واحدٌ وثلاثون توجيهاً، منسوبة إلى الإمام
الصّادق عليه السلام أوردها الشّهيد الثّاني مطمئنّاً بنسبتِها
إليه عليه السّلام،
وأوردَ بين يدَيها 24 توجيهاً مستفادةً منها، ليُتاحَ للحاجّ -بالعكوف على التّدبّر
فيها- أن يؤدّيَ مناسكَه على أكملِ وجهٍ وأتمِّه.
قال
الشّهيد الثّاني زين الدّين الطّلّوسيّ، الجبعيّ، العامليّ قدّس
سرّه.
يُستَحبّ
لمَنْ أرادَ الحجّ:
1-قَطْعُ العلائقِ بينَه
وبينَ مُعامِليه.
2-
وإيصالُ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه.
3- واختيارُ يومٍ صالحٍ للسّفر
كالسّبْتِ والثّلاثاء.
4- ورفيقٍ صالحٍ.
5- وتحسينُ الخُلُقِ زيادةً
على الحَضَر.
6-
والتّوَسّعُ
في الزّاد.
7-
وطِيبُ
النَّفْسِ في البَذل.
8-
والإنفاقُ بالعَدلِ، دونَ البُخْل والتّقتير والتّبذيرِ، فإنّ
بَذْلَ الزّادِ في طريق مكَّةَ إنفاقٌ في سبيل الله.
قال صلّى الله عليه وآله: «الحجُّ المبرورُ
ليس له أجرٌ إلّا الجنّةَ. فَقيل: يا رسولَ الله، ما
بِرُّ الحجّ؟ قال: طِيبُ الكلام وإطعامُ الطّعام».
وعن الصّادق عليه
السلام: «درهمٌ
واحدٌ في الحجّ أفضلُ مِن ألفَي ألفِ درهمٍ فيما سِواه في سبيل الله، والهديّةُ
مِن نَفَقة الحجّ».
فإذا
عَزَمَ على الخروج
1- صَلَّى في منزله ركعتَينِ
فإنّهما أفضلُ ما اسْتَخْلَفَه الرَّجُلُ على أهلِه، ويقول بعدَهما: «أللّهُمّ
إنّي أسْتَوْدِعُكَ نَفْسي وأَهلي ومَالي وذُرّيّتي ودُنياي وآخرتي وأمانَتي
وخاتمةَ عَمَلي»، فيُعطيه اللهُ ما يَسْألُ، كما وردَ في
الخبر.
2-
ويَفْتَتِحُ سفرَه بالصَّدَقة.
3-
ثمّ يَقومُ على باب داره، ويَقرأُ فاتحةَ الكتاب وآيةَ الكرسيّ
أمامَه الذي يتوجّهُ نحوَه، وعن يمينِه وشمالِه، ويَدْعو بكلمات الفَرَج مُضِيفاً
إليها:
«أللّهمّ احْفَظْني واحْفَظْ ما مَعي، وسَلِّمْني وسَلِّمْ ما مَعي، وبَلِّغْني وبلِّغْ ما َمعي ببَلاغِك
الحَسَنِ الجَميلِ، والحَمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ»، ثمّ يقول: «أللّهمّ كُنْ
لي جَاراً مِنْ كُلِّ جبّارٍ عنيدٍ،
ومِنْ كُلِّ شَيطانٍ مَريدٍ»،
ثمّ يقول: «بِاسم اللهِ دَخَلْتُ،
وباسمِ اللهِ خَرَجْتُ، وفي سبيلِ اللهِ تَوَجَّهْتُ، أللّهُمّ إنّي أُقَدِّمُ بينَ يدَي
نِسْياني وعَجَلَتي باسمِ اللهِ وما شاءَ اللهُ في سَفَري هذا، ذكرتُه أو
نَسِيتُهُ، أللّهُمّ أنتَ المُسْتَعانُ
على الأُمور كُلِّها، وأنتَ الصّاحبُ في السَّفَر
والخَليفةُ في الأهل، أللّهُمّ هَوِّنْ علينا
سَفَرَنا، واطْوِ لنا الأرضَ، وسَيِّرْنا فيها بطَاعتِك وطاعةِ رَسولِك، أللّهمّ أصْلِحْ لنا ظَهْرَنا، وبارِكْ لنا في ما رَزَقْتَنا، وَقِنَا عذابَ النّار، أللّهُمّ إنّي أعوذُ بك مِنْ وَعْثاءِ السَّفَر
وكَآبةِ المُنْقَلَب وسوءِ المنْظَر في الأهلِ والمالِ والوَلَد، أللّهُمّ أنت عَضُدي وناصِري، بك أَحُلُّ وبك أسِيرُ، أللّهُمّ إنّي أسألُكَ في سَفري هذا السّرورَ
والعملَ بما يُرْضِيك عنّي، أللّهمّ اقْطَعْ عنّي
بُعدَه ومَشَقّتَه، واصْحَبْني فيه، واخْلُفْنِي في أهلي بخَيرٍ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا بالله.
