حوارات

حوارات

18/08/2012

من رُؤى الإمام الخميني حول المرأة والأُسرة

من رُؤى الإمام الخميني حول المرأة والأُسرة
في حوار مع السيدة فاطمة الطّباطبائي
* وصيّتُه لأسرته: اجتنابُ مجالس الغِيبة، أداءُ الصّلوات في أوقاتها
* معيارُ الزّواج النّاجح: التّقوى والتّكافؤ بين الطّرفَين
ـــــ إعداد: أسرة التحرير ـــــ

مقتطَف من مقابلة مع الدكتورة السيّدة فاطمة الطّباطبائي، زوجة المرحوم السيّد أحمد الخميني، تحكي لمحاتٍ من معالم الوجه الآخر في حياة الإمام الخميني قدّس سرّه، وتُثبت كم هي منسجمةٌ سيرةُ هذا الرّجل العظيم بين الدّائرتَين الخاصّة والعامّة.
يُشار إلى أنّ نَصّ المقابلة بالفارسيّة نشرتها شهريّة «أخبار شيعيان» في أيّار 2007 م، وأمّا التّرجمة العربية الواردة هنا فهي نقلاً عن الموقع الإلكتروني: «شبكة دار الولاية للثقافة والإعلام».

* السيّدة فاطمة الطباطبائي، نرجو أن تحدِّثينا عن تاريخ ارتباطك بعائلة الإمام الخميني.
لقد ارتبطتُ بعائلة الإمام في سنة 1970م، لكنّ عائلتنا كانت على معرفة كاملة بعائلة الإمام قبل هذا التاريخ؛ فقد كان والدي وسماحة الإمام الرّاحل كلاهما مدرِّسَين في الحوزة العلميّة بمدينة قمّ، بالإضافة إلى أنَّ كريمة الإمام الكبرى هي حَرَم حجّة الإسلام إشراقي، والأخير قريب لوالدتي، وهذا سببٌ آخر لعلاقتِنا مع هذه العائلة.


* ما هي الوصايا والتّوجيهات التي تركت أَثَرها عليك في أوَّل لقاء لك مع الإمام الرّاحل؟
لقد تزوَّجت من السيّد أحمد الخميني في سنة 1970، وبعد ثلاث سنوات سافرتُ وزوجي وطفلي البالغ تسعة شهور إلى العراق، حيث وصلنا إلى منزلَ الإمام عند مُنتصف اللّيل، وقد فَتح لنا الباب سماحةُ الإمام بنفسه، فجلس معنا لدقائق ثمَّ نهض وشرعَ في أداء صلاة اللّيل. أثار هذا الموقف استغرابي، فصلاةُ اللّيل ليست واجبة، وقد كان بإمكانه تأجيلها، خاصّة وأنّ الإمام يحبُّ السيّد أحمد كثيراً، ولم يكن قد رآه منذ عدّة سنوات! تأكّدَ لي بعد ذلك أنَّ موقف الإمام هذا نابعٌ من شدّة حبِّه لله تعالى، وحِرصِه على أداء صلاة اللّيل.
أمّا الخصيصة الأُخرى التي كان يمتاز بها الإمام، والتي اكتشفتُها فيه سريعاً، فهي ثباته وصلابتُه، والنّظام الخاصّ الذي امتاز به سماحتُه. فبعد مرور عدّة أيام على مكوثي في النّجف الأشرف، أحطتُ عِلماً بطبيعة برامجه في كلِّ ساعةٍ من اليوم، حتّى بتُّ أعرف السّاعة من خلال ملاحظة الإمام، بسبب انتظام برامجِه ودقّتِها.
وسألتُ حَرَم الإمام مرّةً عن برنامجه، فأجابت: إذا أخبرتُك ببرنامجه خلال اليوم الواحد، فبإمكانك اعتباره برنامجَه على مدار السّنة، فهو على غاية كبيرة من النّظم والدّقَّة، وكان يوصي بالنَّظم والتَّخطيط دائماً.
كنت أجهل في البداية الكثير من الأمور، ولكنّي بعد التّدقيق بأعمال الإمام وسلوكه؛ وبعد توجيه الأسئلة إليه، تأكّد لي أنَّه يلتزم كثيراً من المستحبّات الشّرعيّة ويبتعد عن المكروهات، وكان ينهانا عنها أيضاً، فمثلاً حين كنّا نضحك بصوت عالٍ كان ينهانا عن ذلك، لأنَّ الضّحك بصوت عالٍ مكروه شرعاً.

