حوار نصارى نَجْران.. والمباهلة

حوار نصارى نَجْران.. والمباهلة

23/10/2011

حوار نصارى نَجْران.. والمباهلة

«.. رسول الله محتضِناً الحسين، آخذاً بِيَد الحسن..»

حوار نصارى نَجْران.. والمباهلة

ـــــــــــــــ السيّد محمّد علي الموسوي ـــــــــــــــ


كان «يوم المباهلة» في المدينة المنوّرة، في الرّابع والعشرين من ذي الحجّة عام 10 للهجرة النّبويّة -بحسب الطَّبري- تظهيراً للحقائق التّالية:
• الموقع العقائدي لأهل البيت عليهم السلام، الذي أَجمَع عليه المسلمون عبر القرون.
• أنَّ بقاء الإسلام مُرتبط بِمودَّتهم والتزام نَهْجهم عليهم السلام.
• أنَّ إمكانيّة الحوار بين الإسلام والمسيحيِّين أكبر بكثير من الحوار بين الإسلام واليهود، فالطّابع العامّ مع اليهود هو الصِّراع لاختلاف طبيعتهم عن النّصارى ﴿لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسّيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون﴾ المائدة:82.
• ما يلي عرض لأجواء المباهلة مع نَصارى نَجران، وأهمّ دلالاتها.

ثلاث قوى كانت تتقاسم الجزيرة العربيّة عند بعثة النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، هي: كفّار قريش والعرب، اليهود، النّصارى.
وكان «فتح مكّة» إيذاناً بسقوط آخِر معاقَِل الكفَّار واليهود، التي تَهاوَت في المواجهات الحامية ما بين معركة بدر ويوم فتح مكَّة، ولم تكن معركة هوازن التي عُرِفَت بحرب «حُنين» -على أهميّتها-  إلَّا حَشْرَجَة الكُفْر المُحتضِر.
حَرصَ اليهود على ربط مصيرهم بمصير الكفّار، وتحالفوا معهم وأمدُّوهم بالسِّلاح والرِّجال، فكان لا بدّ من مواجهتهم وحَسْم الأمر معهم، في سياق مواجهة الإسلام لكفّار قريش وأحلافها.
أمّا النّصارى فلم يربطوا مصيرهم بمصير قريش وسائر الكافرين. كانوا يُتابعون سَيْر الأحداث -ما عدا محاولة أبي عامر الرّاهب ومسجد الضّرار- وكأنّهم على الحياد.

* نجران، أكبر حواضرهم

تقع مدينة نَجْران بين مكّة واليمن، وقد سُمِّيت باسم «نجران» حفيد «سبأ».
قال الحموي في (معجم البلدان): «نَجْران: بالفتح ثمّ السُّكون، وآخره نون، ".." بن زيدان بن سبأ بن يشجب بن يعرف بن قحطان لأنّه كان أوّل مَنْ عَمَرها ونزلها وهو المرعف، وإنّما صار إلى نجران لأنَّه رأى رؤيا فهالَتْهُ، فخرج رائداً حتى انتهى إلى وادٍ فنزل به فَسُمِّي (المكان) «نجران» به ".."». [أي باسمه].
أضاف الحموي: «".." «نجران» القرية العظيمة التي إليها إجماع تلك البلاد. كان أهل نجران يومئذٍ على دين العرب يعبدون نخلة لهم عظيمة بين أظهُرهم لها عيد في كلِّ سنة، فإذا كان ذلك العيد علَّقوا عليها كلّ ثَوْب حَسَن وَجَدوه وحليِّ النّساء ".."».
ثمّ اعتنقوا النّصرانيّة، وكانوا عند ظهور الإسلام يُمثِّلون الثِّقل النّصراني السِّياسي، والمرجعيّة الدِّينيّة للنّصارى في شبه الجزيرة العربيّة.

* أصحاب الأخدود

مِن أبرز المفاصل التي ينبغي الوقوف عندها لمعرفة الثِّقل الدِّيني والسِّياسي النّصراني الذي كانت تُمثِّله «نجران» أنَّ قصّة أصحاب الأخدود التي تحدَّث عنها القرآن الكريم كانت قد وَقَعت في نجران.
وسواء أكانت قصّة أصحاب الأخدود متكرِّرة -وفي مناطق مختلفة- كما يرى العلَّامة الطباطبائي في (تفسير الميزان)، أم أنّها كانت حادثة واحدة في مكان واحد، فالنّتيجة أنّ «نجران»  قد شهدت حادثة تُعرَف بقصّة «أصحاب الأخدود».

