السيّدة نجمة، أُمُّ الرّضا والمعصومة عليهما السلام
أكثر أمّهات الأئمّة الإثني عشر من غير العرب
ـــــ تحرير: محمد سلامة ـــــ
* السيّدة التقيّة الوَرِعة العفيفة؛ نَجمة، أمُّ الإمام عليّ بن موسى الرّضا، وأمّ شقيقتِه السيّدة فاطمة «المعصومة»، تُكنّى بـ «أُمّ البنين»، وتُسمّى بـ «أروى»، و«سكَن النوبيّة»، و«سمان»، و«تُكتم».. وهو آخرُ أسمائها.
* أكثر أمَّهات الأئمّة جوارٍ من غير العرب، فأُمُّ كلٍّ من السجّاد والكاظم والرّضا والجواد والهادي والعسكري والحجّة عليهم السلام أُمّهات أولاد، وَقَعْنَ في الأسر، واقترن بهنّ الأئمّة عليهم السلام. |
لا بدّ لنا من التّعرّف على أمّ السيّدة المعصومة لنتمكّن من الخروج بصورة واضحة عن الجوّ الذي عاشت فيه هذه السيّدة الجليلة «المعصومة»، والبيت الذي تلقّت فيه تربيتَها، فإنّ للأب والأمّ دورَهما الكبير الفعّال في سلوك الوليد ونشأتِه، وانعكاس أخلاق الأبوَين عليه.
أمّ السيّدة المعصومة هي «تُكْتَم»، وتسمّى نجمة، وأروى، و«سمانة» [وقِيل: «سُمان»]، وأمّ البنين، وخيزران، وصقر، والطّاهرة ".." و سكينة، وسلامة، وتحيّة، ونجيّة، وسُها، وشَهد. [وأشهرُ هذه الأسماء، نجمة، و«تُكْتَم» (بضمِّ التّاء الأولى، وسكون الكاف، وفتح التَّاء الثانية، ويطلق هذا الإسم على بئر زمزم)]
[أورد الشيخ الصّدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السلام): قال الصّولي: والدّليل على أنّ اسمها "تُكتَم" قول الشاعر يمدح الرّضا عليه السلام:
ألا إنّ خيرَ الناس نفْساً ووالداً ورَهْطاً وأجداداً عليُّ المُعَظَّمُ
أَتَتْنا به للعلم والحِلم ثامناً إماماً يؤدِّي حجةَ الله تُكْتَمُ ]
وقال الشيخ الصّدوق أيضاً: «وقد روى قومٌ أنّ أمّ الرضا عليه السلام تسمّى سَكَن النّوبيّة، وسُمّيت أروى، وسُمّيت نجمة، وسُمّيت سُمان، وتكنّى أمّ البنين».
[ويظهر -بملاحظة الرّوايات المختلفة- أنّ اسمها كان «نجمة»، ثم أطلِقَ عليها اسم «تُكتَم» عندما كانت مع أمّ الإمام الكاظم عليه السلام، ثم أُطلِق عليها اسم «الطّاهرة» بعد ولادة الإمام الرضا عليه السلام.
وقد ذُكِرت أسبابٌ لتعدّد أسماء أمّهات الأئمّة عليهم السلام، أبرزُها هو السبب الأمني؛ نظراً إلى أنّ السلطات كانت تعرف الثابتَ من حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله حول تسلسلِ الأئمّة الإثني عشر، وكانت تتعقّبُهم تعقّبَ فرعون لموسى عليه السلام قبل ولادته].
وهي -رضوان الله تعالى عليها- وإنْ كانت جاريةً أمّ وَلد، إلّا أنّ لها من الفضل والجلال والعفّة والعبادة ما فاقت به نساءَ زمانها، فكانت بذلك قرينةً لإمامٍ معصوم، وأمّاً لإمامٍ معصوم، وسنشيرُ إلى بعض خصائصِها ومميّزاتها في ما سيأتي.
أُمّهات أكثر الأئمّة عليهم السلام من الجواري.. لماذا؟
|
يدعو إلى الالتفات ويثيرُ التساؤل، أنَّ أكثر أمّهات الأئمّة جوارٍ من غير العرب، فأُمُّ كلٍّ من السجّاد والكاظم والرّضا والجواد والهادي والعسكري والحجّة عليهم السلام أمّهات أولاد، وقَعنَ في الأَسر، واقترن بهنّ الأئمّة عليهم السلام، مع ".." أنّ مسألة الإمامة ليست من المسائل العادية، فإنّها تستوجب الحِيطة والحذَر في كلِّ ما يرتبط بولادة الإمام المعصوم وتربيتِه ونشأته، وكما أنّ الأب ينبغي أن يكون في أعلى درجات الكمال الممكن، فكذلك الأم، وعلى ذلك قامت الأدلّة.
وهذا البحث جديرٌ بالعناية والدّراسة، وإنّما نذكرُه هنا لِصلتِه القويّة بما نحن فيه، وذلك لما أشرنا إليه من أنّ السيّدة المعصومة شقيقة الإمام الرضا عليه السلام، فأمُّهما واحدة وهي السيّدة تُكْتَم.
والسؤال: ما هو السرّ في اختيار الأئمّة عليهم السلام للجواري من دون الحرائر العربيّات من البيوتات الرفيعة ذات المنزلة الاجتماعية؟ ولماذا يقترن الأئمّة عليهم السلام بالجواري لِيَلِدنَ لهم أفضل الأولاد والبنات؟
يظهر من خلال دراسة بعض المفاهيم العامّة والقواعد الأساسية أنّ وراء اختيار الأئمة عليهم السلام الجواري أسباباً أهمّها أنَّه ممّا لا شك فيه أن أئمّة أهل البيت عليهم السلام قد أوتوا العلمَ بحقائق الأمور والأشياء، ومعرفة مداخلها ومخارجها، ومنها العلم بأحوال النّاس وخصوصيّاتهم، ولمّا كان الأمر يتعلّق بالإمامة ومنصب الولاية فلابدّ من اختيار الحِجر العفيف الذي سيكون حاملاً وحاضناً لوليّ الله، وخليفتِه على العباد، والحجّة على الخلق، وإنّما وقع اختيار الأئمة عليهم السلام على هؤلاء الجواري من دون سائر النّساء لعلمهم عليهم السلام بأنهنّ قد جَمَعن شرائطَ الاقتران بالمعصوم عليه السلام، وصلاحيتهنّ للأُمومة التي ستنجب الإمامَ المعصوم، إذ كما يشترَط أن يكون الآباء طاهرين مطهّرين فكذلك الحال بالنسبة للأمّهات.
وممّا يؤيِّد هذا الوجه أن الإمام عليه السلام قد يختار واحدةً بعينِها من دون سائر الجواري.
روى الصّدوق بسنده عن هشام بن أحمد، قال: «قال أبو الحسن الأوّل [الإمام الكاظم] عليه السلام: هل علمتَ أحداً من أهلِ المغرب قَدِم؟ قلتُ: لا.