المتقدِّمون للزّواج: التّقوى والتّكافؤ

* كيف كان يتعامل سماحة الإمام مع موضوع اختيار الزوجة لأبنائه أو الزَّوج لبناته، وهل كانت لديه وصايا خاصّة في هذا المضمار؟
لقد كان سماحته يدرس وضع العوائل التي كانت تتقدَّم للزواج من كريماته بحثاً عن أوجه مُشتركة بين الجانبَين. وبعد أن يطمئنَّ إلى عائلة المتقدِّم ويقتنع بها، يتحدّث بنفسه مع الخاطِب ليرى هل أنَّه كُفوءٌ لكريمته أم لا، ويدرس الطَّرفَين وهل بإمكانهما فهم بعضهما البعض. بعد دراسة الموضوع بتأمُّل يستخير الله عزَّ وجلَّ، أي يطلب الخيرَ منه تعالى. "..".
ما زلتُ أتذكَّر جيّداً عندما أراد تزويج إحدى كريماتِه كيف أنّه استقبل القبلة وصلَّى ركعتين، ثمَّ توجَّه إلى الله يلتمس منه تعالى أن يجعل الخيرَ في هذا الزَّواج. ولو دقَّقنا في الموضوع لرأينا أنَّ هذا هو معنى الاستخارة. أي أنّ على الإنسان بذل ما في وسعه والبحث في الأمور ودراستها ما أمكن، حتّى إذا ما توصَّل إلى قناعة ذاتيّة، يتوجّه إلى الله جلَّ شأنُه لطلبِ الخير والمعونة.

* ما هو الدَّور الذي كان الإمام يمنحُه لكريماتِه بشأن اختيار الزَّوج؟
كان يطرح الموضوع عليهنّ، والشّيء الطّبيعي أنّ العائلتَين كانتا على معرفة ببعضهما؛ أي أنَّ كريمة الإمام هي على معرفة كاملة بعائلة المتقدِّم للزّواج مِنها، وكان الإمام يطرح الموضوع على كريمتِه، وينقل لها تصوُّره عن المتقدّم للزّواج ونقاط ضعفِه وقوَّته، لكنّه كان يترك الخيار النّهائي للبنت، وإلَّا في غير هذه الحالة يكون عقد الزواج باطلاً أساساً.

* هل كان لسماحته رضوان الله عليه وصايا خاصّة وموازين معيَّنة حول الزَّواج؟
لقد كان ميزانه تقوى الشّخص دائماً، لأنَّه يعتقد بأنَّ التَّقوى هي العامل الرَّئيس؛ فحتّى لو وضعنا البُعد المعنوي جانباً، فإنَّ الإنسان المؤمن لن يتسبَّب بمشكلة في القضايا الدّنيويّة؛ فالمسلم المتَّقي لا يُلحق الأذى والظُّلم بالآخرين، وبزوجته أيضاً، والمؤمن لن يضيِّع حقّ أحد، وكان الإمام يقول دائماً أنّ مَن يسير على منوال ضوابط معيَّنة لا يقوم بأيّ تصرف غير صادق، وبالنّتيجة لن يُلحِق الأذى بزوجتِه وأطفالِه.
أمّا الوصيّة الأُخرى التي كان يؤكِّد عليها، فهي موضوع التّكافؤ، بأن يكون الزَّوجان مناسبَين لبعضهما البعض. والشّيء الطّبيعي أنّ العائلة العلمائيّة تتَّسق أكثر مع العائلة الأخرى المماثلة لها.
بناءً على ما مرّ، كان الإمام يؤكِّد على وصيَّتَين هامّتين بشأن الزّواج، الأولى: التّقوى، والثّانية: كَوْن الشّخص كفوءاً مناسباً. بالإضافة إلى الأهمِّية التي كان يُوليها للعائلة وأُصولها؛ إذ كان يعتقد أنّ الأب والجدّ إذا كانا صالحَين، فإنَّ نطفتَهما تكون طاهرة أيضاً.
بعد هذه الأمور كان يهتمّ بالقضايا الأخرى، من دون أن يعير أهمّية للجوانب الماديّة، أو أن يعتبرها معياراً للسّعادة والشّقاء.