 قصّة «أصحاب الأُخدود» التي تحدَّث عنها
 القرآن الكريم، كانت قد وَقَعت في نَجْران.
في معرض حديثهما عن أهل نجران وانتقالهم من الشِّرك إلى النّصرانيّة، وانتشارها بينهم، أورد «الطَّبري» و«الحموي» رواية جاء فيها: «فَسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهوديّة وخيَّرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل، فخدَّ لهم الأخدود، فحرَق مَن حرق في النار، وقتل من قتل بالسَّيف، ومثَّل بهم حتى قَتَل منهم قريباً من عشرين ألفاً، ففي ذي نواس وجنوده أنزل الله تعالى: ﴿قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود﴾ البروج:4-5.

* ملاذ الهاربين من مكّة

كانت «نجران» بِحُكم موقعها السِّياسي، والجغرافي، الملاذ الأبرز للهاربين من مكّة بعد الفتح، وبينهم مَنْ هُمْ مِنْ أشدِّ النّاس عداوة لله تعالى ورسوله  صلى الله عليه وآله، وطبيعي أن يشكِّل هروب هؤلاء عاملاً إضافيّاً في اهتمام رسول الله صلّى الله عليه وآله بنجران وأهلها.
أورد «الطبري» في تاريخه: «لمّا دخل رسول الله صلّى الله عليه [وآله] مكّة هرب هُبيرة بن أبي وهب المخزومي وعبد الله بن الزِّبَعْرى السّهمي إلى نجران".." (فأمّا) ابن الزِّبَعْرى (فقد) رجع إلى رسول الله صلّى الله عليه [وآله] ".." وأمّا هبيرة بن أبي وهب فأقام بها كافراً ".."».
كان هبيرة المخزومي من كبار عُتاة فريش، وفرسانها المعدودين، وهو صهر أبي طالب على ابنته أم هانئء التي انفصلت عنه بالإسلام، وفيه يقول الشاعر:

ذاك منها هبيرة بن أبي          وهْبٍ أقرَّت بفضله مخزومُ
   كان في حربكم يعدُّ بألفٍ       حين يلقى بها القرومَ القرومُ.

بل كان يُعتبَر قَرين عمرو بن ودّ، وكان معه في وقعة الأحزاب، وهرب عندما قَتَل أمير المؤمنين عليه السلام عمرواً.
 قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: «قال "هبيرة بن أبي وهب المخزومي"، يعتذر من فراره عن عليّ بن أبي طالب ، وتركه عمْرواً يوم الخندق ويبكيه:

لَعَمْرُك ما ولّيت ظهري محمّداً      وأصحابه جُبناً، ولا خِيفةَ القتلِ
      ولكنّني قلَّبت أمري فلم أجد       لسيفي غَناءً إن وقفتُ، ولا نَبْلي
وقفتُ فلمّا لم أجد لي مَقْدَماً       صَدَرْتُ كضرغام هِزَبْرٍ إلى شبلِ
ثنى عطفه عن قِرْنه حين لم يجد      مجالاً، وكان الحزمُ والرأي من فعلي».


• وأمّا ابن الزِّبَعْرى، كما في (حلية الأبرار) وغيرها (بكسر الزاي وفتح الباء وسكون العين) عبد الله الشاعر بن قيس السّهمي القرشي، (فقد) كان من أشدّ المشركين على المسلمين وكان يؤذي النّبيّ صلى الله عليه وآله بيده ولسانه إلى أن فُتحت مكّة فهَرب إلى نجران، ومِن مظاهر شديد عداوته لرسول الله صلّى الله عليه وآله ما تُحدِّثنا به الرّواية التّالية:

