السَّحَر
الثُّلُثُ الأخيرُ من اللّيل
ـــــ الشّيخ محمّد حسن النّجفي (صاحبُ الجواهر) ـــــ
السَّحَر: ما قبلَ الفجرِ على ما نصَّ عليه أهلُ اللّغة، واستُدِلَّ في تحديدِه بما رُوي عن الإمام الرّضا عليه السلام حينما سُئل عن أفضلِ ساعات اللّيل، قال عليه السلام: «الثُّلُث الباقي».
موجزٌ في تعريفِ وقتِ السَّحَر وتحديده، نقلاً عن الموسوعة الفقهيّة (جواهر الكلام)، للفقيه الشّيخ محمّد حسن النّجفيّ قدّس سرّه. |
وقعَ الالتباسُ لكثيرٍ من النَّاس في تحديدِ وقتِ السَّحَر، فمنهم مَن تَوَسَّع فيه حتّى أتى بأعمالِه بعد العشاء متَى شاء، أو تربَّصَ بها حتىّ مضى نصفُ اللَّيل أو ثُلُثاه، بلا مُستَنَدٍ من الشّرعِ ولا شاهدٍ من اللّغة أو العُرْف. ومِن حقِّ العمل المؤقَّت، واجباً كان أو مندوباً، مراعاةُ وقتِه المُقَدَّر له شرعاً؛ فإنَّ تركَ العمل مِن أصلِه أَهْوَنُ من الإتيان به في غير وقْتِه، لمشاركتِه التَّركَ في تركِ المأمور به، وزيادتِه عليه بالتّشريعِ في تقديمِه أو تأخيرِه.
وتحديدُ السَّحَر مِن أحد طَرَفَيه -وهو الآخِر- معلومٌ، لاتِّصاله بالفجر بإجماعِ العلماء. وأمَّا طَرَفُه الآخَر وهو الأوَّل، المُخالِط لِدُجى اللّيل، فربَّما اكْتَسى ثوبَ الإجمال، لِعَدمِ وقوعِ التّصريح به مِن أكثر اللّغويِّين والأُدَباء كما قيل، غير أنَّ المعلومَ مِن كلماتهم ومِن محاورات أهل العُرْف وتَتَبُّع الاستعمالات الواردة، بطلانُ ما ظُنَّ من التَّوسِعة، ولعلَّ أَوْسَع ما قيل في معناه ما نُقِل عن (جامع) الشّيخ الثّقة أبي عليٍّ الطّبرسيّ، و(كشّاف) رئيس علماء اللّغة والبلاغة جار الله الزّمخشريّ، وأبي حامد الغزاليّ، و(إحياء) الفاضل القاسانيّ: السُّدُسُ الأخير من اللَّيل.
بل قال بعضُ المُتبحِّرين: «إنِّي لم أَجِد لأحدٍ من المُعتَبَرين تحديده بالأكثر من ذلك، بل ظاهرُ الأكثر أنَّه أقلُّ منه، كما أنَّه ربَّما يُقاربه أو يَنطبق عليه قولُ البعض، أمّا الزّيادة فَلا [تنطبق عليه]». وكأنَّه أراد بقول البعض تفسيرَه بـ «آخر اللّيل» كما في (مجمع البحار)، أو بـ «قُبيل الصُّبح» كما في (المجمل) و(الصِّحاح)، أو قبله من دون تصغير كما في (القاموس). ثمّ قال: «ويُقال لِطَرَف كلِّ شيءٍ، هذا، ولكنَّ العُرْفَ يَشهدُ بِسَعة وقت السَّحر كما ذكرناه، بل قيل: إنَّ النُّصوص تشهدُ أيضاً بذلك، بل بأنَّه الثُّلُث الأخير، ويؤيِّده ما ورد من الأدعية وغيرها فيه على وجهٍ يَستلزم سعته عن ذلك أيضاً، فتأمَّل..».
..وساعةٌ في آخِرِ اللّيل
وهو [السَّحَر] خيرُ وقتٍ يُدعى فيه، ولذا أَخَّر يعقوب عليه السلام بَنِيه في الاستغفار إلى السَّحَر، لأنَّ دعاءَ السَّحَر مُستجاب، ومنه إلى طلوع الشَّمس ساعةٌ تُفتَح فيها أبوابُ السَّماء، وتُقسَّم فيها الأرزاق، وتُقضى فيها الحوائجُ العِظام، ومَن قامَ آخرَ اللّيل فذَكَرَ اللهَ تَناثَرَت عنه الخطايا، فإنْ تَطَهَّر وصلَّى ركعتَين لم يَسألِ اللهَ شيئاً إلَّا أعطاهُ، ومَن كانت له إلى الله حاجة فليَطلبها في ثلاث ساعات: ساعة في يوم الجمعة، وساعةَ تزول الشَّمس، وحين تهبُّ الرِّياح، وتفتَح أبواب السَّماء وتنزل الرَّحمة، وساعة في آخر اللَّيل عند طلوع الفجر، فإنَّ مَلَكَيْن يُناديان: «هل من تائبٍ يُتاب عليه، هل مِن مُستغفرٍ فيُغفَرُ له، هل مِن طالبِ حاجةٍ فتُقضَى له، فأجيبوا داعيَ الله». والدُّعاء في الأصل مطلَقُ الطَّلب، ثمَّ خُصَّ في العُرْف الشَّرعيّ بِسؤالِ العبد ربّه على وجه الابتهال، وقد يُطلقُ على التَّقديس والتَّمجيد ونحوهما، لِكَونه سؤالاً بِلُطفٍ وتَعَرُّضاً للطَّلب بطريقٍ خفيٍّ، ومنه قولُه صلّى الله عليه وآله: «خيرُ الدُّعاء دعائي ودعاءُ الأنبياء من قبلي، وهو لا إلهَ إلَّا الله وحدُه لا شريكَ له، لهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ، يُحيي ويُميت، وهو حيٌّ لا يموتُ، بيدِهِ الخير، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ».