من لوازم الإيمان اليقظة وعلامتها المراقبة، وهي «قرار بالتزام قانون الله تعالى: الشّرعة والمنهاج» تماهياً مع اليقين والحبّ: اليقين به تعالى، وحبّه سبحانه.
في المناجاة الشعبانيّة: «وأن تجعلني ممّن يُديم ذكرك، ولا ينقضُ عهدك، ولا يغفل عن شكرك، ولا يستخفّ بأمرك. إلهي وألحقني بنور عزّك الأبهج، فأكون لك عارفاً، وعن سواك منحرفاً، ومنك خائفاً مراقباً، يا ذا الجلال والإكرام».
وأبرز كتب المراقبات: كتاب «إقبال الأعمال» لسيِّد العلماء المراقبين، السيّد إبن طاوس، و«المراقبات» للفقيه الكبير الشيخ الملكي التبريزي، وفي هديهما: هذا الباب (مراقبات). |
موصوفٌ بإجابة الدّعوات
أعمال شهر ذي القعدة
_______إعداد: «شعائر»_______
* شهر «ذو القعدة» أحدُ أشهر الحُرُم الأربعة؛ ذي القعدة، ذي الحجّة، محرّم، ورجب.
قال سيّد الفقهاء المراقبين السيّد ابن طاوس قدّس سرّه في (إقبال الأعمال): واعلم أنّه إذا كانت أشهرُ الحرُم قد اقتضت في الجاهلية والإسلام تركَ الحروب والسّكون عن الفعل الحرام، فكيف يُحتَمل في هذه الشهور أن تقع محاربةٌ بين العبد ومالكه في شيءٍ من الأمور، وكيف يستعظم الرَّجلُ وقوعَ المحارم بينَه وبين عبدٍ مثلِه، ولا يستعظم أضعاف ذلك بينه -وهو العبد- وبين مالك أمرِه كلّه، فالحذرَ الحذر من التّهاون بأمر الله تعالى في هذه الأوقات المحرّمة، وأن يهتك العبدُ شيئاً من حرمةِ شهورها المعظّمة.
أبرز أعمال الشّهر
* غسل وصلاة التّوبة في يوم الأحد من الشّهر.
** أعمال ليلة النّصف من الشّهر، وفي النبويّ الشريف أنّها ليلة مباركة.
*** صومُ ثلاثة أيّامٍ منه.
**** أعمال يوم دَحْو الأرض. |
إقبال الأعمال: شهر ذي القعدة هو الشّهر الذي دحا الله فيه الأرض وهيّأها للعالمين، فكأنّه مطيّة قد أُهديَت إليك لتوصلك إلى المسكن الجليل والموطن الجميل، وما يتّصل به من العطاء الجزيل. فاشكُر واهبَ تلك المطيّة واعرف حقَّه وحقَّها ".." وَلْيَكن حفظُك لحرمة هذا الشّهر بالقلب والعقل وحِفظ الجوارح، لتدرك ما فيه من الفضل الرّاجح، إن شاء الله تعالى. وهو شهرٌ موصوفٌ بإجابة الدّعوات، فاغتنم أوقاته وصُمْ فيه صيامَ الحاجات، وابدأ بالحوائج المهمّات على التّرتيب الذي يكون أهمّ عند مَن تُعرَض الحوائج عليه، فيوشك أن تظفر بما تقصد إليه، إن شاء الله تعالى.
إقبال الأعمال: عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن صام من شهرٍ حرام ثلاثة أيّام: الخميس والجمعة والسبت، كَتب الله له عبادة سنة».
إقبال الأعمال: عن أنس بن مالك، قال: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم الأحد في شهر ذي القعدة فقال: يا أيّها الناس، مَن كان منكم يريد التوبة؟
قلنا: كلّنا نريد التّوبة يا رسول الله.
فقال صلّى الله عليه وآله: اغتسِلوا وتوضّأوا وصلّوا أربع ركعات [كلّ ركعتين بتشهُّد وتسليم] واقرؤوا في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة، و(قل هو الله أحد) ثلاث مرّات، والمعوّذتين مرّة، ثمّ استغفروا سبعين مرّة، ثمّ اختموا بـ (لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِالله العَلِيِّ العَظِيمِ)، ثمّ قولوا: يا عَزِيزُ يا غَفَّارُ اغْفِرْ لِي ذُنوبِي وَذُنُوبَ جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.