اللهمّ إنّي عبدُك، وهذا حُمْلانُك، والوجهُ وجهُك، والسَّفرُ إليك، وقد اطَّلَعْتَ على ما لم يَطَّلِعْ عليه
أحدٌ غيرُك، فاجْعَلْ سَفَري هذا
كفّارةً لِما قَبْلَه مِنْ ذنوبي، وكُنْ عَوناً لي عليه، واكفِني وَعْثَه ومَشَقّتَه، ولَقِّنّي مِنَ القولِ والعملِ رضاكَ،
فإنّما أنا عبدُك وبِكَ ولَك».
4- ثمّ
ينوي: «أتوَجَّهُ إلى البيتِ الحَرام والمشاعِرِ العظامِ لِأَعْتَمِرَ عُمرةَ
الإسلام، عُمْرةَ التّمتُّع، وأحُجّ حجَّ الإسلام، حجَّ التّمتُّعِ لوجوبِه قربةً
إلى الله».
5-وليَخْرُج مُتَحَنِّكاً لِيَرْجِعَ
إلى أهلِه سالِماً.
6-
مُتَطَهِّراً، لِتُقضى حاجتُه.
7- فإذا وَضَعَ رِجلَه في الرّكاب فَلْيَقُلْ: «بسم
الله الرّحمن الرّحيم، باسم اللهِ واللهُ أكبرُ».
8- فإذا
اسْتَوى على راحلتِه فليَقُلْ: «الحَمدُ للهِ
الذي هَدانا للإسلام، ومَنَّ علينا بمُحمّدٍ صلَّى الله عليه وآله،
سُبْحانَ الله، ﴿..سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
* وإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ الزخرف:13، وَالحمدُ
للهِ ربِّ العَالمين، أللّهُمّ أنتَ الحاملُ على الظَّهْر،
والمُسْتعانُ على الأمر، أللّهُمّ بَلِّغْنا بَلاغاً يُبَلِّغُ إلى خَيرٍ، بلاغاً
يُبَلِّغُ إلى مَغْفرتِك ورضوانِك، أللّهمّ لا طيرَ إلّا
طيرُكَ، لا
خيرَ إلّا خيرُك، ولا حافِظَ غيرُك».
ويَنبغي
أنْ يَخْرُجَ
1- رَثَّ الهيئةِ أقْرَبَ إلى
الشَّعَث، مُلازِماً ذلكَ في السَّفَر، فَخيرُ الحاجّ الشَّعِثُ التَّفِثُ.
يَقُولُ اللهُ لملائكته: «انظُروا إلى زُوّار بَيْتِي قد جَاؤوني شُعْثاً
غُبْراً مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُم أنّي قد غَفَرْتُ لَهُم».
2-
وأنْ يَرْكبَ الرّاحِلةَ دونَ
المَحْمِلِ إلّا لِعُذر، تَأَسّياً بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله، فإنّه حَجَّ على
راحِلتِه وكان تحتَه رَحْلٌ رَثّ، وقَطِيفَةٌ خَلِقَة، قيمتُه أربعةُ دراهمَ،
وطافَ على الرّاحلةِ لِيَنْظُرَ النّاسَ، وقال: «خُذُوا عنّي مَناسِكَكُم».
3-
وأنْ يَمْشِيَ مع القُدرة، فإنّ ذلك أفْضَلُ وأدْخَلُ في
الإذعانِ لعبوديّة الله تعالى، أللّهُمّ إلّا أنْ يُنافِيَ ما هو أفضلُ منه.
4-
وأنْ يَرْفُقَ بالدّابّة ولا يُحَمّلَها ما لا تُطِيقُ، وأنْ
يَنْزِلَ عنها غُدْوَةً وعَشِيّةً.
5-
وأنْ يُصَلَّيَ في كلّ منزلٍ ركعتَينِ عند النُّزول والارتحال.
6-
وأنْ يَقولَ عند مشاهَدَة المنازلِ والقُرى: «أللّهُمّ ربَّ
السّماءِ وما أظَلَّتْ، وربَّ الأرضِ وما أقَلَّتْ، وربَّ الرِّياح وما ذَرَتْ، وربّ الأنهار
وما جَرَتْ، عرِّفْنا خيرَ هذه القريةِ وخيرَ أهلِها، وأعِذْنا مِن شرِّها وشرِّ
أهلِها، إنّك على كُلِّ شيءٍ قدير».
7-
وأنْ يكونَ طَيّبَ النّفسِ بما يُنْفِقُه وبما يُصِيبُهُ
مُتَعَوِّضاً عنه بما عندَ الله، فإنّ ذلك مِن علامةِ قبول الحجّ.
8- وأنْ يُحْضِرَ قلبَه في حركاتِه وسكناتِه فإنّه
روحُ العبادة، فيَتَبَيّنُ له بذلك أنّ هذا السّفر مثالٌ لسَفر الآخرة
فيَتَذَكَّرُ:
* بِوَصيِّتِه قبلَ السّفر وجَمْعِ أهلِهِ،
اجتماعَهم على وصيّتِه عندَ إشرافِه على لقاء الله تعالى.
* وبتَهيئته الزّادَ
والرّاحلةَ وملاحَظَةِ الاحتياجِ إليهما والتّعرّضِ للهلاك عند التّقصيرِ فيهما -مع
قِصَرِ هذا السّفرِ- شدّةَ احتياجِه إلى ذلك في سَفر الآخرة، وتَعرُّضَه بل وقُوعه
في الهلاك عند التّقصير في زادِه مِن الأعمال الصّالحة والتّوجّهات المُخْلِصة النّاجِحة.
* وبِذِلَّتِهِ
وانكسارِه عندَ مشاهَدَةِ ذَوِي الأخطار العَظيمة والثّروة الجَسيمة مع نُفودِ
زاده ونفُوق راحِلته، ما يَلْقاه المُقَصِّرُ مِن الذُّلّ والانكسار حين تجتمع
الخلائقُ ببضائع الآخرة والمتاجِرِ الفاخرةِ، وهو مُفْلِسٌ مِن الأعمال مُضَيِّعٌ
نفسَه بسابق الإهمال.
إلى غيرِ ذلك من التّنبيهات إلى آخر
الأفعال، وستأتي جملةٌ منها في الخاتمة إنْ شاء اللهُ تعالى.
وقاعدةُ ذلك كُلِّهِ ومرجِعُه إلى ما رُوي
عن مولانا الصّادق عليه السلام أنّه قال: «إِذَا أردتَ الحجَّ فـَ :
1- جَرِّدْ قلبَكَ لله تعالى مِن كلّ شاغِلٍ
وحجابِ كلِّ حاجب.
2-
وفَوِّضْ أُمورَك كلَّها إلى
خالقك.
3-
وتوكَّلْ عليه في جميعِ ما يظهرُ مِن حَركاتِك وسَكَناتِك.
4- وسَلِّمْ لقضائه وحُكْمِه وقَدَرِه.
5-
وودِّع الدّنيا والرّاحةَ والخَلْق.
6-
واخْرُجْ مِن حقوقٍ تَلْزَمُك مِن جِهة المَخلوقين.
7-
ولا تَعْتَمِدْ على زادِك وراحلتِك وأصحابِك
وقُوّتِك وشَبابك ومالِك، مخافةَ أنْ يَصيرَ ذلك عَدُوّاً ووَبالًا، فإنّ مَنْ
ادّعى رِضَى اللهِ واعْتَمَدَ على ما سِواه صَيّرَه عليه وَبالًا وعدُوّاً،
لِيعلَمَ أنّه ليس له قُوَّةٌ ولا حيلة، ولا لأَحدٍ إلّا بعصمةِ الله تعالى وتوفيقِه.
8-
واسْتَعِدّ استعدادَ مَنْ لا يَرجو الرّجوع.
