الهديّة، والتّوحيد الأفعالي
الفرق بين الرّشوة والهديّة
_______إعداد: مازن حمّودي_______
كتاب (الشّمس السّاطعة) [مهر تابان بالفارسيّة] للسيّد محمّد حسين الطّهراني يحكي سيرةَ أستاذه العلّامة الطّباطبائي، صاحب (تفسير الميزان) رضوان الله عليهما. وفي ثنايا السِّيرة، يُورد السيّد الطّهراني إجاباتِ أستاذه على أسئلةٍ كان وجّهَها إليه، منها السؤال المدرَج هنا -مع الإجابة عليه- حول «الهديّة، والتوحيد الأفعالي». يلي ذلك، مقتطَف من كلام المولى النّراقي ونجله على الهديّة والرّشوة.
* سؤال التّلميذ (السيّد محمّد حسين الطّهراني): يقول البعض بأنّه لو جاء شخصٌ ما بهديّة للإنسان، فإنّ عليه قبولَها منه علی أساس مسألة «التّوحيد الأفعالي»، لأنَّ المُعطي هو الله، وليس ردُّ إحسان الله وهديّته بالأمر اللّائق. وأنَّ علی الشّخص السّالك أن يتجاهل -في مثل هذه المقامات- عزّةَ النّفس وكرامتَه مقابل هذا الإحسان، وأن يفتحَ لنفسِه -بقبولها بعنوان قبولٍ من الله- سبيلاً إلى التّوحيد الأفعالي.
أمّا البعض الآخر فلا يقبلون من أحدٍ شيئاً، وذلك تحت عنوان عزّة النفس ولملاحظات اُخرى. فماذا ينبغي علی السَّالك في طريق الله فعلُه في هذه الحال للوصول إلى مقصد التّوحيد؟ هل المقدَّم عزّةُ النّفس، أم العمل بموجب «التّوحيد الأفعالي» لحضرة الحقّ تعالى؟
وما أكثر ما يحصل أن تنطوي نيّة المُهدي علی نوع من العَطف والشَّفقَة، أو يكون فيها عنوان شِبه رشوة مقدّمة لطلبٍ لاحقٍ مشروعٍ أو غير مشروع، فيكون قبول هذه الهدايا في أغلب الأوقات مستلزماً حقّاً لذلك المُعطي، وهذا يستلزم منّةً لا يصحُّ للسّالك الخضوع لها. ومن جهة أُخرى فإنّ الامتناع وردَّ خَلْق الله تعالى مضرٌّ للسّالك هو الآخر.
* جواب الأُستاذ (العلّامة السيّد الطباطبائي): إنّ قبول الهديّة والتّحفة أمرٌ ضروريّ في حدّ نفسه ما لم يستلزم ذِلّةً وعواقبَ غير مشروعة. فردُّ الهديّة أمرٌ قبيحٌ غير مستحسَن.
والظّاهر أنّ هناك رواية واردة عن أمير المؤمنين عليه السلام تقول: «لا يردُّ الإحسانَ إلَّا الحمار!»، وأُخرى بمعنى أنّه لا يردّ الإحسان إلّا الحَجَر الصَّلد، أو الشّخص غير السّويِّ.
بلى، لو استتبَعَت الهديّة أحياناً مذلّةً ومنّةً وأمثالهما، لمَا كان قبولها مستحسَناً بحسب الظّاهر.
وعلی سالكِ طريقِ الله أن يلتفت إلى هذه الجهات. ويجب القول عموماً إنّ قبول الهديّة والتّحفة أمرٌ ضروريّ، وإنّ حكم «لا يردُّ الإحسان إلّا الحمار» حكمٌ كلّيٌّ مسجّلٌ إجمالاً. أمّا إذا استلزمت الهديّة المِنّة أو الذِلّة أو جوانب أخرى غير صحيحة، فإنّ الاعتبارات الأخلاقيّة ستمنع آنذاك من قبولها، لأنّ هذا القبول بالذلّة والمنّة نفسه، سيَسدُّ الطّريقَ علی السّالك.
(الشمس السّاطعة، دار المحجّة البيضاء)
الرّشوة والهديّة
قال المولى الشيخ محمّد مهدي النّراقي معرّفاً «الهديّة»:
* منها أن يرسل مالاً إلى بعض الإخوان طلباً للإستئناس، وتأكيداً للصّحبة والتّودّد. وهو من الهديّة، سواءً قَصَد به الثّواب أم قصد مجرّد الإستئناس والتّودُّد.
* ومنها أن يقصد بالبذل عوَض مالي معيَّن في العاجل، كأن يُهدي الفقير إلى الغنيّ شيئاً طمعاً في عوَض أكثر أو مساوٍ من ماله. وهذا أيضاً نوع هديّة، وحقيقتُه ترجِعُ إلى هبةٍ بشرطِ العوَض. قال إسحاقُ بنُ عمّار للإمام الصّادق عليه السلام: «الرجل الفقير يُهدي إليّ الهديّة، يتعرّض لِما عندي، فآخذُها ولا أُعطيه شيئاً، أيحِلُّ لي؟»، فأجابه عليه السلام: «نعم، هي لك حلال، ولكن لا تَدَع أن تُعطيه».
(جامع السّعادات - مختَصر)
وقال نجله الشيخ أحمد النّراقي في تعريف «الرّشوة»:
كلُّ مالٍ مبذولٍ لشخص للتّوصُّل به إلى فعلٍ صادرٍ منه، ولو مجرّد الكفّ عن شرّه لساناً أو يداً أو نحوهما فهو رشوة. ولا فرقَ في الفعل -الذي هو غايةُ البذل- أن يكون فعلاً حاضراً، أو متوقّعاً، كأنْ يبذلَ للقاضي لأجل أنّه لو حصل له خَصمٌ يحكمُ للباذل، وإنْ لم يكن له بالفعل خصمٌ حاضر، ولا خصومَة حاضرة.
(مستند الشيعة)