إجابات العلّامة الحلّيّ عن أسئلة عقائديّة وفقهيّة
* يجبُ التّمييزُ
بين الواجب والمندوب من أفعال الصّلاة وأقوالها
*
الثّوابُ على الطّاعات مشروطٌ بالعقيدة السّليمة
ـــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــ
كتاب (جوابات المسائل المهنّائيّة)
هو ردود العلّامة الحِلّيّ، الحسن بن يوسف بن المطهّر (ت: 726 للهجرة) على أسئلة عقائديّة وفقهيّة وجّهها إليه مهنّا بن عبد
الوهّاب الجعفري الحسيني المَدَني أيّامَ زيارته للمشاهد المشرّفة في العراق، وطلب
إليه أن يكتب الجوابات بخطّه حتّى يكونَ أفضل ما ظفرَ به بعد الزّيارة، وقد قرأ السّائلُ
هذه الأجوبةَ على العلّامة بداره في الحلّة سنة 717 هجريّة.
الأسئلة والأجوبة الواردة
في هذا «الحوار» منتخبة من كتاب (الجوابات) المذكور، بتعديلٍ طفيفٍ في عبارة عددٍ
من الأسئلة. وتجدرُ الإشارة إلى وجوب التزام المكلّف برأي مرجع تقليده في المسائل
الفقهيّة المدرَجة هَهنا، وقد أوردناها للوقوف على جانبٍ من طبيعة الاستفتاءات الشّرعيّة
في القرن الهجري الثّامن، وهو الحقبة الزّمنيّة التي شهدت نقلة نوعيّة في الفقه
الإمامي الاثنَي عشري، كان من أبرز أعلامها الشّهيد الأوّل (استُشهد سنة 786
للهجرة)، والعلّامة الحلّي رضوان الله تعالى عليهما.
س:
ما القول في وضع الإنسان وجهَه على الأرض عند أبواب المشاهد الشّريفة، وتمريغ خدّه
عليها، هل يكون ذلك الفعل حراماً لأنّ هذا يشبه السّجود وهذا أمر مختصّ بالله
تعالى، وقد بالغ المتصوّفون وأرباب الطّريقيّة في النّهي عن هذا وغيره ممّا
يقاربه، فهل يكون مكروهاً أو هو مستحبّ في هذه الأماكن المشرّفة؟
ج:
إنْ قصدَ الفاعلُ أن يكون السّجود لغير الله تعالى كان عاصياً، وإنْ قصدَ السّجودَ
لله تعالى والشّكرَ على وصوله إلى تلك البقعة المباركة الشّريفة والتّذلّل للإمام
بالتّقبيل لتُربته كان مثاباً على ذلك.
ولا
عبرةَ بنَهي الصّوفيّة عن ذلك، فإنّه أَولى من اعتمادهم في الرّقص والتّصفيق
بالأيدي الذي نهى اللهُ عنه في كتابه العزيز.
س:
ما القول في سُماع الغناء إذا كان بغير شبّابة ولا دفّ ولا هجاء لمسلم ولا تشبيب
بامرأة معيّنة، هل فيه رُخصة أم هو حرامٌ على كلّ حال قادحٌ في العدالة، وكذلك تغنّي
الإنسان لنفسه، هو كذلك أم لا؟
وما
قولكم في الّذي لا يطرب بسماع الغناء وآلات الملاهي، هل يحرم [عليه] سماعه أم لا؟
ج:
لا يجوز سماعُ الغناء سواء كان بشبّابة أو لا، وسواء كان هجاءً لمسلم أو لا، أو
تشبيب بامرأة معيّنة أو لا. ولا رُخصةَ في شيءٍ من ذلك عند الإماميّة، ويقدحُ في
العدالة، وكذلك تغنّي الإنسان لنفسِه بغير خلافٍ عند الإماميّة.
س:
الثّياب التي تُجلَب من الهند ومن الرّوم ومن غير ذلك وفيها ما هو مصبوغ وغيره،
وفيها ما يُقال فيه قولاً غير محقّق أنّه لا يعمله إلّا الإفرنج كالجوخ وثياب الصّوف،
ويجتمع الكلّ في أسواق المسلمين ويُشترى من المسلمين، هل يجب غَسلُه قبل لَبسِه ليَطهر
ويجوز الصّلاة فيه أم لا يحتاج إلى الغَسل ويُحكَم بطهارته وجَواز الصّلاة فيه؟
وما
قولكم إذا اشتراه الإنسان ممّن يجلبُه والجالبُ له مُشرِك، هل يجب غَسلُه والحال
هذه أم حكمُه حكمُ ما يُشترى من أسواق المسلمين، مع علمنا بأنّ أهل السّوق يشترونه
ممّن يجلبه من مشركٍ وغيره؟
ج:
لا يجب غَسلُ شيءٍ من هذه الثّياب لأنّها على أصلِ الطّهارة، فإنّ الأعيان النّجسة
أمورٌ مضبوطةٌ محصورةٌ في أجناسٍ مخصوصةٍ نصَّ عليها الشّارع، وحكمَ بطهارة ما
عداها إلّا أن تعرض له بما يُخرجه عن أصلِه، وليست هذه الأعيان فيها لعدم خروجِها
عن أصلها، إنّما هو بمباشرة الكفّار لها برطوبة وذلك غير معلوم، فهي على أصل الطّهارة
ولم تخرج عنه.
ولو
اشترى من مشركٍ أو أخذَ منه لم يحكم بنَجاسته أيضاً، بل لو علمَ أنّه عملَه ولم يُباشره
برطوبة لم يجب غَسله أيضاً.
س:
هل يحرم على المرأة النّظر إلى الرّجل الأجنبيّ سواء كان بتَلذُّذ أو ريبة أو
بغيرهما، مع أنّ النّساء لم يزَلنَ في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وبعدَ
عصره وهلُّم جرّاً يخرجنَ في حوائجهنّ، ولا بدّ أن يقعَ نظرهنّ على الرّجال؟
ج:
لا يجوز لهنّ النّظر إلى الرّجال الأجانب مطلقاً كالرّجال، للآية [هي
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ..﴾
النّور:31]، ولِما رُوي
أنّ عائشة وحَفصة لم يَحتجِبا عن ابن أمّ مكتوم واعتذرتَا بأنّه أعمى، فقال عليه السّلام:
«أَفَعَمْيَاوَتَانِ أَنْتُمَا؟»، وهو نَصٌّ في الباب.
س:
مَن يصلّي الفريضة من غير إخلالٍ بشيءٍ منها لكنّه لا يعلمُ الواجبَ من ذلك من
المندوب أو يعتقد وجوبَ الجميع، هل تصحُّ صلاتُه والحال هذه أم لا؟
وهل
العلمُ
بواجبات الصّلاة شرطٌ في صحّة الصّلاة أم لا، وهل يجب معرفةُ الأركان من الواجبات
أم يكفي معرفة الواجبات في شرط صحّة الصّلاة؟...
ج: لا بدّ أن يعرفَ الواجبَ لِيُوقعَه على
وجه الوجوب، فإذا لم يعرف الواجبَ من المندوب لم تصحّ صلاتُه. ولو اعتقدَ وجوبَ
الجميع بطلت صلاتُه أيضاً، لأنّ المندوبَ إذا أوقعَه على وجهِ الوجوب كان باطلاً
ومُبطِلاً للصّلاة إنْ كان ذِكراً مطلقاً، وإنْ كان هو فعلاً فكذلك مع الكَثرة،
والعلمُ بواجبات الصّلاة بالدّليل أو بالتّقليد ممّن [عمّن] له أهليّةُ التّقليد
شرطٌ في صحّة الصّلاة. ويكفي في الأركان معرفةُ وجوبها.
س:
ما القول في الفروع، هل يجوز التّقليد فيها أم يجبُ على الإنسان معرفة ما يحتاج
إليه من غير جهة التّقليد؟ وهذا أمرٌ مُشكِل.
ج:
معرفةُ الفروع بالدّليل والتّفقُّه في الدّين واجبٌ على الكفاية للآية [هي
قوله تعالى: ﴿..فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا
فِي الدِّينِ..﴾ التّوبة:122]،
ويجوز التّقليدُ فيها لكلّ أحدٍ بعد قيام مجتهدٍ في الزّمان يرجعُ التّقليدُ إليه
ويعوّلُ النّاسُ في معرفة أحكامِهم عليه.
س:
ما القول في الأمر بالمعروف والنَّهي عن
المنكر، هل يذهب مولانا إلى أنّه واجبٌ على الأعيان، وهو إذا قام به البعض لم يسقط
عن الباقين، أو هو واجبٌ على الكفاية؟
ج:
اختلف النّاس في هذه المسألة، فذهب قومٌ إلى وجوبِه على الأعيان وهو مذهبُ ابن
حمزة وقوّاه الشّيخُ الطّوسيّ في بعض أقواله، وذهبَ السّيّد المرتضى وأبو الصّلاح
وابنُ إدريس وابنُ البرّاج إلى أنّه واجبٌ على الكفاية، بمعنى أنّه إذا قامَ به
البعضُ سقطَ عن الباقين، وإنْ لم يَقُم به أحدٌ استحقّ كلُّ عالمٍ به متمكّنٍ من
الأمرِ الإثمَ على الإخلال به، وإنْ لم يُمكن إيقاعُه إلّا بالكلّ وجبَ على الكلّ.
احتجّ
لوجوبه:
الأوّل:
قولُه تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ
عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ الأعراف:199،
والتّأسّي واجبٌ على كلّ المكلّفين لقولِه تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ..﴾ الأحزاب:21.
الثّاني:
قولُه تعالى: ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ
فَعَلُوهُ..﴾ المائدة:79.
الثّالث:
قولُ النّبي صلّى الله عليه وآله: «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهُنَّ عَنِ
الْمُنْكَرِ..» الحديث.
احتجّ
الآخرون بوجهَين:
أ)
قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..﴾ آل
عمران:104، ولم
يعمّ.
ب)
إنّ الغرَضَ المقصودَ من ذلك هو ارتفاعُ المنكر ووقوعُ المعروف، فإذا حصلَ من
البعض لم يجِب على الباقين، لاستحالةِ تحصيل الحاصل.
س:
ما القول في عِلم النّحو، فإنّ مَن لا يعرفُه يتعذّر عليه معرفةُ كلامِ الله وكلامِ
رسول الله صلّى الله عليه وآله وكلامِ أهل البيت عليهم السّلام، وقد جاءَ في
الحديث: «إنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ دُعَاءً مَلْحُونَاً»، فهل قال أحدٌ
بوجوبِ معرفتِه أم لا؟
ج:
نعم، يَجِبُ معرفةُ النّحوِ على الكفاية، لأنّ معرفةَ الفِقه واجبةٌ عَلى الكِفاية،
وَلا تتمُّ إلّا بمعرفتِه، فتكون واجبةً. ولا يجبُ معرفةُ النّحوِ بجميعِ مسائلِه،
بل ما تتوقَّفُ الأدلّةُ الشّرعيّةُ عليه.
أسئلة
عقائديّة
س:
قولُه تعالى: ﴿قالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ
لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ
لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَولَوْ كُنَّا كارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنا
عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ
مِنْها وما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله رَبُّنا
وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً..﴾ الأعراف:88-89.
فإنّ
في الآية [الآيتَين]
الكريمة إشكالَين:
أحدُهما:
ذِكرُ العَود، والعَودُ يقتضي الابتداءَ بشيءٍ ثمّ يعودُ إليه، والرُّسُل عليهم السّلام
مُنزَّهون عن البدأة بمِلل الكفر والعودِ إليها.
والثّاني:
قولُ الرّسل: ﴿..إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا..﴾، والرّسل لا يجوزُ عليهم
الكفر ولا المعاصي، فما معنى هذا الاستثناء؟
ج:
أمّا الإشكال الأوّل فالجوابُ عنه: إنّ الآية تتضمّنُ شُعَيباً عليه السّلام ومَن
آمن معه من قومه، لقوله تعالى: ﴿..لَنُخْرِجَنَّكَ
يا شُعَيْبُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا..﴾، ولا شكّ في أنّ
هؤلاء المؤمنين من قومِه كانوا كفّاراً، فكان الضّميرُ عائداً إليهم معطوفاً على
ضمير الّذين دخلوا في الإيمان بعد الكُفر وغلبوا الجماعة على ضمير الواحد، فكذا
قولُ شعيب: ﴿..إِنْ
عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ..﴾ غلبَ فيه ضميرُ الجماعة على ضميره.
وأمّا
الإشكال الثّاني فالجواب عنه: إنّ الله تعالى قادرٌ على القبائح وإن تنزّهَ عن
فعلها، فهو من حيث أنّه قادرٌ يصحّ استنادُها إليه، وإنّما يمتنعُ استنادُها إليه
باعتبار الحكمة والاستثناء عنها، فأتى شعيب عليه السّلام بالاستثناء عنها نظراً
إلى اندراج عَودِهم في الكفر إلى مشيّته تعالى من حيث قدرتِه، لا من حيث حكمتِه.
س:
ما القول في مَن يروي عن سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله، هل يجوزُ أن يقول:
«قال رسولُ الله كذا» مع أنّه لا يعلمُ يقيناً قاطعاً أنّ سيّدنا رسول الله
صلّى الله عليه وآله قال ذلك، أم لا يجوز...؟
ج:
لا يجوز أن يقول ذلك على سبيل الجزم إلّا مع القطع بنَقلِه كما في المتواترات، وأمّا
إذا قال ذلك على سبيل الظّنّ فلا بأس، والأحوط أن يقول «رُوِيَ» ونحوه.
س:
الرّجلُ المحافظُ على الصّلوات، التّاركُ للمحرّمات، وهو غيرُ عارفٍ بما يجبُ عليه
من علم الأصول [أصول
الدّين]، وإنْ كان يعرفُ بعضَ ذلك فعَلى جهة التّقليد،
فهل تكون أعمالُه وأقوالُه الصّالحة مقبولةً مُوجِبةً له الثّواب، أم يكون جِدّه
واجتهادُه وعبادته هذه باطلاً غيرَ صحيحٍ ولا مقبولٍ ولا مُثابٍ عليه، ويكون حالُه
وحالُ مَن لم يعمل خيراً قطّ، واحداً؟ وهذا أمرٌ صعبٌ وأكثرُ النّاس المتعبّدين
على هذه الصّفة.
ج:
".." الثّوابُ إنّما هو على فعل الطّاعات بعد اعتقادِ الحقّ والإيمانِ
المستندِ إلى الدّليلِ المفيدِ للعلم في التّوحيد والنّبوّة والإمامة، وإنّ
التّقليد فيها غيرُ كافٍ. أللّهمّ إلّا مَن كان في عقلِه ضعفٌ لا يتمكّنُ من
استخراجِ العقائد من الأدلّة والبَراهين كالبُله "..".
س:
عصمةُ الأنبياء عليهم السّلام، هل هي كَعصمة الملائكة، خُلِقوا وجُبِلوا عليها لا
تُنازِعُهم أنفسُهم ولا تدعوهم إلى شرّ، فإذاً يكون المطيعُ منّا المجاهدُ لهَوى
نفسِه أكثر ثواباً منهم، أم عُصموا بمعنى أنّ الله تعالى خلقَ فيهم قوّةً زائدةً
ولُطفاً عظيماً يَقهرون به شهواتِ أنفسِهم ودواعيها، فَيرِدُ الإشكالُ أيضاً، إذْ
لو رزقَ اللهُ سبحانَه أحداً من الألطاف ما رزقَهم لسَاواهم في ذلك، أم عُصموا
بمعنى أنّه لا يجوزُ منهم الخطأ لِما علمَ اللهُ سبحانه أنّهم لا يختارونه مع
مجاهدتِهم لِهَوى أنفسهم ومنازعتِها لهم وجواز وقوع الخطأ منهم من حيث الإمكان؟
ج:
العصمةُ كيفيّةٌ نفسانيّةٌ تبعثُ على ملازمة التّقوى والامتناعِ عن ارتكاب المعاصي
مع قدرتِه على ضدّ ذلك وإمكانِ صدورِ خلافهما عنه، ولا يجوزُ أن يكونَ مقهوراً على
فعل الطّاعة أو تَرْكِ المعصية، وإلّا لانتفى استحقاقُ الثّوابِ والعقاب، ولَزِمَ
ما قال، أبقاه الله، في سؤالِه من كَون الواحد منّا أعظم ثواباً من النّبي صلّى الله
عليه وآله، وهو باطلٌ إجماعاً.
ولا
ريبَ في مساواة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم للأمّة في القدرة والمِكنة، ولا
يمتنعُ أن يكون له لطفٌ من الله تعالى زائدٌ على الألطاف التي لغيره من المكلّفين،
وذلك اللّطف تفضُّلٌ من الله تعالى، وهو غيرُ واجبٍ على الله تعالى ولا يجبُ
مشاركةُ غيره له في ذلك.
ويُمكن
أن يكونَ سببُ الاختصاص بهذا اللّطف عِلمُ الله تعالى لقبولِ المحلّ له دونَ غيره.
ويجوز أن يكونَ من أنفسِهم بحيث لا يختارون المعصيةَ مع قدرتِهم عليها وامتناعِ
صدورها عنهم، لِوفور عقلِهم وكَثرة علومهم ومداومتِهم على التّفكّر والنّظر
وملازمة الطّاعات والمداومة عليها، بخلاف غيرِهم من البشر.
س:
ما القول في رواية الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وعن الأئمّة عليهم السّلام،
هل يجوز بالمعنى وإن لم يُورِد اللّفظ بعينه، أو يجب مراعاة الألفاظ في رواية
الحديث وهذا أمرٌ صعب، أم يجوز بالمعنى للعالم المطّلع على المعاني ولا يجوز للعامّيّ؟
ج:
إذا كان الرّاوي عالماً جازَ أن يروي الحديث بالمعنى، بشَرطِ أن يذكر في روايتِه
أنّه نقلَ المعنى دون اللّفظ.
س:
مَن رأى في منامه رسولَ الله صلّى الله عليه وآله أو بعض الأئمّة عليهم السّلام
وهو يأمرُه بشيء أو ينهاه عن شيء، هل يجبُ عليه امتثالُ ما أمرَه به أو اجتناب ما
ينهاه عنه أم لا يجب ذلك مع ما صحّ عن سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه
قال: «مَنْ رَآنِي فِي مَنَامِهِ فَقَدْ رَآنِي، فَإنّ الشَّيطَانَ لَا يَتَمَثَّل
بِي..» وغير ذلك من الأحاديث المرويّة عنه صلّى الله عليه وآله؟
وما
قولُكم لو كانَ ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي النّاس من ظاهر الشّريعة،
هل بين الحالَين فرقٌ أم لا؟
ج:
ما يخالفُ الظّاهرَ فلا ينبغي المصيرُ إليه، وأمّا ما يوافقُ الظّاهرَ فالأَولى
المتابعةُ من غير وجوب، ورؤيتُه صلّى اللهُ عليه وآله لا يُعطي وجوبَ اتّباعِ
المنام.
س:
ما القولُ في الكتاب العزيز، هل يصحّ عند أصحابنا أنّه نقصَ منه شيءٌ أو زِيدَ فيه
أو غُيّر ترتيبُه أم لم يصحّ عندَهم شيءٌ من ذلك؟
ج:
الحقّ أنّه لا تبديلَ ولا تأخيرَ ولا تقديمَ فيه، وأنّه لم يَزِد ولم يَنقُص. ونعوذُ
بالله تعالى من أن يعتقدَ مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يوجِبُ التّطرّقَ إلى معجزة الرّسول
عليه السّلام المنقولةِ بالتّواتر.
س:
هل يجب أن يعرفَ المكلّف جميعَ الأئمّة عليهم السّلام بأسمائهم وترتيبهم في
الإمامة واحداً بعد واحدٍ أم يكفيه معرفةُ أنّ له اثنَي عشر إماماً، وأنّ إمام
زمانه هو صاحب الزّمان عليه السّلام المنتظَر، وإنْ لم يعرف أسماءَهم ولا ترتيبَهم
في الإمامة؟
ج:
يُشترط معرفتُهم بأسمائهم وترتيبِهم في الإمامة واحداً بعد واحدٍ، لأنّ الإيمانَ
لا يتمّ إلّا به (بها)،
إذ الإمامةُ ركنٌ من الأركان الأربعة.