من أسرار الصّلاة
..إنّما فُرضت لإقامة ذكر الله
________العلّامة إبن ميثم البحراني قدس سره________
مقتَطف ملخّص من كتاب (شرح نهج البلاغة) للعلّامة ابن ميثم البحراني (ت: 679 للهجرة) حول «أسرار الصّلاة العامّة»، يريدُ بها الالفات إلى المقاصد الأخلاقيّة والرّوحيّة التي أرادها الشّارع المقدّس من الحثّ على إقامة الصلاة بشرائطها الصحيحة. |
O من «أسرار الصّلاة العامّة» أنّها معينةٌ على تطويع النّفس الأمّارة بالسُّوء للنّفس المطمئنّة وتمرينُها على موافقتها، وإذا لاحَ لك هذا السّرّ فقد علمتَ أنّ جميع الآيات والأخبار الواردة في فضلها يرجع معناها إليه، كَنَهْيِها عن الفحشاء والمنكر في قوله تعالى ﴿..إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ..﴾ العنكبوت:45، إذ كان سببُهما القوّة الرّوعيّة [التروّعيّة] إذا خَرَجَت عن حكم العقل؛ فإذا كانت الصّلاة هي الَّتي توجب دخولَها تحت حكم العقل، والعقلُ ناهٍ عن الفحشاء والمنكر، فقد كانت الصّلاة هي السَّبب في الانتهاء، فكانت ناهية.
O وظهر أيضاً معنى كونها عماد الدِّين. إذ قال في النبويّ الشّريف: «بُنِيَ الإسلام على خَمس». فكلٌّ منها عمادٌ بحسب شرائطِه، فمَن أخلّ بها فقد هدمَ بنيانَه الذي يصعدُ به إلى الله تعالى.
O وكذلك كونها مفتاحاً للجنّة. إذ بها يَنفتح بابٌ من أبواب الوصول إلى الله، ولذلك ظهَر التّفاوت الذي يشير إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله في قوله: «إنّ الرَّجلَين من أُمّتي يقومان في الصّلاة، وركوعُهما وسجودُهما واحد، وإنّما بين صلاتَيهما ما بين السماء والأرض»؛ فإنّه إذا كانت فائدةُ الصّلاة في الالتفات إلى الله تعالى بقمع الشّيطان، وكان أحدُ الرَّجلين في صلاته خاشعاً لخشية الله مُستحضراً لعظَمته، والآخر غافلٌ عن هذه الجهة، قد صرف الشّيطانُ وجهَ قلبِهِ إلى غير القبلة، فأين أحدهما من الآخر؟
O وكذلك ما أشار إليه النبيّ الأكرم من التّخويف لمَن يحوِّل وجهه في الصّلاة: «أَمَا يخافُ الذي يحوِّلُ وجهَه في الصّلاة أن يحوِّل اللهُ وجهَه وجهَ حمار»؛ فإنّه نهيٌ منه صلّى الله عليه وآله عن الغفلة عن الالتفات إلى الله، وملاحظةِ عظَمته في حال الصَّلاة، فإنّ الملتفت [بقلبه] يميناً وشمالاً ملتفتٌ عن الله، وغافلٌ عن مطالعة أنوار كبريائه، ومَن كان كذلك فيوشك أن تدومَ تلك الغفلةُ عليه، فيتحوَّل وجهُ قلبِه كوجه قلبِ الحمار في قلَّة عقليّته [تعقُّله] للأمور العُلْويّة، وعدم إكرامه بشيءٍ من العلوم والقُرب من الله سبحانه.
O وكذلك غفران ذنب المصلِّي بسبب ترْكه حديثَ نفسه بشيءٍ من الدُّنيا؛ فإنّه في تلك الحال يلتفتُ إلى الله تعالى غافلاً عن غيره، والالتفات إليه عزّ وجلّ هو روح العبادة وخلاصتُها، ولذلك قال صلّى الله عليه وآله: «إنّما فُرِضَتِ الصلاة، وأُمِر بالحجّ والطّواف، وأُشعِرت المناسك لإقامة ذكر الله، فإذا لم يكن في قلبك للمذكور الَّذي هو المقصود والمبتغى عظمةً ولا هيبة، فما قيمةُ ذكرك؟».
وعن بعض زوجاته قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يحدِّثنا ونحدِّثه، فإذا حضرتِ الصّلاة فكأنّه لم يعرفنا ولم نعرفه»، شغلاً بالله سبحانه عن كلّ شيء.
وكان عليٌّ أمير المؤمنين عليه السلام إذا حضر وقت الصّلاة يَتململ ويَتزلزل ويَتلوَّن فيُقال له: ما لكَ يا أمير المؤمنين؟ فيقول: «جاء وقتُ أمانةٍ عَرَضها اللهُ على السّماوات والأرض فأَبَيْنَ أن يَحملنَها وأشْفَقْنَ منها..».
وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا حضر للوضوء اصفرَّ لونه فيقول أهلُه: ما هذا الَّذي يَعتادك عند الوضوء؟ فيقول: «ما تَدرون بين يدَي مَنْ أَقوم».
وكلُّ ذلك إشارة إلى استحضار عظَمة الله تعالى، والالتفات إليه حال العبادة، والانقطاع عن غيره.