فقال عليه السلام: بلى، قد قدِم رجلٌ أحمر، فانطلِق بنا، فَرَكِبَ وركبنا معه حتّى انتهينا إلى الرّجل، فإذا رجلٌ من أهل المغرب معه رقيق، فقال له: أعرض علينا، فعرض علينا تسعَ جوارٍ، كلُّ ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام: لا حاجةَ لي فيها، ثم قال له: أعرض علينا، قال: ما عندي شيء. فقال له: بلى، أعرض علينا. قال: لا والله، ما عندي إلّا جارية مريضة. فقال له: ما عليك أن تعرضها؟ فأَبى عليه. ثمّ انصرفَ عليه السلام. ثمّ أرسلَني من الغد إليه. فقال لي: قل له: كم غايتُك فيها؟ فإذا قال: كذا وكذا فقُل: قد أخذتُها، فأتيتُه. فقال: ما أريد أن أنقصَها من كذا. فقلت: قد أخذتُها وهو لك. فقال: هي لك. ولكنْ مَنِ الرَّجلُ الذي كان معك بالأمس؟
فقلت: رجلٌ من بني هاشم. فقال: من أيّ بني هاشم؟ فقلت: من نقبائهم. فقال: أريدُ أكثر منه. فقلت: ما عندي أكثر من هذا. فقال: أُخبِرُك عن هذه الوصيفة، إنّي اشتريتُها من أقصى بلاد المغرب، فلقيَتني امرأةٌ من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ فقلت: اشتريتُها لنفسي. فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلِك. إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خيرِ أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلّا قليلاً حتى تلِدَ منه غلاماً يدينُ له شرقُ الأرض وغربُها. قال: فأتيتُه بها، فلم تلبث عنده إلّا قليلاً حتّى ولدت له عليّاً عليه السلام».
ونقل المحدّث القمّي أنّه عليه السلام لمّا ابتاعَها [أي تُكتَم] جمع قوماً من أصحابه ثمّ قال: «والله، ما اشتريتُ هذه الأَمة إلّا بأمرِ الله».
على أنّ المرأة التي يقع اختيارُ الإمام عليه السلام عليها لم تكن من عامّة الناس، بل من أشرف النساء، وذات مكانة في قومها، غير أنّها وقعت في الأسر.
من كتاب (السيدة فاطمة المعصومة قبسٌ من أشعّة الزّهراء عليها السلام) لمحمّد علي المعلم، بتصرّف، وإضافات وضعت بين [ ]
روى الشيخ الصّدوق قدّس سرّه في (عيون أخبار الرضا عليه السلام): «..كانت من أشرافِ العَجم، جارية مولدة، وكانت من أفضل النساء في عقلِها ودينِها وإعظامِها لمولاتها حميدة المُصَفَّاة، [أمّ الإمام الكاظم عليه السلام] حتّى أنّها ما جلست بين يدَيها منذ ملكَتها إجلالاً لها.
فقالت لابنِها موسى عليه السلام: يا بنَيّ، إنّ "تُكتَم" جارية ما رأيت جاريةً قطّ أفضل منها، ولستُ أشكّ أنّ الله تعالى سيُظهر نسلَها إنْ كان لها نسل، وقد وهبتُها لك، فاستوصِ خيراً بها، فلمّا ولدت لـه الرّضا عليه السلام سمّاها الطّاهرة».
* ورُوي عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام أنّه قال: «واللهِ ما اشتريتُ هذه الأَمة إلّا بأمر الله وَوَحْيِه».
فسُئل عن ذلك، فقال: «بينا أنا نائم، إذ أتاني جدّي وأبي، ومعهما شقَّّة حرير، فنشَراها، فإذا قميصٌ فيه صورةُ هذه الجارية، فقال: يا موسى، لَيكوننّ من هذه الجارية خيرُ أهل الأرض، ثم أمرَني إذا وَلدتْه أن أُسمّيه عليّاً، وقالا: إنّ الله تعالى يظهِرُ به العدلَ والرَّأْفة، طوبى لِمن صدَّقَه، وويلٌ لمَن عاداه وجحدَه وعاندَه».
* ورُوِيَ أنّ حميدة أُمّ موسى بن جعفر عليه السلام لمّا اشترت «نجمة» رأتْ في المنام رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول لها: «يا حميدة، هبَي نجمة لابنِك موسى عليه السلام، فإنّه سيُولَد له منها خيرُ أهل الأرض»، فوهبَتها له.
روى الشيخ الصّدوق رحمه الله عن السيّدة نجمة عليها السلام، أُمّ الإمام الرضا عليه السلام أنّها قالت: «لمّا حملتُ بابني عليِّ، لم أشعر بثِقل الحَمل، وكنتُ أسمعُ في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني، فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهتُ لم أسمع شيئاً.
