مجالس العلماء بالله: مصنع العقول السليمة التي لايخترمهاالسبات، فضلاً عن الأسر، فكيف بالهدم.
ومصنع القلوب السليمة التي تستضيء بنور العقل، فلا إلغاء العاطفة الذي يعني دفن القلب، ولاإلغاء العقل الذي يعني دفن الإنسان.
وهذه محاولة ننتقل معها إلى هذه المجالس بكل ما تحفل به من رحيق براعم الوحي وأزهاره، وشذا عطرها المحمدي، و أريجه المتضوع.
لئن كانت رحلة النحل بين الرياض الغناء، تعود علينا بشراب مختلف ألوانه، شفاء للناس، فماذا ينبغي أن نتوقع من رحلة العمر يمضيها عالم بين رياض النص المعصوم،تلقياً، وتدبراً،وتطبيقاً، ومراقبة للنفس في ذلك، ومعاودة الكرة لرفع مستوى التفاعل العملي مع النص.
حقاً، ماهي بعض دلالات"أمير النحل" و"يعسوب المؤمنين"!
ولئن كان كل ما يجود به العلماء بالله تعالى، شفاء للناس،في عالم الروح والمعنى، والظاهر والمادة أيضاً، فإن عطاءهم المميز،هو ذلك الذي نجده في "وصاياهم"سواء أكانت قد تجلت منهم كوصايا، كتلك التي يكتبونها لأولادهم،أو المريدين،أو جاءت كذلك بعفوالسجية والإسترسال.
وستكون البداية والمنطلق مع الرحيق الخميني، بعضَ وفاء لمجدد الإسلام العظيم، رضوان الله تعالى عليه، ثم تُعتمد بعد ذلك منهجية القلب المتجول، والطائر المتنقل، لنقطف من رياض هذه المجالس مايسر الله تعالى وسهل، مع مراعاة أولوية ماتمس الحاجة إليه، فإلى مجلس الإمام الخميني عليه الرحمة والرضوان[1]
1
إذا فكر الانسان العاقل لحظة، يفهم أن المقصود من بساط الخلق هذا .. شيء آخر.
إن الهدف هو العالم الأعلى والأكبر، وليست هذه الحياة الحيوانية مقصودة بالذات .. وعلى الإنسان العاقل أن يفكر بنفسه وأن يرحم حاله مسكنته .. ويخاطب نفسه:
أيتها النفس الشقية التي صرفت السنوات الطوال خلف الشهوات. لقد صرفت عمرك .. ولم يكن من نصيبك الا الحسرة، أفلا ينبغي أن ترحمي حالك قليلا .. أن تستحي من مالك الملوك وتمشي قليلا في طريق الهدف الأصلي. فان ذلك موجب للحياة المستمرة والسعادة الدائمة .. ولا تبيعي السعادة الدائمة بشهوات بضعة أيام فانية، فإن ذلك أيضا لا يمكن الحصول عليه حتى بالجهود المضنية.
فكري قليلا في حال أهل الدنيا من السابقين وإلى هذا الزمان الذي ترين .. لاحظي كم هي مشاقهم وآلامهم - في مقابل راحتهم - أكثر وأكبر، علماً بأن الراحة والسعادة لا يتوفران لكل شخص.
ذلك الإنسان الذي هو في صورة إنسان وهو من جنود الشيطان ومبعوث من قبله، ويدعوك الى الشهوات، ويقول: يجب تأمين الحياة المادية. تأمل قليلا في حاله، واستنطقه قليلا.. أنظر.. هل هو راض عن وضعه؟ أم أنه مبتلى، ويريد أن يبتلي مسكيناً آخر؟ وعلى كل حال تمنّ على ربك بعجز وتضرع ونحيب، أن يعرفك بوظائفك التي يجب أن تكون مد النظر في ما بينك وبينه، والأمل أن يفتح لك هذا التفكر بقصد جهاد الشيطان والنفس الأمارة طريقاً آخر، وتوفق لمنزل آخر من المجاهدة.[2]
واعلم أنه لايتم قطع أي شوط في المعارف الإلهية، إلا أن يبدأ الإنسان من ظاهر الشريعة. مالم يتأدب الإنسان بآداب الشريعة الحق،فلا يتيسر له أي من الأخلاق الحسنة على حقيقتها،ولايمكن أن يتجلى نور المعرفة الإلهية في قلبه، وينكشف له علم الباطن وأسرار الشريعة.
*أيها العزيز إجهد أن تكون صاحب عزم ومالك إرادة فإنك -لاسمح الله - اذا هاجرت من هذه الدنيا بدون عزم، ستكون صورة بلا لب، فلا تُحشر في ذلك العالم على صورة إنسان، لان ذلك العالم محل كشف الباطن وظهور السريرة. إن الجرأة على المعاصي تفقد الإنسان العزم شيئاً فشيئا وتسرق منه هذه الجوهرة الشريفة.
كان استاذنا المعظم[3] يقول :
الإستماع الى "التغنيات"[4] الأغاني يسلب الانسان الإرادة والعزم أكثر من أي شيء آخر. اذاً.. أيها الأخ :
أ- احترز من المعاصي.
ب- واعزم على الهجرة نحو الحق تعالى.
ت- واجعل الظاهر ظاهراً إنسانياً وأدخل نفسك في سلك أصحاب الشرائع المتدينين.
ث- واطلب من الله تبارك وتعالى في الخلوات أن يعينك في هذا الهدف.
