في التبريك بالشهيد المعلم الحاج محمد بْجَيْجي من قادة المقاومة الإسلامية الشهداء. إبن مشغرة بلد الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة. استشهد عام 1408 هجرية في مواجهة مع الصهاينة المحتلين في البقاع الغربي.
في التبريك بالشهيد القائد"أبو حسن" الحاج محمد بْجَيْجِي:[1]
استشهد أبو حسن في " مراح مبارك "[2]
في مواجهة مع الإسرائيليين ".
مبارك حقاً هذا "المراح" الذي احتضن انطلاقتك إلى لقاء الله تعالى ، والمعراج واللقاء.
أيها الفارس المُجد.. أي لهيب في داخلك، وأي سر بين حناياك وأي إيمان يعمر قلبك الكبير؟
بهجةَ القلب، أيها المؤمن الكربلائي.. حدثنا.. - معاشرَ الكوفيين - كيف عرفت الحسين؟
كيف أطرحت جانباً عقد " التبرير"، وحطمت قيود حب الدنيا وإصر الأغلال، فعدت حراً كما ولدتك أمك؟!!
حدثنا يا أبا حسن.. ولكن هيهات هيهات !
أنى للأعمى أن يستحم بموج السنا الفياض!
أنى للقابع خلف حجب الذنوب أن يفهم حديثك المضمخ بعطر الجنة، المخضب بدم الشهادة المصاغ من لهيب كربلاء؟!
أنى للمثاقلين إلى الأرض أن يفقهوا حديث " النافرين " خفافاً وثقالاً
أخبرنا يا أبا حسن كيف اهتديت إلى أبي عبد الله، فإذا أنت توثُّب كربلائي، وفيض حنين للجهاد وتصميم على الشهادة؟
أتذكر يا أبا حسن عاشوراء 1407 هجرية وأنت تلبس السواد وتعتلي المنبر لقراءة ندبة حسينية. آنذاك أدركت أن لك مع الحسين شأناً، ولكني لم أدرك عظمة شأنك هذا إلا عندما قرأت وصاياك الحسينية، وعرفت بعدها أنك كنت يومياً تقرأ زيارة عاشوراء.
هنيئاً لك يا أبا حسن.
لقد مازجت بين ضغط العمل التعليمي والثقافي والإجتماعي والسياسي والعسكري وبين عبادة الله تعالى وذكره وجهاد النفس، فاستطعت أن تخصص وقتاً للمحاسبة والمراقبة والتزكية فوصلت إلى ولي الله ثم سلكت دربه إلى لقاء الله
***
حديثك أيها الحبيب عن سيد الشهداء يختلف عن أحاديثنا
قرأت في وصيتك:
1) السلام عليك يا مولاي.. لكم تمنيت أن أوفق لزيارتك سيدي في كربلاء ولما شاء الله أن تتجدد كربلاء على أرض جبل عامل أخذت على نفسي أن أمزج بدمي تراب الجنوب والبقاع الغربي كما امتزجت رمال كربلاء بدماء سيد الشهداء عليه السلام ".
2) إعتقادي الراسخ بأهمية قطرات دماء الشهادة جعلني أفتش عن الموت على طريقة أبي عبد الله على أرض أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه ".
3) إقرأوا دائماً مجالس العزاء واحضروا مجالس الدعاء ولا تنسوا دعاء الندبة صباح يوم الجمعة وارفعوا أصواتكم عندما تقولون أين الحسن أين الحسين "!!
4) وتوصي أم حسن ببناتك فتقول:
علميهن حب الحسين ( .. ) وكلما نظرتِ إلى زينب قولي: السلام عليك يا أبا عبد الله واجعلي بكاءك إذا بكيت على الإمام الحسين فأنا لا أستحق أن تبكي عليّ، ولأني أحب أن تبكي عني عن روح أبي عبد الله لأنني أحب أن أبكي على الحسين دائماً.
قل لي - بالحسين وبأبي فضله وزينب- كيف اهتديت الطريق وأصبحت توصي بالبكاء على سيد الشهداء نيابة عنك بعد استشهادك.
