دلالاتُ الصلاة.. فقه القلب والحياة

دلالاتُ الصلاة.. فقه القلب والحياة

28/07/2011

الأذان، تذكيرٌ بهَول النِّداء يوم القيامة

الفقيه الشيخ النراقي قدّ س سرّه

بين يديك، فرائد، من رحيقٍ مختومٍ، هو حصيلةُ رحلةِ عمرٍ مبارك، لفقيهٍ كبير أدلج مع الصلاة، والآيات والروايات، عِلماً وعَملاً، ثمَّ قدَّم للمُصلِّين عبر الأجيال خُلاصة الصَّفوة من هذا الرحيق. إنَّه الفقيه النّوعي الشيخ محمّد مهدي النّراقي قدّس سرّه.
 تقدّم «شعائر» هذه الدَّلالات من كتابه الشهير (جامع السعادات).

ينبغي للمؤمن المُريد للآخرة ألّا يغفل عن دلالات الصلاة، فها هي نذكرها:

الأذان: فإذا سمعتَ نداء المؤذِّن، فأَخْطِر في قلبك هَوْل النِّداء يوم القيامة، وتُشمِّر بباطنك وظاهرك للإجابة والمسارعة، فإنَّ المُسارِعين إلى هذا النِّداء هم الذين يُنادَوْن باللُّطف يوم العرض الأكبر، فاعرِض قلبك على هذا النداء، فإنْ وَجَدْته مملوءاً بالفرح والإستبشار، مشحوناً بالرغبة إلى الإبتداء، فاعلم أنّه يأتيك النِّداء بالبُشرى والفَوْز يوم القضاء، ولذلك قال سيّد الأنبياء: «أَرِحْنا يا بلال!»، أي أَرِحنا بها وبالنداء إليها، إذ كانت قُرّةُ عينه فيها. واعْتبِر بفصول الأذان وكلماته كيف افتُتِحت بالله واختُتِمت بالله، واعتبِر بذلك أنَّ الله جلَّ جلالُه هو الأوَّل والآخِر والظَّاهر والباطِن، وَوَطِّن قلبك بتعظيمه عند سماع التَّكبير، واستَحقِر الدُّنيا وما فيها لئلَّا تكون كاذباً في تكبيرك، وانْفِ عن خاطرك كلَّ معبود سواه بسماع التهليل. وأَحضِر النبيّ صلّى الله عليه وآله، وتأدَّب بين يديه، واشهَد له بالرسالة مخلِصاً، وصَلِّ عليه وآله وحرِّك نفسك، واسْعَ بقلبك وقالبك عند الدعاء إلى الصلاة، وما يُوجِبُ الفلاح، وما هو خَيْر الأعمال وأفضلُها. وجَدِّد عهدك بعد ذلك بتكبير الله وتعظيمه، واختمْهُ بذلك كما افتَتحتَ به، واجعَلْ مبدأك منه وعَوْدك إليه، وقوامك به، واعتمادك على حَوْلِه وقوّته، فإنَّه لا حَوْل ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم .

ميقات الله تعالى
الوقت
: وإذا دَخَل الوقتُ استحضِر أنَّه ميقاتٌ جَعله الله لك لِتقوم فيه بخدمته، وتَتأمَّل للمُثول في حَضْرتِه، والفَوْز بطاعته، وَلْيَظهر على قلبك السُّرور، وعلى وجهك البَهجة عند دخوله، لِكَوْنه سبباً لقُربِك ووسيلة إلى فَوْزك. فاستعدّ له بالطهارة والنظافة، ولبس الثياب الصالحة للمناجاة، كما تتأهَّب عند القدوم على مَلِكٍ من ملوك الدنيا، وتَلقاه بالسَّكينة والوقار والخوف والرجاء، واسْتحضِر عَظَمة الله وجلالَه، وعَدَم تَناهي قدرته وكماله، ونُقصانَ قَدرك ومرتبتك، وعَدَم قابليّتك للقيام بخدمته، وقُصورك عن أداء وظائف طاعته.

طهارة القلب والقالب

الطّهارة: إذا أتيتَ بالطهارة في مكانك، وهو ظرفُك الأبعد، ثمّ في ثيابك، وهو غلافك الأقرب، ثمَّ في بَشَرتك، وهي قشرُك الأدنى، فلا تغفل عن لبِّك وذاتك، وهو قلبُك، فَطَهِّرهُ بالتوبة والنَّدم على ما فَرَّط، وتصميمِ العزم على التَّرك في المستقبل، فَطهِّر بها باطنك، فإنَّه مَوْضع نَظَر ربِّك. ثمَّ إذا سَتَرتَ مَقابِح بَدَنِك عن أبصار الخَلْق باللِّباس، فأَخْطِر بالَك فضائح سرِّك التي لا يَطَّلع عليها إلَّا ربُّك، وطالِب نفسك بِسترها، وتَحقَّق أنَّه لا يَستُر عن عَيْن الله ساتِر، وإنَّما يُكفِّرها الخوف والنَّدم والحياء، فتَستفيد بإظهارها في قلبك انبعاث جُنود الخوف والنَّدَم والحياء من مَكامِنها، فتذلّ به نفسك، ويَستكين تحت الخَجلة قلبك، وتقوم بين يدَي الله تعالى قِيام العبد المُجرِم المُسيء الآبق، الذي نَدِم فَرَجع إلى مولاه، ناكساً رأسه من الخوف والحياء. قال الصادق عليه السلام: «أزيَن اللِّباس للمؤمن لباس التَّقوى، وأَنعَمُه الإيمان»، قال الله تعالى: ﴿..وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ..﴾ الأعراف:26.

اللِّباس: وأمَّا اللّباس الظاهر، فنِعمة من الله تعالى تُستَرُ بها عَوْرات بني آدم، وهي كرامة أَكرمَ الله بها ذريَّة آدم ما لم يُكرِّم بها غيره، وهي للمؤمنين آلة لأداء ما افترض الله عليهم. وخَيرُ لباسك ما لا يَشغلك عن الله عزَّ وجلَّ، بل يُقرِّبك من ذِكرهِ وشُكرهِ وطاعتهِ، ولا يَحملك على العُجب والرِّياء والتزيُّن والتفاخر والخُيَلاء، فإنَّها من آفات الدِّين، ومُورِثةٌ للقسوة في القلب. فإذا لبسْتَ ثوبك، فاذكُر سترَ الله عليك ذنوبك برحمته، وأَلبِس باطنك بالصِّدق كما أَلبستَ ظاهرك بثوبك، وَلْيَكُن باطنُك من الصِّدق في ستر الهَيْبة، وظاهرك في ستر الطاعة. واعتبِر بفضل الله، حيث خَلَق أسباب اللِّباس لِيَستُرَ بها العورات الظاهرة، وفتحَ أبواب التوبة والإنابة والإغاثة، لِيَستُر بها عورات الباطن من الذُّنوب وأخلاق السُّوء. ولا تَفضحْ أحداً حيث سَتَر الله عليك ما أعظم منه. واشتغِل بِعَيْب نفسك واصْفَح عمَّا لا يَعنيك حالُه وأمرُه. واحْذَر أن يَفنى عُمرك بِعَمَل غيرك، ويَتَّجِر بِرَأس مالِك غيرُك وتَهلك نَفسُك، فإنَّ نسيان الذُّنوب مِن أَعظم عقوبة الله في العاجل، وأَوْفرِ أسباب العقوبة في الآجل. وما دامَ العبدُ منشغلاً بطاعة الله تعالى، ومعرفةِ عُيوب نفسه، وتَرْكِ ما يُشين في دِين الله عزَّ وجلَّ، فهو بمعزلٍ عن الآفات، خائضٌ في بحر رحمة الله عزَّ وجلَّ، يَفوز بجواهر الفوائد من الحِكمة والبيان. وما دام ناسياً لِذنوبِه، جاهلاً بعيوبه، راجعاً إلى حَوْله وقوَّته، لا يُفلِح إذا أبداً.


اخبار مرتبطة

  الوثيقة الحَسَنيَّة الخالدة

الوثيقة الحَسَنيَّة الخالدة

  دوريات

دوريات

28/07/2011

نفحات