ج- واجعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته شفعاءك، ليَمُنَّ الله تعالى عليك بالتوفيق ،ويأخذ بيدك ويجنبك الانزلاقات التي ستواجهك .. لأن الإنسان يواجه في أيام حياته منزلقات كثيرة، إلى حد أنه في آن واحد قد يكون سقوطه الى وادي الهلاك بحيث لا يستطيع بعد ذلك إلى النجاة سبيلا، بل إنه لا يفكر بالنجاة، بل لعل شفاعة الشافعين أيضا لاتشمله. نعوذ بالله تعالى.[5]
* أيها العزيز: تذكر عظمة إلهك وتذكر نعمه وألطافه،وتذكر حضوره. واترك التمرد على أوامره. وتغلب في هذه الحرب الخطيرة على جنود الشيطان واجعل مملكتك رحمانية وحقانية ولتكن مقراً لاقامة جيش الحق تعالى، بدلا من جنود الشيطان ليوفقك الله تبارك وتعالى في المجاهدة في مقام آخر، وميدان حرب أكبر، وهو جهاد النفس في عالم الباطن، والمقامِ الثاني للنفس.".."
واذكر أيضاً أن لا يكون لك أمل بنفسك في حال من الأحوال فلا يمكن لغير الله تعالى أن يفعل شيئاً. واطلب من الله تعالى بتضرع وعجز أن يوفقك في هذه المجاهدة ويتفضل عليك بالمعونة، ليكون النصر حليفك. إنه ولي التوفيق .[6]
***
*أيها العزيز : فكر .. وابحث عن حل .. واعثر على طريق النجاة ووسيلة الخلاص لنفسك، وألجأ الى الله أرحم الراحمين، والتمس في الليالي المظلمة من تلك الذات المقدسة بتضرع وعجز أن يعينك في جهاد النفس هذا، لتكون الغلبة حليفك إن شاء الله تعالى وتجعل مملكة وجودك رحمانية وتخرج منها جنود الشيطان، وتسلم البيت إلى صاحبه ليعطيك الله السعادات والبهجة والرحمات، فإن كل ما سمعته من وصف الجنة والحور والقصور أمام ذلك لا يعادل شيئاً، وتلك هي السلطنة الكلية الالهية التي أخبربها أولياء الله من هذه الملة البيضاء الحنيفة. والأعلى من ذلك هو تلك الامور التي لم تسمع بهاأذن احد ولا خطرت على قلب بشر.[7]
* للإنسان صورة وشكل ملكوتي غيبي .. وتلك الصورة تابعة لملكات النفس وخُلق الباطن في عالم ما بعد الموت، سواء كان البرزخ أو القيامة. إذا كان خُلُق الانسان الباطن وملكته وسريرته إنسانياً، فإن صورته الملكوتيه أيضاً صورة إنسانية، أما إذا كانت ملكاته غير الملكات الإنسانية فلن تكون صورته إنسانية! وستتبع الصورة تلك السريرة والملكة. مثلا : إذا غلبت ملكة الشهوة والبهيمية على باطنه، وأصبح حكم ملكة الباطن حكم البهيمة، فإن صورته الملكوتية صورة إحدى البهائم المتناسبة مع ذلك الخُلُق. وإذا غلبت ملكة الغضب والسبعية على باطنه وسريرته وأصبح حكم الباطن والسريرة حكم السبع، فإن صورته الغيبية صورة احد السباع. وإذا أصبح الوهم والشيطنة ملكة له، وأصبح الباطن والسريرة ذاتي ملكات شيطانية من قبيل الخدعة، والإحتيال، النميمة، الغيبة، تصبح صورة غيه وملكوته صورة أحد الشياطين المناسبة لذلك. وأحياناً يمكن وبطريقة التركيب أن تكون ملكتان أو عدة ملكات منشأ للصورة الملكوتية! عندها لاتكون الصورة بشكل أي من الحيوانات، بل تكون صورة غريبة مدهشة وموحشة لا تشبهها أية صورة في هذا العالم!!
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يحشر بعض الناس يوم القيامة على صور تحسن عندها صور القردة والخنازير"، بل من الممكن أن تكون للشخص الواحد في ذلك العالم عدة صور لأن ذلك العالم ليس كهذا العالم الذي لا يمكن فيه للشيء الواحد أن يتخذ أكثر من صورة (في آن واحد ) وهذا الأمر مطابق للبرهان أيضاً وهو مقرر في محله .
واعلم أن الميزان لهذه الصور المختلفة التي إحداها صورة إنسان والباقي أشياء أخرى .. هو وقت خروج النفس من هذا البدن، وظهور مملكة البرزخ وغلبة سلطان الآخرة التي أولها في البرزخ في وقت الخروج من البدن، حيث تتشكل الصورة الأخروية للإنسان وفق الملكة التي غادر بها الدنيا وتراه العين الملكوتية البرزخيه - وحتى هو نفسه، عندما تفتح عينه البرزخية- فإنه يرى نفسه بالصورة التي هو عليها، اذا كانت له عين!
لا تلازم بين الصورة التي يكون فيها الإنسان في هذه الدنيا وبين الصورة التي يظهر فيها هناك.
يقول الله تعالى حكاية عن بعضهم عند الحشر: قال رب لم حشرتني أعمى وقدكنت بصيرا قال كذلك أتتك أياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى"
أيها المسكين كانت لك عين مُلكية ترى الظاهر، إلا أن باطنك وملكوتك كان أعمى وأنت الآن تدرك عماك هذا، إلا أنه كان منذ البداية ولم تكن لك عين بصيرة باطنية يمكتك أن ترى بها ايات الله!
أيها المسكين، أنت ذو قامة مستقيمة وصورة مُلكية جميلة التركيب، إلا أن ميزان الملكوت والباطن غيرُ هذا.
يجب أن تحصل على الإستقامة الباطنية لتكون مستقيم القامة في القيامة. يجب أن تكون روحك روحاً إنسانية.