9-
وأحْسِنِ الصُّحْبَةَ.
10- وَرَاعِ
أوقاتَ فرائضِ الله وسُنَنِ نبيِّه صلّى الله عليه وآله، وما يجبُ عليك مِن الأدب
والاحتمالِ والصّبرِ والشّكر والشّفَقَةِ والسّخاءِ وإيثارِ الزّادِ على دوام
الأوقاتِ.
11-
واعلم بأنّ اللهَ تعالى لم يَفترضِ الحجَّ
إلّا للاستعانة على الموتِ والقبر والبَعْثِ والقيامةِ والجنّةِ والنّار.
12-
ثمّ اغْسِلْ بماء التّوبةِ الخالصةِ
ذُنوبَك.
13-
والبِسْ كِسْوةَ الصِّدقِ والصّفاء والخضوع
والخشوع.
14-
وأحْرِم من كُلِّ شيءٍ يَمْنَعُك عن ذِكر
الله تعالى ويَحْجُبُك عن طاعتِه.
15-
ولَبِّ -بمَعنى إجابةٍ صافيةٍ خَالصةٍ
زاكيةٍ- للهِ عزّ وجلّ في دَعوتك مُتَمَسِّكاً بالعُروة الوثقى.
16-
وطُفْ بقلبِك مع الملائكة حولَ العرش كطَوافك
مع المسلمين بنَفسك حولَ البيت.
17-
وهَرْوِلْ هَرْولةً مِن هَواك وتَبَرُّؤاً
مِن حَولِك وقُوَّتك.
18-
واخْرُجْ مِنْ غَفْلتِك وزَلّاتِكَ بخُروجِك
إلى مِنى. ولا تَتَمَنّ ما لا يَحِلُّ لكَ ولا تَسْتَحِقُّه.
19-
واعتَرِفْ
بالخطايا بعَرَفات.
20-
وجَدِّدْ
عهدَك عندَ الله تعالى بوحدانيَّتِه، وتقرَّبْ إليه واتَّقِهِ بمُزْدَلِفَةَ.
21-
واصْعَدْ
بروحِك إلى المَلأ الأعلى بصعودِك إلى الجبل.
22-
واذْبَحِ
الهوى والطّمعَ عندَ الذّبيحة.
23-
وارمِ
الشّهواتِ والخَساسةَ والدّناءةَ والذّميمةَ عندَ رَمْي الجَمَراتِ.
24-
واحْلِقِ
العيوبَ الظّاهرةَ والباطنةَ بِحَلْقِ شَعْرِك.
25-
وادخُلْ
في أمانِ الله تعالى وكَنَفِه وستْرِه وَكَلاءَتِه مِن متابعة مرادِك بدخولِكَ الحَرَم.
26-
ودُرْ
حولَ البيتِ مُتَحقِّقاً لتعظيمِ صاحبِه ومعرفةِ جلالِه وسُلطانِه.
27-
واسْتَلِمِ
الحَجَرَ رضًى بقسمتِه وخُضوعاً لعزَّتِه.
28-
ووَدِّعْ
ما سِواه بطَواف الوَداع.
29-
وصَفِّ
روحَك وسِرَّكَ للقائه يومَ تَلْقاه بوقُوفِك على الصّفا.
30-
وكُنْ
بِمَرأى من الله عندَ المَرْوَة.
31-
واسْتَقِمْ
على شرطِ حَجِّك هذا ووفاءِ عهدِك الذي عاهَدتَ مع ربِّك، وأوْجَبْتَه له إلى يومِ
القيامة.
واعلم بأنّ اللهَ تعالى لم
يَفتَرضِ الحجَّ ولم يَخُصَّه مِن جميع الطّاعات بالإضافة إلى نفسِه بقوله عَزّ
وجلّ: ﴿..وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلًا..﴾ آل
عمران:97، إلّا
للاستعانةِ على الموتِ والقَبر والبَعْثِ والقيامةِ والجنّةِ والنّار. بمُشاهَدَة
مَناسِكِ الحجّ مِن أوّلِها إلى آخرِها، وفي ذلك عِبرةٌ لأُولي الألباب والنُّهَى».
(الشّهيد
الثّاني، أقلّ ما يجب معرفتُه من أحكام الحجّ والعُمرة، رسائل الشّهيد، ج1، ص 363)