دعهم يقولون عنا أننا أمة باكية فإن لنا فهماً للخيار الكربلائي يختلف عن " فهمهم ".
إننا أمة ثائرة تبحث عن رضا الله تحت ظلال الأسنة، و لذلك فنحن نحمل همين: هم عباد الله وهمّ لقاء الله.
وليست المستأجرة كالثكلى.
علمنا أيها القائد المعلم.. فما لم نفهم ذلك لا نستطيع أن نفهم كيف مشيت إلى الشهادة ضاحكاً مستبشراً بملء إرادتك وكل اختيارك.
لم تقض اغتيالاً ولا فوجئت بكمين وأنت في نزهة، ولا أصابك صاروخ عشوائي، وإنما حملك حنينك إلى الشهادة على أن تفتش عنها في مظانها، حتى وجدتها في " مراح مبارك ".
***
طالما سهد ليلك أيها الكربلائي منطق الكوفيين وهم يرددون مع منافقي صدر الإسلام " بيوتنا عورة " وطالما أقض مضجعك تآمرهم على النهج الحسيني المتمثل في المقاومة الإسلامية ضعفوا أمام إسرائيل وهانوا، وبدلاً من أن يذهبوا وحدهم إلى الجحيم يريدون أن يصطحبونا معهم!!
يريدون أن يحولوا شيعة علي والحسين إلى حراس على باب مرحب اليهودي!!
ولقد أدركت أن الشهادة هي الرد.
طالما قلت قبيل استشهادك إننا بحاجة إلى الدم الحسيني!
من كان يدري أنك كنت اتخذت قرارك النهائي في أن يكون هذا الدم هو دمك الطاهر!
علمت أيها الحبيب أنك عندما أزفت ساعة اللقاء اخترت زيارة " الناحية " فقرأتها وأطلت البكاء والنشيج.
حقاً.. لماذا زيارة الناحية؟!
هل لأنها تجمعك بحبيبين الإمام المنتظر وسيد الشهداء؟
أم لأنها زيارة من الطالب بدم المقتول بكربلاء له عليه السلام
أم لأنك لا تجد ما يعبر عما يعتمل في نفسك الكبيرة تجاه سيد الشهداء خيراً منها.
أصدقني القول يا أبا حسن.. هل اخترتها لأن فيها: فلأبكينّ عليك بدل الدموع دماً.
***
وبعد زيارة الناحية ناديت أم حسن لتقرأ معك زيارتي مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة!
لماذا اخترت هاتين الزيارتين بالتحديد؟!!!
تكاد تخنقني العبرة أيها الغريب.. وطوبى للغرباء!
أقدر أنه يستوقفك في مسلم وهانيء رضوان الله عليهما صلابة إيمانهما التي تجلت في قصر الإمارة مع ابن زياد.
فهل هذا سبب زيارتك لهما؟
أميل إلى أن الذي وقف بك على رحابهما هو غربتهما، وأن همهما الأكبر كان رغم ذلك غربة الإسلام " ما على نفسي أبكي وإنما أبكي لهذا الغريب ". حملك استعراض شريط الأحداث في جبل عامل والضاحية على الإحساس بغربة النهج الكربلائي.
قارنت بين أمس المقاومة الإسلامية ويومها فغلى الدم في عروقك وبحثت عن السبب فوجدته في النهج الكوفي، فتذكرت مسلماً وهانئاً وغربتهما بين أهل الكوفة.
ولكن يا أخي ما لك ولأم حسن لتدعوها إلى مشاركتك الزيارتين؟
هل تريد أن تعمق في نفسها الإحساس بالغربة والحزن؟ أم أنك أردت أن تقول لها ولكل النساء أن عليهن أن يكن زينبيات فلا يضعفن أمام الشهادة بل يرددن مع زينب:
اللهم تقبل منا هذا القربان
***
قرأت زيارة مسلم وهانيء، وتوجهت إلى ديار الشهادة.
وأحس أخوك أنك تضمر الذهاب إلى الخطوط الأمامية، فحاول أن يثنيك " لأن لك يوماً في الأسبوع تمضيه هناك وهو غير هذا اليوم ".
لم يكن يعلم أنك دعيت فلبيت، فقد اكتمل النضج وتم الإختيار " وليتخذ منكم شهداء " ومضيت إلى سفح الجبل الذي كان " مراحك " في قمته.
وفي طريقك اصطحبت أحد المجاهدين وتسلقتما الجبل خطوة خطوة، وكل حديثك معه عن سيد الشهداء عليه السلام.
صعود يمثل جياتك في الدنيا، اجتاز بك المرمى إلى عالمك الأرحب في الآخرة.
استقر بك المجلس مع الطليعة المجاهدة المرابطة هناك، وجاء من يخبركم: " أن الإسرائيليين هنا.. وأن عددهم كبير".
وغمرتك الفرحة.. وأشرق وجهك بنور الجنة، فوعدت المخبر بجائزة إن كان من رآهم
" إسرائيليين حقاً "!!
وعندما تأكدت من ذلك لمعت في فكرك خاطرة:
" لنتصل بالإخوة لإرسال مجموعات من المجاهدين لنحاصر هؤلاء ونأسرهم أو نأسر منهم ".
وضعت الخطة وبدأت بتنفيذها، وانطلقت مجموعات المقاومة الإسلامية نحوك.
وتقدمت نحو أعداء الله مقتحماً ساح الجهاد حتى دخلت مع مجموعتك القلعة التي كانوا في داخلها،
وعندما بدأ الإشتباك أمطرتهم بقنابلك وأفرغت في ظهورهم وصدورهم ثلاثة من مخازن بندقيتك.
وناداك أحد المجاهدين: تأخر قليلاً يا أبا حسن!
فقلت له وقد وتدت في الأرض قدمك وأعرت الله جمجمتك: " ويحك إنها اللحظات التي كنت أنتظرها بفارغ الصبر"!!
هنا يمتاز الحسيني عن اليزيدي.. والكربلائي عن الكوفي.. وتردم الهوة بين النظرية والتطبيق.
ورفعت رأسك من خلف متراسك لجولة جديدة ضد أبناء قتلة الأنبياء، فإذا بقناص منهم يصوب بندقيته إلى جبهتك! ولماذا في جبهتك يا أبا حسن؟
ألأنك بالسجود اقتربت إلى الله " أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد " فشاء سبحانه أن ينبعث من موضع سجودك فوار دمك الحسيني الطاهر لتلتحق بأصحاب الحسين عليه السلام.
***
وماذا بعد ذلك يا أبا حسن؟
من كان في استقبالك.. ومن جاء لزيارتك؟
هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
هل رأيت أمير المؤمنين وسائر الأئمة المعصومين عليهم السلام؟
أتريدني أن لا أقدر أنك تشرفت مراراً بزيارة سيد الشهداء عليه السلام!!!
" هنيئاً لأصحاب النعيم نعيمهم ".
أيها الراحل الكبير.
يا من يبيضُّ بك وبأمثالك وجه المقاومة الإسلامية أمام بضعة المصطفى الزهراء عليها السلام. أبلغها منا السلام, وأَحْفِها طلب الدعاء لنا، حتى لا تتراكم ذنوبنا فنرتد كوفيين.
نم قرير العين أيها المجاهد الشهيد.
أما أنت فقد استرحت من هم الدنيا وغمها وبقي إخوتك،
ستبقى المسيرة بعدك - بحول الله - على العهد الذي كنت عليه.
وبفضل الله تعالى وبركة دمك ودماء الشهداء لن يتوقف الزحف الحسيني بقيادة نائب الإمام المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) مهما أجلب الكفر بخيله ورجله، ومهما زمجر الكوفيون ولتعلمنّ نبأه بعد حين.
الشيخ حسين كوراني
8 ذي الحجة 1408
22 6 1988
***
--------------------------------------------------------------------------------
نشرت في جريدة العهد آنذاك، مع فارق تعديلات طفيفة. [1]
[2] "مراح مبارك" اسم الأرض التي استشهد عليها الشهيد القائد، في البقاع الغربي.