حدودُ الحَرَم، وحرمةُ
البَيت
معالمُ
المسجد الحَرام
ـــــ الشّيخ محمد
الرّيْشَهريّ ـــــ
* «الحَرَم» أوسعُ من المسجد الحرام، تزيد مساحتُه
على مكّة بقليل، وله أحكامٌ خاصّة باعتباره الحَرَم الإلهيّ الآمن.
*
والحَرَم ليس مربّعَ الشّكل، ومرادُ العلماء من استعمال كلمة مربّع في تحديد
الحرم، أنّ مساحة الحرم معادلة لمساحة مربّعٍ ضلعُهُ «بريدٌ» واحد، أي أربعة
فراسخ.
* ما تقدّم، بعض ما أورده الشّيخ الرّيشهريّ في
كتابه (الحجّ والعمرة في الكتاب والسُّنّة)، ومنه تقدّم «شعائر» هذه المختارات.
فائدة حول حدود الحرم: حُدِّدت حدود الحرم
في الرّوايات وأقوال العلماء بأنّها بريدٌ في بريد.
والبريد أربعة
فراسخ شرعيّة، فتكون المساحة التّقريبيّة للحرم ستّة عشر فرسخاً مربّعاً. وهذه
المساحة التي تزيد على مكّة بقليل لها أحكام خاصّة باعتبارها الحَرَم
الإلهيّ الآمن.
والأقوال
متفاوتة بشأن حدود الحرم في كلّ طرف من أطراف مدينة مكّة، أشهرُها وأرضاها
يبيّن حدود الحرم بما يلي:
* من طريق
المدينة: على ثلاثة أميال دون التّنعيم.
* ومن طريق اليمن: طرف أضاءة
لِبْن في ثنيّة لِبْن، على سبعة أميال.
* ومن طريق
جدّة: مُنقَطَع الأعشاش، على عشرة
أميال.
* ومن طريق
الطّائف: على طريق عرفة من بطن نَمِرة، على أحد
عشر ميلاً.
* ومن طريق
العراق: على ثنيّة خلٍّ بجبل المقطع، على سبعة
أميال.
* ومن طريق
الجعرانة: في شِعب آل عبد الله بن خالد، على
تسعة أميال.
ومن المؤكّد
أنّ هذه المسافات تقريبيّة. وقد حسَب أيضاً بعضُ المدقّقين المسافة الدّقيقة لهذه
الحدود إلى جدار المسجد الحرام، عادّاً إيّاها بالذّراع، فكان بينها وبين
القياسات المذكورة آنفاً بعض الاختلاف. وعلى سبيل المثال، يقول الفاسيّ في تحديد
الحرم من جهة الطّائف، عن طريق عرفة: «من جدار باب بني شيبة إلى العَلَمين اللّذين
هما علامةٌ لحَدِّ الحرم من جهة عَرَفة سبعة وثلاثون ألف ذراع وعشرة أذرع
وسبعة أذرع، بذراع اليد».
ولمعرفة حدود
الحرم وتعيينها أهميّة قُصوى، إذ أنّ لها دخلا ً في كثيرٍ من الأحكام. وقد غدا
تشخيص هذه الحدود ميسّراً بوجود الأنصاب التي أُقيمت علاماتٍ من كلّ
الجهات.
وكان إبراهيم
الخليل عليه السّلام قد نَصَب الأنصاب من كلّ الجهات -ما عدا سَمت جدّة والجعرانة-
بدلالة من جبرئيل عليه السّلام الذي كان يُريه مواضعها.
وجدَّدها
إسماعيلُ عليه السّلام، وقُصيُّ بن كلاب، ورسولُ الله صلّى الله عليه وآله... ثمّ
تعاقَب
الحكّام على
تجديدها المرّةَ بعد المرّة.
