فكرٌ ونظر

فكرٌ ونظر

16/09/2017

الأساليب والدواعي


محاربة الأنظمة المستبدّة للشعائر الحسينية عبر التاريخ

الأساليب والدواعي

ــــــــــــــــــــــــ محمّد الدومي* ــــــــــــــــــــــــ

إنّ مظلومية الإمام الحسين عليه السلام، جزءٌ من مظلومية بني هاشم بشكلٍ عام، وأهل البيت عليهم السلام بشكلٍ خاصّ، ولا ينبغي وضعها إلّا في هذا الإطار. وعليه؛ فإنّ محاربة الإمام الحسين عليه السلام، هي استمرارٌ للحرب بين المشروع الإسلامي المتمثّل بالأنبياء والأوصياء والأئمّة والمؤمنين من جهة، وبين الشيطان وأتباعه من المستبدّين والظلَمة من جهة ثانية، أو قل بعبارةٍ أُخرى: هي حربٌ بين مشروعٍ يجعلُ اللهَ تعالى حاكماً على الإنسان، وبين مشروعٍ آخر يجعل الإنسان حاكماً على نفسه وعلى الله تعالى!

ممارسات الأنظمة المستبدة تجاه الشعائر الحسينية

لقد حاول الحكّام المستبدّون - وعلى مرِّ التاريخ - إلغاء سيرة الإمام الحسين عليه السلام، باعتباره الفكر والمشروع النهضوي العادل، وأرادوا محوه من الذاكرة الإسلامية بخاصّة والإنسانية بعامّة؛ فقد حوّلوا يوم عاشوراء الحزن إلى يوم فرح وسرور وابتهاج، يُوسَّع فيه على العيال، وتُقام فيه حفلات الزواج؛ وهو ما يمثِّل استفزازاً فجّاً وعدوانياً لمشاعر أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم.

لقد أُشرب الأُمويون وكذلك العبّاسيون بُغض العلويين، وأوغلوا في دمائهم، لقد كانوا مثقلين بدماء العلويين؛ والنصوص التاريخية والدينية تثبت ذلك. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنّ أهلَ بيتي سيَلقون من بعدي، من أُمَّتي، قتلاً وتشريداً، وإنّ أشدَّ قومنا لنا بغضاً بنو أُميّة، وبنو المغيرة، وبنو مخزوم».

وهناك جملة من الممارسات القمعية التي قامت بها الأنظمة المستبدّة تجاه القضية الحسينية وشعائرها المباركة، نذكر منها ما يلي:

1) الوقوف ضدّ الشعائر الحسينية عن طريق الترهيب من الزيارة وإقامة المجالس:

لقد أقلقهم الحسين عليه السلام حيّاً وشهيداً، فهذا المتوكّل العباسي قد تأسّى بسلفه هارون، ومنع زيارة الإمام الحسين عليه السلام، وخصَّص لزوّاره سجناً تحت الأرض يُعرف باسم (المطبق)، ووضع مسالح في الطريق إلى المرقد المطهَّر للإمام الحسين عليه السلام، تقطع أيدي وأرجل الزوّار، آخذاً بسنّة فرعون، ثمّ أجرى الماء على الضريح الحسينيّ المطهَّر ليمحي أثره.

ومن السلاجقة، إلى شاه إيران البهلوي، إلى يزيد عصره صدام، إلى الوهابيّين، إلى الإرهابيين (الدواعش)؛ كلُّهم استثارهم الحسين عليه السلام بمبادئه ومواقفه، وخطابه النهضويّ الثوريّ الرافض لمنطق القهر والهيمنة.

