ثوابُ المنتظِرين
يتَّضح من رواية (الغَيبة) المتقدّمة أنَّ انتظار ظهور الإمام المهديّ صلوات الله عليه بمنزلة الإقرار بالشّهادتَين، وبه تتمّ الولاية لآل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله. وأمّا الثّواب المترتِّب على الصّبر على غَيْبة القائم عجّل الله تعالى فرجه، فيُحدّثنا عنه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، في رواية طويلة عن أبي خالد الكابلي أوردها الشيخ الصّدوق في (كمال الدّين)، جاء في آخرها: «..ثمّ تمتد الغيبة بوليّ الله عزَّ وجلَّ الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله والأئمّة بعده. يا أبا خالد، إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظِرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنَّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغَيْبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجَعَلهم في ذلك الزَّمان بمنزلة المجاهدين بين يدَي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسَّيف، أولئك المخلِصون حقّاً وشيعتنا صدقاً، والدُّعاة إلى دين الله عزَّ وجلَّ سرّاً وجهراً».
كيفيّة الانتظار
كما تحثّ الرّوايات والأخبار على وجوب الانتظار، وتوضِّح مِن ثَمّ الثّواب المذخور للمنتظِرين، فإنّها تُبيّن سُبُل الانتظار الحقّ، وتُفصح عن مصاديقه. وبالتّمعُّن في النُّصوص الشّريفة الواردة في هذا الباب، يُمكن القول إنّ الانتظار المحمود يتحقّق -بعد معرفة الإمام والبيعة له وترقُّب ظهوره- بالصّبر عن المحارم والصّبر على الواجبات، أي بالامتناع عن المعاصي وبملازمة الطّاعات؛ ومن هنا يظهر اتّحاد مفهومَي الانتظار والجهاد الأكبر إلى حدٍّ بعيد.
عن الإمام الصّادق عليه السلام: «..إنَّ لنا دولة يَجيء اللهُ بها إذا شاء، ثمَّ قال: مَن سَرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظِر وليعمل بالوَرَع ومحاسن الأخلاق وهو منتظِر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر مَن أَدركه، فجِدّوا وانتظِروا، هنيئاً لكم أيَّتها العصابة المرحومة».
والرّوايةُ صريحةٌ في الحثّ على الجدّ والورع والعمل بمحاسن الأخلاق، وأنّها مجتمعةً مقدّمة للانتظار وترقُّب الخروج. (الغَيبة: ص 207)
أللّهمّ لا تجعَلني من المُعارين
في (الكافي) للكليني، عن الإمام الكاظم عليه السلام قولُه لبعض أصحابه: «أكثِر من أن تقول: أللّهمّ لا تجعلني من المُعارين، ولا تُخرجني من حدّ التقصير».
والمقصود بـ «المُعار» هو الذي أُعير الدِّين، أو كان الدِّين عنده وديعةً غير مستقرّ، كما في قوله تعالى: ﴿وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة، فمستقر ومستودع..﴾ الأنعام:98. وهذا الإنسان «المُعار» يُسلَب الإيمان بالامتحانات والابتلاءات الرّبّانيّة التي لا يَصبر عليها، لِضعف عقيدته وهشاشتِها، ولكونه مذَبذَباً لم يلجأ إلى ركنٍ وثيق، فهو لا يقينَ له.
رُوي عن الإمام الصّادق عليه السلام: «مع القائم عليه السلام من العرب شيءٌ يسير، فقيل له: إنَّ مَنْ يَصِف هذا الأمر منهم لَكثير! قال: لا بدّ للناس من أن يُمَحَّصوا ويُمَيَّزوا ويُغَربَلوا، وسيَخرج من الغربال خلقٌ كثير». (أنظر: الكافي، كتاب الحجّة، باب التمحيص والامتحان، ح 2)
في المقابل، هناك فئة من النّاس ظاهرُها مغايرٌ للحقّ، لكنّها لن تتوانى عن الإذعان له واللّحاق بِرَكب أهله متى أُتيحَ لها كشفُ الغشاوة عن أعيُنِها.
عن الإمام الصّادق عليه السلام: «إذا خَرج القائم عليه السلام خَرج من هذا الأمر مَن كان يُرى أنَّه من أهله، ودخل فيه شبِهُ عَبَدَة الشّمس والقمر». (الغَيبة: ص 332)
عند الظّهور
تحدّثنا الرّوايات عن بعض التّفاصيل المرتبطة بزمن الظّهور المبارك وما بعده، وما يكون من أمر الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وأمر أنصاره، وما يجري في العالَم من أحداث.
من ذلك، ما رُوي عن الإمام زين العابدين عليه السلام: «إذا قام قائمنا أَذهبَ اللهُ عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبَهم كَزُبُر الحديد، وجعل قوّة الرّجل منهم قوّة أربعين رجلاً، ويكونون حكَّام الأرض وسنامها». والسّنام من الأرض هو المرتفع، والمراد أنّ الرّفعة وعلوّ المنزلة تكون بعد قيام القائم عليه السلام لِشيعة أهل البيت عليهم السلام.
(الصدوق، الخصال: ص 541، جماعة المدرّسين)
وعن الإمام الباقر عليه السلام: «يَقوم القائم بأمرٍ جديد، وكتابٍ جديد، وقضاءٍ جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلَّا السَّيف، لا يَستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لَوْمة لائم». (الغَيبة: ص 238)
وبديهيٌّ أنّ المقصود بـ «كتاب جديد» أنّه صلوات الله عليه يُفسّر كتاب الله تعالى ويؤوِّل آياته على وجهها الصّحيح واليقيني، غير الوجه الظَّنّي الذي يقول به المفسّرون -من غير المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام- للقرآن الكريم، فهو تُرجمان كتاب الله تعالى كما في زيارة آل يس، وسليلُ «تراجمة الوَحْي»، كما في الزّيارة الجامعة.
وأمّا قوله عليه السلام: «ليس شأنه إلَّا السَّيف، لا يَستتيب أحداً»، فلأنّ الحجَّة البالغة تكون قد قامَت على الخَلْق عند ظهور الإمام المهدي صلوات الله عليه، فلا يخالفه إلَّا مُعاند أو مُستكبِر.