أركانُ الفَهم
وُجوبُ
الالتزام بثلاثة: العقل والقلب والشّرع
ـــــ العلامة السّيّد محمّد حسين الطّهرانيّ رحمه الله ـــــ
من الألطافِ الإلهيّةِ للإنسانِ، تلك
القوى الإدراكيّة الّتي جَعلها الحقُّ سُبحانه مزيّةً له، تفضِّله على سائرِ
المخلوقات؛ وهي العَقلُ والقلبُ والكتابُ المُبين. وهذه الأركانُ الثّلاثة تُؤلّفُ
مجتمعةً النّورَ الهادي لكلِّ مخلوقٍ آدميٍّ، لكي يعرفَ نفسَه ويعرفَ خالقه، ويتدبّر
أمرَ دُنياه وآخرتِه.
في هذا النّصِّ للعالمِ الرّبّانيِّ
السّيّد محمّد حسين الطّهرانيّ قدّس سرّه، مُطالعةٌ قُرآنيّةٌ عِرفانيّةٌ تُلقي
الضّوءَ على مصادرِ الإدراكِ والفهمِ عند الإنسان، وقد اعتمدَ، رحمه الله، على
الآياتِ الكريمةِ والرِّواياتِ الشَّريفةِ الّتي تُبيِّنُ عِنايةَ الله تعالى
بهدايةِ عباده، من خلالِ مَصدرَيْن رئيسَين هُما العقلُ والقلبُ.
وفي ما يأتي سياقُ النّصّ:
كلُّ إنسانٍ يَجدُ في نفسِه مَصدرَين للإدراكِ والفهم؛
الأوّل: هو العقلُ، والثّاني: هو القلبُ والوِجْدان.
فبالقوّةِ العاقلة يُدركُ الإنسانُ مَصالحَهُ
ومَفاسِدَه، ويُميّزُ بينَ المَحبوبِ والمَكروهِ، والحَقِّ والباطِلِ؛ وبِالقلبِ والوِجْدانِ
اللَّذَيْنِ يُمْكنُ تسميتُهما بالفِطرَةِ، أو الشُّعورِ الخَفيّ، أو الإدراكِ الخفّي،
يتعرّفُ إلى الطّريقِ الّذي يربطُه بعالمِ الوِجْدانِ، وعلّةِ إيجادِه وإيجادِ العالم،
وانجذابِه لمبدأِ المبادئِ وغايةِ الغايات.
وبالتّأكيد، فإنَّ هذَين العامِلَيْن المُهمَّين
للإدراكِ مَوْجودان في كلّ إنسانٍ، ويؤدّي كلُّ واحدٍ منهما دَوْرَهُ في آفاقِ الإدراكِ
والفهم الخاصّ؛ لا يستغني أحدهُما عن الآخر، وإذا فُقد واحدٌ أُغلقَ في وجهِ الإنسان
عالَمٌ من المُدرَكات والمعلومات.
القوّةُ العاقلةُ في الآيات والرّوايات
هناك العديدُ من الآياتِ والرّوايات الّتي
تتحدّثُ عن ضرورة القوّة العاقلة، وعدمِ استغناء الإنسان عنها؛ نكتفي هنا بذكر بعضِها
كأمثلةٍ على الكلام:
* في الآيات قولُه تعالى:
1- ﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ الأنبياء:67.
من المفتَرض هنا أنّ المُشركين – في
عبادتِهِمْ غَيْرَ اللهِ تعالى - يتبعون (ما يُمليه عليهم) القلبُ والوِجْدانُ [المنحرف]، وقد اعتبروا أنفسَهم مُرتبطين بالله، (لكن
حقيقة) الأمر أنّهم قد انحرفوا وتزلزلوا بسببِ عدمِ ارتباطِهم، ولم يقدروا على التّشخيصِ
والتّطبيق. وبسببِ ضيقِ تفكيرِهم اعتبروا (الإله) مُتجلّياً ومُقيّداً بأربابِ الأنواع
خاصّة، ومَظاهرِها من الأصنام والأوثان.
2- ﴿..صُمٌّ
بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ البقرة:171.
لأنّهم لم يستخدموا القوّةَ العاقلة، وأصبحوا
مثلَ مَنْ فَقَدَ حواسّ البَصر والسّمع والنُّطق.
3- ﴿..أَفَأَنْتَ
تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ﴾ يونس:42.
4- ﴿..فَبَشِّرْ
عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. الزّمر:17-18.
من الواضحِ أنَّ الاستماعَ للحديث، وتمييزَ
حقِّه من باطلِه، وحُسنِه من قُبْحِه، من وظائفِ القُوى الفكريَّة، ولهذا وصفَتهم الآيةُ
بأنّهم أصحابُ العقولِ والألباب.
5- ﴿وَمَثَلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ البقرة:171.
وذلك لأنَّ الكُفّارَ قد اختاروا ديانتَهم
على أساسِ غرائزِهم واتَّبعوها، حتّى وإنْ كانت عبادةً للأصنام، ولكن لأنّهم لم يَستمِدّوا
من قواهم العقليّة، فإنَّ تلكَ الغرائزَ والأحاسيسَ الباطنيّةَ كانت تَحرفُهم دائماً
إلى الخَيالاتِ الواهية والأوهامِ الفاسدة. إضافةً إلى أنّهم لم يَلتصِقوا بقواهم الوِجْدانِيّة.
فأصبحَ مَثَلُهم كالّذي لا يُدركُ من الحديث
إلّا الصّوتَ المُنبعث، فهم لا يسمعونَ من كلامِ الحقّ وحديثِ التّوحيدِ إلّا بعضَ
المفاهيم، لكنّهم لا يُدرِكون الحقائق، وهي لا تستقرُّ في أنْفُسِهم. لذلك كانوا صُمّاً
وعُمْياً وبُكْماً لا يعقلون أبداً.
* وأمّا في الرّوايات:
1- في (الكافي): عن الإمامِ الصّادق عليه السّلام، قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ: إذَا رَأيْتُمُ الرَّجُلَ كَثِيرَ الصَّلاةِ كَثِيرَ الصِّيَامِ
فلَا تُبَاهُوا بِهِ حَتَّى تَنْظُرُوا كَيْفَ عَقْلُهُ».
2- وفي (الكافي): عن أبي عَبْدِ الله الصّادق عليه السّلام: «دِعَامَةُ الإنْسانِ العَقْلُ».
3- وفيه
أيضاً، عنه عليه السّلام: «العَقْلُ دَلِيلُ المُؤْمِنِ».
القلبُ والوِجْدانُ في الآيات والرّوايات
وحول ضرورةِ القلبِ والوِجْدانِ وعدمِ الاستغناءِ
عنهما، وردتْ آياتٌ ورِواياتٌ عديدة:
* ففي الآيات قولُه تعالى:
1- ﴿أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ
الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ الحج:46.
فظاهِرُ الخِطابِ مُوَجّهٌ إلى أولئك الّذين
يَملكونَ عقولًا وشعوراً، ولكن بسبب اتّباعِ أهواءِ النّفسِ الأمّارةِ أَعْمَوْا بَصيرِتَهُم،
إذ جعلوا وجدانَهم تحت حُجُبِ المعاصي والذّنوبِ الباطنة.
2- ﴿إِنَّكَ
لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾
النّمل:80 .
فاللهُ تعالى يُشَبِّهُ الّذين أفسدوا وِجدانَهم
ونورَ باطنِهم بالمَوْتى، بل إنَّه يعدّهم موتى بالحقيقة، وهم صُمٌّ يهربون دائماً،
ولا يستقرُّ كلامُ الحقِّ في آذانهم، ولا يؤثِّرُ فيهم أبداً.
3- ﴿..إِنَّ
اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ فاطر:22.
4- ﴿..قَدْ
يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾ الممتحنة:13.
5- ﴿أَفَمَنْ
يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى..﴾
الرّعد:19.
ففي هذه الآيات، يصفُ اللهُ، سبحانه وتعالى،
أُولئك الّذين أَخمدوا نورَ باطنِهم وأغلقوا في وُجوهِهِم سبيلَ الآخرة، بأنّهم كالأمواتِ
الّذين حلّوا في القبور، أو كالعُمْيِ. وهذه الآياتُ تشيرُ إلى اختفاءِ نورِ القلب،
ولا تقصدُ عدمَ اتّباعِ القوّةِ العقليّة والفكريّة.
* أمّا الرّوايات الّتي تتحدّث عن هذا الأمر، فهي فوق طَور الإحصاء،
وإنَّما نذكر هنا بعضاً منها كأمثلةٍ على المطلب:
1- رُوي في (الكافي): عن الإمام الصّادق
عليه
السّلام، في قولِ الله تعالى: ﴿..فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا..﴾
الرّوم:30. قال: «فَطَرَهُمْ على التَّوْحيدِ».
2- وأيضاً
في (الكافي): عن الإمام الصّادق عليه السّلام، في قوله عزّ وجلّ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ..﴾ الفتح:4، قال: «هُوَ الإِيمانُ». وفي قوله تعالى: ﴿..وَأَيَّدَهُمْ
بِرُوحٍ مِنْهُ..﴾ المجادلة:22، قال: «هُوَ الإيمَانُ». وفي قوله
سبحانه: ﴿..وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى..﴾ الفتح:26، قال عليه السّلام: «هُوَ الإيمانُ».
3-
وفيه أيضاً، عن الإمام الصّادق عليه السّلام، في قوله تعالى: ﴿..حَنِيفًا مُسْلِمًا..﴾
آل
عمران:67، قال: «خَالِصَاً مُخْلِصاً لَيْسَ فيهِ شَيْءٌ مِنْ عِبَادَةِ الأوْثانِ».
ويُلاحَظ في هذه الرّوايات أنَّ جلاءَ القلب
من الصَّدَأ وأكدارِ الطّبيعة والأهواء، وأنّ الإيمانَ بالله والفطرة التّوحيديّة،
هي ذلك النّورُ الباطنيُّ الّذي هو منبَعُ إدراكِ القلب، واتّجاهُ الوِجْدانِ إلى عوالمِ
المَلكوتِ والجَبروتِ واللّاهوت.
من مجموع ما ذُكر، يُستفادُ أنَّ كِلا المَصدرَين
للإدراك مَوْجودان في الإنسان، وهو لا ينفكّ عنهما، وهما مصدرُ التّفكُّرِ العقليّ،
ومصدرُ الأحاسيسِ والعواطفِ والشّهودِ القلبيّ والوِجْدانيّ.
فالشّهودُ القلبيُّ يؤدّي إلى الإيمانِ
وإخراج الإنسانِ من حقيقته وواقعِه [الدّنيويّين] وربطِه بذات الباري، تعالى شأنه؛ وبدونه
لن يحصلَ للإنسانِ أيُّ خضوعٍ أو خشوع، ولو بآلافِ الضّروبِ من التّفكّراتِ العقليّة
والفلسفيّة والذّهنيّة، بل يُمكن أن يقعَ التّزلزلُ الرّوحيُّ والوِجْدانيُّ بعد سلسلةٍ
من الاستدلالاتِ «الصّحيحة» القائمةِ على أساسِ البرهان «الصّحيح» والقياسِ المنطقيّ؛
ولن تُوصلَ الإنسانَ إلى عالمِ السّكينة والطّمأنينة.
الاعْتِدالُ بالعَقْلِ والشَّرْعِ
التّفكيرُ العقليُّ يؤدّي إلى تعادلِ العواطفِ
والأحاسيسِ الباطنيّة، وتوازنِها، ويقفُ مقابلَ الميولِ والنّزَعات الوهميّة الخياليّة
الواهية، ويسيرُ بذلك الشّهود والوِجْدانِ في الطّريق الصّحيح.
فإذا لم يكنْ هناك تفكّرٌ عقليٌّ، لَانْحَرَفَ
ذلك الشّهودُ عن مسيرِه الصّحيح، ولَآمنَ بالمَوْهومات والخَيالات، ولَانجذبَ القلبُ
عند أدنى مواجهةٍ إلى ما يجذبُه، مُبْتَلِياً بذلك بشكلٍ دائم.
وممّا ذُكر، يمكنُ أن نُدركَ جيّداً محلَّ
النّزاعِ بين العقلِ والعشق، وتقدُّم كلٍّ منهما على الآخر، حيث إنَّ أصلَ هذا النّزاعِ
لا موردَ له؛ فإنَّ دَوْرَ العشقِ مُنفصلٌ عن دورِ العقلِ ومُتميّزٌ عنه، وكلّ واحدٍ
قد جُعِلَ في قناةٍ خاصّةٍ مُختصّةٍ به، وكِلاهُما ضَروريّان للإنسان، فإذا أَعْملَ
أحدَهُما وتركَ الآخَرَ أو أهْملَه، وقعَ في الخطأ والاشتباه.
وقد حثَّ الشّرعُ كذلك على المَوْضوعَيْن،
وقوّى كلَّ واحدٍ منهما، لأنَّ كُلّاً من العقل والقلب والشّرع ينطقُ عن حقيقةٍ وواقعيّةٍ
واحدة، فهم ثلاثةُ تراجمَ لمعنًى واحد.