فلمّا وضعتُه، وقعَ على الأرض واضعاً يدَه على الأرض، رافعاً رأسَه إلى السماء، يحرّك شفتَيه كأنّه يتكلّم، فدخلَ إليّ أبوه موسى بن جعفر عليه السلام، فقال لي: هنيئاً لك يا نجمة كرامةُ ربّك.
فناولتُه إيّاه في خُرقةٍ بيضاء، فأذّنَ في أُذُنِه الأيمن وأقامَ في الأيسر، ودعا بماءِ الفرات فحنَّكَه، ثمّ ردَّه إليّ، فقال: خُذيه، فإنّه بقيةُ الله في أرضِه».
وَلدت السيّدة نجمة عليها السلام ولدَها الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يوم الجمعة بالمدينة المنوّرة، وقِيل: يوم الخميس، لإحدى عشرة ليلةً خَلَت من ربيع الأوّل سنة ثلاث وخمسين ومائة، بعد شهادة الإمام الصّادق عليه السلام بخمس سنين، رواه ابن بابويه، وقِيل: سنة إحدى وخمسين ومائة.
[ولم يثبت بالتحديد تاريخ ولادتها للسيدة فاطمة «المعصومة»، وقد ذكرَ بعضُهم أنّ ولادتها كانت سنة 173 هجريّة، وهو أرجح من الرّأي الآخر الذي هو سنة 183 هجريّة، وهو غير مرجّح لأنّه سنة شهادة الإمام الكاظم عليه السلام بعد ثلاث سنوات متتالية في السجن. وعليه فيكون الإمام الرّضا عليه السلام أكبر من أختِه السيّدة فاطمة بحوالي العشرين سنة]
في مدرسة أهل البيت عليهم السلام
|
تَولّت السيدة الجليلة حميدة عليها السلام والدة الإمام الكاظم عليه السلام تربيةَ وتعليم السيّدة نجمة عليها السلام حتّى تعلّمت الكثير من علوم آل محمّد عليهم السلام، كما تربّت وتعلّمت من زوجِها الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام.
كانت السيّدة نجمة عليها السلام في قمّة الأخلاق والأدب الإسلامي، وكانت أسوةً حسنةً للنّساء في ذلك. فقد ورد: «أنّ تُكتَم كانت من أفضل النّساء في عقلِها ودينِها وإعظامِها لمولاتِها حميدة المُصفّاة، حتّى أنّها ما جلستْ بين يدَيها منذ ملكَتْها إجلالاً لها».
روى الشيخ الصّدوق عليه الرحمة: «لمّا ولدت له [أي للإمام الكاظم] الرّضا عليه السلام سمّاها الطّاهرة. قال: والرّضا عليه السلام يرتضعُ كثيراً، وكان تامّ الخَلق، فقالت أعِينوني بمرضِع، فقِيل لها: أَنَقَصَ الدَّر؟ [الحليب]، فقالت: ما أكذِب، واللهِ ما نَقَصَ الدَّر، ولكن عليَّ وِرْدٌ من صلواتي وتسبيحي، وقد نَقَصَ منذُ وَلدت».
عيون أخبار الرِّضا عليه السلام: ج 1، ص 25
أمُّ خيرِ أهلِ الأرض
عن حميدة (أمّ الإمام الكاظم عليه السلام) أنّها رأت في المنام رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول لها: يا حميدة، هَبي نجمة لابنِك موسى، فإنّه سيولَد له منها خيرُ أهلِ الأرض، فوهبَتْها له، فلمّا ولدت له الرّضا عليه السلام سمّاها الطَّاهرة، وكانت لها أسماء منها نَجمة، وأروى، وسَكَن، وسُمانة، وتُكتَم وهو آخر أساميها.
الإختصاص، المنسوب للشيخ المفيد
|