* ما هي نظرة الإمام إلى آداب الزَّواج والقضايا المتعلِّقة به كالمهر مثلاً؟
كان الإمام دقيقاً بشأن المهر، أي إنّه كان يعتقد بضرورته، فعندما كان الزَّوجان يحضران لإجراء العقد عند سماحتِه، ويحدِّدان المهر، كأنْ يكون نسخة من القرآن الكريم فقط، كان يطلب مِنهما تحديد مبلغ من المال كمهر بالإضافة إلى القرآن الكريم.

* ماذا كان رأيه حول مقدار المهر؟
هذه مسألة ترتبط بوضع الأفراد، وكان الإمام يُرجِع ذلك إلى العُرْف السَّائد؛ فهذا موضوع عُرفي بالدّرجة الأولى، فقد يختلف ميزان المهر من عائلة إلى أُخرى، وكان الإمام يعتقد بضرورة الإهتمام بالموازين التي تعتمدها البنت وعائلتُها. بشكلٍ عام، كان الإمام يرى ضرورة رعاية العُرْف السَّائد والعمل بموجبِه.
وفي الوقت نفسه، لم يكن الإمام يميل إلى مراسم الزَّواج الأخرى، فعندما تزوَّج حفيدُه من شقيقتي نَهى عن إقامة المراسم، سيَّما إذا علمنا أنَّ الزَّواج جرى خلال سِنِيّ الحرب، حيث منعَ سماحته من الاحتفال، فاقتصَرت مراسمُ الزّواج على مستوى الحدّ المتوسِّط.

الإمام وواجباتُ المرأة

* ما هي الأمور التي كان يعتبرُها الإمام جزءاً من واجبات حَرَمه أو كريماتِه، وهل كان يُبدي انزعاجَه لعدم التزامهنّ بها؟
لقد كان احترامه لِحَرَمه كبيراً جداً، وقد كان هذا الاهتمام مشهوداً حتّى آخر لحظاتِ عمرِه، فكان يُوصي الجميع بذلك، حتّى أولاده؛ أي يُوصيهم باحترام زوجاتِهم.
كما تعلمون لا يُوجب الإسلام شيئاً من الأعمال المنزليّة على المرأة، من قبيل طَهي الطّعام مثلاً، والإمام كان يولي موضوع الإلفة والتّفاهم أهمّية خاصة، لذا لم يكن سماحته يُصدر أمراً لحَرَمه بشأن هذه الأمور. وعندما كان يريد -مثلاً- خياطة أحد أزرار ملابسه، كان يقول للسيّدة حَرَمه: «هل يمكن أن تُعطيه للآخرين لِخياطته؟»، ولم يكن يأمرها أن تخيطَه بنفسها. وإذا رأى أنَّ زرّ القميص لم يُخَط فلم يكن يقول -معترضاً-: «لماذا لم تخيطيه؟»، بل كان يقول: «ألم يكن هناك أحدٌ لخياطتِه؟».
لم يقُل لحرمه حتّى آخر لحظة من حياته ناوليني كأساً من الماء، وفي المقابل كان يقوم بذلك تجاه حرَمه، أي يأتي لها بالماء، ويذكِّرها بتناول أقراص الدّواء.
لكنّه كان يفرض القيود في بعض المجالات، فبشأن العلاقات مع بقيّة العوائل، يحرص على أن تستشيرَه حرمُه بخصوص إقامة العلاقات الجديدة مع العوائل، ويطلب أن تبلِّغه بالمكان الذي تريد التّوجُّه إليه، للتأكُّد من العائلة التي يُراد بناء علاقة عائليّة معها.
لقد كان الإمام يضع هذه القيود خارج المنزل، وطلب من السيّدة حرَمه، أن يكون الميزان هو عدم اقتراف ما يشكّل مخالفة شرعيّة، مع التّأكيد على الإلتزام بالواجبات.
إنَّ المراقب لأعمال الإمام وتصرّفاته يشعر بأنّ ظاهرَه وباطنه واحد لا يتغيّر؛ فإذا أراد مثلاً أن ينهانا عن الكذب، فقد كان يتصرَّف بشكل يبيِّن لنا فيه أنَّ الكذب عمل مذموم، وصفة الجبناء والوَضيعين.

