(تهذيبُ
الأحكام)
لشيخ الطّائفة، أبي جعفر الطّوسيّ قدّس سرّه
ـــــ
قراءة: سلام ياسين ـــــ
الكتاب: (تهذيبُ
الأحكام في شرح المقنعة)
المؤلّف: شيخ
الطّائفة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسيّ قدّس
سرّه
تحقيق: السّيّد حسن
الخرسان
النّاشر: «دار الكتب
الإسلاميّة»، طهران 1405 للهجرة
كتاب
(تهذيب الأحكام) لشيخ الطّائفة، أبي جعفر الطّوسيّ رضوان الله عليه، مصنّفٌ في
الأحاديث الفقهيّة المرويّة عن رسول الله صلّى
الله عليه وآله، والأئمّة من أهل بيته عليهم
السّلام.
و(تهذيب
الأحكام) هو شرحٌ لكتاب (المقنعة) للشّيخ المفيد أستاذ الشّيخ الطّوسيّ، ويُعتبَرُ
(التّهذيب) أحدَ كُتُب الحديث الأربعة عند الشّيعة الإماميّة، وهي بالإضافة إليه:
(الاستبصار) للشّيخ الطّوسيّ أيضاً، و(الكافي) لثقة الإسلام الكُلينيّ، و(مَن لا
يحضره الفقيه) للشّيخ الصّدوق.
في
(الفوائد الرّجاليّة) – وهو من أهمّ مصادر رجال الحديث عند الشّيعة – لآية الله
السّيّد محمّد مهدي بحر العلوم (ت: 1212 للهجرة)
ثناءٌ بالغٌ على الشّيخ الطّوسيّ مؤلّف كتاب (تهذيب الأحكام)، فقد وَصَفَه بـ «رافع
أعلام الشّريعة الحقَّة، وإمام الفرقة بعد الأئمّة المعصومين عليهم السّلام..»،
مشدِّداً على أنّ مصنّفاته في جميع علوم الإسلام هي النّموذج الواجب اقتداؤه، وصولاً
إلى حيث يقول:
«وأمّا
الحديث فإليه تُشَدُّ الرِّحال، وبه تبلغُ رجالُه غاية الآمال، وله فيه من الكُتب
الأربعة الّتي هي أعظم كُتُب الحديث منزلةً وأكثرها منفعةً كتاب (تهذيب الأحكام)
وكتاب (الاستبصار)، ولهما المزيّة الظّاهرة باستقصاء ما يتعلّق بالفروع من الأخبار
".." مضافاً إلى ما اشتَمل عليه الكتابان من
الفقه، والاستدلال، والتّنبيه على الأصول
والرّجال، والتّوفيق بين الأخبار، والجمع بينها بشاهد النّقل والاعتبار».
* أمّا العلّامة الشّيخ آقا بزرك
الطّهرانيّ، فيقول في (الذّريعة):
«تهذيب
الأحكام: أحدُ الكُتب الأربعة والمجاميع القديمة المُعوَّل عليها عند الأصحاب من
لَدْن تأليفها حتّى اليوم، ألَّفه شيخُ الطّائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ
الطّوسيّ، المولود في 385 للهجرة والمتوفّى في سنة 460 للهجرة، استَخرجَه
من الأصول المعتمدة للقدماء الّتي هيَّأها اللهُ له وكانت تحت يده، من لَدُنِّ وروده
إلى بغداد في سنة 408 للهجرة إلى مهاجرته منها إلى النّجف الأشرف في سنة 448
للهجرة.
ومن
تلك الأصول ما كانت في مكتبة أستاذه الشّريف المرتضى المحتوية على ثمانين ألف كتابٍ
“..” ومنها
ما كانت في «مكتبة ساپور» المؤسّسة للشّيعة بكرخ بغداد، الّتي لم تكُن في الدُّنيا
مكتبةٌ أحسن كتباً منها “..”
وقد خرج من قلمه الشّريف تمام «كتاب الطّهارة» إلى أوائل
«كتاب الصّلاة»، بعنوان الشّرح على (مقنعة) أستاذه الشّيخ المفيد، الّذي توفّي في
سنة 413 للهجرة، وذلك في زمن حياة المفيد، وكان عمره يومئذٍ خمساً وعشرين أو ستّاً
وعشرين سنة، ثمّ تمَّمه بعد وفاته، وقد أُنهِيَت أبوابه إلى ثلاثمائة وثلاثة وتسعين
(393) باباً، وأُحصِيَت أحاديثه في ثلاثة عشر ألف وخمسمائة وتسعين حديثاً (13590)..».
طريقة التّأليف
يصفُ
المؤلّف الشّيخ الطّوسيّ قدّس سرّه،
الطّريقة الّتي اعتمدها في تأليف هذا السِّفر القيّم، فيقول:
«كُنّا
شَرَطْنا في أوّل هذا الكتاب أن نقتصرَ على:
1-
إيراد شرح ما تضمَّنته الرّسالة المقنعة.
2-
وأن نذكر مسألةً مسألة، ونورد فيها الاحتجاج من الظّواهر، والأدلّة المُفْضِيَة
إلى العلم.
3-
ونذكر مع ذلك طرفاً من الأخبار الّتي رَواها مخالفونا.
4-
ثمّ نذكر بعد ذلك ما يتعلّق بأحاديث أصحابنا، رحمهم الله، ونورد المختلفَ في كلِّ
مسألة ٍمنها والمُتَّفَق عليها.
ووفَّينا
بهذا الشّرط في أكثر ما يحتوي عليه كتاب الطّهارة. ثمّ إنّا رأينا أنّه يخرج بهذا
البَسط عن الغرض. ويكون، مع هذا، الكتاب مبتوراً غير مُستَوْفي، فعدلنا عن هذه الطّريقة
إلى:
1-
إيراد أحاديث أصحابنا، رحمهم الله، المُختلفِ فيه والمُتَّفق.
2-
ثمّ رأينا بعد ذلك أنَّ استيفاءَ ما يتعلَّق بهذا المنهاج أوْلى من الإطناب في
غيره، فرجعنا وأوردنا من الزّيادات ما كنّا أَخْلَلْنا به.
3-
واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنِّف الّذي أخذنا الخبر من كتابه،
أو صاحب الأصل الّذي أخذنا الحديثَ من أصلِه.
4-
واستوفينا غايةَ جهدنا ما يتعلّق بأحاديث أصحابنا، رحمهم الله، المُختلفِ فيه والمُتَّفق،
وبيَّنّا عن وجه التّأويل في ما اختُلِف فيه على ما شَرطناه في أوّل الكتاب.
5-
وأسندنا التّأويل إلى خبرٍ يقضي على الخبرَين.
6-
وأوردنا المتَّفق منها ليكونَ ذُخراً وملجأً لِمَن يريد طَلَب الفُتيا من الحديث».
نُسَخ (التّهذيب)
قال
في (الذّريعة): «وقد طُبع (التّهذيب) في مجلَّدين كبيرَين في سنة 1317 للهجرة، ويوجد
في تبريز الجزء الأوّل منه بخطِّ مؤلِّفه شيخ الطّائفة، وعليه خطُّ الشّيخ البهائيّ
[العامليّ]
في مكتبة السّيّد الميرزا محمّد حسين بن عليّ أصغر “..” [و] كَتَب الشّيخ عزّ
الدّين الحسين بن عبد الصّمد والد البهائيّ تمام (التّهذيب) بخطِّه، فَرغَ من الكتابة
في سنة 949 للهجرة، وكَتَب في آخرِه شهادةَ المقابلة هكذا (بلغت المقابلة والتّصحيح
بنسخة الأصل الّتي هي بخطِّ مؤلّف الكتاب الشّيخ الطّوسيّ إلَّا النّزر القليل).
ثمّ
كتب السّيّد الصّدر علاء الملك المرعشيّ نسخة (التّهذيب) بخطِّه في سنة 974 للهجرة،
عن نسخةِ خطِّ الشّيخ حسين بن عبد الصّمد “..” وشَحَن هوامشَه
بالتّحقيقات الرّجاليّة من نفسه، والبحث والتّنقيح في أحوال الرّواة المذكورين في الأسانيد.
