تحقيق

تحقيق

09/07/2013

النّجف الأشرف


النّجف الأشرف

السّرُّ المُستودَعُ فيها


ـــــ إعداد: أحمد الحسيني ـــــ

النّجف الأشرف، يهفو إليها قلبُ كلِّ مسلمٍ أطاعَ اللهَ تعالى والرّسولَ الأعظم في حبّ أهل البيت، فأخلصَ معهمُ التّوحيدَ لله تعالى والاعتقادَ بالنّبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله.

* احتضنت قبراً ادّخرَه نبيُّ الله نوح، على نبيّنا وآله وعليه السلام، للإمام عليّ عليه السلام.

* روي مُسنداً إلى الحسين عليه السلام «أنّ الأمير أوصاهما [أوصى الحسنَين عليهما السلام] بإخفاء أمره، وأن يستخرجَا من الزّاوية اليُمنى لوحاً ".." فوَجدا اللّوح مكتوباً عليه: بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا ما ادّخرَه النّبيّ نوح لعليّ بن أبي طالب..». (الصّراط المستقيم للبياضيّ النّباطيّ العامليّ: ص122)

* النّجف وَوادي سَلامها، أو ظَهر الكوفة، مظهرُ جنّة البَرزَخ، و«حوض الكَوثر».

ما يلي، تعريفٌ موجَز بمدينة النّجف، الدّيارِ المحمّديّة العلويّة المقدّسة.

 

مدينة النّجف من المُدن الكُبرى في العراق، وهي الآن مركز المحافظة المُسمّاة بـ «محافظة النّجف». تقع على مسافة 165 كلم جنوب العاصمة بغداد، وعلى مسافة 80 كلم شمال غرب كربلاء المقدّسة، وتعلو سطح البحر بحوالي سبعين متراً.

مناخها صحراويّ: حارّ وجافّ صيفاً، بارد وقارص شتاءً. معدّل سقوط الأمطار فيها سنوياً هو 1 إلى 5 قطرة في كلّ بوصة. قد تزيد فيها درجة الحرارة صيفاً على الـ (48) درجة مئويّة.

تتألّف محافظة النّجف من ثلاثة أقضية: قضاء النّجف، وقضاء المناذرة، وقضاء الكوفة. وفيها سبعة نواحي: العبّاسيّة، والحِيرة، وخان حمّاد، والمشخاب، والحيدريّة، والشّبجة، والقادسيّة. وفي الأخيرة وقعت «معركة القادسيّة» سنة 16 للهجرة في ما يُعرف بالفتح الإسلاميّ للعراق. وتُعدُّ الكوفةُ اليوم –وإن كانت إداريّاً مدينة مستقلّة- ضاحيةً من ضواحي النّجف الأشرف، فالمسافة بين مقام أمير المؤمنين عليه السلام ومسجد الكوفة لا تَتجاوز عشرة كيلومترات.

تُعَدّ محافظة النّجف منطقة زراعيّة بامتياز، وتشتهر بزراعة الأرُزّ (الشّلب)، بإنتاجٍ يوميٍّ يُقدَّر بعشراتِ الأطنان، كما تشتهر بزراعة الحنطة والشّعير والخضراوات، وتُقدَّر المساحة المزروعة بأكثر من 200 ألف دونم. أمّا بساتين النّخيل والحمضيّات فتَشغل مساحةً تتجاوز الثّمانية عشر ألف دونم.

وتمتاز النّجف أيضاً بالصّناعات الحرفيّة، كالنّجارة، والصّياغة، والحياكة، لا سيّما حياكة العباءات بقسمَيها المعروفَين: الخاشيّة والبريم، والمائز بينهما دقّة السِّلك أو غِلظتُه. وفي أرض النّجف نوعٌ من الحجارة يعرف بـ «دُرّ النّجف»، له صفاء وشفافيّة كأنّه الزّجاج، يُستحبّ التّختُّم به.

