وَلكم في القُدسِ عِبرَة..
§
الشّيخ حسين كوراني
«..إنّ عددَ عمليّات الهَدْم زادَ بمقدارِ النّصفِ تقريباً»
وكالة «فلسطين اليوم»
يحفلُ
المشهدُ السّياسيُّ الرّاهنُ في العالمِ العربيِّ بالمفارقاتِ والغَرائبِ..
أشدُّ
هذه المفارقاتِ مَضاضةً ما يَجري في القدس.. وكلِّ فلسطين!
تكمنُ
المفارقةُ في أنّ بعضَ الدّماءِ التي تُرَاقُ داخلَ العالمِ العربيّ، يَكفي لوقفِ
العدوانِ الصّهيو - أميركيّ المتواصلِ - ضدَّ البشريّة بِأَسْرِها - من خلالِ التّنكيلِ
بأهلِنا في فلسطين.
لن أقفَ لتصويرِ المفارقاتِ عندَ الأعدادِ
الهائلةِ من الأسرى، ولا عندَ المجازر اليوميّة، أو الجدارِ البغيضِ الشّاهدِ على
تَدَنِّي المفاهيمِ الإنسانيّةِ في عالَم الألفيّةِ الثّالثة، ولا عندَ اشتراكِ
القريبِ والبعيدِ في حصارِ غزّة، ولا عندَ عمليّاتِ التّخريبِ باسمِ البناءِ حولَ
المسجدِ الأقصى وتحتَ قواعدِه، أو محاولات تَدْنيسِه المتكرّرة، ولا عندَ قطعِ
الأشجار ومصادرةِ الأراضي.
سأقفُ هنا بالتّحديد عند «هَدْمِ بيوتِ المَقدسيّين
وغيرهم» من أبناء فلسطين!
بتاريخ
7 شباط 2014م أوردتْ وكالةُ أخبار «فلسطين اليوم» ما يلي:
«حذّرتْ وكالاتُ إغاثةٍ في الضّفّة الغربيّة المحتلّة والقدسِ
المحتلّة، اليومَ الجمعة من تصاعدِ عمليّات الهَدْم التي تقومُ بها إسرائيل للمَباني
الفلسطينيّة بالتّزامن مع إجراءِ مفاوضاتِ سلامٍ تدعمُها الولاياتُ المتّحدة».
وفي
تحديدِ ارتفاعِ وتيرةِ هَدْم بيوتِ الفلسطينيّين وتشريدِهم، جاء في الخبرِ نفسِه:
«وقال بيانٌ صادرٌ عن 25 منظّمة إغاثة إنّ عددَ عمليّات الهَدْم
زادَ بمقدار النّصف تقريباً، كما زادَ تشريدُ الفلسطينيّين بنسبة 75 بالمائة
تقريباً، في الفترة من يوليو/تموز 2013 عندما بدأتْ محادثاتُ السّلام إلى نهايةِ
العام مقارنةً بنفس الفترة من عام 2012».
علامةُ
إنسانيّة الإنسان، وإسلامِ المُسلِم، شعيرةُ حَمْلِ همِّ المظلوم، وإلّا فليسَ بإنسانٍ
أو مسلمٍ.
هل
نُعِدُّ الجوابَ ليومِ العرضِ الأكبرِ حينَ نُسأل: ماذا فعلتُم عندما هُجِّرَ
هؤلاء من بيوتِهم وهُدِمَت فوقَ أثاثِها، واستغاثوا ..
إنّه
السّؤالُ المُلِحُّ والتّحدّي الكبيرُ العريضُ، فماذا نحنُ فاعِلون؟
***
يتواصلُ
هَدْمُ بيوتِ المَقدسيّين بالخصوص، وسائرِ الفلسطينيّين، في خطٍّ بيانيٍّ تَصاعديٍّ،
في مناخٍ عسكريٍّ وسياسيٍّ ترسمُ معالمَه الخطوطُ العريضةُ التّاليةُ:
1-
عسكريّاً، «إسرائيل» الآن، في أسوأِ مراحلِها التي
مرّتْ بها منذَ بدأَ تَكَوُّنُ «الغدّة السّرطانيّة» التي تمثِّلُها. أفقدتْها
«حربُ تمّوز» كلَّ مقوّماتِ القدرة المصطنَعة التي كانتْ تَتفَرعَن بها على «نواطير»
المحميّاتِ الاستعماريّةِ وغيرِهم. جيشُها الذي كانَ يُقالُ إنّه لا يُقهَر أصبحَ
اليوم مقهوراً، ﴿..مَذْءُومًا مَدْحُورًا..﴾ الأعراف:18.
2- سياسيّاً: لأوّلِ مرّةٍ في التّاريخ يرفعُ الاتّحادُ الأوروبيّ صوتَه في وجهِ «إسرائيل»!
بلغَ رفعُ الصّوتِ المَدى بالحديثِ مؤخَّراً داخلَ الكنيست عن حرمانِ الفلسطينيّين
من «الماء»!