 فجاء أبو طالب وقد سلَّ سيفه،
فلمّا رأوه جعلوا ينهضون، فقال
 أبو طالب: واللهِ لَئِن قام أحدٌ، جَلّلْتُه بسيفي..
•  عن إبن عباس: «دخل النّبيّ صلّى الله عليه وآله الكعبة، وافتَتَح الصَّلاة، فقال أبو جهل: مَن يَقوم إلى هذا الرجل فيُفسِدُ عليه صلاته؟ فقام ابن الزِّبَعري وتناول فرثاً ودماً وأَلقى ذلك عليه، فجاء أبو طالب وقد سلَّ سيفه، فلمّا رأوه جعلوا ينهضون، فقال أبو طالب: والله لَئِن قام أحدٌ جلّلْتُه بِسَيفي، ثمّ قال (أبو طالب للنّبيّ صلىّ الله عليه وآله): يا ابن أخي، مَن الفاعل بك هذا؟ قال: عبد الله (أي ابن الزِّبَعْرى)، فأخذ أبو طالب فرثاً ودماً فألقى (ذلك) عليه».
وابن الزِّبَعْرى هذا هو صاحب القصيدة الشّهيرة التي تمثّل بها يزيد بن معاوية عليهما اللعنة -وأضاف إليها ما هو صريحٌ في كفره- حين دخول موكب السَّبايا إلى الشام، ومنها:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا  جزع الخزرج من وقع الأسل.

* مكاتبة الرَّسول صلّى الله عليه وآله لأهل نجران
يتَّضح مِمَّا تقدَّم أنّ «نجران» بِمَا كانت تُمثِّله آنذاك، وبحسب طبيعة الهاربين إليها، كانت مرشَّحة -بعد فتح مكّة- لقيادة الحرب على الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله، ومن الطَّبيعي في مثل ذلك أن تُبادر القوَّة المُنتصِرة على قريش في مكّة إلى شنِّ الحرب على نجران قبل أن تُبادر هي للحرب، إلَّا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله بادر إلى مُكاتبة أساقفة نجران يدعوهم إلى الإسلام، فكان جوابهم أن توجَّه وفدٌ كبيرٌ منهم إلى المدينة المنوَّرة.

 أمّا بعد فإنَِّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد،
وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد،
 فإنْ أَبَيْتُم فالجِزْية، وإنْ أَبَيْتُم فقد آذنْتُكُم بالحرب، والسَّلام.
 
قال السيوطي في (الدرّ المنثور): «وأخرج البيهقي في (الدَّلائل) ".." أنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان (أي قبل نزول البسملة): بسم الله إلهِ إبراهيم وإسحاق ويعقوب. مِن محمّد رسول الله إلى أُسقف نجران، وأهل نجران. إنْ أسْلَمْتُم فإنِّي أحمد إليكم الله إلهَ إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أمّا بعد فإنِّي أَدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأَدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإنْ أَبَيْتُم فالجِزْية، وإنْ أَبَيْتُم فقد آذَنْتُكُم بالحرب، والسَّلام.
فلمَّا قرأ الأسقف الكتاب فظع به وذُعِر ذعراً شديداً، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة، فدفع إليه كتاب النّبيّ صلّى الله عليه [وآله]، فقرأه، فقال له الأسقف: ما رأيك؟
فقال شرحبيل: قد علمتَ ما وَعَد الله إبراهيم في ذرِّيّة إسماعيل من النُّبوَّة، فما يؤمَن أن يكون هذا الرَّجل؟ ليس لي في النُّبوّة رأي. لو كان رأيٌ مِن أمر الدُّنيا أَشَرْتُ عليك فيه، وجَهدتُ لك.
فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران، فكلُّهم قال مثل قَوْل شرحبيل؛ فاجتمع رأيهم على أنْ يَبعثوا شرحبيل بن وداعة وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض، فيأتونهم بخبر رسول الله صلّى الله عليه [وآله].
 فانطلق الوفد حتّى أتوا رسول الله صلّى الله عليه [وآله]، فسألهم وسألوه، فلَمْ تَزَل به وبهم المسألة حتّى ".." أنزل الله هذه الآية:
 ﴿ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب..﴾ إلى قوله ﴿..فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾
 فأَبوا أن يُقِرّوا بذلك. فلمّا أصبح رسول الله صلّى الله عليه [وآله] الغد بعدما أخبرهم الخبر، أَقبل مُشتملاً على الحسن والحسين في خميلةٍ له، وفاطمة تمشي خلف ظهره لِلمُلاعنة، وله يومئذ عدّة نسوة، فقال شرحبيل لِصاحبَيه: إنِّي أرى أمراً مُقبلاً. إنْ كان هذا الرجل نبيّاً مرسَلاً فلاعَنّاه، لا يبقى على وجه الأرض منّا شَعر ولا ظِفرٌ إلَّا هلك، فقالا له: ما رأيك؟
فقال رأيي أن أحكِّمه، فإنِّي أرى رجلاً لا يَحكم شَطَطاً أبداً. فقالا له أنت وذاك.
 فتلقَّى شرحبيل رسول الله صلّى الله عليه [وآله]، فقال، إنِّي قد رأيتُ خيراً من ملاعنتك.
 قال صلّى الله عليه [وآله]: وما هو؟ قال: حُكمك اليوم إلى اللّيل، وليلتك إلى الصَّباح، فمهما حَكمتَ فينا (خلال هذا الوقت) فهو جائز (أي نلتزم به).
 فرجع رسول الله صلّى الله عليه [وآله] ولم يُلاعنهم، وصالَحَهُم على الجِزْية».