وقد بَقيَت النّجف مركزاً أساسيّاً من مراكز طباعة الكُتُب في العالم الإسلاميّ، وأوّلُ مطبعة أُقيمت فيها هي مطبعة: «الحبل المتين»، وهناك أيضاً: «المطبعة المرتضويّة»، و«مطبعة النّعمان»، وغيرها.

وحول التّسمية، وَرَد في المعاجم اللّغويّة أنّ «النّجف» جَمع، ومفردُها «النَّجفةُ»، وهي: مَكانٌ لا يَعْلُوهُ الماءُ، أو أَرْضٌ مُسْتَدِيرَةٌ مُشْرِفَةٌ على ما حَوْلَها. وقِيل أيضاً إنّ النَّجَفَ هو التَّلُّ أو شِبْهُ التَّلِّ، وأنّه مُسَنّاةٌ بظاهِرِ الكُوفَةِ تَمْنَعُ ماءَ السَّيْلِ أَنْ يَعْلُوَ مَقابِرَهَا ومَنازِلَها.

وفي الأخبار أنّ «النّجف» جبلٌ عظيم، وهو الذي عناه ابنُ النّبيّ نوح عليه السلام عندما قال: ﴿..سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ..﴾ هود:43. ومن أسماء النّجف المعروفة: الغَرِيّ، كَغَنِيّ، وهو البناءُ الجيّد، وأصلُ التّسمية من الغَرِيَّين، وهما بناءان مشهوران بالكوفة كالصّومعتَين. ويُعبَّر عن النّجف أيضاً بـ «ظَهر الكوفة».

واختصَّت بقعةُ النّجف المقدّسة بفضل التّختُّم بحَصبائها، والدّفن في «مقبرة وادي السّلام» الواقعة عند أطرافها، وباستحبابِ مُجاوَرة مرقدِ أمير المؤمنين عليه السلام فيها، والمَبيت والصّلاة عنده، وعلى كلّ ذلك شواهد جليّة من السُّنّة المأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام.

إلّا أنَّ أشهر ما اختصّت به مدينة النّجف، أنّها كانت ولا تزال مَهْوَى الأفئدة ومَوْئِل القُصّاد لملايين المسلمين، ويُعَدُّ مَن يزورون النّجف سنويّاً بالملايين، تَجد من بينهم العلماء والمفكّرين، والملوك والوزراء والسّلاطين، بِهَدف التّبرّك بلَثم قبر سيّد الأوصياء صلوات الله وسلامه عليه، والحصول على ثوابِ زيارته عليه السلام.

النّجف في طَور التّأسيس


استُشهد أميرُ المؤمنين الإمام عليٍّ عليه السلام ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40 للهجرة، فحمَلَه ابناه الإمامان الحسنان عليهما السلام ومعهما نفرٌ قليلٌ من الهاشميّين وخواصّ أصحابه إلى النّجف، ودُفِنَ صلوات الله عليه في المكان المعروف اليوم، وعُفّي موضع قبره بوصيّةٍ منه.

ويقال: إنّ الحجّاج الثّقفيّ حَفَر ثلاثة آلاف قبرٍ في النّجف بحثاً عن موضع دفن أمير المؤمنين عليه السلام فلم يَعثر عليه، وبقِيَ مكانُ القبر سرّاً مكتوماً لا يعرفه إلّا وُلده الأئمّة الطّاهرون، وبعض صحابَتِهم الأبرار، إلى أنْ أظهرَهُ ابنُه الإمام الصّادق عليه السلام بشكلٍ عامٍّ أيّام الدّولة العباسيّة سنة 170 للهجرة.

وبعد الإعلان عن موضع المرقد الشّريف بدأت تظهر المباني والعمارات حوله، واستَوطنَ النّجفَ عددٌ من العلويّين وخاصّتهم من الشّيعة، ولم ينقضِ القرن الرابع الهجري حتّى كان فيها من السَّادة العلويّة ألف وسبعمائة، عدا أتباعِهم وشيعتِهم، ويُقدِّر البعضُ عددَ سكّانها آنذاك بستّة آلاف نسمة.

