: ﴿..قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا﴾ الكهف:21، ظاهرٌ في أنّهم بنوا على الكهف مسجداً، ولا أثر عند كهف إفسوس من مسجد أو صومعة أو نحوهما، وأقرب ما هناك كنيسة على مسافة ثلاث كيلو مترات تقريباً، ولا جهة تربطها بالكهف أصلاً. على أنّه ليس هناك شيء من رقيم أو كتابة أو أمر آخر يشهد، ولو بعض الشهادة، على كون بعض هاتيك القبور -وهي مئات- هي قبور أصحاب الكهف، أو أنّهم لبثوا هناك صفةً من الدهر راقدين ثمّ بعثهم الله ثمّ توفّاهم.
الكهف الثاني: كهف رجيب [قِيل إنّها تحوير كلمة رقيم]. وهذا الكهف واقعٌ على مسافة ثمانية كيلومترات من مدينة عمّان عاصمة الأردن بالقرب من قرية تسمى رجيب. والكهفُ محفورٌ في جبلٍ على صخرةٍ في السّفحِ الجنوبي منه، وأطرافُه من الجانبَين الشرقي والغربي مفتوحة يقع عليه شعاعُ الشمس منها، وباب الكهف يقابل جهة الجنوب، وفي داخل الكهف صفّة صغيرة تقرب من ثلاثة أمتار في مترين ونصف على جانب من سطحه المعادل لثلاثة أمتار في ثلاثة تقريباً.
وفي الغار عدّة قبور على هيئة النواويس البيزنطيّة كأنّها ثمانية أو سبعة. وعلى الجدران نقوش وخطوط باليوناني القديم والثّمودي منمَحية لا تُقرأ، وأيضاً صورة كلب مصبوغة بالحمرة وزخارف وتزويقات أخرى. وفوق الغار آثار صومعة بيزنطيّة تدلّ النقود والآثار الأخرى المكتشفَة فيها على كونها مبنيّة في أواخر القرن الخامس. وثمّة آثار أخرى تدلّ على أنَّ الصومعة بُدّلت -بعد استيلاء المسلمين على الأرض- مسجداً إسلاميّاً مشتملاً على المحراب والمئذنة والمَيضأة [مكان الوضوء]. وفي الساحة المقابلة لباب الكهف آثار مسجد آخر بناه المسلمون على أنقاضِ كنيسة بيزنطيّة، كما أنّ المسجد الذي فوق الكهف كذلك.
وكان هذا الكهف -على الرغم من اهتمام الناس بشأنه وعنايتهم بأمره كما تكشف عن ذلك الآثار- متروكاً منسيّاً، وبمرور الزمان صار خرِبةً وردْماً متهدّماً، حتّى اهتمّت دائرة الآثار الأردنيّة بالحفر والتنقيب فيه فاكتشفته فظَهر ثانياً بعد خفائه قروناً، وقامت عدّة من الإمارات والشّواهد الأثريّة على كونه هو كهف أصحاب الكهف المذكورين في القرآن الكريم. وقع هذا الحفر والإكتشاف سنة 1963 م، وألّف في ذلك متصدّيه الأثَري «رفيق وفا الدجاني» كتاباً سمّاه (اكتشاف كهف أهل الكهف) نشره سنة 1964 م.
وقد ورد في بعض روايات المسلمين أنّ كهف «أصحاب الكهف» هو الذي بعمّان، وذكرَه ياقوت الحموي في (معجم البلدان)، وقال إنّ الرّقيم اسمُ قريةٍ بالقرب من عمّان كان فيها قصر لبعضِ الملوك الأمويّين.
وبلدة عمّان -بدورها- مبنيّة في موضع مدينة «فيلادلفيا» التي كانت من أشهر مدن عصرِها وأجملها قبل ظهور الدّعوة الإسلاميّة، وكانت هي وما والاها تحت استيلاء الروم منذ أوائل القرن الثاني الميلادي حتى فتح المسلمون الأرضَ المقدّسة. والحقّ أنَّ مشخّصات كهف أهل الكهف أوضحُ انطباقاً على هذا الكهف من غيره.
الكهف الثالث: كهفٌ بجبل قاسيون بالقرب من الصالحيّة بدمشق الشّام.
الكهف الرابع: كهف بالبتراء من بلاد فلسطين [الأردن].
الكهف الخامس: كهف «سَنَم» في اليمن، وهناك مسجد يعرَف لدى الأهالي بمسجد السبعة ويبعد خمسين متراً عن الكهف، وفي سقفه تسعُ قباب، والقبور السّبعة خارج المسجد.
الكهف السادس : كهفٌ اكتُشف -على ما قيل- في شبه جزيرة اسكاندنافيّة من أوروبا الشماليّة، عثروا فيه على سبع جثثٍ غير بالية على هيئة الرومانيّين، يُظنّ أنّهم الفتية أصحاب الكهف.
الكهف السّابع: كهف بالقرب من بلدة نخجوان من بلاد قفقاز (هو إقليم بأذربيجان منفصل جغرافيّاً عن باقي أذربيجان، ومستقلّ بحكم ذاتي) يعتقد أهل تلك النواحي أنّه كهفُ أصحاب الكهف، وكان النّاس يقصدونه ويزورونَه.
على أنَّ المصادر التاريخية تكذّب الأَخِيرَين، إذ القصّة على أيِّ حال قصة رومانيّة، وسلطتُهم حتّى في أيّام مجدِهم وسؤددِهم لم تبلغ نواحي أوروبا الشماليّة والقَفقاز.
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.