* ما هو رأي الإمام الرّاحل بشأن دراسة المرأة، وهل كانت له وصايا خاصّة في هذا المجال؟
لم يكن سماحة الإمام يتدخَّل بالشّؤون الخاصّة لأفراد العائلة، وخاصّة بالنّسبة للمتزوِّجين من أبنائه الذُّكور، إلَّا أنّه كان يُدْلي بتوجيهاتِه لأبنائه الذُّكور أكثر من الإناث، ولم يكن يتدخّل -مثلاً- حتى في تسمية أحفادِه، لكنّه يُبدي وجهة نظره في هذه الأمور إذا سُئل عنها.
لذلك لم يكن يتدخَّل في تحديد الفرع الدّراسي لكريماته، ولكنّه كان يوصي بشكل عام بضرورة مواصلة تحصيل العلم، ويوصي أحفاده دائماً بمواصلة دراساتِهم العليا ويشجِّعهم على ذلك. لقد ذكرَت حَرَم الإمام أنَّها طلبت من سماحته عندما قدموا مدينة قمّ، أن يدرّسها لأنَّها لم تكن قد أكملت سوى المرحلة المتوسِّطة، فاستجاب لذلك، وصار يُعطيها جزءاً من وقته لتحقيق هذا الهدف، ويشجِّعها على المطالعة، وفي الوقت نفسه، يؤكِّد على ضرورة أن لا يَتَحوّل العلم إلى حجاب.

* ما هو موقف الإمام بشأن عمل المرأة؟
لم يكن يعترض على ذلك بشرط أن لا يكون للعمل تَبِعات سلبيّة على الوضع العائلي، لأنّ المرأة هي التي تربّي المجتمع، والعائلة هي نواة المجتمع. يرى الإمام أنَّ دور المرأة مهمٌّ جدّاً في بناء العائلة وتماسكِها، كما يعتقد أنَّ بمقدور المرأة إصلاح الرّجل السَّيّئ، فإذا كان المحيط العائلي سليماً فلن تحدث مشكلة ولن يحدث خلاف، ممّا يترك آثاراً إيجابيّة على الأطفال الذين سينشأون بشكل سليم، ومن ثمَّ سينعكس ذلك إيجاباً على المجتمع. كان الإمام لا يمانع من عمل المرأة خارج المنزل بشرط أن لا يُسيء ذلك إلى العائلة، نظراً لدور المرأة المصيري وأهميّته في تربية الأطفال.
كنّا أحياناً نمازحُه ونقول: إنَّ على المرأة أن تبقى في منزلها! فكان يجيب: «لا تستَهينوا بدوركم في المنزل؛ فإنَّ تربية الأطفال ليست بالشّيء الهيِّن، فلو تمكَّن الإنسان من تربية شخص واحد تربية صحيحة، فسيكون بذلك قد أدّى خدمة جليلة للمجتمع».
الأكثر من ذلك، أنّ الإمام يعتقد بأنَّ الرّجل غير قادر على تربية الأبناء، وأنَّ ذلك يعتمد بشكل أساس على المرأة، لأنّ مساحة العاطفة عندها أكبر، والحبّ والعاطفة يجب أن يكونا عماداً للعائلة.