ثمّ اهتم بها البُوَيهيُّون (في القرنَين الرّابع والخامس) اهتماماً ظاهراً، وأقاموا أوّل عمارةٍ للمرقد الشّريف، وشيَّدوا بإزائه المساجد والدُّور وغيرها.

زارها ابنُ بطّوطة (محمّد بن عبد الله الطّنجيّ، ت: 779 للهجرة) سنة 727 للهجرة، فوصفَها في (رحلتِه) قائلاً: «من أحسنِ مُدنِ العراق وأكثرها ناساً وأتْقَنها بناءً، ولها أسواق حَسَنة نظيفة ".." [و] المدارس والزّوايا والخوانق معمورةٌ أحسن عمارة، وحيطانُها بالقاشانيّ وهو شبه الزّليج عندنا لكنّ لونه أشرق ونَقشه أحسن».

وعن أهل النّجف يقول ابن بطّوطة: «وأهلُها تجّار يسافرون في الأقطار، وهم أهلُ شجاعةٍ وكَرَم، لا يُضامُ جارُهم، صَحِبتُهم في الأسفار فحمدْتُ صحبتَهم».

أماكن مقدّسة في النّجف

1- مقام الإمام زين العابدين عليه السلام

يَقع في جهة القبلة بالنّسبة لمشهد الإمام عليّ عليه السلام. يُقال: إنَّ الإمام زين العابدين عليه السلام كان إذا أرادَ زيارةَ مرقد جدِّه أمير المؤمنين عليه السلام يأتي هذا المكان فيَربط ناقَتَه فيه، ثمّ يذهبُ حافِياً، فيَزور القبرَ الشّريف، ثمّ يرجع ويَبيت في هذا الموضع. وقد بَنى الصَّفويّون على هذا المكان أبنيةً خَضَعت للإصلاح بعد ذلك. وفي محرابِه صخرةٌ جميلةُ الشّكل بديعةُ الصّنعة، منقوشٌ عليها أحرفٌ مُقطّعة، يقال: إنَّها من آثار الشّيخ البهائيّ وأنّ ما عليها طَلْسَم يَنفع من لَسْع الأفاعي، وتُنسَب لهذا المقام بعض الكرامات.

2- مقام الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف

في الجانب الغربيّ من المدينة بناءٌ يعرَفُ الآن بمقام الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشّريف، وأوّل من بَنى هذا المقام هو السيّد محمّد مهدي بحر العلوم، ثمّ أُعيدَ بناؤه بعد سنة 1310 للهجرة على شكله الحاضر، حيث بُنِيت القبّة بالحجر القاشانيّ الأزرق، وكانت قبل ذلك من الجصِّ والحجارة، وفي داخل المقام نُقِشت هذه العبارة: «هذا مقامٌ يُعرف بمقام الصّادق عليه السلام».

والظّاهر أنّ منشأ وجود هذا المقام هو ما رُوِي مأثوراً عن الإمام الصّادق عليه السلام، أنَّه حينما جاء زائراً مرقد جدِّه أمير المؤمنين عليه السلام نَزل فصلّى ركعتَين، ثمّ تنحّى وصلّى ركعتَين، ثمّ تنحّى وصلّى ركعتَين، فسُئل عليه السلام عن الأماكن الثّلاثة، فقال: الأوّل: مَوْضعُ قبر أمير المؤمنين عليه السلام، والثّاني: مَوْضعُ رأس الحسين عليه السلام، «الحنّانة» كما سيأتي، والثّالث: مَوْضعُ منبر القائم عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

والظّاهر أنّه عليه السلام يقصد أنّه مَوْضعٌ وُضع فيه رأس الإمام الحسين عليه السلام حينما أَتَوا به إلى الكوفة، أو حينما أَخرَجوه منها.