ثمّ قال صلّى الله عليه وآله: ما مِن عبدٍ من أُمّتي فعلها إلّا نودي من السّماء: يا عبدَ الله استأنف العمل، فإنّك مقبول التوبة مغفورُ الذنب.
وينادي ملَك من تحت العرش: أيّها العبد بورك عليك وعلى أهلك وذريّتك.
وينادي منادٍ آخر: أيّها العبد ترضى خصماؤك يوم القيامة.
وينادي ملك آخر: أيّها العبد تموت على الإيمان، ولا يُسلب منك الدِّين، ويفسح في قبرك وينوَّر فيه.
وينادي منادٍ آخر: أيّها العبد يرضى أبواك وإنْ كانا ساخطَين، وغفر لأبويك ذلك ولذريّتك، وأنت في سعةٍ من الرِّزق في الدُّنيا والآخرة.
وينادي جبرئيل عليه السلام: أنا الذي آتيك مع ملك الموت عليه السلام أن يَرفق بك ولا يخدشك أثرُ الموت، إنّما تُخرج الرُّوح من جسدك سلّاً.
قلنا: يا رسول الله لو أنَّ عبداً يقول في غير الشّهر؟ فقال عليه السلام: مثلَ ما وصفتُ، وإنّما علّمني جبرئيل عليه السلام هذه الكلمات أيّام أُسرِيَ بي».
* في مثل هذا اليوم، كانت ولادة الإمام الرّؤوف، أبي الحسن عليِّ بن موسى الرّضا عليه السلام في المدينة المنوّرة، سنة 153 هجريّة.
إقبال الأعمال: عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنَّ في ذي القعدة ليلة مباركة، وهي ليلة الخامس عشر، ينظر الله إلى عباده المؤمنين فيها بالرَّحمة. أجرُ العامل فيها بطاعة الله أجر مئة سائح [الصّائم الملازم للمسجد] لم يعصِ الله طرفةَ عين، فإذا كان نصف اللّيل فخُذ في العمل بطاعة الله والصّلاة وطلب الحوائج، فقد رُوي أنّه لا يبقى أحدٌ سأل اللهَ فيها حاجةً إلّا أعطاه».
* في مثل هذا اليوم من سنة 203 للهجرة استُشهد الإمام الرّضا عليه السلام، ومن المسنون فيه زيارته عليه السلام من قُرب ومن بُعد. [مفاتيح الجنان: الباب الثالث، الفصل التاسع]
** (فقه الرّضا عليه السلام): عنه عليه السلام: «..إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: فرض عليَّ ربّي سبع عشرة ركعة ففرضتُ على نفسي، وأهل بيتي، وشيعتي بإزاء كلّ ركعة ركعتَين لتتمّ بذلك الفرائض ما يلحقها من التّقصير، والتامّ منها [أي في الحضر، لأنّ عدداً من النوافل تسقط في السفر] ثمان ركعات قبل زوال الشّمس، وهي صلاة الأوّابين [نافلة الظّهر]، وثمان بعد الظّهر وهي صلاة الخاشعين [نافلة العصر]، وأربع ركعات بين المغرب والعشاء الآخرة، وهي صلاة الذّاكرين [نافلة المغرب]، وركعتان بعد عشاء الآخرة من جلوس يحسب بركعة من قيام وهي صلاة الشّاكرين [نافلة العشاء الوتيرة]، وثمان ركعات صلاة اللّيل وهي صلاة الخائفين، وثلاث ركعات الوتر وهي صلاة الرّاغبين [ركعتا الشفع وركعة الوتر]، وركعتان عند الفجر وهي صلاة الحامدين [نافلة الصّبح]».
(ثواب الأعمال) للشيخ الصدوق: «قال الحسن بن الوشّاء: كنت مع أبي وأنا غلام، فتعشّينا عند الرّضا عليه السلام ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة، فقال له: ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة وُلد فيها إبراهيم عليه السلام، ووُلد فيها عيسى بنُ مريم، وفيها دُحِيَت الأرض من تحت الكعبة، فمَن صام ذلك اليوم كان كمَن صام ستّين شهراً».
مصباح المتهجّد: في اليوم الخامس والعشرين منه دُحيَت الأرض من تحت الكعبة.
يستحبّ صوم هذا اليوم، وروي أنَّ صومه يعدل صوم ستّين شهراً.
ويستحبّ أن يدعو في هذا اليوم بهذا الدُّعاء:
أللّهُمَّ داحِيَ الكَعْبَةِ وَفالِقَ الحَبَّةِ وَصارِفَ اللَّزْبَةِ [أي الشِّدَّة] وَكاشِفَ كُلِّ كُرْبَةٍ، أَسأَلُكَ فِي هذا اليَوْمِ مِنْ أَيَّامِكَ الَّتِي أَعْظَمْتَ حَقَّها وَأَقْدَمْتَ سَبْقَها وَجَعَلْتَها عِنْدَ المُؤْمِنِينَ وَدِيعَةً وَإِلَيْكَ ذَرِيعَةً، وَبِرَحْمَتِكَ الوَسِيعَةِ، أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ المُنْتَجَبِ فِي المِيثاقِ القَرِيبِ يَوْمَ التَّلاقِ فاتِقِ كُلِّ رَتْقٍ وَداعٍ إِلى كُلِّ حَقٍّ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ الأطْهارِ الهُداةِ المَنارِ دَعائِمِ الجَبَّارِ وَوُلاةِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَعْطِنا فِي يَوْمِنا هذا مِنْ عَطائِكَ المَخْزُونِ غَيْرَ مَقْطُوعٍ وَلا مَمْنُوعٍ، تَجْمَعُ لَنا بِهِ التَّوْبَةَ وَحُسْنَ الأوْبَةِ، يا خَيْرَ مَدْعُوٍّ وَأَكْرَمَ مَرْجُوٍّ يا كَفَيُّ يا وَفِيُّ، يا مَنْ لُطْفُهُ خَفِيُّ أُلطُفْ لِي بِلُطْفِكَ وَأسْعِدْنِي بِعَفْوِكَ وَأَيِّدْنِي بِنَصْرِكَ وَلا تُنْسِنِي كَرِيمَ ذِكْرِكَ بِوُلاةِ أَمْرِكَ وَحَفَظَةِ سِرِّكَ، وَاحْفَظْنِي مِنْ شَوائِبِ (شوايب) الدَّهْرِ إِلى يَوْمِ الحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَأَشْهِدْنِي أَوْلِياَءَكَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِي وَحُلُولِ رَمْسِي وَانْقِطاعِ عَمَلِي وَانْقَضاء أَجَلِي.
أللّهُمَّ وَاذْكُرْنِي عَلى طُولِ البِلى إِذا حَلَلْتُ بَيْنَ أَطْباقِ الثَّرى وَنَسِيَنِي النَّاسُونَ مِنَ الوَرى، وَأحْلِلْنِي دارَ المُقامَةِ وَبَوِّئْنِي مَنْزِلَ الكَرامَةِ وَاجْعَلْنِي مِنْ مُرافِقي أَوْلِيائِكَ وَأَهْلِ اجْتِبائِكَ واصْطِفائِكَ، وَبارِكْ لِي فِي لِقائِكَ وَارْزُقْنِي حُسْنَ العَمَلِ قَبْلَ حُلُوِل الأجَلِ بَريئاً مِنَ الزَّلَلِ وَسُوءِ الخَطَلِ.
أللّهُمَّ وَأَوْرِدْنِي حَوْضَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاسْقِنِي مِنْهُ مَشْرَباً رَوِيّاً سائِغاً هَنِيئاً لا أَظْمأُ بَعْدَهُ وَلا أُحَلَّأُ وِرْدَهُ [أي لا أُطرَد عنه] وَلا عَنْهُ أُذادُ، وَاجْعَلْهُ لِي خَيْرَ زادٍ وَأَوْفى مِيعادٍ يَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ.
أللّهُمَّ وَالْعَنْ جَبابِرَةَ الأوَّلِينَ وَالآخرينَ وَبِحُقُوقِ (ولحقوق) أَوْلِيائِكَ المُسْتَأْثِرِينَ، أللّهُمَّ وَاقْصِمْ دَعائِمَهُمْ وَأهْلِكْ أَشْياعَهُمْ وَعامِلَهُمْ وَعَجِّلْ مَهالِكَهُمْ وَاسْلُبْهُمْ مَمالِكَهُمْ وَضَيِّقْ عَلَيْهِمْ مَسالِكَهُمْ وَالعَنْ مُساهِمَهُمْ وَمُشارِكَهُمْ.
أللّهُمَّ وَعَجِّلْ فَرَجَ أَوْلِيائِكَ وَارْدُدْ عَلَيْهِمْ مَظالِمَهُمْ وأَظْهِرْ بِالحَقِّ قائِمَهُمْ وَاجْعَلْهُ لِدِينِكَ مُنْتَصِراً وَبِأَمْرِكَ فِي أَعْدائِكَ مُؤْتَمِراً.
أللّهُمَّ احْفُفْهُ بِملائِكَةِ النَّصْرِ وَبِما أَلْقَيْتَ إِلَيْهِ مِنَ الأمْرِ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ مُنْتَقِماً لَكَ حَتَّى تَرْضى وَيَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ جَدِيداً غَضّاً، وَيَمْحَضَ الحَقَّ مَحْضاً وَيَرْفُضَ الباطِلَ رَفْضاً.
أللّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى جَمِيعِ آبائِهِ وَاجْعَلْنا مِنْ صَحْبِهِ وَأُسْرَتِهِ وَابْعَثْنا فِي كَرَّتِهِ حَتَّى نَكُونَ فِي زَمانِهِ مِنْ أَعْوانِهِ، أللّهُمَّ أَدْرِكْ بِنا قِيامَهُ وَأَشْهِدْنا أَيَّامَهُ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَارْدُدْ إِلَيْنا سَلامَهُ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِ (عليهم) وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.
ومن أعمال هذا اليوم أيضاً:
الغسل.
ركعتان عند الضُّحى [بعد طلوع الشمس، وقبل صلاة الظّهر] بالحمد مرّة وسورة الشمس خمس مرّات، ويقول بعد التسليم: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِالله العَلِيِّ العَظِيمِ.
ثمّ يدعو وَيقول: يا مُقِيلَ العَثَراتِ أَقِلْنِي عَثْرَتِي، يا مُجِيبَ الدَّعَواتِ أَجِبْ دَعْوَتِي، يا سامِعَ الأصْواتِ إسْمَعْ صَوْتِي وَارْحَمْنِي وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتِي وَما عِنْدِي، يا ذا الجَلالِ وَالإكْرام.
زيارة الإمام الرضا عليه السلام، فقد ذكر السيّد محمّد باقر الأسترآبادي المعروف بالدّاماد (ت: 1041 هجريّة) في رسالته المسمّاة (الأَرْبعة أيّام) في خلال أعمال يوم دحو الأَرْض أنّ زيارته عليه السلام في هذا اليوم هي آكدُ آدابِه المسنونة.
* في مثل هذا اليوم من سنة 220 للهجرة، استُشهد الإمامُ التّقيّ، أبو جعفر محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام مسموماً وعمره الشّريف آنذاك خمس وعشرون سنةً وبضعة أشهر، ويقع قبره الشريف خلف قبر جدّه الإمام الكاظم عليه السلام، في الكاظميّة بضاحية بغداد.
** عن محمّد بن فضيل قال: «كتبتُ إلى محمّد التّقيّ عليه السلام أسأله أن يعلّمني دعاءً، فكتب إليّ، تقول إذا أصبحتَ وأمسيتَ: اللهُ اللهُ اللهُ ربّي الرّحمنُ الرّحيمُ، لا أُشرِكُ به شيئاً، ثمّ تدعو بما بدا لك في حاجتك فهو لكلِّ شيء بإذن الله تعالى يفعل الله ما يشاء».