التّوكُّل على اللهِ درجاتٌ

اليقين، أن لا تخافَ مع الله شيئاً

ـــــ المرجع الرّاحل الشّيخ محمّد أمين زين الدّين رحمه الله  ـــــ

مسألة: يُستحبُّ للإنسان أن يتفكَّر في الأمور الّتي توجِبُ له العِبرة وتُفيده الموعظة، والتّوجُّه مع الانتباه الكامل إلى أعمال الخير والبرّ، والانصرافُ عن أضدادها، وأنْ يكونَ كثيرَ التّفكُّر في ذلك، فعن الإمام أبي عبد الله عليه السّلام: «التّفكُّر يدعو إلى البرِّ والعملِ به»، وعن الرّسول صلّى الله عليه وآله: «تفكُّر ساعةٍ خيرٌ من قيامِ لَيلة»، وعن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام: «ليسَ العبادةُ كثرةُ الصّلاةِ والصَّوم، إنّما العبادةُ التّفكُّر في أمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ»، فيتذكّر أصحاباً له دَرَجوا [أي ماتوا] قبلَه، فسبقوه في الأعمال الصّالحة، أو في الابتعاد عن المعاصي، أو في ملازمة الخصال المحمودة والأخلاق الفاضلة، أو في نَفْع النّاس وبرّهم وإرشادهم، فيفيدُ من تفكُّره بهم اعتباراً قويّاً وشعوراً حيّاً بالمسؤوليّة، واندفاعاً للاقتداء بأعمالهم أو السَّبق عليهم، وعن أبي عبد الله عليه السّلام: «كان أكثر عبادةِ أبي ذرّ، رحمه الله، التّفكُّرُ والاعتبار».

ويجبُ على الإنسان التّفكُّر في ملكوت الله، وفي مجالَي عظَمته في خلقه، ومظاهر قدرتِه، وفي شدّة بطشه وقوّة سلطانه، فيصحِّح بذلك معرفتَه بالله، ويثبِّت بها عقيدته، ويزكِّي عملَه، ولا يجوز له أن يفكِّر في ذات الله، فالتّفكُّر في ذلك لا يزيدُه إلَّا حيرةً وتيهاً، وكيف يحيطُ الفكرُ المتناهي المحدود في وجوده وفي طاقته وفي أبعاده، بموجودٍ تستحيلُ عليه النّهايات في كلّ جهةٍ من كماله، وعن أبي جعفر عليه السّلام: «إيّاكُم والتّفكُّر في الله، ولكن إذا أردتُم أن تَنظُروا إلى عَظَمتِه فانظُروا إلى عِظَمِ خَلْقِه»، وعن أبي عبد الله عليه السّلام: «مَن نظرَ في اللهِ كيفَ هو، هَلَك»، وعن أبي جعفر عليه السّلام: «اذكُروا مِن عَظَمةِ الله ما شِئتُم ولا تَذكُروا ذاتَهُ، فإنَّكم لا تذكرونَ منه شيئاً إلَّا وهو أعظمُ منه».

حدُّ اليقين، أن لا تخافَ مع الله شيئاً

مسألة: يجب على العبد أن يتوكَّل على الله وحدَه في جميع أموره كلِّها ويفوِّضَها إليه، وقد قال سبحانه: ﴿..وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ الطّلاق:3، وقال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ..﴾ الزّمر:36، ورُوي عن أبي الحسن موسى عليه السّلام: «التَّوَكُّلُ عَلَى الله دَرَجَاتٌ، مِنْهَا أَنْ تَتَوَكَّلَ عَلَى الله فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا، فَمَا فَعَلَ بِكَ كُنْتَ عَنْه رَاضِياً، تَعْلَمُ أَنَّه لَا يَأْلُوكَ إلّا خَيْراً وفَضْلاً، وتَعْلَمُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ لَه، فَتَوَكَّلْ عَلَى الله بِتَفْوِيضِ ذَلِكَ إِلَيْه، وثِقْ بِه فِيهَا وفِي غَيْرِهَا». وفي حديثٍ لأبي عبد الله عليه السّلام: «ومَن أُعطيَ التّوكُّل أُعطيَ الكفاية، ثمّ قال: أَتَلَوْتَ كتاب الله عزَّ وجلَّ: ﴿..وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ..﴾ الطّلاق:3»، وعن أبي بصير، عنه عليه السّلام قال: «ليسَ شيءٌ إلَّا ولَهُ حدٌّ، قلت: جُعلتُ فِداك، فما حدُّ التّوكُّل؟ قال: اليقين، قلت: فما حدُّ اليقين؟ قال: أنْ لا تَخافَ مع اللهِ شيئاً».

مَن كان لله مطيعاً فهو لنا وليٌّ

مسألة: تجب على العبد طاعةُ الله في ما أمَرَهُ به ونهاه عنه، فعن الرَّسول صلّى الله عليه وآله: «إنَّه لا يُدرَكُ ما عندَ الله إلَّا بطاعتِه»، وعن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال، قال لي: «يَا جَابِرُ، أيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَوَالله مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللهَ وأَطَاعَه، ومَا كَانُوا يُعْرَفُونَ - يَا جَابِرُ - إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ والتَّخَشُّعِ والأَمَانَةِ وكَثْرَةِ ذِكْرِ الله والصَّوْمِ والصَّلَاةِ والْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ.. - إلى أن قال عليه السّلام - أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى الله عَزَّ وجَلَّ وأَكْرَمُهُمْ عَلَيْه أَتْقَاهُمْ وأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِه. يَا جَابِرُ، والله مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى الله تَبَارَكَ وتَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ، ومَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، ولَا عَلَى الله لأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ؛ مَنْ كَانَ للهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، ومَنْ كَانَ للهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، ومَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ والْوَرَعِ»، والأحاديث بهذا المضمون كثيرةٌ واضحة الدّلالة.