السيّد جعفر مرتضى مفنِّداً رأيَ السّيد فضل الله
«الاحتفال بالمولد النّبويّ، عادة جاءتْ من الغرب»!
_____إعداد: «شعائر»_____
كان ينبغي لمثلِ هذا السّجال أن لا يُستَأنَف.. احتراماً للموتى، وحفظاً لسلامةِ وحدةِ الصفّ، إلّا أنّ استمرارَ البعضِ بالتّطاولِ على مقدّساتٍ لا يختلفُ في تقديسِها -بِنسَبٍ مختلفة- المؤمنون، كالتّوسُّل، والزّيارة الجامعة، وزيارة عاشوراء، ودعاء النّدبة، ودعاء العهد، وتربة كربلاء، ظنّاً من هؤلاء بأنّهم يُكملون ما يزعمونه تجديداً في الدّين بدأَه المرحوم «السيّد».
من هنا كان لا بدّ من تسليط الضّوء بموضوعيّة ومسؤوليّة بين يدَي الله تعالى على الخلَل العقائديّ في الطّروحات التي يبني عليها هؤلاء المُتطاولون، لِيتّضحَ للجميع أنّهم يبنون على باطلٍ يخالفُ صريحَ العقيدة التي بذلَ علماءُ جبل عامل بالخصوص الدّماءَ والأرواحَ من أجل تثبيتِه.
ما يلي، جوابٌ مختصرٌ للعلّامة السيّد جعفر مرتضى على ما كان «السيِّد» صرّحَ به من أنّ الاحتفالَ بالمولد النّبويّ «عادةٌ جاءتْ من الغرب»!
وإذا وضعَنا هذا الكلامَ بجانب تفسيرِه لمفهومِ «بشريّة الرّسول» ومحاربة «التّوسُّل» يتّضح مدى الخلَل الذي لا يجوزُ أن يبنى عليه، ولا يجوز السّكوتُ عنه.
تجدرُ الإشارة إلى أنّ الجواب الوافي على مسألة الاحتفال بالمولد النّبويّ، جاء في كتاب (المراسم والمواسم) للعلّامة مرتضى حفظه الله.
«شعائر»
|
جاء في كتاب (خلفيّات كتاب مأساة الزهراء عليها السلام):
[قال السيّد فضل الله]:
* «الإسلام لم يعتبر مناسبةَ الميلاد قيمةً في الخطّ التّربويّ ولا في الواقع الاجتماعي».
* «هذه التّقاليد ليست تقاليدَنا».
* «الإسلام بشكلٍ عامّ لا يهتمّ بمناسبة المولد».
* سُئِلَ البعض: «ذكرتم أنّه ليس هناك في الإسلام احتفالٌ منصوصٌ عليه بمولدِ أحدٍ حتّى برسول الله صلّى الله عليه وآله، والسّؤال: هل هناك حُرْمَة أو كراهية للاحتفال في مواليد أولادنا؟».
فأجاب: «قلنا إنّ الإسلامَ لم يعتبر مناسبةَ الميلاد قيمةً يُمكن أن يحتفلَ بها، لكن هذه التقاليد ليست تقاليدَنا».
وبعد أن ذكرَ البعض: أنّه قد تحدّث عن ميلاد موسى، وعن ميلاد عيسى لبيانِ بعضِ الأمور، كَكونها مظهراً لقدرة الله تعالى، وغير ذلك. قال: «وإلّا فإنّ الإسلام بشكلٍ عامّ لا يهتمُّ بمناسباتِ المولد».
وقال: «إنّ الاحتفال بالمولد النّبويّ كتقليد جاءنا من الغرب كمرور مائة سنة على ولادة فلان، أمّا في الإسلام فليس لدينا مثل هذا التّقليد. ومن خلال ذلك فإنّ أعيادَ الميلاد لا تمثّل قيمةً في خطّ الإسلام التّربويّ وفي واقع الإسلام الاجتماعي..». إلى أن قال: «فتاريخُ الإنسان يبدأُ من دورِه، لا من ولادته».
ونقول:
1 - قوله: «إنّ الاحتفال بالمولد النّبويّ -كتقليد- جاء من الغرب» غير صحيح ".." 2- بالنّسبة لما ذكرَه حول: «أنّ الإسلام لا يعتبر المولد قيمةً في الخطّ التّربويّ ولا في الواقع الاجتماعي، ولا يهتمّ لهذه المناسبة». فنقول: لا يصحّ أيضاً، فقد قال ابنُ أبي الحديد المعتزلي: «..وقد رُويَ أنّ السَّنةَ التي وُلِدَ فيها عليٌّ عليه السلام هي السَّنة التي بُدِئ فيها برسالة رسول الله -صلّى الله عليه وآله- فَأُسْمِعَ الهتافَ من الأحجار، والأشجار وكُشِفَ عن بصرِه، فشاهدَ أنواراً وأشخاصاً، ولم يخاطَب فيها بشيء. وهذه السَّنة هي السَّنة التي ابتدأَ فيها بالتّبتُّل والانقطاع، والعزلة في جبل حراء، فلم يزَل به حتّى كوشِفَ بالرّسالة، وأُنزِلَ عليه الوحي. وكان رسولُ الله صلّى الله عليه وآله يتيّمنُ بتلك السَّنة، وبولادة عليٍّ عليه السلام فيها، ويسمّيها سنةَ الخير والبركة».
3- ويقولون: إنّه صلّى الله عليه وآله قد أشارَ إلى ذلك حيث سُئِلَ عن صوم يوم الإثنين، فقال صلّى الله عليه وآله له: «ذلك يوم وُلِدْتُ فيه». وذلك يشيرُ إلى رجحَان الصّيام فيه لأجل هذه النقطة بالذّات.
4- إنّه لا شكّ في أنّ أيّام المواليد لها ميزتُها وأهميّتها في الإسلام، إذ إنّ مَن يراجع كُتُبَ الزّيارات المأثورة، وكذلك الأحاديثَ التي تتحدّث عن مفردات العبادات في الأيّام المختلفة يجد تركيزاً خاصّاً، ومميّزاً على الأيّام التي رُوي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام قد وُلدوا فيها، فنلاحظ:
ألف: أنّ هناك زياراتٍ مأثورةً لأمير المؤمنين عليه السلام في السّابع عشر من ربيع الأوّل، وهو يومُ مولد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد روى المفيد والشّهيد في (مزارَيهما)، والسيّد ابنُ طاووس في (الإقبال): أنّ الإمام الصّادق عليه السلام قد زارَ أميرَ المؤمنين عليه السلام يومَ السّابع عشر من ربيع الأوّل بزيارةٍ خاصّة، وقد علّمَها عليه السلام لمحمّد بن مسلم الثّقَفي. وقد قال المجلسي في (زاد المعاد) عن هذه الزّيارة: «إنّها من أحسنِ الزّيارات لفظاً ومعنًى، وهي منقولة بسَندٍ في غاية الاعتبار».
ب: وهناك الأعمال والزّيارات المشروعة والمستحبّة في ليلة النّصف من شعبان وهو يومُ ولادة الإمام الحجّة قائم آل محمّدٍ صلواتُ الله وسلامُه عليه وعليهم. وفي فضلِ هذه اللّيلة أحاديثُ كثيرة جدّاً تبيّن أهميّتَها وعظَمتَها، ومن جملة ما يُستَحبُّ فيها دعاءٌ ذكرَه الشيخ والسيّد، جاء فيه: «أللَّهُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنَا هَذِه ومَوْلُودِهَا، وحُجَّتِكَ ومَوْعُودِهَا الَّتِي قَرَنْتَ إِلَى فَضْلِهَا فَضْلاً..»، إلى أن قال: «..الْغَائِبُ الْمَسْتُورُ، جَلَّ مَوْلِدُه، وكَرُمَ مَحْتِدُه، والْمَلائِكَةُ شُهَّدُه واللهُ نَاصِرُه ومُؤَيِّدُه..».
ج: ما ورد في الأحاديث الشّريفة، وكُتب الأدعية، والزّيارات في ما يرتبطُ بالثّالث من شهر شعبان يوم ولادة الإمام الحسين صلواتُ الله وسلامُه عليه، وقد رُوي عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه كان يدعو في هذا اليوم بهذا الدّعاء: «أللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ الْمَوْلُودِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، الْمَوْعُودِ بِشَهَادَتِه قَبْلَ اسْتِهْلالِه ووِلادَتِه، بَكَتْهُ السَّمَاءُ ومَنْ فِيهَا..إلخ»، إلى أن قال: «أللَّهُمَّ وهَبْ لَنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ خَيْرَ مَوْهِبَةٍ، وأَنْجِحْ لَنَا فِيه كُلَّ طَلِبَةٍ، كَمَا وَهَبْتَ الْحُسَيْنَ لِمُحَمَّدٍ جَدِّه، وعَاذَ فُطْرُسُ بِمَهْدِه، فَنَحْنُ عَائِذُونَ بِقَبْرِه مِنْ بَعْدِه.. إلخ». وراجع ما رُوي ليلةَ ويوم ميلاد الإمام الحسن عليه السلام في الخامس عشر من شهر رمضان.. وغير ذلك.
فلا يصحُّ قول ذلك البعض: «الإسلام بشكل عام لا يهتمّ بمناسبات المولد».
5- وأمّا قوله: «إنّ تاريخَ الإنسان يبدأُ من دورِه لا من ولادتِه..»، فهو كلامٌ غيرُ سليم، فإنّ تاريخَ الأنبياء يبدأُ حتّى قبل أن يولَدوا ".." فإنّ إرهاصاتِ بعثتِهم، وما يظهرُ لهم من كراماتٍ أثناءَ الحمل، وحين الولادة وفي أيّام الطفولة هو جزءٌ من تاريخِهم المشرق الذي تستفيدُ الأمّةُ من التعرّف عليه أعظمَ العِبَر، وأبلغَ العِظَات.. وله الدَّورُ الأكيدُ في ترسيخِ الإيمان، وفي حقيقة الانقيادِ لهم عليهم السلام، والتّأسّي بهم، والتّفاعل العميق مع كلِّ ما يصدرُ عنهم.