المناسبات الوضعيّة
«عيد الأم» نموذجاً
_____أروى قصير قليط*_____
تسود مجتمعَنا مجموعة من العادات والتّقاليد، منها ما لها سند شرعي، ومنها ما ليس لها سند لا في القرآن الكريم ولا في السُّنّة النّبويّة الشّريفة. ومن هذه العادات التي تُعتبر من الصّنف الثّاني، هي الاحتفال ببعض المناسبات التي أُطلق عليها اسمُ العيد.
أصبحت بعض العادات متعمِّقة في جذور مجتمعنا بحيث يصعب التّخلِّي عنها بسهولة، وعندما يستنكرها البعض، يقول البعض الآخر أنّه صحيح أنّها أعياد وضعيّة، لكنّها صارت عُرْفاً في مجتمعنا.
وكأنّ علينا أن نمارس تلك المناسبات -التي كثيراً ما تكون هدفاً لترويج وبيع السِّلَع والمنتوجات- حتّى إذا ما صارت عُرْفاً قلنا لا بأس بها لأنّها عُرْف. فهل علينا أن نتبنَّى كلّ عُرْف اجتماعي ليصبح من صلب عادات مجتمعنا الإسلامي، حتّى لو أتى من الغرب، أم أنّه علينا أن ندرسه ونعرف أساس وجوده؟
وهنا ينطبق علينا قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: «لتتَّبعنَّ سُنَن مَن كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة، حتى لو دخلوا جُحَر ضبٍّ خَرِبٍ لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمَن؟».
ومن هذه الأعياد الوضعيّة «عيد رأس السّنة الميلاديّة» و«عيد الميلاد» مع أنَّ تأريخنا لا يقرّ بأنَّ عيسى عليه السلام ولد في مثل هذا اليوم. ومنها ما يسمَّى بـ «عيد الأم»، والباب مفتوح لأعياد جديدة...
عيد الأمّ
نحن هنا في صدد الكلام عن ما يسمُّونه بـ «عيد الأم». فهل في الإسلام عيد بهذا الإسم؟
الذي نعرفه أنّ أعيادنا أربعة. ففي (الخصال) لشيخنا الصَّدوق عن المفضل بن عمر قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كم للمسلمين من عيد؟ فقال: أربعة أعياد. قال: قلتُ: قد عرفتُ العيدَين والجمعة. فقال لي: أعظمُها وأشرفُها يوم الثامن عشر من ذي الحجّة»، لذا لا يحقّ لنا اختلاق أعياد جديدة.
وإذا قيل أنَّ لفظة العيد تطلق على مناسبة تكريم الأم من باب التّسامح اللّفظي، فهذا غير صائب. لأنَّ التّسامح اللّفظي هنا جعل منه عيداً عرفيّاً مشرَّعاً مع كونه عيداً وضعيّاً غربيّ المنشأ. وكما هو معروف أنَّ أساس هذه المسألة يعود إلى الإغريقيِّين الذين جعلوا لأمِّ الآلهة عيداً يقدِّمون لها النّذورات والهدايا، وانتشرت هذه العادة في الغرب ودخلت إلى العالم الإسلامي من خلال مصر.
أمَّا مسألة تحديد يوم خاصّ في السّنة لتكريم الأم، فهذا ما لم يَرِد في نهج رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولا في سيرة الأئمّة الأطهار عليهم السلام، ولم نعهده في السَّلَف الصَّالح. لأنَّ تكريم الأم والبِرّ بها تكليف يومي ألزم الله به الأبناء نحو آبائهم وخاصّة الأم، ولا يتوقَّف البرّ بها على زيارتها يوماً أو أيّاماً محدَّدة في السنة حاملين لها الهدايا والحلوى كما يحدث في الغرب.
وعلينا أن نعلم أنّ الشّريعة الإسلاميّة المقدَّسة أعطت للمرأة -وخاصّة الأم- من الإحترام والتّقديس ما لم تعطِه شريعة أخرى. قال تعالى: ﴿ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا..﴾ الأحقاف:15، و﴿..لا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا﴾ الإسراء:23-24.
فنحن المسلمون أُمرنا بِبِرِّ الوالدين ونُهينا عن العقوق وخاصّة عقوق الأم، التي جعل الله سبحانه برّها ثلاثة أضعاف برّ الأب. سُئل الرَّسول صلّى الله عليه وآله: «يا رسول الله، مَن أحقّ النّاس بصحبتي؟ قال: أمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أبوك». وأيضاً عنه صلّى الله عليه وآله: «الجنّة تحت أقدام الأمّهات».
فالأم إذاً أعظم وأجلّ من أن يجعَل لها يوم واحد في السّنة. إنَّها بحسب الإسلام تستحقّ أن يكون لها التّكريم والإحسان في كلّ يوم. وعلى الأبناء أن يتفقدّوها ويخدموها ويلبُّوا حاجاتها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. بل ومن البرِّ بها تقبيل يديها على الدّوام طلباً لرضاها الذي يُرضي الله سبحانه وتعالى، قال عزّ وجلّ: ﴿وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه وبالوالدين إحسانا..﴾ الإسراء:23.
هذا المفهوم الإسلامي في برّ الوالدين يختلف عن المفهوم الغربي الذي طغت عليه المادّية؛ حيث ينفصل الولد عن أبويه بعد بلوغه وربّما قبل ذلك، ويبني حياته المستقبليّة بمعزلٍ عنهما حتّى إذا ما تقدَّم بهما العمر أو بأحدهما أخذه إلى دار العجزة ليزوره مرّة في السّنة، حاملاً معه الهدايا والحلوى وغيرها.
وعندما ينظر البعض إلى أنَّ تخصيص يوم للأم هو من باب الوفاء والتّكريم لها وإعلاء شأنها وتوطيد العلاقة الرحميّة في الأسرة، نجد أنَّ هذا جيّد وصحيح لو اعتبرنا أنَّ النموذج الغربي في التّعامل مع الأبوين هو النّموذج المثالي.
ثمّ لماذا حدِّد يوم 21 آذار بالذّات، وهو تأريخ ميلادي وليس هجريّاً؟ بينما نحن مأمورون أن نبني حياتنا وننظِّمها في مختلف مجالاتها الدّينيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة على أساس التأريخ الهجري لا الميلادي.
قال تعالى: ﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والارض منها اربعة حرم..﴾ التوبة:36. ونحن لسنا في معرض التّوضيح لهذه المسألة، ومَن يريد الاستفهام عنها فليراجع كتاب (معرفة الإمام) المجلد السادس، للسيّد محمّد حسين الطهراني رحمه الله.
وإنَّ عدم اعتبار التّأريخ الهجري هو الأساس أدّى إلى التّشويش والإرباك، بل والتّناقض في كثير من مجالات حياتنا. مثلاً تدور الأيّام وسيصادف بعد سنوات قليلة ما يسمُّونه بـ «عيد الأم» في يوم ذكرى استشهاد الزهراء عليها السلام كما صادف منذ سنوات في أيّام عاشوراء، فهل يليق بنا أن نوزِّع بطاقات المعايدة بـ «عيد الأم» وقلب الزّهراء ينزف دماً على سيّد الشّهداء عليه السلام؟
وأيُّ عيدٍ هذا الذي يحمل التّناقض في أساس وجوده؟ إنَّ شريعة فيها تناقضاً ليست بشريعة الإسلام! وإنَّ هذا التّناقض دليلٌ على سقوط هذا المفهوم الغربي من الإعتبار وفشله في مماشاة شريعتنا الحقّة.
يوم المرأة
لقد أعلن قائد الثّورة الإسلاميّة الإمام الخميني قدّس سرّه يوم ولادة الزهراء عليها السلام يوماً لتكريم المرأة، والمرأة هي الزّوجة والإبنة والأخت والأم أيضاً. فإذا كان لا بدَّ من تخصيص يوم لتكريم الأم من باب كونه مرحلة انتقاليّة، فَلْيَكُن في ذكرى ولادة سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، لنستفيد من الفيوضات التي تتنزَّل في هذه الذّكرى العطرة المباركة.
علينا أن نجعل مناسباتنا الإسلاميّة هي الأساس، ومنها نستخلص تقاليدنا وعاداتنا تأسِّياً بالإمام الخميني قدّس سرّه عندما أعلن أنَّ يوم تكريم الجريح هو يوم ولادة أبي الفضل العباس عليه السلام.
ولنستبدل 21 آذار بـ 20 جمادى الآخر، و«عيد الميلاد» بمولد رسولنا الأكرم صلّى الله عليه وآله، علَّنا نستردّ جزءاً من هويّتنا الإسلاميّة قبل أن تضيع بالكامل.
إنَّ هذا المجتمع عليه أن يتهيَّأ لاستقبال إمامه عليه السلام، بتكريس الشّريعة الحقّة وعدم إقحام ما ليس منها فيها. فكلّ ما لم يُبْنَ على أساس الشّرع وآدابه، فقد بُنِي على شفا جرفٍ هار.
ولو كانت المسألة تتوقّف على ما يسمَّى بـ «عيد الأم» من باب النّظرة العاطفيّة من أنَّ كلّ ما يُعمل للأم فهو دون مقامها، لهان الأمر. إلّا أنَّ المسألة أبعد من هذا، لأنَّها ستجرّ معها الكثير من المناسبات المستحدَثة والمستورَدة في المستقبل.
لقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «طوبى لِمَن أدرك قائمَ أهل بيتي وهو يأتمُّ به في غيبتِه قبل قيامه، ويتولّى أولياءَه ويُعادي أعداءَه، ذلك من رفقائي وذَوي مودّتي وأكرم أمّتي عليَّ يوم القيامة».
جعلنا الله جميعنا من الذين يأتمُّون بسنَّته، ويعملون لنيل رضاه، أرواحنا فداه بمحمّد وآل محمّد.
* باحثة في القضايا الإسلامية