ويدلّ البحث
الميدانيّ، في الوقت الحاضر، على أنّ هذه العلائم ما تزال قائمة. وهذه الأنصاب
والحدود السّتّة إنّما تُعيّن حدود الحرم في الطّرق المؤدّية إليه، أمّا أنصاب
وحدود الحرم كلّه فهي أكثر بكثير.
أفضَلُ
مَواضِعِ المَسجِدِ الحَرامِ
O أبو حَمزَةَ
الثُّمالِيّ: قالَ لَنا عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ زَينُ العابِدينَ عليهما السّلام: أيُّ
البِقاعِ أفضَلُ؟ فَقُلتُ: اللهُ ورَسولُهُ وابنُ رَسولِهِ أعلَمُ، فَقالَ: إنَّ
أفضَلَ البِقاعِ ما بَينَ الرُّكنِ
والمَقامِ.
O مَيسِرٌ
عَنِ الإِمامِ الباقِرِ عليه السّلام: في مَسائِلَ سَأَلَ عليه السّلام عَنها
أصحابَهُ: أتَدرونَ أيُّ البِقاعِ أفضَلُ عِندَ اللهِ
مَنزِلَةً؟ فَلَم يَتَكَلَّم أحَدٌ مِنّا، فَكانَ هُوَ
الرّادَّ عَلى نَفسِهِ، فَقالَ: ذلِكَ مَكَّةُ
الحَرامُ الَّتي رَضِيَهَا اللهُ لِنَفسِهِ حَرَماً، وجَعَلَ بَيتَهُ فيها. ثُمَّ قَالَ: أتَدرونَ أيُّ
البِقاعِ أفضَلُ فيها عِندَ اللهِ حُرمَةً؟ فَلَم يَتَكَلَّم
أحَدٌ مِنّا، فَكانَ هُوَ الرّادَّ عَلى نَفسِهِ، فَقالَ: ذاكَ المَسجِدُ
الحَرامُ. ثُمَّ قالَ: أتَدرونَ أيُّ بُقعَةٍ فِي المَسجِدِ الحَرامِ
أعظَمُ عِندَ اللهِ حُرمَةً؟ فَلَم يَتَكَلَّم أحَدٌ مِنّا، فَكانَ هُوَ الرّادَّ
عَلى نَفسِهِ، قالَ:
ذاكَ ما بَينَ الرُّكنِ الأَسوَدِ والمَقامِ وبابِ الكَعبَةِ، وذلِكَ حَطيمُ إسماعيلَ عليه
السّلام، ذاكَ الَّذي كانَ يُزَوِّدُ فيهِ غُنَيماتِهِ ويُصَلِّي فيهِ.
O أبو
عُبَيدَة: قُلتُ لأَبي عَبدِ اللهِ عليه السّلام: الصَّلاةُ فِي الحَرَمِ كُلِّهِ
سَواءٌ؟ فَقالَ: يا أبا عُبَيدَةَ، مَا الصَّلاةُ
فِي المَسجِدِ الحَرامِ كُلِّهِ سَواءً، فَكَيفَ يَكونُ فِي الحَرَمِ كُلِّهِ
سَواءً؟! قُلتُ: فَأَيُّ بِقاعِهِ أفضَلُ؟ قالَ: ما
بَينَ البابِ إلَى الحَجَرِ الأَسوَدِ.
O الإمام الصّادق
عليه السّلام: إن تَهَيَّأَ لَكَ أن تُصَلِّيَ صَلَواتِكَ كُلَّهَا الفَرائِضَ
وغَيرَها عِندَ الحَطيمِ فَافعَل، فَإِنَّهُ أفضَلُ بُقعَةٍ عَلى وَجهِ الأَرضِ.
O زُرارَة:
سَأَلتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلّي بِمَكَّةَ يَجعَلُ المَقامَ خَلفَ ظَهرِهِ وهُوَ
مُستَقبِلُ القِبلَةِ،
فَقالَ: لا بَأسَ، يُصَلّي حَيثُ شاءَ مِنَ المَسجِدِ بَينَ يَدَيِ المَقامِ أو
خَلفَهُ، وأفضَلُهُ الحَطيمُ والحِجرُ وعِندَ المَقامِ، والحَطيمُ حِذاءُ البابِ.
O الحَسَنُ
بنُ الجَهم: سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السّلام عَن أفضَلِ مَوضِع فِي
المَسجِدِ يُصَلّى فيهِ،
قالَ: الحَطيمُ، ما بَينَ الحَجَرِ وبابِ البَيتِ. قُلتُ: والَّذي يَلي
ذلِكَ فِي الفَضلِ؟
فَذَكَرَ أنَّهُ عِندَ مَقامِ إبراهيمَ عليه السّلام. قُلتُ: ثُمَّ الَّذي يَليهِ
فِي الفَضلِ؟ قالَ: فِي الحِجرِ، قُلتُ: ثُمَّ
الَّذي يَلي ذلِكَ؟ قالَ: كُلَّما دَنا مِنَ البَيتِ.
مَدفَنُ الأَنبِياءِ
فِي المَسجِدِ
* رسول الله صلّى الله
عليه وآله: «كانَ النَّبِيُّ مِنَ الأَنبِياءِ إذا
هَلَكَت أُمَّتُهُ لَحِقَ بِمَكَّةَ، فَيَتَعَبَّدُ فيهَا النَّبِيُّ
ومَن مَعَهُ حَتّى يَموتَ فيها، فَماتَ بِها نوحٌ وهودٌ وصالِحٌ وشُعَيبٌ، وقُبورُهُم
بَينَ زَمزَمَ والحَجَرِ».
* الإمام
الباقر عليه السّلام: «إنَّ ما
بَينَ الرُّكنِ والمَقامِ لَمَشحونٌ مِن قُبورِ الأَنبِياءِ، وإنَّ آدَمَ لَفي حَرَمِ
اللهِ عَزَّ وجَلَّ».
* الإمام
الصّادق عليه السّلام: «دُفِنَ
ما بَينَ الرُّكنِ اليَمانِيِّ والحَجَرِ الأَسوَدِ سَبعونَ نَبِيّاً».
المواضع
المقدّسة
(1) الحَطيم.
(2) المُلتَزم. (3) المُستَجار.
1- الحَطيم:
هو جزءٌ من المسجد الحرام، وهو أفضل مواضعِه.
وحدود الحطيم
هي: ركنُ الحجر الأسود وبابُ الكعبة ومقامُ إبراهيم عليه السّلام.
سُمّي هذا
الموضع بالحطيم لأنّه مزدحمٌ جدّاً بالطّائفين الّذين يريدون استلامَ الحجر أو
الدّعاء عند الباب، فكأنّما يَحطِم بعضُهم بعضاً.
2- المُلتَزم:
ويقال له «المُتعوَّذ» و«المَدعى». وهو جزءٌ من جدار الكعبة قربَ الرّكن
اليمانيّ حيال الباب، وهو غير الحطيم قطعاً، وهذا الأمر متّفَقٌ عليه لدى الفقهاء
والمحدّثين من الشّيعة. وأمّا أهل السّنّة فيختلفون فيه، فبعضٌ يقول إنّه بين الرّكن
والمقام، والأكثر يقول إنّه بين الباب والرّكن. وليس بعيداً أنّ منشأ هذا القول
التزامُ رسول الله صلّى الله عليه وآله ودعاؤه بهذا المكان، الّذي هو مندوبٌ عند الشّيعة
أيضاً، لا سيّما عند وَداع البيت.
3- المُستَجار:
هو الباب الغربيّ في ظهر الكعبة، الذي قد بناه إبراهيم عليه السّلام، وهَدَمَتْه
قريش حينما جدّدت بناءها. ومكان هذا الباب قريبٌ من الملتَزم، وتتّحد آدابه
وخصائصه معه، وهو السّبب في اتّحاد الملتزم والمستَجار في ألسنة المحدّثين
والفقهاء. وفي رواية غير صحيحة: «المستجار بين الحجر والباب».