3- مشهد هود وصالح عليهما السلام

يقع قبرا النّبيَّين هود وصالح عليهما السلام في مقبرة وادي السّلام شمال النّجف الأشرف، والتّي تُعدّ من أكبر مقابر العالم وأوْسعها؛ ويُدفنُ فيها كثيرٌ من المسلمين، بحسب وصيّتهم، من جميع أنحاء العراق، ومختلف أرجاء العالم.

وهذان المرقدان من القبور المعلومة والمقامات المشهورة، وقد جُعِلا في مشهدٍ واحد، وأوّل من بَنى عليه قبّة من الجصّ والحجارة هو السّيّد محمّد مهديّ بحر العلوم رحمه الله، ثمّ هُدمت وبُني عليه قبّة مغشّاة بالقاشانيّ الأزرق، ثمّ جُدّد بناؤه في سنة 1337 للهجرة. وفي كُتُب الزّيارات كثير من الأخبار التي تنصّ على زيارة هود وصالح عليهما السلام في النّجف. وفي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام نقرأ: «السّلامُ عليكَ وعلى ضجيعَيكَ آدم ونوح، وعلى جاريك هودٍ وصالح..».

4- مرقدا آدم ونوح عليهما السلام

وَرَد في كُتُب الزّيارات عند زيارة أمير المؤمنين عليه السلام قولُ: «السَّلامُ عليكَ وعلى ضَجيعَيك آدمَ ونوح..» ما يدلّ على أنّ آدم ونوحاً عليهما السلام مدفونان داخل الرّوضة المطّهرة إلى جانب الإمام عليه السلام. وهذا الأمرُ كان وما زال شائعاً ومشهوراً، وقد ذكرَه ابن بطّوطة في سياق حديثه عن روضة الإمام عليّ عليه السلام والقبور التّي بها. وذكر الرّحّالة سيدي عليّ التّركيّ في كتابه (مرآة الممالك) أنّه زار سنة 961 للهجرة قبورَ آدم ونوح وشمعون عليهم السلام في النّجف عندما زار الإمام المرتضى عليه السلام. ولكن لم يَرِد ذِكرٌ لشمعون في النّجف إلّا في هذا الكتاب على ما نعلم.

المساجد المشهورة

في النّجف عددٌ كبيرٌ جدّاً من المساجد، ونحن نذكر هنا بعض ما له مزيّة وشهرة، مثل:

1- مسجد الحنّانة: هو من المساجد المعظّمة الّتي يَتبرَّك بها القاصدون، وهو أحد الأماكن الّتي صلّى فيها الإمام الصّادق عليه السلام، ويَقع على يسار الذّاهب إلى الكوفة في شمال البلد، وبالقرب منه «الثّويّة»، وهي مدفنُ كثيرٍ من خواصّ أمير المؤمنين عليه السلام، ولكنّ قبورهم درستْ، ويعرف منها قبر كميل بن زياد رحمه الله، وهو مقامٌ كبيرٌ واسعٌ عليه قبّة فخمة، وله دار فسيحة مسوّرة من جهاتها الأربع.

2- مسجد عمران بن شاهين: وهو أقدم مساجد النّجف؛ لأنّه بُني في أواسط القرن الرّابع على يد عمران بن شاهين، الّذي خَرَج على عَضُدِ الدّولة فكانت الدّائرة عليه، فنَذَر إنْ عفا عنه السّلطانُ أنْ يَبني رواقاً في النّجف، فعفا عنه، فبَنى رواقَين: في الغريّ وكربلاء. والرّواق الّذي في النّجف يَقع في الجهة الشّماليّة للحَرَم العلَويّ، وفي فترةٍ لاحقة قام الشّاه عبّاس الصّفويّ بِتَوسعة الحَرَم وضمَّ إليه رواقَ ابن شاهين.

