عالميّةُ المؤمن
في خطِّ ﴿الحمد لله ربِّ العالمين﴾
______الشّهيد السيّد محمّد باقر الصّدر قدّس سرّه_____
في السّادس والعشرين، والسّابع والعشرين من شهر صفر سنة 1389 للهجرة، ألقى المرجع الدّيني الكبير، الشّهيد السّعيد السيّد محمَّد باقر الصّدر قدّس سرّه، محاضرتَين قيّمتَين تحت عنوان: «المفهوم القرآني للمحنة».
وقد ألقى رضوان الله عليه هاتَين المحاضرتين إبّان ما عُرِف بحملات «التّسفير» التي شنّها النّظامُ البعثيُّ البائد، لإخراج جمعٍ غفيرٍ من العلماء والطّلبة الحوزويّين من العراق، بحجّة أنّهم لا يحملون الجنسيّة العراقيّة، الأمر الذي أثار -في حينِه- خشيةً جديّة على مستقبل الحوزة العلميّة في النّجف الأشرف.
ما يلي، مقتَطف من المحاضرة الأولى، وردتْ في مقدّمة كتاب (دروس في علم الأصول) للشهيد الصّدر، والمقدّمة بقلم سماحة السيّد علي أكبر الحائري، كما قام سماحته بجمع المحاضرتَين في كتابٍ واحد، حمل عنوان: (المحنة)، وصدر سنة 1404 للهجرة. |
يقول الشّهيد السيّد محمّد باقر الصّدر رحمه الله في محاضرته حول (المحنة): «حينما مَرَّ بالعراق المدُّ الأحمر (الشّيوعي)، كنتُ ألف مرّة ومرّة أَمتحنُ نفسي، أُوجِّه إلى نفسي هذا السّؤال: إنّي أنا الآن أشعرُ بألمٍ شديدٍ لأنَّ العراق مهدَّدٌ بخطر الشّيوعيّة، لكنْ هل أنِّي سوف أَشعر بنفس هذا الألم، وبنفس هذه الدّرجة، لو أنَّ هذا الخطر وُجِّه إلى إيران بدلًا عن العراق؟ لو وُجِّه إلى باكستان بدلًا عن العراق؟ لو وُجِّه إلى أيّ بلد آخر من بلاد المسلمين الكبرى بدلًا عن هذه البلاد؟ هل سوف أشعر بنفس الألم أو لا أشعر بنفس الألم؟
أُوجّه هذا السّؤال إلى نفسي، أَمتحن نفسي لأرى أنّ الألم الذي أعيشُه لأجل تغَلغل الشّيوعيّة في العراق هل هو لأجل خبز سوف ينقطع عنّي؟! أو لمقامٍ شخصيٍّ سوف يَتهدّم؟! أو لكيانٍ سوف يَضيع؟! لأنَّ مصالحي الشّخصيّة مرتبطة بالإسلام إلى حدٍّ ما، فهل أَلَمي لأجل أنَّ هذه المصالح الشخصيّة أصبحت في خطر؟! إذا كان هكذا، فسوف يكون ألَمي للشّيوعيّة في العراق أشدّ من أَلَمي للشّيوعيّة في إيران، أو أشدّ من أَلَمي للشّيوعيّة في باكستان.
وأمّا إذا كان ألمي لله تعالى، إذا كان ألمي لأنّي أريد أن يُعبَد الله في الأرض، وأريد أن لا يَخرج النّاس من دين الله أفواجاً، فحينئذٍ سوف أرتفع عن حدود العراق وإيران وباكستان، سوف أعيش لمصالح الإسلام، سوف أتفاعل مع الأخطار التي تهدِّد الإسلام بدرجة واحدة، دون فرق بين العراق وإيران وباكستان، وبين أيٍّ من أرجاء العالم الإسلامي الأخرى!!
محاسبةُ النَّفس
كلُّ واحدٍ منَّا يجب أن يُحاسب نفسه قبل أن يدخل إلى محاسبة الآخرين، يجب أن يتأمَّل في آلامه، في انفعالاته النّفسيّة، هل هي انفعالاتٌ لله تعالى، أو انفعالاتٌ لِمَصالحه؟ إذا كانت انفعالاتُه لِمَصالحه فيجب أن لا يرجو من الله شيئاً، يجب أن لا يرجو من الله حتّى الثّواب؛ لأنّه هو يتألّم لنفسه لا يتألَّم لله، فلماذا يُثيبه الله؟ على ماذا يُثيبه الله؟ سوف يكون محروماً حتّى من الثّواب الآجل فضلاً عن الفَرَج .أمَّا إذا كان ألمُه لله حقيقةً، إذا كان انفعالُه لله حقيقةً، فحينئذٍ سوف يكون أَوْسع نفساً، سوف يكون أَوْسع أُفُقاً، سوف ينظر إلى كلِّ العالم الإسلامي، إلى كلِّ المسلمين، إلى كلِّ المشاكل بنظرةٍ واحدة» .