كلمة سواء

كلمة سواء

12/06/2018

عقيدة الشريف المرتضى ومذهبه الكلاميّ

 

 

عقيدة الشريف المرتضى ومذهبه الكلاميّ

______ الشيخ علي الدبّاغ* ______

كان الشريف المرتضى رحمه الله (علم الهدى، عليّ بن الحسين الموسوي البغدادي المتوفّى 436 هجرية) يذهب في أصول عقائده مذهب سائر الشيعة الإمامية من قولهم: بتوحيد الله عزّ وجلّ، وعدْله، وامتناع صدور الظلم منه، وهم ينهجون بذلك منهج أغلب المعتزلة الذين يسمّون أنفسهم بالعدلية أو أهل العدل، ويقولون: بنفي الصفات الإلهية الزائدة على الذات، إذ يرون أنّ صفاته سبحانه هي عينُ ذاته، ويذهبون إلى أنّ تحسين الشيء أو تقبيحه أمرٌ عقليّ؛ أي يُدرَك بالعقل: كعلمنا بحُسن الصدق النافع، وقُبح الكذب الضارّ، وغيرهما من الأمور البديهية، وإنْ كانت بعض الأحكام التكليفية - كالعبادات مثلاً - لا يُمكن استقلال العقل بالحكم فيها بالحُسن أو القبح إلّا عن طريق الشرع، فما ورد الشرع بحُسنه أو قُبحه أمرٌ لا مجال للعقل في تحسينه أو تقبيحه، فمرتبة العقل بعد مرتبة الشرع بلا جدال.

فأجمعت الإمامية على أنّ العقل يحتاج في علمه ونتائجه إلى السمع (أي المسموع من الشرع)، وأنّه غير منفكّ عن سمعٍ ينبّه الغافل على كيفية الاستدلال، وأنّه لا بدّ في أول التكليف وابتدائه في العالم من رسول ﴿..وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ فاطر:24، ﴿..وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ الإسراء:15.

وخالفهم في جميع ذلك المعتزلة والخوارج والزيدية، وزعموا أنّ العقول تعمل بمجرّدها من السمع والتوقيف. إلّا أنّ البغداديين من المعتزلة - خاصة - يوجبون الرسالة في أول التكليف، ويخالفون الإمامية في علّتهم لذلك.

وذهبوا إلى أنّ الإنسان المكلّف محاسَبٌ على أعماله المكلّف بها على قدر اختياره لها وقدرته عليها: ﴿..لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ..﴾، ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا..﴾ البقرة:286.

واتفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجّهٌ إلى الكفّار خاصة، دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى، والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة. كما اتفقوا على أنّ من عُذّب بذنبه من هؤلاء لا يُخلَّد في العذاب. وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وهو التخليد في العذاب، وهو ما يعرف عندهم - أي المعتزلة - ب‍«الوعيد».

واتفقت الإمامية على أنّ مرتكب الكبائر من أهل المعرفة والإقرار لا يخرج بذلك عن الإسلام، وأنه مسلم، وإنْ كان فاسقاً بما فعله من الكبائر والآثام.

وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك، وزعموا أنّ مرتكب الكبائر ممّن ذكرناه فاسقٌ ليس بمؤمن ولا كافر، وهذا القول يُعرف عندهم ب‍«المنزِلة بين المنزلتين» التي ميّزت المعتزلة في أول أمرهم عن سائر فِرق الإسلام، وأول مَن قال بهذه المقالة منهم هو واصل بن عطاء الغزّال.

ويذهب الإمامية في الإمامة - بأجمعهم - إلى أنها بالنصّ الجليّ على الأئمّة الاثني عشر، أولهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم محمّد بن الحسن المهديّ المنتظَر، وقالوا بعصمتهم جميعاً.

وخالفهم في جميع ذلك المعتزلة، إلّا ما نُسب إلى إبراهيم بن سيّار النظّام من موافقتهم بذلك.

وعلى ذلك فالمرتضى لم يكن معتزلياً ولا رأساً في الاعتزال، على ما يزعم الخطيب البغداديّ، ولا فيه ميلٌ أو تظاهرٌ في الاعتزال، أو هو داعية إليه على ما يذهب إليه ابن الجوزيّ وابن حزم الظاهري....

ويكفينا في الدلالة على خلاف الإمامية مع المعتزلة، أن نذكر أنّ للمرتضى نفسه، ولأستاذه الشيخ المفيد، ولتلامذته كالشيخ الطوسي وغيره، كتباً ومناظرات مع رؤساء المعتزلة وأكابرهم، كواصل بن عطاء، وإبراهيم بن سيّار النظّام، والقاضي عبد الجبّار بن أحمد، وغيرهم.

_________________________

* مقدمة (الانتصار) للشريف المرتضى

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

12/06/2018

دوريات

  أجنبية

أجنبية

12/06/2018

أجنبية

نفحات