* ما هو رأي الإمام الرّاحل من النّشاطات التي تقوم بها السيّدات من عائلته في المجالَين السِّياسي والإجتماعي؟
لم يكن الإمام يمنعنا من ذلك، إلَّا أنَّه كان يحرص على أن لا نُستَغَلّ بسبب ارتباطنا به، أي إنّه كان يحظر علينا التّصدّي للمناصب الحسّاسة. لذا لم يرغب -مثلاً- أن تكون كريمتُه نائبة في البرلمان، حيث كان يقول: «لا أُحبّ أنْ يُقال إنَّ فلانة تسلّمت المنصب الفلاني لارتباطها وَصِلَتِها بي»، ويقول أيضاً: «لم نَقُم بالثّورة لكي نتقاسم المواقع، ولكي لا تحدث شبهة في هذا المضمار أريد منكم أن لا تتسلَّموا مناصب كهذه، وهناك مجالات أُخرى يمكنكنّ العمل من خلالها».
لذلك انطلقت نشاطاتُنا في مجالات أُخرى. على سبيل المثال عندما كان سماحته في مدينة قمّ المقدسة، وأصدر توجيهاتِه بتشكيل «مؤسّسة مَحو الأميّة»، التزمتُ بأحد الفصول الدراسيّة، وقد سجَّلتِ الكثير من الأخوات الأُمِّيّات أسماءَهنَّ في هذا الفصل، وبالرّغم من أنَّ الإمام كان يعاني حينَها من مرض القلب، إلَّا أنَّه كان يشعر بالغبطة والسّرور عندما كنت أُحدِّثه عن نشاطاتي في هذا المجال، ممّا كان يشجّعني على الإسهاب في الحديث.
لقد كان يعلم بأنَّ لديّ طفلاً صغيراً، وأنِّني أُواصل العمل خارج المنزل، إلَّا أنَّه لم يكن يمنعني عن ذلك. وكذا الحال بالنسبة لكريمتِه حيث كان يعلم أنَّها تقوم بنشاطات واسعة على صعيد حركة المرأة المسلمة. لقد كان يقول: «واصلوا نشاطاتِكم، إلَّا أنَّ عليكم رعايةَ الحدود الشّرعيّة، ومِنها كسب موافقة أزواجكنّ».

* ما هو رأي الإمام بشأن موضوع حجاب المرأة؟
كان الإمام الرّاحل يعتقد بأنَّ ملابس المرأة وظاهرَها يجب ألّا يقودا إلى الإفساد؛ أي يجب عليها أن لا تُظهِر مفاتنَها الجسديّة، ولكن لا مانع من ظهور قرص الوجه بدون زينة. وكان يمنع البالغين من أحفاده حتّى من مخالطة نساء العائلة من غير المحارم.
أمّا بشأن عمل المرأة خارج المنزل، فكان يرى بأنّ عليها أن لا تتحدّث إلى الرّجل ما دام لم تَسْتَدْع الضّرورة ذلك، ولكنّه لم يكن يعترض على الضّروريّات، فقد أخبرتُه مرّة أنِّي تحدَّثت مع الأستاذ في الجامعة حول أحد المواضيع الدّراسيّة بباعث الضّرورة العلميّة.

