انتفاضة عالميّة على الرأسماليّة المتوحّشة
لم يَكُن ما شاهده العالم يومَ منتصف تشرين أوّل الفائت حدثاً عابراً، ولم تَكُن نتيجته متوقَّعة، إذ أنَّ اندلاع احتجاجات غاضبة في حوالي ألف مدينة في العالم، والمدن الغربيّة منها بالخصوص، ضدّ ما وَصَفته حناجر المحتجِّين بالرَّأسمالية المتوحِّشة، لا يُمكن عَدُّه حَدَثاً عابراً بكلِّ تأكيد.
صحيحٌ أنّ الأجهزة الأمنيّة في الدّول التي وَقَعَت على أراضيها تلك الإحتجاجات تمكّنت من احتوائها، والتَّقليل من مَدَياتها، ومَنْع استفحال تداعيات دعوتها التي انطلقت شرارتها الأولى في السّابع عشر من أيلول الماضي، وتحديداً مع حركة (إحتلُّوا وول ستريت) الأميركيّة، إلّا أنّ القرائن تُشير إلى احتمالات تَجَدُّدِها مستقبلاً، وربَّما بشكلٍ أكثر تنظيماً وتمرُّداً.
هنا يأتي السؤال؛ لماذا كلّ هذه المسيرات الإحتجاجيّة في الدُّوَل الأكثر رخاءً واستقراراً في العالم؟
بعض المتظاهرين ردَّدوا مقولة أنَّهم يشاركون في حرب الـ (99%) ضد الـ (1%)، إشارةً منهم إلى عدد المحرومين في بلدانهم قياساً إلى عدد الأثرياء والمُتخَمين. فهل يعني هذا التّصريح المثير أنَّ نهاية النِّظام الرّأسمالي أصبحت مسألة وقت ليس إلَّا؟
لعلَّ الإجابة عن هذا التَّساؤل بكلمة نعم فيها مِن التَّسرُّع الشيء الكثير، نَظَراً لقدرة هذا النِّظام على المراجعة والبراغماتيّة، وتبنِّي خطوات إصلاحيّة كبرى.
لكنَّ الجواب عن السُّؤال المتقدِّم بكلمة نعم فيه أيضاً من الصواب الشَّيء الكثير، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار التُّهمة التاريخيّة التي تُحمِّل النِّظام الرّأسمالي وِزْر قسمة العالم إلى أقلِّيّة مُترَفة وأغلبيّة محرومة، فضلاً عن تحميله وِزْر الأزمة الماليّة التي ضربت أميركا وأوروبا في العام 2008 م.
لطيف القصّاب (كاتب عراقي)