3- مسجد الخضراء: يقع في الجهة الشّماليّة من الجانب الشّرقيّ من السّور الخارجيّ للصّحن الشّريف، وهو قديم، ولا يُعرف تاريخ إنشائه، ولكن يُنسب إلى عليّ بن مظفّر.

4- مسجد الرّأس: وهو مسجدٌ واسعٌ كثيرُ الأسطوانات، بابه في داخل الحرَم العلويّ من جهة الرّأس الشّريف، ومن هنا جاء اسمُه؛ وهو مسجدٌ قديم يرجع تاريخ بنائه إلى عصر المَغُول الإيلخانيّين، وقد أُلحِقَ مؤخَّراً بالحرم الشّريف في أولى مراحل توسعته.

5- مسجد الشّيخ الطّوسيّ: كان في الأصل بيتُ سُكنَى شيخ الطّائفة الطّوسي (أبو جعفر، محمّد بن الحسن، ت: 460 للهجرة)، فأوْصى أنْ يُدفن فيه ويُجعل بعد وفاته مسجداً. وهو في مقابل باب الحَرَم المعروف بـ «باب الطّوسيّ» من الجهة الشّماليّة للصّحن الشّريف، وبإزائه مقبرة السّيّد بحر العلوم وآله. وقد جُدّد بناءُ المسجد أكثر من مرّة، آخرها في عام 1380 للهجرة.

المدارس الدّينيّة في النّجف الأشرف

بعد قدوم الشّيخّ الطُّوسيّ إلى النّجف، في القرن الخامس الهجريّ، أصبَحَت المدينةُ محطّ الأنظار من سائر الأقطار الشّيعيّة، وصارت على مرِّ الزّمن مركزاً علميّاً مهمّاً، وأُنشئت فيها المدارس الكثيرة. وقد أشار ابن بطّوطة إلى مدارسها هذه، كما أشار إجمالاً أو تفصيلاً غيرُه من المؤرِّخين.

نذكر هنا عدداً من هذه المدارس، على سبيل التّعريف لا غير، وإلّا فهي ومكتباتُ النّجف جديرةٌ بتحقيقٍ مستقلٍّ نظراً للدّور الّذي أدّته في حفظِ الإسلام، وحماية العالم الإسلاميّ من موجات الغَزْو الأجنبيّ عسكريّاً وثقافيّاً:

1- مدرسة المقداد السُّيوريّ: نسبةً إلى الفقيه المتكلّم الفاضل المقداد السّيوريّ، المُتوفَّى سنة 826 للهجرة.

2- مدرسة الصّدر: وهي أقدمُ المدارس الحاضرة، وأَوسعُها.

3- مدرسة البُروجرديّ: في ثلاثة طوابق، وفيها مكتبة حافلة بالكُتب العلميّة والفقهيّة وبعض المخطوطات، وكان تأسيسها عام 1373 للهجرة.

4- مدرستا السيّد محمّد كاظم اليزدي (صاحب العروة): الأولى تَشتمل على ثمانين غرفة، مؤلَّفة من طابقَين، وجدرانها مكسوّة بالقاشانيّ، تأسّست سنة 1325 للهجرة، والثّانية عام 1380 للهجرة بأمرٍ من آية الله السّيّد محسن الحكيم قدّس سرّه. وقد أزال الطّاغية صدّام محلّة «العمارة» الّتي كانت تقع فيها «مدرسة اليزدي الثّانية»، و«مدرسة الخليلي»، ومنزل السّيّد الحكيم قدّس سرّه، والعملُ جارٍ الآن على توسعة الحرم العلويّ الشّريف وإلحاق مساحات محلّة «العمارة» بالحرم.

5- جامعة النّجف الدّينيّة: وهي أضخم مدرسة في النّجف على الإطلاق، إذ أنّها تضمّ أكثر من مائتَي غرفة في ثلاثة طوابق، وفيها مكتبة جامعة لنفائس الكُتب، وطائفة من المخطوطات الثّمينة، وفيها مسجد. وهي مِن أَحسن المدارس بناءً وتصميماً. وقد بُوشِر ببنائها في سنة 1376 للهجرة، على قطعة أرضٍ في حيِّ السّعد، تبلع خمسة آلاف متر مربّع.


6- مدارس الآخوند الثّلاث: بُنيت جميعاً بين عامَي 1321 إلى 1328 للهجرة، وجُدِّد بناؤها في فتراتٍ لاحقة.

7- مدرسة المجدّد الشّيرازيّ: في طابقَين، وبها قبرُ مؤسِّسها رضوان الله عليه.

8- المدرسة اللّبنانيّة: وموقعها في الجُدَيدة.

9- دار الحكمة: أسّسها المرجع السّيّد محسن الحكيم رضوان الله عليه.

وغيرها كثير، كمدرسة الهنديّ، ومدرسة القوّام، والمدرسة السّليميّة، ومدرسة البادكوبيّ، إلخ.

المكتبات العامّة

النّجف هي مَهْدُ العِلم والعلماء، ومركز الحوزة العلميّة لِأكبر طائفةٍ من المسلمين، ومن الطّبيعيّ أن تكون غنيّةً بالكُتُب والمصادر المطبوعة والمخطوطة النّادرة. وبالفعل، فإنّك تَجِد في النّجف، سواء في المكتبات الخاصّة أو العامّة، نفائس الكُتُب القيِّمة نادرة الوجود. ونذكر من المكتبات الخاصّة الّتي تحوي أثمن الكُتُب وأغلاها: «مكتبة الشّيخ عليّ كاشف الغطاء» المتوفّى سنة 1151 للهجرة، و«مكتبة الشّيخ هادي كاشف الغطاء»، و«مكتبة السيّد جعفر آل بحر العلوم»، و«مكتبة آل القزوينيّ»، وغيرها ممّا يَتعذَّر حصرُه وعَدُّه في هذه العجالة، وكثيرٌ منها يقصده روّاد العلم والفضيلة للاستفادة منه بلا أيّ ممانعة.

ونذكر من المكتبات العامّة:

1- مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة: أسَّسها العلَّامة الشّيخ عبدالحسين الأمينيّ مؤلّف كتاب (الغدير) في سنة 1373 للهجرة. وفيها آلاف الكُتُب بشتّى اللّغات والعلوم، وفيها نفائس ونوادر.

2- مكتبة العَلَمَين الطّوسيّ وبحر العلوم.

3- مكتبة الحكيم العامّة: أسّسها المرجع الرّاحل السّيّد محسن الحكيم سنة 1377 للهجرة.

من وقائع النّجف في القرن الأخير

بعد ظهور الحركة الوهّابيّة في الحجاز، صار الوهّابيّون يُغِيرون على النّجف بدافعٍ من عصبيّةٍ بغيضة، وطَمَعاً بالذّخائر والتُّحف والأموال:

* في سنة 1216 للهجرة هاجم جلاوزة آل سعود مدينة كربلاء المقدّسة، وقتلوا مِن أهلها خَلْقاً كثيراً، وتَطاوَلوا على حُرمةِ الحرَم الحسينيّ، ثمّ توجَّهوا إلى النّجف وحاصَروها، لكنّهم انهزموا أمام النّجفيّين شرّ هزيمة.

* في سنة 1217 للهجرة عادوا كرّةً أخرى، وأغاروا على النّجف مُستغلّين خروج أهلِها إلى زيارة مرقد سيّد الشّهداء عليه السلام، فقَتلوا جملةً من العلماء وأهالي المدينة.