وبناءً على هذا، فَمِنَ المُستحيلِ أن يكونَ
حكمُ الشّرع مُخالفاً لحُكمِ العقلِ والفِطرة؛ أو حُكْمُ العقلِ مُخالفاً لحُكمِ الفطرةِ
والشّرع، أو حُكمُ الفطرةِ مُخالفاً لحكمِ العقلِ والشَّرع. فهذه الأُمورُ الثّلاثةُ
مُتّصلةٌ كالسّلسلةِ الواحدة، الّتي تحفظُ كلُّ حَلَقةٍ منها الأخرى، وتَسْعى إلى تثبيتِها.
﴿شَرَعَ
لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا
وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا
فِيهِ..﴾ الشّورى:13.
﴿وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ
وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا..﴾
المائدة:48.
﴿ثُمَّ
جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ
الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ الجاثية:18.
وروى في (الكافي): مرفوعاً عن هشام بن الحكم
أنّه قال: «قَالَ لِي أبو الحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ؛ إلى
أن قال: يَا هِشَامُ! إنَّ للهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْن؛ حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً
بَاطِنَةً؛ فَأمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالأنبِيَاءُ وَالأئِمَّةُ عَلَيْهِمْ
السَّلامُ؛ وَأمَّا البَاطِنَةُ فَالعُقُولُ».
وأيضاً في (الكافي): «قَالَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ
عَلَيْهِ السَّلامُ: مَنِ اسْتَحْكَمَتْ لِي فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الخَيْرِ،
احْتملْتُهُ عَلَيْهَا وَاغْتَفَرْتُ فَقْدَ مَا سِوَاهَا، وَلَا أغْتَفِرُ فَقْدَ
عَقْلٍ وَلَا دِينٍ؛ لأَنَّ مُفَارَقَةَ الدِّينِ مُفَارَقَةُ الأَمْنِ، فَلَا يَتَهَنَّأُ
بِحَيَاةٍ مَعَ مَخَافَةٍ، وفَقْدُ الْعَقْلِ فَقْدُ الْحَيَاةِ ولَا يُقَاسُ إِلَّا
بِالأَمْوَاتِ». [يُلاحَظ هنا، أنَّ أمير المؤمنين عليه السّلام يُثني
على كمال العقل، والثّبات في الدّين، وترسيخ الإيمان القلبيّ].
أجل، فقد جرى التّأكيدُ في آيات القرآن
الكريم وأخبار المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، على المواضيع الثّلاثة من تَقْوِيَةِ
العقل، وتقوية القلب، وضرورة اتّباع الشّرع. ونَجِدُ في الأدعيةِ والمناجاة طلباً
دائماً لتقوية هذه الأُمور، بالاستمداد من الذّات الأقدسيّة للحضرة الأحديّة.
يقولُ أميرُ المؤمنين عليه السّلام ضمنَ أدعيتِه الواردة في (نهج البلاغة):
«الحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يُصْبِحْ بِي مَيِّتاً وَلا سَقِيماً، وَلا مَضْرُوباً
عَلَى عُرُوقِي بِسُوءٍ، وَلا مَأْخُوذاً بِأَسْوَأِ عَمَلِي ولا مَقْطُوعاً دَابِرِي،
وَلا مُرْتَدّاً عَنْ دِينِي ولا مُنْكِراً لِرَبِّي، ولا مُسْتَوْحِشاً مِنْ إِيمَانِي
ولا مُلْتَبِساً عَقْلِي، ولا مُعَذَّباً بِعَذَابِ الأُمَمِ مِنْ قَبْلِي..».
طَابَقَ صُنْعُكَ مَا فَطَرْتَ
عَلَيْهِ العُقُولَ
في تَطابُقِ المَراحل الثّلاثة: الفطرة،
والعقل، والشّرع، وردَ في إذنِ دخول السّرداب المقدّس لإمام العصر أرواحنا فداه، وسائر
الأئمّة المعصومين، الذي نقلَه المرحوم المجلسيّ، رضوان الله عليه، من النّسخة القديمة
لمؤلّفات الأصحاب، والذي أوّله: «أللَّهُمَّ إنَّ هَذِهِ بُقعَةٌ طَهَّرْتَها وَعَقْوَةٌ
[السّاحة] شَرَّفْتها..»...وردَ فيه:
«..فَسُبْحَانَكَ
مِنْ إلهٍ مَا أرْأَفَكَ، وَلَا إلَهَ إلَّا أنْتَ مِن مَلِكٍ مَا أعْدَلَكَ؛ حَيثُ
طَابَقَ صُنْعُكَ مَا فَطَرْتَ عَلَيْهِ العُقُولَ، وَوَافَقَ حُكْمُكَ مَا قَرَّرْتَهُ
في المَعْقُولِ وَالمَنْقُولِ..».
(هامش
الشّمس السّاطعة: ص 121)