خصال ستّ للصّلاة الكاملة
يستكملها مؤمنٌ امتحن اللهُ قلبَه للإيمان
____السّيّد حبيب الله الهاشميّ الخوئيّ رحمه
الله____
في هذه المقالة تأصيلٌ عباديّ وأخلاقيّ للصّلاة
الكاملة، وهي مقتطفةٌ – باختصار – من كتاب (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة)
للعلّامة السّيّد حبيب الله الهاشميّ الخوئيّ رحمه
الله،
تناول فيها شرح فقرة من خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام في أركان الدّين، متحدّثاً
عن ستّ خصال بها ترتقي الصّلاة إلى كمالها.
إنّ
الصّلاة الكاملة قد خُصّت من بين سائر العبادات بأنّها بمنزلة إنسان كامل مشتمل
على روح وجسد، منقسم إلى ظاهر وباطن وسرّ وعلن، ولروحه وسرّه أخلاق وصفات، ولجسده
أعضاء وأشكال، فروح الصّلاة [أصلُ] معرفة الحقّ والعبوديّة له بالإخلاص والتّوحيد.
أمّا أخلاقها وصفاتها
الباطنة فيجمعها أمور، وهي: حضور القلب، والتّفهّم، والتّعظيم، والهيبة، والرّجاء،
والحياء، وهذه ستّ خصال شريفة، وحالات كريمة، وملَكات عظيمة، لا يوجد جميعها إلَّا
في مؤمن امتحن الله قلبه بنور الإيمان والعرفان.
أمّا
حضور القلب، فهو تفريغ القلب عن غير ما هو
ملابس له ومتكلّم به، وصرفه إلى ما يتلبّس به من الأفعال ويتكلَّم به من الأقوال [حال الصّلاة]،
ولا يحصل ذلك إلَّا بعد معرفة المصلّي بأنّ الغرض المطلوب منه هو الإيمان والتّصديق
بأنّ الآخرة خير وأبقى، وأنّ الصّلاة وسيلة إليها، فإذا أضيف إلى تلك المعرفة
العلم بحقارة الدّنيا وخسّتها وزوالها، انصرف القلب عن مهمّات الدّنيا لا محالة،
وتوجّه إلى صلاته الموصلة إلى سعادات الآخرة، وهو معنى حضور القلب.
وأمّا
التّفهّم، فهو التّدبّر في معنى اللَّفظ، وهو أمر
وراء حضور القلب، فربّما يكون القلب حاضراً مع اللّفظ ولا يكون حاضراً مع معنى
اللَّفظ، فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللَّفظ هو المراد بالتّفهّم، وقد ذمّ الله
أقواما على ترك التّدبّر حيث قال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى
قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ محمّد:24.
وأمّا
التّعظيم، فهو أمر وراء حضور القلب والفهم، فربما
يخاطب الرّجل عبده بكلامٍ وهو حاضر القلب فيه ومتفهّم لمعناه، ولا يكون معظِّماً
له، فالتّعظيم أمر زائد عليهما، وهو حالة للقلب منشؤها معرفة جلال الرّبّ سبحانه
وكبريائه وعظمته، مع معرفة حقارة النّفس وخسّتها، وكونها عبداً مسخّراً مربوباً،
فيتولَّد من هاتين المعرفتين الاستكانة والانكسار والخشوع لله سبحانه، فيعبَّر عنه
بالتّعظيم.
وأمّا
الهيبة، فأمر زائد على التّعظيم، وهي عبارة عن
خوفٍ منشؤه التّعظيم، لأنّ مَن لا يخاف لا يسمّى هائباً، فالهيبة خوفٌ مصدره الإجلال،
وهي متولّدة من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ أمره ومشيّته فيه ".."
وأنّه بحيث لو أهلك الأوّلين والآخرين لم ينقص من ملكه مثقال ذرّة، لا سيّما إذا
انضمّ إلى ذلك ملاحظة ما جرى على الأنبياء والأولياء من أنواع المحن والمصائب
والبلاء، وكلَّما زاد العلم بالله وكبريائه زادت الهيبة والخشية.
وأمّا
الرّجاء، فلا شكّ أنّه زائد على ما سبق، فكم من
معظّم ملكاً من الملوك يهابه أو يخاف سطوته ولا يرجو إنعامه ومبرّته، والعبد ينبغي
أن يكون راجياً بصلاته ثواب الله، كما أنّه خائف بتقصيره عقاب الله، ومنشأ الرّجاء
معرفة لطف الحقّ وكرمه وعميم جوده وإحسانه وشمول رحمته وإنعامه ومعرفة صدقه في
وعده على الصّلاة بالثّواب، وبشراه بالجنّة وحسن المآب؛ فبمجموع المعرفة بلطفه
سبحانه، والمعرفة بصدقه يحصل الرّجاء.
وأمّا
الحياء، فزيادته على ما سبق واضحة، لأنّ مستنده
استشعارُ تقصيرٍ وتوهّمُ ذنبٍ، ويتصوّر التّعظيم والخوف والرّجاء من غير حياء، حيث
لا يتوهّم تقصير وخطأ. ومنشأُ استشعار التّقصير وتوهّم الذّنب علمُ المكلَّف
بالعجز عن القيام بوظائف العبوديّة والتّعظيم على ما يليق بحضرة الرّبوبيّة سبحانه،
ويزيد ذلك بالاطّلاع على كثرة عيوب النّفس وآفاتها، وفرط رغبتها في أفعالها
وحركاتها وسكناتها إلى الدّنيا وشهواتها، وقلَّة إخلاصها في طاعاتها مع العلم
بعظيم ما يقتضيه جلال الله وعظمته وكبريائه، ومع المعرفة بأنّه خبير بصير مطّلع
على السّرائر، عالم بالضّمائر، وهذه المعارف إذا حصلت يقيناً انبعث منها الحياء.