أدبُ الحوار.. عند الإمام
الرِّضا عليه السّلام*
ـــــ إعداد: «شعائر» ـــــ
تميّز
عهدُ
الإمام الرّضا عليه السلام
بالانفتاح الفكريّ غير الموجَّه، وتَبِعه بالضّرورة كثرةُ المناظرات، عَقدَ بعضها
المأمون العبّاسيّ، وقد جعلها بين الإمام الرّضا عليه
السلام ومجموعاتٍ من علماء الأديان والمذاهب الأُخَرَ،
أو بينه وبين شخصيّاتٍ مختلفة، فأحياناً يكون الطّرف المقابل زنديقاً وأحياناً مُلحداً،
وثالثةً يكون من أهل الكتاب، ورابعةً من المخالفين، وربّما كان المحاورُ المأمون
نفسَه، وكانت النّتيجة أن صدرت مفاهيم عقائديّة عن الإمام عليه
السلام في مسائل: التّوحيد والإمامة والقرآن
الكريم.
عُرِف
المأمون العبّاسيّ بِمَكره وأغراضه العدوانيّة، فلم يعقد هذه المناظرات بقَصْد نشر
المعارف الإسلاميّة، بل أراد -محاولاً بتخبّطٍ خائب- أن يُحْرِجَ الإمام الرّضا عليه
السلام في موقفٍ علميّ، ليحقّق غرضَين خبيثَين:
الأوّل: أن
يُبطل اعتقاد الشّيعة بإمامة عالِم آل محمّد صلّى
الله عليه وآله.
الثّاني: أن
يعزل الإمام عن ولاية العهد بادّعاء عجزه عن مقابلة المخالفين والمُنحرفين.
فكان
أنِ استدعى شخصيّاتٍ من النّصارى واليهود والمَجوس والصّابئة، ومن المذاهب الأُخَرَ،
ودعاهُم إلى إلقاء المسائل والأسئلة العويصة الخاصّة بهم، والتي لم يكن أحدٌ من سائر
الدّيانات قد اطّلع عليها، وكذلك القضايا العقائديّة الدّقيقة الّتي لم يتعرّف إليها
العوامّ بعد!
أُسلوبان في الحوار
هناك
أُسلوبان في الحوار والمناظرة والمناقشة:
الأوّل:
الأسلوب العلميّ الأخلاقيّ المقصود به إظهار الحقائق المُبرهَنة وهداية الطّرف
المقابل، حرصاً عليه من السّقوط في الضّلالات، وذلك ما توخّاه أئمّةُ الحقّ والهدى
من أهل البيت النّبويّ الطّاهر عليهم أفضل الصّلاة والسّلام.
الثّاني: الأسلوب
الجدليّ الّذي يعتمد النّقاش الفارغ والمغالطة واللّفّ والدّوران، والمراء الّذي
يُراد به الغلَبة بالباطل. وهو أسلوبٌ يرفضه الإسلام.
ولو
تتبّعنا الحوارات والمناظرات التي أُقيمت بين الإمام الرّضا عليه
السلام والأطراف المقابلة كاليهود والنّصارى، أو الملحدين
والمخالفين، لوجدناه عليه السّلام رافضاً كلَّ جدالٍ عقيم، حيث كان هدفُه الوصول
إلى الحقيقة، وإثباتَها للطّرف الآخر ومحاولةَ إقناعه بها.
عناصر الحوار
1- شخصيّة المُحاوِر الذي يُدير عمليّة الحوار، ولا بدّ في هذا
الأخير من أن يكون لكلّ طرفٍ حريّة فكريّة يملك معها الثّقة بشخصيّته المستقلّة،
فلا يكون واقعاً تحت ضغط الإرهاب الفكريّ أو النّفسيّ. وهذا المعنى يظهر في حوارات
الإمام الرّضا عليه السلام مع
خصومه بشكلٍ واضح، حيث كان يفسح المجال لمحاورِه ومُناظره ليبديَ كلَّ ما لديه،
بعد ذلك يَعمد، عليه السّلام، إلى تفنيد ما يَطرحه المقابل بالأدلّة الواضحة
القاطعة المقنِعة، الّتي تَسدّ الطّريق على مَن تعمّد الجدل أو المغالطة
والمكابرة.
2- شخصيّة الطّرف الآخر، حيث لا بدّ أن تتوفّر فيه الرّغبة في
الوصول إلى الحقيقة وهو يبحث عنها، مبتعداً عن الجدل العقيم والمحاجّة الفارغة،
ومحاولةِ إضاعة الوقت والجهد دون توجُّهٍ إلى أدلّة المحاوِر المقابل، لعلّها هي
الأصحّ والأصوَب، أو لعلّ الأَولى الأخذ بها.
3-
تشخيص موضوع الحوار مِن قِبل الطَّرفَين، بأن يحيطا علماً ومعرفةً بالفكرة الّتي
منها ينطلقان في حوارهما لإثباتها أو نفيِها، لأنّ الجهل بها وبتفاصيلها يجعل
الحوار مرتبكاً مفكّكاً، لا يرتكز على مفاصل واضحة، ولا يمضي في طريقٍ معلوم
المعالم، وربّما أصبح تخبّطاً في مجهولاتٍ لا يُدرى إلى أين ينتهي بها النّقاش
الغامض.
4-
أُسلوب الحوار، وهو أمرٌ مهمّ للوصول إلى الهدف المطلوب بلا إتلافِ وقتٍ أو إضاعةِ
جهد، وقد رأينا في حوارات الإمام الرّضا عليه
السلام أُسلوباً واضحاً متميّزاً بمنهجيّةٍ
علميّة، وطريقةٍ أخلاقيّة تعتمد اللّينَ والمحبّة أساساً في البحث والمناظرة،
إيماناً بمبدأ الإسلام بأنّ الحوار وسيلةٌ من وسائل إصابة الهدف وكشف الحقيقة للأَخذ
بها اعتقاداً وعملاً.
*
نقلاً عن الموقع الإلكترونيّ: www.imamreza.net