توجيهاتُ الإمام على أبواب الرّحيل

* هل كانت للإمام الراحل وصايا خاصّة قبل رحيلِه؟
في اليوم الذي سبق انتقاله إلى المستشفى وجَّه إلينا بعضَ النُّصح بشأن موضوع الغِيبَة. فهو لم ينهِ عن الغِيبَة لأنَّ ذلك أمرٌ مفروغ منه، ولكنَّه كان يقول: «حاولوا الابتعاد عن المجالس التي تُذكَر فيها الغِيبَة». لقد كان يؤكِّد كثيراً على الابتعاد عن الغِيبَة وعن السُّخرية بالآخرين.
أمّا الموضوع الآخر الذي كان كثيراً ما يؤكِّد عليه الإمام، فهو أداء الصَّلاة في أوقاتها، وكان يستشهد برواية عن الإمام الصّادق عليه السلام تؤكِّد أنَّ المُستخفَّ بالصَّلاة لن ينال شفاعة آل الرَّسول صلّى الله عليه وآله. قلت له ذات مرّة: ربّما كان مراد الإمام الصّادق عليه السلام في حديث الاستخفاف، هو مَن يؤدِّي الصَّلاة مرّة ويَتركها مرّةً أُخرى، لكنّه أجاب: «كلَّا، إنَّ ذلك سيكون خلافاً للشَّريعة، فقد كان الإمام الصّادق يرى أنَّ عدم الإكتراث بأداء الصَّلاة في أوقاتها، يعني أنَّ الشّخص يرجِّح عليها قضايا أُخرى».

* لو تُحدّثينا في نهاية المطاف عن بعض توجيهات الإمام الرّاحل؟
كانت توجيهاته تؤكِّد على الالتزام بالأخلاق والآداب في المنزل. أمَّا بشأن التّعبُّد والطّاعة فهو بحث خاصّ يحتاج للتّفصيل، فلو تفحَّصنا فتاوى الإمام لرأينا أنّه كان يُعطي لكلٍّ منها بُعْده المعنوي. وهذا لا يعني ترك ظاهر الأمر والتّمسُّك بِبُعده المعنوي أو بالعكس؛ فقد كان الإمام يهتمّ بالجانبَين معاً، أي إنّه كان يقول بأنّ الظّواهر الشّرعيّة لها أبعاد معنويّة يجب العناية بها.
وحول العبادة يذكر الإمام في أحد كُتُبه، أنَّ العبادة بابُ رحمةٍ فتحَه الله لعبادِه، فليس بإمكاننا -مثلاً- أداء شكر النّعمة التي أنعمَها الله علينا بتعليمنا الصّلاة، وسماحِه لنا سبحانه بأدائها. كان ينظر إلى مفهوم الصّلاة بمثل هذا المنظار. أي أنَّ الصَّلاة -والعبادات عموماً- هي أبواب فتحَها الله لرحمته. ولا شكّ أنّ العبادات والواجبات الشّرعيّة تكتسب مفهوماً خاصّاً عندما ننظر إليها بمثل هذا المنظار.
كما كان يُوصي كثيراً بتلاوة القرآن الكريم، وبقراءة الأدعية كالمناجاة الشّعبانيّة، ويؤكِّد أنَّه لم يكن بإمكان أيّ منّا أن يدعو بمثل هذه الأدعية التي دعا بها الأئمّة، لولا أنَّ لطف الله هو الذي هدانا إليها لنتكاملَ من خلالها ونسمو.
شخصيّاً، أوصاني الإمام في الأيام الأخيرة بقراءة دعاء العهد صباحَ كلِّ يوم، ومن الأدعية التي كان يواظب عليها سماحتُه دعاء كميل بن زياد، والمناجاة الشّعبانيّة.
وبشكل عام، كان الموضوع الذي يؤكِّد عليه دائماً وينصح به أفراد أسرته هو الالتزام بالواجبات والإنتهاء عن المحرَّمات، والعمل بذلك يستلزم أوّلاً معرفة الواجبات للعمل بها، ومعرفة المحرَّمات لاجتنابها، وكان يؤكِّد أنَّ العمل بالمستحبَّات له دورٌ خاصّ في بناء الشّخصيّة الإسلاميّة.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

18/08/2012

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات