النّيّة
مطلقُ القصدِ إلى إيقاعِ فعلٍ معيّنٍ،
لعلَّةٍ غائيّة
ـــــ المحقّق السّيّد علي خان الشّيرازيّ ـــــ
النّيّة
بالتّشديد: اسمٌ من نويتُ الشّيء أنويه، أي: قصدتُه. وقيل: مَأخذُها
من نويتُ الشّيء بمعنى: حفظُته، لأنّ النّيّة محلَّها القلب، فسُمّيت بذلك لأنّها
تُفعَل بأَنوى عضوٍ في الجسد أي: أَحفَظ.
ما
يلي، تعريف بمصطلح «النّيّة» في المفهوم الشّرعيّ، وأنّها تنقسم باعتبار غايتها
إلى ثلاثة أقسام، نقلاً عن شرح المحقّق الشّيرازيّ للصّحيفة السّجّاديّة.
اختلفت عبارات العلماء
في تعريف النّيّة:
* فقيل:
هي إرادةٌ تفعَلُ بالقلب، فالإرادةُ بمنزلة الجنس، والوصفُ بمنزلةِ الفصلِ تخرج به
إرادة الله تعالى.
* وقيل: هي
جمعُ الهمّ في تنفيذ العمل للمَعمول له، وأن لا يَسنحَ في السّرّ ذِكرُ غيره.
* وقيل:
هي توجّهُ القلب نحو الفعل ابتغاءً لوجه الله تعالى.
* وقيل: هي
الإرادةُ الباعثةُ للقدرةِ المنبعثةِ عن معرفة كمال الشّيء.
* وقال بعضُ فقهائنا: «هي
إرادةُ إيجادِ الفعل على الوجه المأمور به شرعاً». وأراد بالإرادة: إرادةَ الفاعل،
فخرجت إرادةُ الله تعالى لأفعالنا، و[أراد] بالفعل:
ما يعمُّ توطينَ النّفس على التّرك، فدخلت نيّة الصّوم والإحرام وأمثالها،
وبالمأمور به: ما ترجّحَ فعلُه شرعاً، فدخل المندوبُ وخرجَ المباح.
والظّاهر أنّ المراد
بالنّيّة في الدّعاء [في قول الإمام زين العابدين عليه
السلام: وَأيِّدْني مِنْكَ بِنِيِّةٍ صادِقَةٍ وَصَبْرٍ دائِمٍ..]:
هو مُطلَق القصد إلى إيقاع فعلٍ معيّنٍ لعلَّةٍ غائيّة، ولمّا كانت النّيّةُ بهذا
المعنى، فهي تنقسمُ باعتبار غايتها إلى قبيحٍ وحَسنٍ وأحسن، وقد سأل عليه السّلام اللهَ
تعالى أن يبلغ بنيّته أحسنَ النّيّات.
1- فالقبيح:
ما كان غايتُه أمراً دنيويّاً وحظَّاً عاجلاً، وليس له في الآخرة من نصيب، كنيّة
أهل الرّياء والنّفاقِ ونحوهم.
2- والحَسن:
ما كان غايتُه أمراً أُخرويّاً، من رغبةٍ في ثوابٍ أو رهبةٍ من عقاب.
3- والأحسَن:
ما كان غايتُه وجهَ الله تعالى لا غير، ويُعبَّر عنه بالنّيّة الصّادقة. قال شيخنا
بهاء الدّين العامليّ قدّس سرّه:
«المراد بالنّيّة الصّادقة: انبعاثُ القلبِ نحو الطّاعة، غيرَ ملحوظٍ فيه شيءٌ سوى
وجهِ الله سبحانه».
تبصرة
رُوي في (مصباح الشّريعة)
عن الإمام الصّادق عليه السّلام، أنّه قال: «لا بُدَّ للعبدِ مِن خالِصِ النّيّة
في كلِّ حركةٍ وسكونٍ»، لأنّه إذا لم يكن بهذا المعنى يكون غافلاً، والغافلون
قد وَصَفهم الله تعالى فقال: ﴿..إن
هُم إِلا كالأنعام بلْ هُم أضلُّ سبيلا﴾ الفرقان:44،
وقال: ﴿..أولئك
هُمُ الغافلُونَ﴾ الأعراف:179.
وشرح ذلك بعضُ العلماء
فقال: «يجبُ أن يكون للعبد في كلّ شيءٍ يفعلُه وعملٍ يعملُه نيّةٌ وإخلاص، حتّى في
مطعَمه ومشربَه ".."
فإنّ ذلك كلَّه من أعماله الّتي يُسألُ عنها ويُجازى عليها، فإنْ كانت لله وفي
الله كانت في ميزان حسناته، وإنْ كانت في سبيل الهوى ولغير الله كانت في ميزان
سيّئاته، وكان صاحبُها في الدّنيا على مثال البهائم الرّاتعة والأنعام المهملَة
السّارحة، ولا يكون على الحقيقة إنساناً مكلَّفاً موفّقاً، وكان من الّذين ذكرَهم
الله تعالى بقوله: ﴿..أغْفَلنا
قلبَهُ عَنْ ذِكِرنا..﴾
الكهف:28، أي: وجدناه
غافلاً، كقولك: دخلتُ بلدةً فأعمرتُها، أي: وجدتُها عامرة، أو أخرجتُها أي: وجدتُها
خراباً، فهو غافلٌ عمّا يأتيه ويَذَره، متّبعٌ لِهواه في ما يُورده ويُصدره، وكان
أمرُه فُرُطاً بغير نيّةٍ في أوّله ولا صحّةٍ في آخره».
قال بعضهم: «ومن هنا يُعلمُ
أنّه يمكن أن تجعَل العاداتُ عباداتٍ، كالأكل والشّرب إذا نوى بهما القوّة على الطّاعة،
وكالتّطيُّب إنْ قصدَ به إقامةَ السّنّةَ لا استيفاءَ اللَّذّات والتّودّدَ إلى
النّسوان، إذ هو معصية». ففي الخبر: «مَن تَطَيَّبَ لله جاء يوم القيامة ورِيحُهُ
أطيَب مِن رِيحِ المِسْكِ، ومَن تَطيَّبَ لِغَيرِ الله جاءَ يومَ القيامةِ ورِيحُه
أنْتَنُ مِن الجِيفةِ». واجتَهدْ في تصيير ذلك مَلَكةً للنّفس.
* نقلاً عن كتابه
(رياض السّالكين)