وتتوجّسُ «إسرائيل» في نفسِها
أشدَّ الذُّعْرِ ممّا تحملُه التّطوّراتُ الوئيدةُ الواثقةُ في مصر، ولا تُخفي
ارتباكَها ممّا يحملُه الغدُ التّركيُّ باعتبار «تركيا» المتنفّسَ الأبرزَ لها حتّى
اليوم.
***
و﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا
فِي الْبِلَادِ﴾ آل عمران:196. لا يَغُرَّنَّكَ استبشارُ اليهودِ بجَهْرِ
بعضِ نواطيرِ الأميركيّ في المنطقةِ بانفتاحِهم على «إسرائيل». ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ
ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ آل عمران:197. لا تَغُرَّنَّكَ بهجةُ «بني قريظة»
العصر بيَهودِ مكّة، واعتبار «دار النّدوة» – اليوم، أنّ العدوّ الرّئيس هو
إيران!
أحرجَتْهم «إيران» فأخرجَتْهم عن طورِهم وانكشفَ
ما ظنّوا أنّه المَستور.
بينَ الوهّابيّين الخوارج - مَنبتِ التّكفيريّين
وحاضنتِهم - وبين اليهودِ أبعدُ من التّحالف «وَشَجَتْ عَلَيْهِ أُصُولُهُم وَتَآزَرَتْ
عَلَيْهِ وَتَوَارَثَتْهُ أُصُولُهُم وَفُروعُهُم، وَهُم وَاللهِ هُم».
إنْ لم تُحسن الأمّةُ – سنّةً وشيعةً - التقاطَ
هذه الحقيقةِ الصُّراح في أَجلى لحظاتِها، فلا سبيلَ إلى تَعافي الجسدِ الواحدِ.
***
عندَ زَرْعِ «الغدّة السّرطانيّة» في
جسدِ الأمّة، حرصَ الزّارعُ – الكافر - على تفخيخِ ساحةِ العالَمِ العربيّ
بالمجازرِ الوهّابيّةِ التّكفيريّةِ لينشغلَ المسلمون باستعداءِ بعضِهم بعضاً،
ليكتملَ تأسيسُ «الوطن القوميّ اليهوديّ» تحتَ جنح ظلامِ الفتنةِ الحَنْدَسِ
التي جرى تسويقُها باعتبارِها سُنّيّةً شيعيّةً، فكانت – وتكرّرت - غزواتُ (أبي
سفيان الوهّابيّ) للنّجَف وكَربلاء، كتَعبيرٍ عن غايةِ الاستفزازِ للإيقاع بين
المسلمين ممّن ليسَ منهم، وخدمةً لليهود ممّن هو منهم.
وعندما دارت الدّائرةُ على مشروعِ «الوطن
القوميّ اليهوديّ» الدّخيل، طفحَ جسدُ الأمّةِ بالأورامِ التّكفيريّة – الوهّابيّة،
وتكاثرتْ تدرُّناتُها كما تتكاثرُ خلايا المرضِ الأخبثِ في أسوأِ مراحلِه، وتنتشر.
القاسمُ العمَليُّ المشترَك بين اليهود والوهّابيّين،
هو استهدافُ محورِ المقاومة. يهودُ الدّاخل يَحشدون ويُسلِّحون، ويهودُ الخارج يَرسمون
الخططَ ويُقدِّمون الدّعمَ السّياسيَّ والأمنيّ والخبرة، ويعالجونَ الجَرحى عبر
بوابة «الجولان» المحتَلّ.
***
الوهّابيّون حربٌ على مَن حارب «إسرائيل» وسِلْمٌ
لمَن سالمَها، وها هم التّكفيريّون بالتّسمية، الوهّابيّون قَلباً وقَالباً،
يحصرونَ مواجهتَهم في الأمّة، ويستهدفون مَن حارب «إسرائيل» أو هو مُصِرٌّ في
استعدائها.
واستَشعرتْ بهم «إسرائيل» بعضَ الأمل بالأمان، وفي
هذا السّياق تتواصلُ عمليّاتُ اقتلاعِ ما بَقِيَ من الفلسطينيّين من أرضِهم والقدس
خاصّةً.
ما
أكثرَ البيوتِ التي هُدمت فوقَ أثاثِها.. فأقامَ أصحابُها أكواخاً بالقربِ من ركامِ
بيوتِهم، لكن سرعانَ ما شملَ قرارُ الهَدْمِ هذه الأكواخ!
ويكشفُ
الإعلامُ عن مدينةٍ أُقيمت في الأردنّ قيلَ إنّها مخيّمٌ ضخمٌ أُعِدَّ للمهجَّرين
من سوريا!
أحقّاً
تُهدَمُ بيوتُ المَقْدِسيِّين وغيرهم، ويلفُّنا الصّمتُ المُرِيبُ، ولا نُوقِنُ
بأنّ مجازرَ التّكفيريّين الوهّابيّين هي استمرارُ مجازرِ «الهاغانا» في دير ياسين
وغيرِها لِتَثبيتِ المشروعِ الصّهيونيّ؟
لماذا
نفصلُ بين التّكفيريّين والوهّابيّين، ولماذا نفصلُ بين الوهَّابيِّينَ واليَهود؟؟؟!