وبعد
ذلك كَتَب المولى سلطان حسين النّدوشنيّ اليزديّ بخطِّه نسخةً من (التّهذيب) في
سنة 1026 للهجرة، عن نسخةِ خطِّ علاء الملك “..” وقد رأيتُ نسخة
النّدوشنيّ في النّجف الأشرف..».
الحواشي، وشروح الأسانيد والمتن
لمّا
كان كتابُ (تهذيب الأحكام) موقعَ نظر العلماء فقد انبرى إلى العكوف عليه جماعتُهم،
وتناولوه بالشّرح والتّرتيب والتّعليق. ومِمّن شَرَح أسانيده شرحاً مفصَّلاً:
1-
العلّامة السّيّد هاشم التّوبليّ رحمه الله وسمَّاه (تنبيه الأريب وتذكرة اللّبيب
في إيضاح رجال التّهذيب)، وللسّيّد هاشم أيضاً (ترتيب التّهذيب)، حُكِيَ عن صاحب (رياض
العلماء) إنّه كبير في مجلّدات، أورد كلَّ حديثٍ في الباب المناسب له، ونبَّه على
بعض الأغلاط الّتي وَقَعَت في أسانيده.
2-
المولى محمّد بن عليّ الأردبيليّ مؤلِّف (جامع الرُّواة)، فإنّه عَمدَ إلى تصحيح
أكثر أسانيد (التّهذيب) في كتابٍ أوْرَده بتمامه المحدّثُ النّوريّ في (خاتمة
المستدرك)، مع زياداتٍ منه رضوان الله عليه،
وأورد الأردبيليّ نفسه (المنتخب من كتاب تصحيح الأسانيد) في الفائدة السّابعة من
خاتمة كتابه (جامع الرّواة).
3-
آية الله السّيّد حسين البروجرديّ قدّس سرّه،
له (تجريد أسانيد التّهذيب)، وهو ترتيبٌ لأسانيد روايات الكتاب وفق حروف المعجم لاسم
الرّاوي الأوّل في السّند، وذلك في ستّة أبوابٍ. تمَّ توضيح ما أُجمل منها مع تبيين
ما طرأ عليها من العلل كالتّصحيف، أو القلب، أو الزّيادة، أو النّقيصة، أو الإرسال،
ولما هو الصّواب فيها، مع فوائد رجاليّة أخرى.
هذا وقد تناول عددٌ
كبيرٌ من العلماء متنَ كتاب (تهذيب الأحكام) بالشّرح والتّفسير، أبرزهم:
القاضي
نور الله التّستريّ - السّيّد
محمّد (صاحب المدارك) -
الشّيخ محمّد ابن (صاحب المعالم) - المولى
محمّد أمين الاسترآباديّ -
المجلسيّان الأوّل والثّاني - السّيّد
نعمة الله الجزائريّ، له شرحٌ أسماه (مقصود الأنام)
في اثنَي عشر مجلّداً.
وقد أحصى الشّيخ الطّهرانيّ
في (الذّريعة) أكثر من عشرين عالماً وفقيهاً سطَّروا تعليقاتٍ وحواشٍ على (تهذيب
الأحكام)، منهم:
القاضي
نور الله التّستريّ، وحاشيتُه هذه غير شرحه المتقدّم - المجدّد الوحيد
البهبهانيّ - المجلسيّ
الثّاني - الشّيخ
حسن صاحب (المعالم) - الشّيخ
محمّد عليّ البلاغيّ، وغيرهم.
وبناءً
على ما تقدّم، يتّضح سببُ ثناء السّيّد بحر العلوم في (الفوائد الرّجاليّة) على كتاب
(تهذيب الأحكام)، حيث يقول فيه: «فإنّه كافٍ للفقيه في ما يَبتغيه من روايات الأحكام، مُغْنٍ عمّا سواه في
الغالب، ولا يُغني عنه غيرُه في هذا المَرام».