تاريخ
«أقدِم، فإنّ
أمامَك خيرٌ لك ممّا أنتَ فيه..»
«قال
حبيب بن عمرو: دخلتُ على سيّدي ومولاي أمير المؤمنين عليه السّلام، وعندَه الأشراف
من القبائل وشرطة الخميس، وما منهم أحدٌ إلّا وماء عينيه يترقرق على سوادها حزناً
لأمير المؤمنين عليه السّلام، ورأيتُ الحسن والحسين عليهما السّلام ومن معهما من
الهاشميّين، وما تنفّس منهم أحدٌ إلّا وظننتُ أنّ شظايا قلبه تخرج مع نَفَسه.
فعند
ذلك يئس النّاس من أمير المؤمنين عليه السّلام، وقام لهم بكاء وعويل، فسكّتهم
الحسن عليه السّلام، فسكتوا، وصاروا ينشجون نشيجاً خفيفاً، إلّا الأصبغ بن نباتة
شرقَ بعبرته وبكى بكاءً عالياً، فأفاق أمير المؤمنين من غَشوته، فقال:لا تَبْكِ،
فَإِنَّها وَاللهِ الجَنَّةُ، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، وأنا أعلم، واللهِ،
أنّك تصير إلى الجنّة، وإنّما أبكي لفراقك يا سيّدي.
قال
حبيب بن عمرو: فما أحببتُ أنّ الأصبغ يتكلّم بهذا الكلام مع أمير المؤمنين عليه
السّلام، فقلت: لا بأسَ عليك يا أبا الحسن، فإنّ هذا الجرح ليس بضائر، وما هو
بأعظم من ضربة عمرو بن عبد ودّ، فإنّ البَرَد لا يزلزل الجبل الأصمّ، ولفحةَ
الهجير لا تجفّف البحر الخِضَمّ، واللّيثُ يَضرى إذا خُدش! فنظر إليَّ نظرةَ رأفةٍ
ورحمة، وقال: هَيْهَاتَ يا ابْنَ عَمْروٍ، نَفَذَ القَضاءُ، وَأُبْرِمَ المَحْتومُ،
وَجَرى القَلَمُ بِما فيهِ، وَإنِّي مُفارِقُكَ. فسمعتْ أمُّ كلثوم كلامه
فبكت، فقال لها أمير المؤمنين: يا بُنَيَّةُ، لَوْ رَأَيْتِ مِثْلَ ما رَأَيْتُ،
لَما بَكيتِ عَلى أَبيكِ.
قال
حبيب، فقلت له: وما الّذي ترى يا أمير المؤمنين؟ قال: يا حَبيبُ، أَرَى مَلائِكَةَ
السَّماواتِ، وَالنَّبِيّينَ بَعْضَهُمْ في أَثَرِ بَعْضٍ، وُقوفاً إِلَيَّ يَتَلَقَّوْني،
وَهذا أَخي مُحَمّدٌ رَسولُ اللهِ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، جالِسٌ عِنْدي يَقولُ:
أَقْدِمْ فَإِنَّ أَمامَكَ خَيْرٌ لَكَ مِمّا أَنْتَ فيهِ...».
(مختصَر
عن الأنوار العلويّة للنّقديّ)
بلدان
المُوصِل
المُوصِل: تَقعُ في
الجانب الغربيّ من دِجلة، وسمِّيت بهذا الاسم لأنّها وَصَلت بين الفرات ودجلة، وشُرْبُ
أهلِها من ماء الدّجلة.
وهي مدينةٌ
عتيقةٌ ضخمة، عليها سُوران وثيقان، وهي من المَرافق الحربيّة، فتحها المسلمون سنة
18 للهجرة، وفي أعلى البلد قلعةٌ عظيمةٌ قد رُصَّ بناؤها رصّاً، ويفصلُ بينها وبين
البلد شارعٌ متّصلٌ ممتَدٌّ من أعلى البلد إلى أسفلِه، ودجلةُ شرقيّ البلد متّصلةٌ
بالسُّور، وأبراجُه في مائها، وللبلد رَبَضٌ كبيرٌ [فضاء
واسع] فيه المساجد، والحمّامات، والخانات، والأسواق.
وفي المدينة
مدارسُ للعلم نحو السّتّ أو أزيَد، قد بُنيت على دجلة، فتلوح كأنّها القصور، ولها مارستان
[مشفى للمرضى]. وبهذه المدينة مشهدُ جِرجيسَ النّبيّ. وكان
جرجيسُ من الأنبياء الّذين كانوا في الفترة بين عيسى عليه السّلام ورسول الله صلّى
الله عليه وآله، وهو من أهل فلسطين، بَعَثَهُ اللهُ تعالى إلى مَلِك المُوصل يدعوه
إلى الإسلام.
وإذا عبَرْتَ
دجلة، نحو المِيل، ظهر لك «تَلُّ التّوبة»، وهو التّلُّ الّذي وقفَ عليه يونس عليه
السّلام بقومِه، ودعا ودعَوا حتّى كَشف اللهُ عنهم العذاب، وبمقربةٍ منه، على قدر المِيل
أيضاً، العينُ المباركةُ المنسوبة إليه عليه السّلام، ويُقال إنّه أمَرَ قومَه بالتّطهُّر
منها وإظهار التّوبة، ثمّ صعدوا إلى التّلّ داعين، وفي هذا التّلّ بناءٌ عظيمٌ هو رباط،
وقريبٌ من هذا الرّباط خَرابٌ عظيم، يُقال إنّه كان مدينةَ نينوى، مدينةَ يونس عليه
السّلام.
(المصدر: الرّوض المِعطار في خبر الأقطار،
لمحمّد الحِميَريّ المتوفّى سنة 900 للهجرة)