(الرّيشهريّ، الحجّ
والعمرة في الكتاب والسّنّة: ص 118 – 122)
الحجّ تذكيرٌ بالحَشر الأعظم
«يُفصح عن ذلك ما أشار إليه بعضُ الأعلام:
إنّ الله تعالى سَنَّ الحجّ ووضعَه على عبادِه إظهاراً لجلاله وكبريائه، وعُلوِّ
شأنه وعِظَمِ سلطانِه ".." ثمّ أذّنَ في النّاس بالحجّ ليأتوه رجالاً ورُكباناً من
كلّ فَجّ، وأمرَهم بالإحرام وتغيير الهيئة واللّباسِ شُعثاً غُبراً متواضعين مُستَكينين،
رافعين أصواتَهم بالتّلبية، وإجابةِ الدّعوة، حتّى إذا أتوه كذلك حجبَهم عن الدّخول،
وأوقفَهم في حُجُبِه يدعونه ويتضرّعون إليه، حتّى إذا طالَ تضرُّعُهم واستكانتُهم ورجموا
شياطينَهم بجمارهم، وخلعوا طاعةَ الشّيطان من رقابِهم أَذِنَ لهم بتقريب قُربانهم
وقضاءِ تَفَثِهم، ليَطّهروا من الذّنوب التي كانت هي الحجابُ بينَهم وبينَه،
وليزوروا البيتَ على طهارةٍ منهم، ثمّ يُعيدهم فيه بما يظهر معه كمالُ الرِّقِّ وكُنْهُ
العبوديّة، فجعلَهم تارةً يطوفون فيه، ويتعلّقون بأستاره، ويلوذون بأركانِه، وأُخرى
يسعون بين يدَيه مَشياً وعَدْواً، ليتبيّنَ لهم عزُّ الرّبوبيّة، وذُلُّ العبوديّة،
وليعرفوا أنفسَهم، ويضع الكِبْرَ من رؤوسِهم، ويجعل نِيرَ الخضوع في أعناقِهم،
ويستشعروا شعارَ المذلّة، وينزعوا ملابسَ الفخر والعزّة، وهذا من أعظم فوائد الحجّ،
مضافاً إلى ما فيه من التّذكّر -بالإحرام والوقوف في المشاعر العِظام- لأحوالِ المحشر،
وأهوالِ يوم القيامة، إذ الحجُّ هو الحَشرُ الأصغر، وإحرامُ النّاس وتلبيتُهم وحشرُهم
إلى المواقف ووقوفُهم بها وَالِهين متضرّعين راجعين إلى الفلاح أو الخيبة والشّقاء
أشبهُ شيءٍ بخروج النّاس من أجداثهم، وتوشُّحِهم بأكفانهم، واستغاثتِهم من ذنوبهم،
وحَشْرِهم إلى صعيدٍ واحدٍ: إلى نعيمٍ أو عذابٍ أليم، بل حركاتُ الحاجّ في طوافِهم
وسَعيهم ورجوعِهم وعَودِهم يُشبه أطوارَ الخائف الوَجِلِ المضطربِ المدهوشِ الطّالبِ
ملجأً ومفزعاً، نحو [مِثل] أهلِ المحشر في أحوالِهم وأطوارِهم، فَبحلول هذه
المشاعر والجبال والشّعب والتّلال ولدى وقوفِه بمواقفه العِظام يهونُ ما بأمامِه
من أهوال يوم القيامة من عظائمِ يومِ المحشر، وشدائدِ النّشر، عصمَنا اللهُ وجميعَ
المؤمنين، ورزقَنا فوزَه يومَ الدّين، آمينَ ربّ العالمين، وصلّى اللهُ على محمّدٍ
وآله الطّاهرين».
من (العروة الوُثقى)