* مَنْ طَلَب المُلاعنة والمباهلة؟

تتحدَّث المصادر عادةً عن نزول آية المباهلة وما جرى بعدها، وهو ما يوحي بأنَّ طَلَب المباهلة كان من النَّبيّ صلّى الله عليه [وآله] بأمر الوَحْي، إلَّا أنَّ السّيوطي في (الدرّ المنثور) أَوْرد بين الرِّوايات المتعدِّدة، رواية تُصرِّح بأنَّ وفد نجران هو الذي طَلَب المُلاعنة.
قال السّيوطي: «أخرج الحاكم وصحَّحه عن جابر أنّ وفد نجران أتوا النّبيّ صلّى الله عليه [وآله]، فقالوا: ما تقول في عيسى؟
فقال: هو روح الله وكلمتُه وعبدُ الله ورسولُه.
قالوا له: هل لك أن نُلاعنك أنّه ليس كذلك؟
قال: وذاك أحبُّ إليكم؟
قالوا: نعم.
قال: فإذا شئتُم.
فجاء وجَمَعَ ولده الحسن والحسين، فقال رئيسهم لا تُلاعنوا هذا الرَّجل، فوالله لَئِن لاعَنْتُموه لَيُخسَفَنَّ بأحد الفريقين. فجاؤوا فقالوا: يا أبا القاسم، إنّما أراد أن يُلاعنك سفهاؤنا، وإنّا نحبُّ أن تعفينا.
قال: قد أعفيتُكُم. ثمّ قال: إنَّ العذاب قد أظلَّ نجران».

* حصلت المباهلة.. لم تحصل؟


• يعرفونه كما يعرفون أبناءَهم
معرفة النّصارى برسول الله  صلّى الله عليه وآله، مِحْوَرٌ بالغ التَّأثير بحساسيّة مُتميِّزة في امتناع  علماء نصارى نجران عن المباهلة، فقد بشَّر النّبيّ عيسى على نبيِّنا وآله وعليه السَّلام، برسول الله صلّى الله عليه وآله،  فزاد على بشارات الأنبياء السَّابقين بشائر أتاحت للنَّصارى أن يَعرفوا رسول الله صلّى الله عليه وآله، معرفة تامّة وافية، وقد تقدَّم في ما أورده السّيوطي قول شرحبيل للأسقف حين استشاره: «قد علمتَ ما وَعَد الله إبراهيم في ذرِّيَّة إسماعيل من النُّبوة، فَمَا يؤمَن أن يكون هذا الرَّجل؟».

قال أسقف نجران: يا معشر النَّصارى!!
إنّي لَأرى وجوهاً لو شاء الله أن يُزيل جبلاً
عن مكانه لَأزاله بها، فلا تُباهلوا فتَهلكوا
 
وقد أورد الفخر الرَّازي في تفسيره، قول أبي حارثة لأخيه كُرز في طريق وفد نجران إلى المدينة: «إنّه والله النّبيّ الذي كنَّا نَنْتظره، فقال له أخوه كُرز: فما يَمنعك منه وأنت تَعلم هذا، قال: لأنَّ هؤلاء الملوك أعطونا أموالاً كثيرة وأكرمونا، فلو آمنّا بِمحمَّد صلّى الله عليه [وآله]، لَأخَذوا منَّا كلَّ هذه الأشياء، فوقع ذلك في قلب أخيه كُرز، وكان يُضمره إلى أنْ أَسلَم فكان يحدِّث بذلك».

رسول الله مُحتضناً الحسين، آخذاً بِيَد الحسن..

تُجمِع المصادر المختلفة على أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، توجَّه صبيحة الرّابع والعشرين من ذي الحجَّة، إلى مكان اللِّقاء المُقرَّر أن تَجري المباهلة فيه، ومعه أمير المؤمنين عليٌّ والزهراء، والحسنان صلّى الله عليهم أجمعين، وتختلف عبارات المصادر في بيان هذه الحقيقة المُجمع عليها:
قال الزّمخشري في تفسيره (الكشّاف): «غدا رسول الله مُحتضِناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تَمشي خلفه وعليٌّ خلفها، وهو يقول: إذا أنا دَعَوْت فأمِّنُوا..». (أنظر في هذا الملف، المزيد من كلمات الأعلام في مختلف المصادر الأم، بعنوان «وقائع المباهلة في المصادر الإسلاميّة»).
وقد تلقَّت الأمَّة بأجيالها كلّ الدلالات الإلهيّة البليغة لهذا المشهد الرَّبَّاني الفريد الذي جمع الأنوار الخمسة «أهل الكساء»، وهي نفسها الأنوار التي خَلَقها الله تعالى قبل خَلْق النّبيّ آدم عليه السلام، وقد جاءت يوم المباهلة لتؤكِّد أنَّ مستقبل البشريّة والعالَم -بمشيئة الله تعالى- يَدور مدارها بدءاً واستمراراً، عقيدة وانتظام حياة.
 خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد احتَضَن الحسين عليه السلام، وأخذ
بِيَدِ الحسن عليه السلام، وفاطمة عليها السلام تمشي خلفه،
والإمام عليّ عليه السلام خلفها، وهو صلّى الله عليه وآله
يقول: إذا دَعوْتُ فأمِّنوا.
يجب الوقوف طويلاً عند دلالة آية المباهلة على أنَّ أمير المؤمنين هو نَفْس رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنَّ مقياس المحمَّديَّة البيضاء فاطميّ، كما يجب الوقوف طويلاً عند دلالة  احتضان رسول الله صلّى الله عليه وآله الحسين عليه السلام، آخذاً بِيَد الحسن عليه السلام، على أنَّ نهج الحسنَيْن تظهير النهج المُحمَّدي الإلهي، ولا وصول إلى رسول الله إلَّا مِن باب الحسَنَيْن، مع خصوصيّة في الحسين تَتَماهى وتَتَّحِد مع كَوْنِه «المُعوَّض من شهادته أنَّ الأئمَّة مِن عترته..»، بِمَا يَعنيه ذلك من ارتباط  بقاء النِّظام الكَوْني ودوامه بإذن الله تعالى، بالحسين وذريَّة الحسين عليهم الصلاة والسلام.
قال المفسِّر الشَّهير البيضاوي:
«رُوِي أنَّهم لمَّا دعوا إلى المباهلة قالوا حتّى نَنْظر، فلمّا تخالَوْا قالوا للعاقب -وكان ذا رأيهم-: ما ترى؟
فقال: والله لقد عرفتُم نبوَّته، ولقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم. والله ما باهلَ قومٌ نبيّاً إلَّا هلكوا، فإنْ أبَيْتُم إلَّا إلْفَ دينِكم، فوادِعوا الرَّجل وانصَرِفوا.


فأتوا رسول الله صلّى الله عليه [وآله]، وقد غَدا مُحتضِناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه، وعليّ رضي الله عنه خلفها، وهو يقول إذا أنا دَعَوْتُ فأمِّنوا، فقال أسقفهم: يا معشر النّصارى، إنِّي لَأَرى وجوهاً لوْ سَألوا الله تعالى أن يُزيل جبلاً من مكانه لَأَزاله، فلا تُباهلوا فتَهلكوا، فأذْعِنوا لِرَسول الله صلّى الله عليه [وآله]، وبَذَلوا له الجِزْية ألفي حلَّةٍ حمراء، وثلاثين درعاً من حديد فقال صلّى الله عليه [وآله]: والّذي نفسي بيده، لوْ تباهلوا لَمُسِخوا قردةً وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأْصَلَ الله نجران وأهله، حتّى الطَّير على الشَّجر».
وخَتَم البيضاوي في تفسيره بقوله: «وهو دليلٌ على نبوَّته، وفضلِ مَن أتى بهم من أهل بيتِه».

اخبار مرتبطة

  في توجيهات وليّ الأمر

في توجيهات وليّ الأمر

  دوريات

دوريات

23/10/2011

دوريات

  إصدارات اجنبية

إصدارات اجنبية

نفحات