* في سنة 1221 للهجرة بلغ أهلَ النّجف نبأُ توجُّه الوهّابيّين إليهم، فنقلوا خزانة الأمير عليه السلام إلى الكاظميّة خوفاً عليها من النّهب، واستَعَدّوا للدّفاع، وكان القائمُ بأعباء ذلك الشّيخ جعفر صاحب كتاب (كشف الغطاء)، بمساعدة آخَرين من العلماء الأبرار. وجاء خمسة عشر ألف وهّابيّ بقيادة ابن سعود نفسِه، ونزلوا في أطراف النّجف ليلاً، على أنْ يُهاجموها في صَبيحة اليوم التّالي.

في المقابل، لم يَتجاوز عددُ المجاهدين المدافعين عن المدينة المائتَي مقاتل، وَطَّنُوا أنفسَهم على الشّهادة؛ لِقِلَّتهم وكثرةِ عدوِّهم، ولِتداعي السُّور الّذي يدافعون من خلفه. وهنا قرَّرت الثُّلّةُ المجاهدة أن تتسلّل إلى معسكر الوهّابيّين وتُغير عليهم ليلاً، وهذا ما حَصل، إذ دبَّ الذّعرُ في صفوفِ جيش السّعوديّين، واختَلطَ الأمرُ عليهم، فصارَ بعضُهم يقتلُ بعضاً، حتّى قُتل منهم سبعمائة رجل، وما أصبح الصّباح إلّا وقد انجلَوا عن البلدة المشرّفة، وكفى اللهُ العبادَ والبلادَ شرَّهُم.

ثمّ كانت بعد ذلك حوادث الاحتلال البريطانيّ، فبَعد إعلان الحرب العالميّة الأولى ساند العراقيّون العثمانيّين، وأفتى علماءُ الشّيعة بِوُجوب الدّفاع عن الإسلام، بل لقد اشتركَ العلماءُ بأنفسهم في القتال ضد الإنكليز، وقاد السيّد محمّد سعيد الحبّوبيّ جيشاً جرّاراً إلى جبهة الشّعيبة وكذلك غيرُه من العلماء الأعلام، لكنّ الأتراك خسروا الحرب، وأساؤوا معاملةَ العراقيّين، والنّجف بشكل خاصّ، فثار النّجفيُّون في وجهِهم وطَردوهم، وألَّفوا حكومة محليّة وطنيّة تحكم بلدَهم دامت سنتَين.

لكنّ البريطانيّين وضعوا أيديهم على النّجف، فشكّل أهلُها تنظيماتٍ مسلّحةً لمقاومتِهم، وكان العلماء الأعلام فيها في طليعة الأحداث. وحصل الصِّدام الأوّل بينهم وبين الإنكليز الّذين حشدوا له أربعين ألف مقاتل وقتلوا خَلْقاً كثيراً، ولم يُسيطروا إلّا بعد وقتٍ طويلٍ وجهدٍ شاقّ.

بعد ذلك قامت ثورةُ العشرين بقيادة عُلماء النّجف ضدّ الاحتلال الإنكليزيّ، وكان إعلان الثّورة من النّجف يومَ الأحد في النّصف من شوّال سنة 1338 للهجرة، قاد كلُّ زعيمٍ قومَه إلى الجهاد، فانسحب الإنكليز من النّجف إلى الكوفة، واحتَشد الجندُ هناك، وتوالَت الثّورات في أكثر نقاط الفرات الأدنى، وكان الأسرى من الجيش الإنكليزيّ يُجلَبون إلى النّجف حيث مركز قيادة الثّورة، وقد جِيء من «معركة الرّارنجيّة» بـ 160 أسيراً.

وعلى كلِّ حال، فإنّ ثورة العشرين الّتي قادَتْها النّجف بعلمائها هي الّتي دَفَعت العراق إلى السّير في طريق الاستقلال، وقيامِ حكمٍ يَدين بالإسلام -مبدئيّاً- بدلاً من الحكم الاستعماريّ المَقيت.

 

 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

09/07/2013

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات