العتبة العسكريّة المقدّسة في سامراء

العتبة العسكريّة المقدّسة في سامراء

03/03/2011

مرقدُ الإمامين العسكريّين
تحقيق: أحمد الحسيني

بعد أن كانت بغداد عاصمة الإمبراطورية العبّاسيّة، التي كانت تمثّل «القطب الأوحد» في عصرها، قرّر النظام نقل عاصمته إلى (سُرَّ مَن رأى)، أو سامرّاء كما تُعرف، وكان النظام العباسيّ حريصاً دائماً على استدعاء أئمّة المسلمين: الصادق، والكاظم، والرضا، والجواد عليهم السلام من المدينة المنوّرة في الحجاز، إلى  العاصمة، نظراً إلى موقع كلٍّ من الأئمّة عليهم السلام في عصره في قلوب الأمّة على امتداد ساحاتها. في هذا السياق استدعى النظام العباسيّ في العام 233 للهجرة إلى عاصمته الجديدة «سامرّاء» الإمام العاشر من أئمّة المسلمين الإثني عشر؛ عليّ بن محمد الجواد، وبعد شهادته جرى على ابنِه الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام ما جرى عليه.
كانت محلّة «عسكر» في سامرّاء مكان إقامة الإمامين اللّذَين عُرِف كلٌّ منهما بالعسكريّ. ويُعبَّر عنهما بـ «العسكريَّين»، وقد دُفنا عليهما السلام في سامراء، ويُعرف مرقدهما بالعتبة العسكريّة، التي استهدفها التفجير الإجراميّ الشهير الذي وقع بعد الإحتلال الأمريكيّ للعراق، وارتكبه الخوارج، عملاءُ الصهيونيّة وحُماتُها، فكان عدواناً صارخاً على مقدّسات الأُمّة وَوَحدتها، أدمى قلوبَ كلِّ المحمديّين الموالين لأهل البيت عليهم السلام.
 في هذا التّحقيق نقف على تاريخ بناء العتبة العسكريّة في سامرّاء وصولاً إلى ما بعد التّفجير- المؤامرة.




بطاقة تعريف بسامرّاء
سامرّاء أو (سُرّ مَن رأى) مدينة عراقيّة، كانت عاصمة بني العبّاس في الفترة الممتدّة بين (222-263 للهجرة/ 836-876م)، وقد اشتهرت قديماً بكثرة البساتين والميادين والشوارع الفسيحة، ورُوي عن الإمام الهادي عليه السلام أنّه وصفها بطيب الهواء وعذوبة الماء وقلّة الداء.يقول ياقوت الحمويّ في (معجم البلدان): «فلّما وَلِي المستعين وقويت شوكة الأتراك وانفسدت دولة بني العبّاس لم تزل (سرّ من رأى) في تناقص للاختلاف الواقع في الدّولة بسبب العصبيّة التي كانت بين أمراء الأتراك، إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سرّ من رأى بالكليّة المعتضد بالله [ت 289 للهجرة/ 902م]».وفي فترة لاحقة، دمّرها المغول، لكنّها صمدت بفضل زوّار العتبات المقدّسة، ووجود المرجعيّة الشيعيّة فيها لفترة من الزمن، سيّما إبّان إقامة المرجع الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي (صاحب فتوى تحريم التنباكو، ضدّ بريطانيا)، إضافةً إلى انتقال عدد من البيوتات الشيعيّة من بغداد وغيرها من المدن لتُقيم فيها، مجاورةً لمرقدَي الإمامين العسكريّين، فاتّسعت رقعة السكن فيها وعرفت نشاطاً تجاريّاً ملحوظاً.تقع سامرّاء على الضّفة الشرقية لنهر دجلة، على بعد 120 كلم شمال بغداد. ويقع عندها سدّ سامرّاء. وهي تتبع حالياً قضاء تكريت، ويصل عدد سكانّها اليوم إلى نحو مائتي ألف نسمة. ومَعلَمها الوحيد الذي لا تُقصد إلّا لزيارته، هو مقام الإمامين علي الهادي والحسن العسكريّ عليهما السّلام. انتقال الإمامين العسكريّين إلى سامرّاءفي العام (233 للهجرةـ/848م) استدعى – كُرهاً - المتوكّل العبّاسيّ الإمام عليّ الهادي عليه السّلام من المدينة المنوّرة التي وُلد فيها عام (212 للهجرة/827م) إلى سامرّاء، فبقي عليه السلام فيها أكثر من عشرين عاماً، فأحبّه النّاس والتّف حوله العلماء وطلّاب العلم. وكان شيعته فيها وفي سائر الأمصار يراسلونه ويستفتونه في أمور دينهم، ويسألونه الحلول لمشاكلهم.وكان الإمام الهادي عليه السّلام قد تصدّى للإمامة وهو فتىً لم يبلُغ الحلم، ومع ذلك ذاع صيته في الآفاق، فطلب موفد العباسيّين إلى المدينة المنوّرة عمر الجمحيّ من أبي عبدالله الجنيديّ ملازمة الإمام عليه السّلام ومراقبته، والتّظاهر أمام النّاس أنّه مؤدّبه. بدورهم، كان العباسيّون يكاتبون المتوكّل ويحذّرونه من تعاظم نفوذ الإمام الهادي عليه السّلام في المدينة، ومن احتمال انقلابه عليه افتراءً منهم على الإمام. فأرسل المتوكّل قائده يحيى بن هرثمة لتفتيش منزله وإخراجه من المدينة من دون إحداث بلبلة.  ويروي المسعوديّ وابن الجوزيّ عن ابن هرثمة أنّه قال: «فلمّا دخلتُ المدينة، ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع النّاس بمثله خوفاً على أبي الحسن (الهادي)، وقامت الدّنيا على ساق لأنّه كان مُحسناً إليهم ومُلازماً للمسجد، ولم يكن عنده ميلٌ إلى الدّنيا، فجعلتُ أُسكِّنهم وأحلف لهم بأنّي لم أُؤمر فيه بسوء، وإنّه لا بأس عليه. ثمّ دخلت منزله وفتّشته كما أمرني المتوكّل، فلم أجد فيه إلاّ مصاحف وأدعية وكتب علم، فعَظُم في عيني».وقد أقام الإمام الهادي عليه السّلام في محلّة «عسكر» في سامرّاء وابتاع داراً وسكن فيها مع أسرته، وفي هذه الدّار عاش أيضاً ابنه الإمام الحسن الزكيّ حتى شهادته، ووُلد فيها الإمام المهديّ المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين. وبإقامتهما في هذه المحلّة، عُرِف الإمامان عليّ الهادي والحسن الزكيّ بالعسكريّين.على أعتاب المقامما إن تصل إلى المقام الشّريف حتى تطالعك طارمة [بيت من خشب كالقُبّة] تُغطّي أحد أبواب الحرم الخمسة؛ واحدٌ من الغرب، وواحدٌ من الجنوب، ويُسمّى باب القبلة، ويقع في وسط سوق الهادي، وواحدٌ من الشّرق، واثنان من الشّمال. فإذا دخلت الصحن الشريف، طالعك سرداب دار الأئمّة عليهم السلام في غربه، وفوقه قبّة مكسوّة بالكاشي الكربلائيّ. أمّا شكلُ البناء الدّاخليّ للمقام الشريف فهو مربّع تقريباً؛ تتوسّطه حجرة الأضرحة، وفوقها تقوم القبّة الشريفة المذهّبة والتي تُعدُّ أكبر قبّة في العالم الإسلاميّ.مراحل بناء العتبة العسكريّة1-              أصل المكانابتاع الإمام الهادي عليه السّلام داراً له في محلة العسكر في سامرّاء وسكنها قرابة 20 عاماً، وعندما توفّي عام (254 للهجرة/868م) دُفِن في إحدى حُجُراتها. كما سكن الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام في هذه الدار مدة 23عاماً، ثمّ دُفن بجوار أبيه عليه السّلام عام (260 للهجرة/873م). وفي العام نفسه تُوفِّيت السيّدة نرجس والدة الإمام المنتظر، عجّل الله تعالى فرجه، فدُفنت خلف ضريحَي الإمامين عليهما السّلام. وفي عام (274 للهجرة/887م) توفّيت السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السّلام – التي حضرت ولادة الإمام المهديّ عليه السلام - فدُفنت بجوار أخيها، كما دُفن في فترات لاحقة عددٌ من أهل بيت الإمامين العسكريّين في هذه الدّار. أمّا السّرداب، فهو تابعٌ لهذه الدّار، وله قدسيّته بصفته جزءاً منها، وليس له مزيّة عند الشّيعة إلاّ تشرّفه بسُكنى ثلاثة من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، وليس فيهم من يعتقد أنّ المهديّ عليه السّلام موجود في السّرداب أو غائبٌ فيه، أوأنّه سيخرج منه، كما يرميهم به من يريد التّشنيع وينسب إليهم في ذلك أموراً لا حقيقة لها. وقد أجمع علماء المسلمين – شيعةً وسنّةً – أنّ خروجه صلوات الله عليه يكون بمكّة المكرّمة، وتُؤخذ له البيعة بين الركن والمقام.وقد نظم السيد محسن الأمين رضوان الله عليه أبياتاً ردّ بها على مزاعم المُفترين، وأبان فيها عن حقيقة عقيدة الإماميّة بهذا الخصوص، منها:  
وما شُـرِّفَ الـسـردابُ إلاّ لأنَّـهُ      بِــدارٍ تَـناهى عـندها الـعِزُّ والـفخرُ تَـشـرّفَ مَغْـناها بِسُكْنى ثـلاثةٍ      مِـن الآلِ يُـستسقى بـذِكرِهِمُ الـقَطْرُ وقد كان في السردابِ أعظمُ آيةٍ           مِن الحُجّةِ المهديِّ حارَ بِـها الفِكْرُ أرادوا به سُـوءاً، فـخُيِّب سـعيُهُم         وعـاقـبةُ الـبغيِ الـندامةُ والـثَّبْرُ وقــد جاء لـلمهديِّ فـيه زيارةٌ          عـن الـسادةِ الأطـهارِ يُعطى بها الأجْرُ وما غـابَ فـي الـسردابِ قَطُّ، وإنّما         توارى عـنِ الأبـصارِ إذ نـالَهُ الضُّرُّ ولا آتّـخَذَ الـسردابَ بُـرجاً، ومَن يكنْ         لـنـا ناسـباً هـذا فـقـولتُه هَـذْرُ وإنْ زهَــرَ الـسردابُ بـالبدرِ بُـرهةً     فـفي البيتِ مِن أُمِّ القُرى يطلع البدرُ يُـبـايَعُ ما بـيـنَ الـمَقامِ ورُكـنِهِ               ويَـعـنُو لـه بـالطاعةِ الـعبدُ والـحُرُّ لنا نَـسَبوا شـيـئاً ولـسنا نقولُهُ               وعابوا بـما لـم يَـجْرِ مِـنّا لـه ذِكْرُ

بـأنْ غابَ في السردابِ صاحبُ عصرِنا وأمـسى مُـقيماً فـيه مـا بَـقِيَ الـدهرُ

 2-              الخطوة الأولىإثر الغيبة الصغرى للإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه، تحوّلت الدّار إلى مزارٍ يَفِدُ إليه المحبّون لزيارة العسكريّين عليهما السّلام، وكانت الزّيارة بادىء الأمر من وراء شبّاك نُصب في جدار الدّار عام (289 للهجرة/902م). وقد بقيت الدّار على حالها ما يقرب من 45 سنة، وخلال هذه المدّة كان الموالون يفدون من مختلف الحواضر الإسلاميّة للزيارة، وكانوا ينظّمون قوافل الزّوّار في المناسبات إلى سامرّاء، ثمّ يعودون بهم إلى بلدانهم.وممّا يشير إلى هذا الأمر، قول الشيخ المفيد رضوان الله عليه في كتابه (المقنعة): «إذا أردت زيارة الإمامين بسرّ من رأى، فقف بظاهر الشبّاك».3-              تجديد الدّار ومراحل بناء المقامفي عام (332 للهجرةـ ه/945م) قام صاحب الموصل ناصر الدّولة الحمدانيّ - الأخ الأكبر لسيف الدّولة - بتشييد الدّار من جديد، وكلّل ضريحي الإمامين بالسُّتور، وبنى عليهما قبّة صغيرة، وأحاط سامرّاء بسور، ليأمن ساكنوها أو من يريد سكناها، كما بنى دوراً حول دار الإمام، وأسكنها جماعة.وفي عام (337 للهجرةـ/949م) زار معزّ الدولة البويهيّ سامرّاء، وأكمل تجديد الدّار فجعلها على شكل مزار، وأقام على الضّريحين صندوقاً خشبيّاً، وملأ حوض الدّار بالتّراب بعد أن صار كالبئر لكثرة ما أخذ النّاس من ترابه للبركة، وذلك لأنّ الإمام العسكريّ عليه السّلام كان يتوضّأ هناك. كما جدّد بناء صحن الدّار وسوره الخارجيّ، وأنفق في ذلك أموالاً جزيلة، وخصّص مرتّبات شهريّة للقائمين على خدمة المقام وزوّاره.وفي عام (368 للهجرة/ 979م) زار عضد الدّولة البويهيّ سامرّاء، فأمر بوضع سياج من السّاج حول المرقدين، ووسّع الصّحن، وبنى أروقته، وكلّل الضّريحين بالدّيباج، كما شيّد سوراً للمرقد.وقد عرف المقام الشريف، تجديدات وتوسعات على امتداد العقود والقرون اللاحقة؛ أهمّها إهداء أولى القطع الذهبيّة للمقام منتصف القرن الهجري الخامس، وإبدال أبوابه بأُخرى من أجود أنواع الخشب، أواخر القرن ذاته.وفي مطلع القرن السابع، تمّ بناء مئذنتين، وجُدِّد بناء السرداب والقبّة فوق الضريحين، وكُتب اسم النّبيّ وابنته الصّدّيقة الكبرى فاطمة الزّهراء والأئمّة الإثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين على باب خشبيّ وُضع في آخر السّرداب الشريف، وما يزال هذا الباب موجوداً حتى يومنا هذا.في العام (1106 للهجرة/1695م) أمر الشّاه حسين الصّفويّ بصنع أربعة صناديق في غاية التّزيين والتّرصيع، لأضرحة الإمامين العسكريين عليهما السّلام، وللسيّدتين الجليلتين؛ نرجس أمّ الإمام المهدي وحكيمة بنت الإمام الجواد عليهما السّلام، وبإحاطتها بشبّاك فولاذيّ، وبدعم البناء، وبتبليط أرض المقام بالرّخام، وتزيين الروضة من الدّاخل بخشب الساج. وكان قد طُلب من بعض العلماء الإيرانيّين مرافقة الصّناديق والإشراف على وضعها، فكان دخولهم إلى سامرّاء يوماً مشهوداً. وفي العام (1200  للهجرة/1786م) قام الأمير أحمد خان الدّنبليّ بتجديد المشهد المقدّس وزيادة مساحته، وقد كان للسّرداب بابٌ من الجهة الجنوبيّة يدخله الزّائر بعد زيارة مرقد العسكريّين عليهما السّلام، فأُغلِق هذا الباب وفُتح آخر من الجهة الشماليّة، وبُنيت الرّوضة الشّريفة على أجمل طراز، وأحدث فنّ هندسيّ.في أواخر القرن الثالث عشر، وتحديداً في العام (1285 للهجرة/1868م) جدّد ناصر الدّين شاه القاجاريّ بناء المقام الطّاهر، فجيء بالرّخام الأخضر من إيران، واستُبدِل الشّبّاك الفولاذيّ بآخر فضيّ مُذّهب التّاج، وفُرشت أرض الرّواق والبهو والصّحن بالمرمر، وأُبدلت الأبواب بأخرى جديدة، ولأوّل مرة كُسِيت القبّة وأطراف المنائر بالذّهب، ونُصبت ساعة على السّور فوق الباب الرئيس للصّحن. والظّاهر أنّ هذا البناء كان آخر عمارة أساسيّة لمرقد الإمامين العسكريّين عليهما السَّلامُ، الذي كان في كلّ مرّة يزداد اتساعاً ورونقاً وجمالاً، حتى وصل إلى ما كان عليه قبل الانفجار الأخير الآثم يوم 22/2/2006 م.ففي صبيحة هذا اليوم، تعرّض مقام سبطَي رسول الله صلّى الله عليه وآله في سامرّاء لاعتداء جبان من قبل بعض الجماعات التكفيريّة بالتعاون مع بقايا النظام البعثي البائد، كلّ ذلك بغرض تأجيج نار الفتنة المذهبيّة بين المسلمين، وتمكين الاحتلال الأميركيّ من تثبيت دعائم تسلّطه على رقاب المسلمين في بلاد الرافدين وغيرها من الحواضر الإسلاميّة. وإزاء لا مبالاة عددٍ من المؤسسات الدينية الكبرى في العالم الإسلامي، وتهاونها في الردّ على هذا التطاول على قربى رسول الله الذين أمر الله تعالى بمودّتهم في كتابه، كرّر التكفيريّون جريمتهم في العام التالي، حيث عمدوا إلى تفجير مئذنتي المقام الشريف.وكان الانفجار الأوّل من الشدّة بحيث ملأت القطع المتطايرة من الحجارة والآجر والقيشاني والصفائح الذهبيّة أسطح المنازل وباحاتها في دائرة تجاوز قطرها نصف الكيلومتر، بل إنّ بعض التقارير التي وردت تشير إلى أنّ أشخاصاً وجدوا بعض القطع على مسافة كيلومتر من مركز الانفجار. 4-              إعادة الاعمارفور وقوع هذا الاعتداء، باشرت المرجعيّتان الدينيّتان في العراق وفي الجمهوريّة الإسلامية الإيرانيّة إلى العمل على إعادة إعمار الروضة العسكريّة، فشُكّلت لجنة فنيّة وإداريّة تضمّ خيرة الكوادر المتخصّصة، وتمّ تقسيم العمل إلى ثلاث مراحل:أ‌-     رفع الانقاض: استغرقت هذه العمليّة 18 يوماً، 4 منها لرفع أنقاض الحرم الذي يضمّ الأضرحة المقدّسة الأربعة، و14 يوماً لرفع أنقاض الأروقة المحيطة به، وقد شارك في هذه المرحلة - بالإضافة إلى كوادر المشروع - منتسبو العتبتين المقدّستين الحسينيّة والعباسيّة، والذين قاموا أيضاً بنصب الضريح المؤقت، لحين إكمال صناعة الضريح الدائم من الذهب والفضّة، والذي قامت اللّجنة المسؤولة عن الإعمار بتكليف جهّة فنية متخصّصة بصناعته. ب‌-                       ترميم البناء القديم: بناءً على توجيهات المرجعيّة الدينيّة العليا بإبقاء كلّ قطعة من البناء نجت من عمليَّتي التهديم الإرهابيّتين، على وضعها الطبيعي قدر الإمكان، وتكملة البناء وإعادة الإعمار دون إزالتها، فقد التزمت اللّجنة الفنية لإعادة إعمار الروضة العسكريّة الشريفة بتلك الضوابط، وقامت ضمن المشروع بمرحلة تهذيب البناء القديم، ويتضمّن ذلك إزالة أجزاء البناء غير الصالحة لتكملة البناء فوقها، سواءً كانت من السقوف أو الجدران شبه المهدّمة، وإبقاء كلّ ما يمكن التكملة عليه، وقد بدأت هذه المرحلة تقريباً في بداية الشهر الخامس من العام 2008 م.ت‌-                       البناء الجديد: تطلّبت هذه المرحلة – لا تزال مستمرّة - إنشاء وُرَشٍ فنيّة متعدّدة تمهيداً لوضع البُنى التحتيّة للمشروع، وتوسعته، وإضافة مرافق علميّة وخدميّة لم تكن موجودة من قبل. وحتى نهاية العام 2010 م، كان القيّمون على المشروع قد فرغوا من بناء القبّة الشريفة، والمئذنتين، وإنشاء مصلّىً جديد، وتسقيف القسم الأكبر من السرداب المبارك.فضل زيارة العتبة العسكريّة المقدّسةتؤكّد روايات أئمّة أهل البيت عليهم السّلام على أهميّة زيارة العتبة العسكريّة، فقد رُوي عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أنّه قال: «قبري بسُرّ من رأى أمان لأهل الجانبين».وعن الإمام الهادي عليه السلام أنّه قال: «هذا دعاءٌ كثيراً ما أدعو به، وقد سألتُ الله عزّ وجلّ أن لا يُخيِّب مَن دعا به في مشهدي وهو: يا عُدَّتي عِنْدَ العُدَدِ وَيا رَجائي وَالمُعْتَمَدَ، وَيا كَهْفي وَالسَّنَدَ وَيا واحِدُ يا أَحَدُ وَيا قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد، أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِحَقِّ مَنْ خَلَقْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَلَمْ تَجْعَلْ في خَلْقِكَ مِثْلَهُمْ أَحَداً، صلِّ عَلى جَماعَتِهِمْ وَافْعَلْ بي (كذا وكذا)».وأورد الشيخ الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه) زيارةً يُزاران بها عن قُرب، وأوّلها: «السلام عليكما يا وليَّي الله، السلام عليكما يا حجَّتَي الله، السلام عليكما يا نورَي الله في ظلمات الأرض..»، ثمّ قال: «وتجتهد في الدعاء لنفسك ولوالديك، وصلّ عندهما لكلّ زيارة ركعتين ركعتين، وإن لم تَصل إليهما دخلت بعض المساجد وصلّيت لكلّ إمام لزيارته ركعتين، وادعُ الله بما أحببت، إنّ الله قريب مجيب».وأورد الشيخ الطوسي في (تهذيب الأحكام) الزيارة بعينها مع اختلافٍ يسير.وتُزار أيضاً مولاتنا السيّدة نرجس أمّ الإمام الحجّة عليهما السلام، فقد ورد التعبير عنا بـ (مليكة الدنيا والآخرة)، والزيارة التي تُزار بها صلوات الله عليها: أوّلها: «السَّلامُ عَلى رَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الصَّادِقِ الاَمِينِ...» وآخرها: «فَلَقَدْ أَولاكِ مِنَ الخَيْراتِ ماأَوْلاكِ وَأَعْطاكِ مِنَ الشَّرَفِ ما بِهِ أَغْناكِ فَهَنَّأَكِ الله بِما مَنَحَكِ مِنَ الكَرامَةِ وَأَمْرَاكِ». كما أن لمولاتنا السيد حكيمة زيارة خاصة.أمّا أعمال السرداب الشريف، فيُشدّد العلماء على ضرورة الاستئذان قبل دخوله، وأنّه لم يسقط بانسداد الباب القديم المؤدّي إليه. قال السيد ابن طاوس رضوان الله عليه: «إذا فرغت من زيارة العسكريّين عليهما السلام، فامضِ إلى السرداب المقدّس وقِف على بابه وقُل: (إلهي إنّي قد وقفت على باب بيتٍ من بيوت نبيّك محمد صلواتك عليه وآله ".." ولهذا الإمام وآبائه صلوات الله عليهم بالطاعة)، ثمّ تنزل مقدّماً رِجلك اليُمنى وتقول: (بسم الله وبالله..)، وكبّر الله واحمده وسبّحه وهلّله، فإذا استقررت فيه فقف مستقبل القبلة، وقل:(سلام الله وبركاته ".." بنفسي أنت من نازحٍ ما نزح عنّا ".." وصلّى الله على محمّدٍ وآله أجمعين). ثم ترفع يديك وتقول: (أللّهمّ أنت كشّاف [كاشف] الكُرب ".." والمنّ القديم والاحسان الكريم)».ثمّ ذكر رضوان الله عليه صلاةً باثنتي عشرة ركعة، بستّ تسليمات، بعد كلٍّ منها تسبيح الزهراء عليها السلام، وتُهدى للإمام عليه السلام، وبعدها دعاء: «أللّهمّ أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام..».ومن أعمال السرداب الشريف زيارة آل ياسين، وأوّلها: «سلامٌ على آل ياسين، السلام عليك يا داعيّ الله وربّانيّ آياته..»، وبعدها دعاء: «أللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ رَحْمَتِكَ وَكَلِمَةِ نُورِكَ، وَأَنْ تَمْلا قَلْبِي نُورَ اليَّقِينِ وَصَدْرِي نُورَ الإيْمانِ..». وورد أيضاً أنّ من أعماله؛ قراءة دعاء الندبة المشهور، ودعاء العهد، وغيرهما.

اخبار مرتبطة

نفحات