2) محو مظاهر الحزن في محرّم عن طريق اختراع نصوص دينية، أو إقامة مظاهر الفرح والابتهاج:

أمّا مظاهر الفرح والابتهاج، فقد أقامها يزيد ابن آكلة الأكباد كأفضل ما تكون الإقامة؛ فزيِّنت شوارع دمشق بالرايات، وأمر أصحاب الدفوف بالضرب على دفوفهم، ففي (مقتل) الخوارزمي عن سهل بن سعد، قال: «خرجتُ إلى بيت المقدس حتى توسّطت الشام، فإذا أنا بمدينة مطّردة الأنهار، كثيرة الأشجار، قد علّقوا الستور والحجب والديباج، وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساءٌ يلعبنَ بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي: لعلَّ لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن. فرأيت قوماً يتحدَّثون، فقلت: يا هؤلاء، ألكم بالشام عيدٌ لا نعرفه نحن؟

قالوا: يا شيخ، نراك غريباً؟

فقلت: أنا سهل بن سعد، قد رأيت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وحملتُ حديثه.

فقالوا: يا سهل، ما أعجبك السماءُ لا تمطر دماً! والأرض لا تُخسف بأهلها! قلت: ولمَ ذاك؟

فقالوا: هذا رأس الحسين عترة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، يُهدى من أرض العراق إلى الشام، وسيأتي الآن.

قلت: واعجباً! أيُهدى رأس الحسين والناس يفرحون؟! فمن أيِّ بابٍ يدخل؟ فأشاروا إلى بابٍ يقال له: باب الساعات. فسرتُ نحو الباب، فبينما أنا هنالك، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضاً، وإذا أنا بفارسٍ بيده رمحٌ منزوع السنان، وعليه رأسٌ من أشبه الناس وجهاً برسول الله، وإذا بنسوةٍ من ورائه على جمال بغير وطاء...».

وأمّا اختراع النصوص، فمنها ما أخرجه البخاري عن ابن عبّاس، قال: «قدم النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومُ نجّى اللهُ بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى. قال: فأنا أحقّ بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه»!

وفي مقابل ذلك اُنظر ما رواه الشيخ الصدوق عن جبلّة المكّية، «قالت: سمعتُ ميثماً التمّار قدس الله روحه، يقول: والله، لتقتلنّ هذه الأُمَّة ابنَ نبيّها في المحرَّم لعشرةٍ يمضين منه، وليتّخذن أعداءُ الله ذلك اليوم يومَ بركة، وإنّ ذلك لكائن، قد سبق في علم الله تعالى، أعلمُ ذلك بعهدٍ عهده إليَّ مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه...

فقلتُ له: يا ميثم، وكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن عليٍّ عليهما السلام بركة؟

فبكى ميثم رضي الله عنه، ثم قال: سيزعمون بحديثٍ يضعونه أنَّه اليوم الذي تابَ اللهُ فيه على آدم، وإنَّما تاب اللهُ على آدم عليه السلام في ذي الحجّة، ويزعمون أنَّه اليوم الذي قَبِلَ الله فيه توبة داود عليه السلام، وإنَّما قَبِل توبته في ذي الحجّة، ويزعمون أنَّه اليوم الذي أخرج اللهُ فيه يونس عليه السلام من جوف الحوت، وإنَّما كان ذلك في ذي القعدة، ويزعمون أنَّه اليوم الذي استوتْ فيه سفينة نوحٍ عليه السلام على الجُوديّ، وإنَّما استوتْ في الثامن عشر من ذي الحجّة، ويزعمون أنَّه اليوم الذي فُلق فيه البحر لبني إسرائيل، وإنَّما كان ذلك في ربيع الأول».

دواعي محاربة الأنظمة المستبدّة للشعائر الحسينيّة

قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ الأنفال:30. إنّ هذه الآية الشريفة تشير إلى عاقبة الذين كفروا، ممّن (يمكرون) بالرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، من حيث إنَّهم يريدون تحقيق غاية إقصاء الرسول صلّى الله عليه وآله، بإحدى وسائل ثلاث: ﴿لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾. فإمَّا السجن ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾، أو القتل ﴿يَقْتُلُوكَ﴾، أو النفي والتشريد ﴿يُخْرِجُوكَ﴾، وما ذاك إلَّا لأنّ مشروعه السياسي والاجتماعي منافٍ بالمطلق لما يريدون تحقيقه من معادلات ظالمة في المجتمع.. لكنّ هذا المكر القرشي الكافر يقابله مكرٌ من طبيعةٍ أُخرى، هو المكر الإلهيّ؛ فالكفَّار يمكرون: ﴿..وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَـٰئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ فاطر:10، لكنّ الله تعالى يَمكر وهو ﴿خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾؛ بمعنى أنّ مخطّطات قريش وسائر الكفّار لا تمرّ، وإنّما يمرُّ ما أراده الله تعالى.

إنّ نفس هذه الحقائق القرآنية نجدها كذلك في المنطق الزينبيّ، وهي تخاطب ابن أخيها الإمام السجّاد عليه السلام بقولها: «...وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيِّد الشهداء عليه السلام، لا يُدرس أثرُه، ولا يعفو رسمُه على كرور الليالي والأيَّام، وليجتهدنّ أئمَّةُ الكفر وأشياعُ الضلالة في محوه وتطميسِه، فلا يزداد أثرُه إلّا ظهوراً، وأمرُه إلّا علوّاً».

خصوصية الإمام الحسين عليه السلام

السؤال الذي يطرح نفسه دائماً هو: ما هو السرّ الذي جعل المستبدّين يهرعون إلى محاربة الإمام الحسين عليه السلام، ومشروعه المبارك؟ أثمَّة أمرٌ جعل له هذه الخصوصية من بين سائر الأئمّة عليهم السلام؟ فما هو السرُّ في ذلك؟

يمكن تعليل ذلك إجمالاً بما يلي:

1) ارتبط قبره الشريف بإجابة الدعاء، فهو - إذاً - عَلَمٌ على ما قررناه سابقاً، ممّا جعله محطّ المؤمنين الداعين الراجين، ومهوى أفئدتهم، وهو ما نلاحظه في الأعداد المليونية التي تسير مشياً وزحفاً، قاصدةً قبره الشريف، تستوحي منه قِيم البطولة والفداء، وتستلهم منه مبادئ الرفض لكلّ ظالم، فغدا ذلك عَلَماً على مذهب أهل البيت عليهم السلام، وهذا من مصاديق ما قاله النبيّ إبراهيم عليه السلام، في دعائه لله تعالى: ﴿..فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ..﴾ إبراهيم:37، فالحسين عليه السلام ممّن تهوي إليه أفئدة المؤمنين.

2) تركيز النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة من بعده عليهم السلام، على ربط الأمّة بشخص الإمام الحسين عليه السلام، على اعتبار أنّ ربط الناس بشخصٍ يجسّد قيمة كبيرة أفضل وأوقع في النفس من ربطهم بفكرة مجرّدة. وهو نفس المنطق القرآني؛ إذ إنّ المولى تبارك وتعالى، لم يتركنا نغرق في القيَم المطلقة المجرّدة عن تلبّسات الواقع اليومي للناس، بل ربطها بمَن جسّدها أفضل تجسيد، فقيَم الخير، الحق، العدالة، العبادة، الصلاح، التقوى... دائماً تتمثّل لنا قرآنياً من خلال الأنبياء والصلحاء والأولياء، وفي المقابل نرى قيم الشرِّ والفساد والتمرُّد تتمثّل لنا دائماً من خلال الشيطان وأتباعه وأعوانه من فرعون ونمرود وأبي لهب ومَن كان على شاكلتهم، كأبي سفيان ومعاوية ويزيد وأعوانهم والراضين بفعلتهم والمدافعين عنهم.

كما أنّ الله تعالى جعل مرقد الإمام الحسين عليه السلام، أحدَ مواطن التخيير الأربعة، وهذا ما يجعلنا نستشعر أنّ الإنسان الموالي عندما يزور الإمام الحسين عليه السلام، يشعر وكأنّه حاضرٌ بين أهله.

وأمَّا الذين يخافون من المشروع الإلهي للحسين عليه السلام، فإنّهم يتوجّسون خِيفةً من مجرد ذكر اسمه، فاسم الحسين عليه السلام يقضّ مضاجع الظالمين، ويزلزل عروشهم فيسقطها، فإذا هي خرابٌ ودمار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث إسلامي من الجزائر، والمقال مختصر نقلاً عن مجلة الإصلاح الحسيني

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

16/09/2017

أرشيفو

نفحات