الشيخ حسين كوراني
مجالس العلماء بالله،مصنع العقول السليمة التي لايخترمهاالسبات ،فضلاً عن الأسر،فكيف بالهدم.ومصنع القلوب السليمة التي تستضيء بنور العقل،فلا تلغي العاطفة فذلك يعني دفن القلب،ولاتلغي العقل فهو يعني دفن الإنسان.
وهذه محاولة نتنقل معها في هذه المجالس بكل ماتحفل به من رحيق براعم الوحي وأزهاره،وشذا عطرها المحمدي،و أريجه المتضوع.
لئن كانت رحلة النحل بين الرياض الغناء، تعود علينا بشراب مختلف ألوانه، شفاء للناس،فماذا ينبغي أن نتوقع من رحلة العمر يمضيها عالمٌ بين رياض النص المعصوم،تلقياً، وتدبراً، وتطبيقاً، ومراقبة للنفس في ذلك، ومعاودة الكرة لرفع مستوى التفاعل العملي مع النص.
حقاً،ماهي بعض دلالات"أمير النحل" و"يعسوب المؤمنين"!
ولئن كان كلما يجود به العلماء بالله تعالى، شفاء للناس،في عالم الروح والمعنى، والظاهر والمادة، فإن عطاءهم المميز، هو ذلك الذي نجده في "وصاياهم" سواء أكانت قد تجلت منهم " وصايا " كتلك التي يكتبونها لأولادهم،أو المريدين،أو جاءت كالوصايا، بمطلق السجية والإسترسال.
ومازلنا مع الرحيق الخميني، بعضَ وفاء لمجدد الإسلام العظيمرضوان الله تعالى عليه، على أن تُعتمد بعد ذلك منهجية القلب المتجول، والطائر المتنقل، لنقطف من رياض هذه المجالس مايسَّر الله تعالى وسهل، مع مراعاة أولوية ماتمس الحاجة إليه. |
-8-
* في خطورة الرياء
يا أيها الشخص المرائي الذي أودعت العقائد الحقة والمعارف الإلهية بيد عدو الله تعالى الذي هو الشيطان، وأعطيت ما يختص بالحق تعالى للآخرين وبدَّلت تلك الأنوار التي تنير الروح والقلب وهي من رأسمال النجاة والسعادة الأبدية ومنبع اللقاء الإلهي وبذر جوار المحبوب - بدلتها - بالظلمات الموحشة، والشقاء، والهلاك الأبديين، وبرأسمال البعد عن ساحة قدس المحبوب والبعد عن لقاء حضرة الحق تعالى.
تهيأ للظلمات التي ليس بعدها نور، وللضيق الذي لا سعة بعده، والأمراض التي لا شفاء منها، والموت الذي لا حياة معه، والنار التي تظهر من القلب فتحرق ملكوت النفس وملك البدن إحراقاً لا يخطر على قلبي ولا قلبك كما يخبر الله تعالى في كتابه المنزل في الآية الشريفة : نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة .
من صفات النار التي هي نار الله الإستيلاء على القلوب وإحراقها.
ما من نارٍ تحرق القلب، إلا النار الالهية.
اذا فقدت فطرة الله وحل بدلاً منها الشرك والكفر فلا سبيل للإنسان بعدُ إلى شفاعة الشافعين، فيخلد في العذاب. وأي عذاب ؟ إنه العذاب الذي ينشأ من القهر الإلهي والغيرة الربوبية.
إذاً، أيها العزيز، لا تجعل نفسك مورداً للسخط والغضب الالهيين من أجل خيال باطل : محبوبية جزئية من العباد والضعفاء ، توجهٍ قلبيٍّ من الناس المساكين، ولا تبع أنواع المحبة الإلهية وتلك الكرامة اللامتناهية وتلك الألطاف والرحمات الربوبية، بمحبوبية لدى الخلق، ليس لها أي أثر، ولا تجني منها أي ثمرة إلا الندامة والحسرة.
عندما تقصر يدك عن هذا العالم الذي هو عالم الكسب وينقطع عملك، فلن ينفع الندم ولا ينفع الرجوع .
-9-
إن رب القلوب وصاحبها يوجهها إلى من يشاء ".. وقد" رأينا وسمعنا عن أشخاص متملقين، بوجهين، لم تكن قلوبهم طاهرة، فافتضح أمرهم في نهاية المطاف، وحصلوا على عكس ما أرادوا الحصول عليه كما أشير الى ذلك في الحديث الشريف : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل :فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا، قال عليه السلام : الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه الله، إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه ثم قال : ما من عبد أسرَّ خيراً، فذهبت الأيام أبداً حتى يظهر الله له خيراً، وما من عبد يُسِرُّ شراً، فذهبت الأيام حتى يظهر الله له شراً(1).
فيا أيها العزيز، أُطلب الخير من الله، أُطلب القلوب من صاحب القلوب لتتوجه اليك، أنت اعمل لله، وهو عز وجل بالإضافة إلى الكرامات الأخروية ونِعَمِ ذلك العالم سيشملك بألوان كرمه في هذا العالم، يجعلك محبوباً، يزيد من موقعك في القلوب، ويجعلك مرفوع الرأس في الدارين، ولكن اذا استطعت فخلِّص قلبك من هذا الحب كلياً. إمنح باطنك الصفاء ليصبح العمل خالصاً من هذه الجهة، ووجِّه قلبك نحو الحق، فتَخْلُصُ الروح من الأدران، وتزول كدورة النفس.
ما الفائدة من حب الناس الضعفاء وبغضهم؟
ما الفائدة من الشهرة والإسم عند العباد؟
لنفترض أن فيها فائدة لا تذكر جزئية لعدة أيام. من الممكن أن يؤدي هذا الحب بالإنسان في النتيجة إلى الرياء فيصبح - لا سمح الله - مشركاً ومنافقاً وكافراً، واذا لم يفتضح في هذا العالم فسيفتضح في ذلك العالم في محضر العدل الربوبي عند عباد الله الصالحين وأنبيائه العظام، وملائكته المقربين، ويكون مطأطيء الرأس مسكيناً.
وما أدراك ما فضيحة ذلك اليوم يعلم الله تعالى أي ظلمات يستتبعها الإنكسار في ذلك المحضر. إنه اليوم الذي يقول فيه الكافر كما أخبر الحق تعالى : يا ليتني كنت ترابا.
ولكن فات الأوان ..
(1) اصول الكافي ج 2 / كتاب الايمان والكفر – باب الرياء ح.4