..السّلامُ عليكَ سلامَ العارِفِ بِحُرْمَتِكَ..
قراءة في سَنَد «زيارة النّاحية المقدَّسة»*
______إعداد: «شعائر»______
«..فَلَأَنْدُبنَّك صَباحَاً وَمَسَاءً، وَلَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَمَاً، حَسْرَةً عَلَيْكَ وَتَأَسُّفاً عَلَى مَا دَهاكَ، حَتَّى أَمُوتَ بِلَوْعةِ المُصَاب، وغُصَّةِ الاكْتِئاب..». من «زيارة النّاحية المقدَّسة»
تقدِّم «شعائر» تعريفاً بمصادر وأسناد «زيارة النّاحية المقدّسة»، وهي من زيارات الإمام الحسين عليه السلام المطلَقة المنسوبة إلى الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف. |
«زيارة النّاحية المقدّسة» إحدى الزّيارات المشهورة لسيّد الشُّهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وهي زيارة يُزار بها عليه السلام في يوم عاشوراء وغيره من الأيّام، أي أنّها من الزِّيارات المُطلَقة.
تبدأ زيارة النّاحية بالسّلام على أنبياء الله وأولياء دِينه الأئمّة الأطهار عليهم السلام، ثمّ السّلام على أبي عبد الله الحسين الشّهيد عليه السلام وأنصاره الأبرار الأوفياء، ثمّ تعرّج على صفات سيّد الشّهداء عليه السلام وسيرتِه ونهجه قبل حركتِه في عاشوراء، وتبيِّن الأرضيّة التي مهّدت لحركة سيّد الأحرار عليه السلام وثورته، ثمّ تعدّد المصائب التي صُبّت عليه عليه السلام في كربلاء، والحزن الذي أطبقَ على الخافقَين لِفَقده وشهادته، وبكاء السّماوات السّبع والأرضين السّبع وما فيهنّ وما بينهنّ على ما أصابه ولحقَ به، ثمّ تنتهي بالتوسّل إلى الله عزَّ وجلَّ بحقِّ الأئمّة الأطهار عليهم السلام.
مصادر «زيارة النّاحية المقدَّسة»
ممّا لا يرقى إليه الشّكّ أنّ هذه الزيارة قد صدرت عن الإمام المعصوم عليه السلام؛ ومن أقدم المصادر التي نقلت هذه الزّيارة الشّريفة:
O كتاب (المزار) للشيخ المفيد (ت: 413 للهجرة)، حيث ذكرَها في أعمال يوم عاشوراء.
يقول العلّامة المجلسي: «قال الشّيخ المفيد قدّس الله روحَه ".." ما هذا لفظُه: زيارة أخرى في يوم عاشوراء برواية أخرى؛ إذا أردتَ زيارته بها في هذا اليوم فَقِف عليه عليه السلام وقُل: السّلامُ على آدم صفوة الله.. [الزّيارة]». [بحار الأنوار: ج 98، ص 317؛ الوفاء]
O ونقل هذه الزيارة بعد الشيخ المفيد تلميذُه السيّد المرتضى علم الهدى (ت: 436 للهجرة) في كتابه (المصباح)، حسبما جاء في كتاب (مصباح الزائر) للسيّد ابن طاوس.
قال السيّد ابن طاوس في (مصباح الزائر): «زيارة ثانية بألفاظ شافية يُزار بها الحسين صلوات الله عليه، زار بها المرتضى علمُ الهدى رضوان الله عليه. قال: فإذا أردتَ الخروج فقل: أللَّهمّ إليك توجّهتُ.. ثمّ تدخل القبّة الشّريفة، وتقف على القبر الشّريف وتقول: السلام على آدم صفوة الله..». [المصدر: ص 221]
وقد أشار الشيخ المجلسي في (البحار) إلى هذه الزّيارة المنقولة عن السيّد المرتضى. [المصدر: ج 98، ص 328]
O وتبع السيّدَ المرتضى ابنُ المشهدي، أبو عبدالله محمّد بن جعفر بن عليّ المشهديّ (كان حيّاً سنة 595 للهجرة) وهو تلميذ شاذان بن جبرئيل القمّي، وعبدالله بن جعفر الدُّوريستي، وَورّام بن أبي فراس. وهو أستاذ ابن نما الحلّي، وفخار بن معدّ الموسوي.
كتب ابن المشهدي في كتابه (المزار الكبير) يقول في شأن زيارة الناحية: «زيارة أخرى في يوم عاشوراء لأبي عبدالله الحسين عليه السلام، ممّا خرج من النّاحية إلى أحد الأبواب. قال: تقف عليه وتقول: السّلامُ على آدم صفوة الله..». [المصدر: ص 496-519؛ مؤسسة النشر الإسلامي]
O وبعد ابن المشهدي جاء العالِم الشيعيّ الكبير السيّد ابن طاوس، رضيّ الدين عليّ بن موسى بن طاوس الحسني البغدادي (ت: 664 للهجرة)، فنقل هذه الزّيارة في (مصباح الزائر).
ومن هذين الكتابَين الأخيرين نقل متأخّرو علماء الشّيعة في مؤلّفاتهم في الحديث والمزار، وألّفوا في شرح الزّيارة الشّروح المتعدّدة. ومن هؤلاء المتأخرّين:
1. العلّامة المجلسي في (بحار الأنوار)، و(تحفة الزائر).
2. المحدّث النُّوري في (مستدرك الوسائل).
3. الشيخ إبراهيم بن محسن الكاشاني في (الصّحيفة المهديّة).
4. الشيخ عباس القمّي في (نَفَس المهموم).
5. المرجع السيّد محمد هادي الميلاني في (قادتنا كيف نعرفهم).
6. كتاب (جامع أحاديث الشيعة) المؤلَّف بإشراف من المرجع السيّد حسين البروجردي.
وسوى ذلك من كتب الزّيارات والأدعية. فزيارة النّاحية إذاً لها سابقة تاريخيّة عريقة تمتدّ جذورها إلى أكثر من ألف سنة.
صدورُ زيارة النّاحية
تسالمت مؤلّفات الشِّيعة منذ القِدَم على انتساب الزِّيارة المعروفة بزيارة النّاحية إلى الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام. وقد تطرّق علماء الشِّيعة إلى ذكر هذه الحقيقة في مؤلّفاتهم. O فنرى الشيخ المفيد يقول في كتابه (المزار): «زيارة أخرى في يوم عاشوراء برواية أخرى»، [نقلاً عن العلّامة المجلسي في البحار؛ والمحدّث النّوري في المستدرك] وهي جملة تُشير إلى أنّ هذه الزيارة قد بَلَغته عن طريق الرّواية المنقولة عن الإمام المعصوم عليه السلام.
O ونجد السّيّد المرتضى يقدّم هذه الزيارة على باقي الزّيارات التي يُزار بها السِّبط الشّهيد أبو عبد الله الحسين عليه السلام.
O ونشاهد السيّد ابن طاوس يقول في (مصباح الزائر): «زار بها المرتضى علمُ الهدى رضوان الله عليه»، كما يصرّح أيضاً بأنّ هذه الزيارة هي «زيارة أخرى تختصّ بالحسين صلوات الله عليه، وهي مرويّة بأسانيد مختلفة، وهي أوّل زيارة زار بها المرتضى علم الهدى رضوان الله عليه».
ومن الجليّ أنّ فقيهاً جليلاً وعالماً شهيراً كالسيّد المرتضى لا يقدّم زيارة معيّنة على الزّيارات الأخرى -من أمثال زيارة عاشوراء- ولا يزور بها إلَّا بعد ثبوت سندها لديه. [أنظر أيضاً: المستدرك للمحدّث النوري: ج 10، ص 335، ح 17؛ آل البيت لإحياء التّراث]
O وكذلك نجد ابن المشهديّ يصرّح في (المزار) عند نقله لهذه الزيارة بقوله: «زيارة أخرى في يوم عاشوراء لأبي عبد الله الحسين، ممّا خرج من النّاحية إلى أحد الأبواب». [المصدر: ص 496؛ مؤسسة النشر الإسلامي]
وفي هذه الجملة تصريحٌ بأنّ هذه الزيارة تنتسب من جهة صدورها إلى الإمام المنتظر الحُجَّة بن الحسن العسكري عجلّ الله تعالى فرجه الشريف، وأنّها ممّا خَرج عنه إلى أحد نوّابه الأربعة الخاصّين، ثمّ رُوِيَت عنهم حتّى بلغَت الشّيخ المفيد، ومنه إلى السيّد المرتضى، ثمّ إلى بقيّة الرُّواة.
ومن هنا صرنا نشاهد الكُتُب المتأخِّرة تُصرِّح بهذه الحقيقة بلا مواربة. وعلى سبيل المثال، فقد كتب الشيخ إبراهيم بن محسن الكاشاني في (الصّحيفة المهديّة) يقول عن الزيارة المذكورة: «زيارة صَدَرَت من النّاحية المقدّسة إلى أحد النوّاب الأربعة».
وكتب الشيخ عباس القمّي في (نَفَس المهموم) يقول في وصف حوادث عاشوراء: «فكان كما وَصَفَه ابنُه الإمام المهديّ»، أي في «زيارة النّاحية المقدّسة».
وكتب السيّد هادي الميلاني في (قادتنا كيف نعرفهم): «ونجد في زيارة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه وصفاً دقيقاً لِما جرى على جدّه الحسين عليه السلام».
أسناد زيارة النّاحية
«زيارة النّاحية» لها أسناد محكمة تتّصل إلى الشّيخ المفيد، والسيّد المرتضى، وابن المشهدي. ويُحتمَل أنّها رُويت مُسنَدةً في كتاب (مزار) الشيخ المفيد و(مصباح) السيّد المرتضى، لكنّ فُقدان هذين الكتابيَن من جهة، وحذف أسناد الزّيارات في كتاب مزار ابن المشهدي رعايةً للإختصار من جهة ثانية، ساهما في فقدان سند زيارة النّاحية.
ونلاحظ أنّ ابن المشهدي يصرّح في بداية كتابه بأنّ هذه الزيارة قد بلغته بسندٍ متّصل. يقول: «فإنّي قد جمعتُ في كتابي هذا من فنون الزّيارات ".." ممّا اتّصلت به من ثقات الرُّواة إلى السَّادات». ثمَّ إنَّه عَمَد -رعايةً للاختصار، واطمئناناً منه بصدور الزّيارات عن المعصوم- إلى حذف أسانيد الزّيارات التي نقلها في كتابه.
يقول العلاّمة المجلسيّ في (البحار) بعد نقل عبارة ابن المشهدي المذكورة: «فظَهر أنّ هذه الزيارة منقولة مرويّة». [المصدر: ج 98، ص 328]
أمّا نسخة كتاب (المزار) الموجودة في مكتبة السيّد المرعشيّ فقد وردت فيها عبارة: «وهي مرويَّة بأسانيد مختلفة». وتكرّرت هذه العبارة في (المستدرك) للمحدّث النوري بلفظ: «وهي مرويَّة بأسانيد». يضاف إلى ذلك أنّ المجلسي نقل عن الشيخ المفيد في كتابه (المزار) أنّه وصف هذه الزيارة بقوله: «زيارة أخرى في يوم عاشوراء برواية أخرى».
وبهذا أضحى من المسلّم أنّ لهذه الزيارة أسانيد عالية ومتينة، بَيْد أنّ الشيخ المفيد والسيّد المرتضى لم يَذكُرا أسانيدها في كُتبهما، وتبيّن أنّ السيّد المرتضى كان يقدّم هذه الزّيارة على الزّيارات الأخرى -كزيارة عاشوراء التي لها أسانيد محكمة ومتعدّدة- فيزور بها ويداوم على قراءتها.
* مقتبَس من الموقع الالكتروني www.imamreza.net