﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ.. ﴾
الأفعال، تحكي السّرائر
ـــــ العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله ـــــ
بحثٌ مكثّف من (تفسير الميزان) للعلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائيرحمه الله حول معنى «الشّاكلة» في قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا﴾الإسراء:84، لافتاً -في مطاوي البحث- إلى أنّ للإنسان شاكِلةً أو «سجيّة»، هي شخصيّةٌ خَلْقيّة مُتَحصِّلةٌ من تفاعُل جهازاته البدنيّة بعضها مع بعض، وشاكلةً أخرى ثانية، وهي شخصيّة خُلُقيّة متحصِّلةٌ من تأثير العوامل الخارجيّة فيه. |
«المُشاكَلة» -على ما في (المفردات)- من الشَّكْل، وهو تقييدُ الدَّابّة، ويُسمَّى ما يُقيَّد به شِكالاً بِكَسر الشَّين، والشَّاكِلة هي السَّجِيَّة، سُمِّيَت بها لتقييدها الإنسان أن يجري على ما يناسبُها وتقتضيه.
وفي (المجمع): «الشَّاكِلة الطَّريقة والمَذْهب. يُقال: هذا طريقٌ ذو شواكِل، أي يَنْشعب منه طُرُق جماعة».
وكأنَّ تسميتَهما بها لِمَا فيها مِن تقييد العابرين والمُنتَحِلين بالتزامهما وعدم التَّخلُّف عنهما. وقيل: الشَّاكلة من الشَّكل -بفتح الشين- بمعنى المثل، وقيل: إنَّها من الشِّكل -بكسر الشِّين- بمعنى الهَيْئة.
وكيف كان، فالآية الكريمة تُرَتِّب عمل الإنسان على شاكِلَتِه، بمعنى أنَّ العمل يُناسبُها ويُوافقُها، فهي بالنِّسبة إلى العمل كالرُّوح السَّارية في البَدَن؛ الذي يُمثِّل بأعضائه وأعماله هيئاتِ الرُّوح المعنويّة. وقد تحقَّق بالتَّجارُب والبحث العلمي أنَّ بين المَلَكات والأحوال النّفسانيّة وبين الأعمال رابطةٌ خاصّة؛ فليس يَتساوى عملُ الشُّجاع الباسل والجبان إذا حَضَرا موقفاً هائلاً، ولا عملُ الجواد الكريم والبخيل اللَّئيم في موارد الإنفاق، وهكذا.
و[ثبتَ] أنَّ بين الصِّفات النّفسانيّة ونوع تركيب البُنية الإنسانيّة رابطة خاصّة. فمِنَ الأمزِجة ما يُسرع إليه الغضب وحبُّ الانتقام بالطَّبع، ومنها ما تَغلي وتَفُور فيه شهوة الطَّعام أو النّكاح أو غير ذلك، بحيث تَتُوق نفسُه بأدنى سببٍ يَدعوه ويُحرِّكه. ومنها غير ذلك، فيختلف انعقادُ المَلَكات بحسب ما يناسب المَوْرِدَ سرعةً وبُطأً.
لا تَنافي بين «الشّاكلة»، و«الاختيار»
ومع ذلك كلّه، فليس يخرجُ دعوة المزاج المُناسِب [المتناسب مع ملَكَة] لِمَلَكَةٍ من المَلَكات أو عملٍ من الأعمال مِن حَدِّ الاقتضاء إلى حدِّ العِلِّيَّة التامّة، بحيث يَخرجُ الفعلُ المُخالِفُ لِمُقتضى الطَّبع عن الإمكان إلى الاستحالة ويبطلُ الاختيار، فالفعلُ باقٍ على اختياريَّته، وإنْ كان في بعض الموارد صعباً غاية الصُّعوبة.
وكلامُه سبحانه يؤيِّد ما تَقدَّم على ما يُعطيه التَّدبُّر، فهو سبحانه القائل: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا..﴾الأعراف:58، وانضمامُ الآية إلى الآيات الدالَّة على عموم الدّعوة كقوله: ﴿..لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ..﴾الأنعام:19، يُفيد أنَّ تأثير البُنى الإنسانيّة في الصِّفات والأعمال على نحو الاقتضاء دون العلِّيَة التّامّة كما هو ظاهر. كيف وهو تعالى يعدّ الدِّين فطريّاً تهتفُ به الخِلقة التي لا تبديلَ لها ولا تغيير، قال: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ..﴾الروم:30، وقال: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾عبس:20. ولا [تجتمع] دعوةُ الفطرة إلى الدِّين الحقّ والسُّنَّة المعتدلة [مع] دعوة الخِلقة إلى الشّرِّ والفساد والانحراف عن الاعتدال، بنحو العِلِّيّة التّامّة.
وقولُ القائل: إنَّ السَّعادة والشَّقاوة ذاتيَّتان لا تتخلَّفان عن ملزومِهما؛ كزوجيّة الأربعة وفرديّة الثّلاثة، أو مقضيَّتان بقضاءٍ أزليٍّ لازم، وأنَّ الدَّعوة [إنّما هي] لإتمام الحُجَّة لا لإمكان التّغيير ورجاء التَّحوُّل من حالٍ إلى حالٍ، فالأمر مفروغ عنه، قال تعالى: ﴿..لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.. ﴾الأنفال:42، مدفوعٌ [أي قولُ القائل المتقدّم مدفوعٌ] بأنَّ صحَّةَ إقامة الحُجّة -بعينِها- حُجّةٌ على عدم كون سعادة السَّعيد وشقاوة الشَّقيّ لازمة ضروريّة، فإنَّ السَّعادة والشَّقاوة لو كانتا من لوازم الذَّوات، لم تحتاجا في لحوقِهما إلى حُجّة، إذ لا حُجّة في الذّاتيّات، فتلغو الحُجّة [تلغو: تُصبح بلا معنى]، وكذا لو كانتا [الشّقاوة والسّعادة] لازمتَين للذَّوات بقضاءٍ لازمٍ أزليّ، لا لاقتضاءٍ ذاتيٍّ من الذّوات، كانت الحُجَّةُ -والعياذُ بالله تعالى- للنّاس على الله سبحانه، فتلغو الحُجَّةُ منه تعالى.
فصحَّةُ إقامة الحُجَّة من قِبَله سبحانه تكشفُ عن عدم ضروريّة شيءٍ من السّعادة والشّقاوة بالنَّظر إلى ذات الإنسان، مع قَطْعِ النَّظر عن أعماله الحَسَنة والسَّيِّئة، واعتقاداته الحقَّة والباطلة.
على أن توسُّل الإنسان بالفطرة إلى مقاصد الحياة؛ بمثل التَّعليم والتَّربية، والإنذار والتّبشير، والوعد والوعيد، والأمر والنَّهي، وغير ذلك، أوضحُ دليلٍ على أنَّ الانسان في نفسه على ملتقى خطَّين ومنشعَب طريقَين: السَّعادة والشَّقاوة، وفي إمكانه أن يختار أيّاًَ منهما شاء، وأن يَسلُك أيّاً منهما أراد، ولكلِّ سعيٍ جزاءٌ يُناسبه؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾النجم:39-41. فهذا نوعٌ من الارتباط مستقرٌّ بين الأعمال والمَلَكات، وبين الذَّوات.
وهناك نوعٌ آخر من الارتباط مستقرٌّ بين الأعمال والمَلَكَات، وبين الأوضاع والأحوال والعوامل الخارجة عن الذَّات الإنسانيّة، المستَقِرَّةِ في ظرف الحياة وجوِّ العَيْش، كالآداب والسُّنَن والرُّسوم والعادات (التّقاليد)، فإنَّها تدعو الإنسانَ إلى ما يُوافقها وتَزجُره عن مخالفتِها، ولا تلبثُ دون أن تصوِّره صورةً جديدةً ثانية، [بحيث] تَنطبقُ أعمالُه على الأوضاع والأحوال المحيطةِ به، والمُجتمعة المُؤتَلفةِ في ظرف حياته.
وهذه الرَّابطة على نحو الاقتضاء غالباً، غير أنَّها ربّما تستقرُّ استقراراً لا مطمعَ في زوالها من جهة رسوخ المَلَكات الرَّذيلة أو الفاضلة في نَفْسِ الإنسان. وفي كلامه تعالى ما يشيرُ إلى ذلك، كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ..﴾البقرة:6-7، إلى غير ذلك. ولا يضرُّ ذلك [في] صحّة إقامة الحُجَّة عليهم [على الكافرين] بالدَّعوة والإنذار والتّبشير، لأنَّ امتناعَ تأثير الدَّعوة فيهم مُستنِدٌ إلى سوء اختيارِهم، والامتناعُ بالاختيار لا يُنافي الاختيار.
شاكلتان: خَلْقيّة، وخُلُقيّة
فقد تبيَّن بما قدَّمناه -على طوله- أنَّ للإنسان شاكِلةً بعد شاكِلة. فشاكِلةٌ يهيِّؤها نوعُ خِلْقَته وخصوصيّةُ تركيب بُنْيَتِه، وهي شخصيّةٌ خَلْقيّة مُتَحصِّلةٌ من تفاعُل جهازاته البدنيّة بعضها مع بعض، كالمِزاج الذي هو كيفيّةٌ متوسِّطةٌ حاصِلةٌ من تفاعُل الكيفيّات المُتَضادَّة بعضها في بعض. وشاكلةٌ أخرى ثانية، وهي شخصيّة خُلُقيّة متحصِّلةٌ من وجوه تأثير العوامل الخارجيّة في النَّفس الإنسانيّة، على ما فيها من الشَّاكِلة الأولى، إنْ كانت.
والإنسان على أيِّ شاكلةٍ متحصِّلةٍ، وعلى أيِّ نعتٍ نفسانيٍّ وفعليَّةٍ داخليّةٍ روحيّةٍ كان، فإنَّ عملَهُ يجري عليها، وأفعاله تُمثِّلها وتَحكيها، كما أنَّ المُتكبِّرَ المُختال يلوحُ حالُه في تَكَلُّمه وسُكوتِه وقيامِه وقُعودِه وحرَكَتِه وسُكُونه، والذَّليلُ المسكينُ ظاهرُ الذِّلَّة والمَسْكَنة في جميع أعماله، وكذا الشُّجاع والجبان والسَّخيّ والبخيل والصَّبور والوَقور والعَجول، وهكذا.
وكيف لا والفِعلُ يُمثِّلُ فاعلَه، والظَّاهر عنوانُ الباطن، والصُّورة دليلُ المعنى. وكلامُه سبحانه يصدِّق ذلك ويبني عليه حُجَجه في موارد كثيرة، كقوله تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ* وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ..﴾فاطر:19-22، وقوله: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ..﴾النور:26، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ..﴾الإسراء:84، مُحكَمٌ في معناه على أيِّ معنًى حَمَلنا الشَّاكلة، غير أنَّ اتِّصال الآية بقوله: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾الإسراء:82، ووقوعَها في سِياق أنَّ الله سبحانه يُربِح المؤمنين ويَشفيهم بالقرآن الكريم والدَّعوة الحقّة، ويُخسِر به [القرآن الكريم] الظَّالمين لِظُلمهم، يقرِّب كَوْن المُراد بـ«الشَّاكِلة» الشَّاكِلةَ بالمعنى الثّاني، وهي الشَّخصيّة الخُلُقيَّة الحاصِلة للإنسان من مجموع غرائزه، و[من] العوامل الخارجيّة الفاعِلة فيه. كأنَّه تعالى لمَّا ذَكَر استفادةَ المؤمنين من كلامه الشِّفاءَ والرَّحمة، و[لمّا ذكرَ] حرمانَ الظَّالمين من ذلك، وزيادتهم في خسارهم، اعتَرَضَهُ مُعترِضٌ في هذه التَّفرقة، وأنَّه لَوْ ساوى بين الفريقَين في الشِّفاء والرَّحمة، كان ذلك أَوْفى لِغَرَض الرِّسالة، وأنفع لِحالِ الدَّعوة؛ فأمَرَ [اللهُ تعالى] رَسولَهصلّى الله عليه وآله أنْ يُجيبَهم في ذلك، فقال: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ..﴾ الإسراء:84، أي إنَّ أعمالَكم تَصدرُ على طِبْق ما عندكم من الشّاكِلة والفعليّة الموجودة؛ فمَن كانت عنده شاكلةٌ عادلة، سَهُلَ اهتداؤه إلى كلمةِ الحقّ والعمل الصّالح، وانتَفَعَ بالدَّعوة الحقَّة، ومَن كانت عنده شاكِلةٌ ظالمة، صَعُبَ عليه التَّلبُّس بالقَوْل الحقّ والعمل الصّالح، ولم يُزَد من استماع الدعوة الحقّة إلَّا خساراً.
واللهُ تعالى الذي هو ربُّكم، العليمُ بسرائرِكم، المدَبِّرُ لأمرِكم، أعلمُ بِمَن عندَه شاكِلةٌ عادلة، وهو أهدى سبيلاً، وأقربُ إلى الانتفاع بكلمة الحقّ، والذي عَلِمَه [اللهُ تعالى] وأخبرَ به [هو] أنَّ المؤمنين أهدى سبيلاً، فيختصُّ بهم الشِّفاءُ والرّحمةُ بالقرآن الذي يُنزِّلُه، ولا يبقى للكافرين -أهلِ الظُّلم- إلَّا مزيد الخَسار، إلَّا أن ينتزعوا عن ظلمِهم، فيَنتفعوا به.
ومن هنا تظهرُ النّكتة [الدّقّة الفائقة] في التّعبير بصيغةِ التّفضيل في قوله تعالى: ﴿..أَهْدَى سَبِيلاً﴾الإسراء:84، وذلك لِما تقدَّم من أنَّ الشّاكلة غير مُلزِمةٍ في الدَّعوة إلى ما يُلائمُها، فالشّاكلةُ الظّالمة، وإنْ كانت مُضِلَّةً داعيةً إلى العمل الطَّالح، غير أنَّها لا تُحَتِّم الضَّلال، ففيها أَثَرٌ من الهُدى وإنْ كان ضعيفاً، والشَّاكِلةُ العادلةُ أهدى منها، فافهم.
اختلافُ النّفوس بالماهيّات
وذَكر الإمام الرَّازي في (تفسيره) ما مُلخَّصُه: أنَّ الآية تدلُّ على كَوْن النُّفوس النَّاطقة الإنسانيّة مختلفة بالماهيَّة، وذلك أنَّه تعالى بَيَّن في الآية المتقدِّمة أنَّ القرآن بالنِّسبة إلى بعض النُّفوس يُفيد الشِّفاء والرَّحمة، وبالنِّسبة إلى بعضٍ آخَر يُفيد الخَسار والخِزي، ثمَّ أَتْبَعَه بقوله: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ..﴾الإسراء:84، ومعناه أنَّ اللَّائق بتلك النُّفوس الطَّاهرة أنْ يَظهر فيها من القرآن آثارُ الذّكاء والكمال، وبتلك النُّفوس الكَدِرَة أنْ يَظهر فيها منه [من القرآن الكريم] آثارُ الخِزْي والضَّلال، كما أنَّ شعاع الشَّمس يعقد الملح، ويُليِّن الدِّهن، [وبه يطيبُ ريحُ الورد، وينتنُ ريح القاذورات]، وهذا إنَّما يتمُّ إذا كانت الأرواحُ والنُّفوسُ مختلفةً بماهيَّاتها، فبعضُها مشرقةٌ صافيةٌ يظهرُ فيها مِن القرآن نُورٌ على نُور، وبعضُها كدرةٌ ظُلمانيّةٌ يظهرُ فيها منه ضلالٌ على ضلال، ونكالٌ على نكال. انتهى.
وفيه [أي في كلام الرّازي] أنَّه تعالى لو أقام الحجَّة على اختلاف ماهيّات النُّفوس بعد رُسوخ مَلَكاتها وتصوُّرها بِصُوَرِها لكان له وجه، وأمَّا النُّفوس السَّاذجة قبل رسوخ المَلَكَات، فلا تختلفُ بالآثار اختلافاً ضروريّاً حتّى تجري فيها الحُجَّة. وقد عرفتَ أنَّ الآية إنَّما تتعرَّضُ لحال الإنسان بعد حصول شاكِلتِه وشخصيَّته الخُلُقيّة الحاصِلة من مجموع غرائزه، و[من] العوامل الخارجيّة الفاعلةِ فيه، الدّاعيةِ إلى نوعٍ من العمل دعوةً على نحو الاقتضاء، فتَبصَّر.