فكر ونظر

فكر ونظر

منذ أسبوع

الإمام الخامنئي شارحاً نظريّة ولاية الفقيه

الإمام الخامنئي شارحاً نظريّة ولاية الفقيه
الولاية أساس حاكميّة الإسلام
______إعداد: «شعائر»______


مُقتطف من كتاب صدر حديثاً بثلاثة مجلّدات تحت عنوان: «تاريخ الإمام الخميني.. بكلام وليّ أمر المسلمين السيّد عليّ الخامنئي». وقد قام بجمعه وتنسيقه السيّد علي عاشور، وصدر عن «مؤسّسة التاريخ الإسلامي» في بيروت.
في هذه المقالة يشرح السيّد الخامنئي مفهوم ولاية الفقيه عند الإمام الخميني قدّس سرّه، إنطلاقاً من كَوْن الإعتقاد بالولاية هو أساس الحاكميّة في الإسلام.
«شعائر»

تشكِّل ولاية الفقيه عند الإمام الخميني الدّعامة الأساسيّة لحاكميّة الإسلام؛ فرغم تباين آراء العلماء حول ضيق وَسِعة دائرة ولاية الفقيه، إلَّا أنَّ أصل النّظريّة هو من واضحات الفقه الإسلامي.
وإذا لم يكن البعض قد طرحها في الماضي، أو نظروا إليها بفتور، فذلك يُعزى إلى أنّهم رأوا عدم جدوى طرح ما لا يمكن تحقيقه عمليّاً. وإلَّا فليس هناك من الفقهاء مَن يُجيز سيادة حكم آخر غير حكم الإسلام، وهذا ما يمكن ملاحظته في مختلف أبواب الفقه، وهو من المسلَّمات.
والتّعابير التي استخدمها المرحوم صاحب (الجواهر) [كتاب (جواهر الكلام) للشيخ محمّد حسن النجفي، ت:1266 للهجرة] حول ولاية الفقيه، تدلّ على أنّها تُعتبر في رأيه أيضاً من الواضحات؛ فتعابيره، ليس في باب الولاية على الصّغائر فحسب، بل حتّى في باب الجهاد والأبواب الفقهيّة الأخرى، تدلّ على أنّه ينظر إلى دائرة الولاية بتلك السّعة كجزء من واضحات الفقه الإسلامي.
كما صرّح فقهاء آخرون كالمرحوم النّراقي بهذه المسألة، غير أنّنا لسنا بصدد طرح رأيه حاليّاً، وإنّما نقصر حديثنا على أولئك الذين لم يعرضوا هذه المسألة في مباحثهم.
والغرض من ذلك هو التّأكيد على أنَّ ولاية الفقيه أساساً متيناً، وقد طَرح الإمام الخميني قدس سرّه مشروعه بناءً على ذلك الأساس.
إذاً فولاية الفقيه في قيادة المجتمع وإدراة المسائل الإجتماعّية في كلّ عصر وزمان من أركان المذهب الحقّ الإثني عشري، ولها جذور في أصل الإمامة، ومَن أَوصله الإستدلال إلى عدم القول بها فهو معذور، ولكن لا يجوز له بثّ التّفرقة والخلاف.
وهي حكم شرعي تعبُّدي، يؤيّده العقل أيضاً، وهناك طريق عقلائي لتعيين مصداقه مبيَّن في دستور الجمهوريّة الإسلاميّة.

تعريف ولاية الفقيه

والمُراد بالولاية المطلَقة للفقيه الجامع للشّرائط، هو أنَّ الدِّين الإسلامي الحنيف -الذي هو خاتم الأديان السماويّة، والباقي إلى يوم القيامة- هو دين الحكم، وإدارة شؤون المجتمع، فلا بدَّ أن يكون للمجتمع الإسلامي بكلّ طبقاته وليّ أمر، وحاكم شَرْع، وقائد ليَحفظ الأمّة من أعداء الإسلام والمسلمين، وليَحفظ نظامهم وليقوم بإقامة العدل فيهم، وبمنع تعدِّي القويّ على الضّعيف، وبتأمين وسائل التّقدُّم والتّطوُّر الثّقافيّة، والسّياسيّة، والإجتماعيّة، والإزدهار لهم.
وهذا الأمر في مقام تنفيذه عمليّاً قد يتعارض مع رغبات، وأطماع، ومنافع، وحريّات بعض الأشخاص، ويجب على حاكِم المسلمين حين قيامه بمهامِّ القيادة على ضوء الفقه الإسلامي، اتّخاذ الإجراءات اللَّازمة عند تشخيص الحاجة إلى ذلك. ولا بدَّ من أن تكون إرادته وصلاحيّته في ما يرجع إلى المصالح العامّة للإسلام والمسلمين، حاكمة على إرادة وصلاحيّات عامّة النّاس عند التّعارض، وهذه نبذة يسيرة عن معنى الولاية المطلقة.

معنى الولاية

والولاية ذات معنىً عميق في الأساس [وهو بمعنى قريب الشّيئين من بعضهما] قريب الشَّيئين من بعضهما. فإذا أُبرم حبلان -على سبيل المثال- مع بعضهما حتى لا يعود من السَّهل نقضهما، يُطلق عليه باللّغة العربيّة «وليّ». والولاية تعني الإتّصال المباشر والصِّلة الوثيقة بين الشَّيئَين. وجميع المعاني التي وردت في اللّغة لكلمة الولاية؛ من قبيل المحبّة، والقيمومة، وما إلى ذلك من المعاني الأُخرى التي يناهز عددها السّبعة أو الثّمانية، يعبّر كل واحد منها عن نوع من القُرب والصِّلة القائمة بين الطَّرفَين اللَّذَين تجمعهما الولاية، فتطلق الولاية على المحبّة -مثلاً- لوجود علاقة معنويّة بين المُحبّ والمحبوب ولا يمكن فصلهما بهذه السهولة.
يعبِّر الإسلام عن الحكومة بكلمة «الولاية»، ويعبِّر عن الشّخص الذي يكون على رأس الحكومة بكلمات الوالي، والمولى، وهي بأجمعها مشتقَّة من كلمة الولاية. فما معنى هذا؟ يعني هذا في النّظام السّياسي للإسلام أنَّ الشّخص الذي يتصدَّى لزِمام الأمور تربطه مع النّاس، الذين بيده زمام حكمهم، صلات وثيقة لا تُفصَم عُراها. وهذا ما يعكس لنا الفلسفة السّياسيّة للإسلام في قضيّة الحكومة.
وكلّ حكومة لا تقوم على هذه الصّورة، فما هي بالولاية ولا هي بالحكومة التي يصبو إليها الإسلام. فإذا افترضنا على رأس الحكومة أشخاصاً لا يرتبطون بأيّة صِلات مع الشعب، فلا ولاية هنا.
أو إذا كانت العلاقة مبنيّة على الخوف والإرهاب -أي خالية من المودَّة والمحبَّة- فما هي من الولاية في شيء.
وإذا ما تسلَّم أحد السُّلطة عن طريق الإنقلاب، فلا ولاية هنا.
وإذا آل الحُكم إلى شخص بالوراثة والصِّلة النَّسَبيّة -بدون التّحلِّي بالفضائل والكفاءات الحقيقيّة التي هي شرط في الحكومة- فليست هذه ولاية.
الولاية تَصدُق حيثما يرتبط الوليّ أو الوالي مع النّاس الّذين يتولَّاهم بصِلاتٍ وثيقة وحميمة، كما هو الحال بالنّسبة لرسول الله صلّى الله عليه وآله، الذي «بُعث من أنفسهم» أو «بُعث منهم». أي أن يكون الشّخص الذي يأخذ بولاية النّاس، من الناّس أنفسهم، وهذه هي الرّكيزة الأساسيّة في حاكميّة الإسلام.
من الطّبيعي أنّ المعايير محفوظة في موضعها: فإذا كانت لأحد صِلة مع الشّعب بدون التّحلّي بتلك المعايير الحقيقيّة (كالفقاهة)، فهذه أيضاً ليست ولاية؛ إذ تلك الملاكات والمعايير معدومة في حقِّه، حتى وإنْ تَحلَّى ببُعْدٍ آخر.
وحينما يكون على رأس أحد الأنظمة وليّ الله - كالرّسول الكريم صلّى الله عليه وآله، أو أمير المؤمنين عليه السلام- فذلك المجتمع هو مجتمع الولاية، والنّظام نظام الولاية.
والولاية أيضاً صفة للمنصب الذي كان لرسول الله صلّى الله عليه وآله ولأوصيائه عليهم السلام من بعده بأمر الله، وهي أيضاً خاصِّيّة من خصائص المجتمع الإسلامي الذي كان يعيش في ظلِّ تلك الحكومة ويستمدّ معناه من معانيها.

المفهوم الكلِّي للولاية

إنَّ الولاية كَصِفة للحكومة في الإسلام وكمؤشِّر يميِّز النّظام الإجتماعي والسّياسي في الإسلام، لها معنى دقيق وذو مغزى، يعكس المعنى الأصلي للولاية، وذلك هو التّرابط والتّلاحم والإنسجام والتّداخل، والذي تتداعى على أثره إلى الأذهان معاني الوحدة والتّكاتف والعمل الموحّد والتضامن ووحدة الطريق والهدف والإتّحاد في كلّ الشّؤون السّياسيّة والإجتماعيّة.
الولاية تعني التّرابط: ﴿..والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا..﴾ الأنفال:72. أي إنَّ هذا التّرابط بين أفراد المجتمع الإسلامي يحصل بالهجرة، وليس بالإيمان وحده. فالتّرابط الولائي الذي يُعَدُّ ظاهرة سياسيّة واجتماعيّة وموقفاً مصيريّاً في الحياة، يتحقّق بالجهد والحركة والهجرة والعمل المُشترَك والموقف الموحَّد. ولهذا لا يكون الوليّ في النّظام الإسلامي بمعزل عن الأمّة.
فالولاية تعني التّلاحم والإنسجام والتّرابط، كما وتعني في أحد أبعادها المحبّة، وتعني في موضعٍ آخَر التّآزر والتّعاون. وهذه المعاني كلّها تمثِّل في الواقع مصاديقاً للإرتباط والتّضامن والإتّحاد والوحدة؛ أمّا المعنى الحقيقي فهو الإتّحاد والتّلاحم.
إذا نظرنا إلى المجتمع الإسلام بهذا المنظار، تتّخذ الوحدة الإجتماعيّة، والوحدة السّياسيّة، والوحدة المعنويّة والرّوحية والعمليّة، أبعاداً عميقة تبلور أمامنا معاني الكثير من المعارف الإسلاميّة كالسَّير باتّجاه مركَز عالم الوجود، وباتّجاه ولاية الله؛ فذرّات الوجود كلّها -شاءت أم أَبَت- تدور في إطار ولاية الله، والإنسان الواعي الذي يُحسن الإختيار، يختار الولاية الإلهيّة ويسير في مسارِها، وينال محبّة الله ويمتلئ بها قلبه.


ولاية القانون

ولايةُ الفقيه في جوهرها هي ولاية القانون. الفقه هو القانون الإلهي الذي يغطّي جميع حاجات النّفس البشريّة وحركة الحياة. إنّه فقه القلب والحياة.
يمتاز القانون الإلهي بالكمال والشّمول «حتّى أرش الخدش» إلى جانب الدّقّة والعُمْق، فهو يُجيب على كثيرٍ من الأسئلة ويحلّ كثيراً من المعضلات القانونيّة التي تغيب عن اهتمام كلّ القوانين الوضعيّة.
يرجع السّبب في ذلك -بكلِّ مباشرة وشفّافيّة- إلى أنَّ المُقَنِّن هو الله تعالى خالق الإنسان ﴿ألا يعلم من خَلَق وهو اللطيف الخبير﴾ الملك:14.
يُوضِح -من بعيدٍ- الفرقَ بين الفقه الذي هو القانون الإلهي، وبين كلّ القوانين البشريّة، مدى الفرق بين عِلم المُخترِع باختراعه بكلِّ خصائصه والدّقائق، وبين عِلم الميكانيكي أو التّقني بتشغيل هذا الإختراع.
هذا القانون هو المعبَّر عنه بـ «الفقه» و«حدود الله» و«الشّريعة» و«الشّرعة والمنهاج» و«الرّسالة العمليّة» و«الفتاوى» و«الأحكام الخمسة».
مِن أبرز خصائص هذا الفقه -القانون- التّدريب على الإلتزام بـ«الواجب» -سواءً في مجال أدائه، أو لتقوية الإلتزام به، والمساعدة على عدم تركه- من خلال «𩢻فعل المُستحبّ».
وكذلك التّدريب على عدم الوقوع في «الحرام» من خلال «ترك المكروه». وهما- التّدريبان- خصيصتا تحصينٍ لأبرز مواد القانون كي تتعسَّر استباحتها، يُوضِح ذلك مثال العلامات الصفراء قبل العلامات الحمراء وخطِّ الخطرعلى شفير الوادي مثلاً.
هذا القانون الأكمل بل المتفرِّد بالكمال لأنّه من الله تعالى له الولاية على النّاس. ولاية «قانون الله» فرع ولاية الله تعالى.
وكما لا يمكن التزام أي قانونٍ إلَّا بمعرفته من المُختَصّ، إلى حيث تلزم الإستشارات القانونيّة دائماً وبلا انقطاع، كذلك لا يُمكن التزام القانون الإلهي وإعمال ولايته إلَّا من خلال المُختَصّ الذي هو «الفقيه». ولاية الفقيه -إذاً- فرع ولاية الفقه. ولاية الفقيه، ولاية القانون.

«شعائر»


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ أسبوع

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات