التّقيّة عند علماء
المسلمين
إجماع
على الأصل وموارد المشروعيّة
__ الأستاذ ثامر
العميدي __
التّقيّة من المفاهيم الإسلامية الأصيلة
التي شرعها الله عزّ وجلّ لتكون ترساً للمؤمن، ووقاء لعرضه وكرامته حيثما وجد نفسه
لا يقوى على مقاومة الظّالمين. ولقد أكّدتها السّنّة المطهّرة قولاً وفعلاً، واستعملها
الصّحابة والتّابعون وتابعوهم بإحسان، وأقرّها جميع الفقهاء والمحدّثين والمفسّرين
من سائر المذاهب والفرق الإسلاميّة.
هنا تعريف إجماليّ للتّقيّة كما وردت في
كتاب الباحث والمحقّق الإسلاميّ ثامر العميدي تحت عنوان: «التّقيّة عند المذاهب
والفرق الإسلاميّة من غير الشّيعة».
«شعائر»
|
عرّفوا التّقيّة لغة بأنّها، الحذر والحيطة من الضّرر،
والاسم: التّقوى، وأصلُها: إوتقى، يوتقي، فقُلبت الواو إلى ياء للكسرة قبلها، ثمّ أبدلت
تاء وأدغمت، فقيل: اتّقى، يتّقي. وعن ابن الأعرابي: التّقاة، والتّقيّة، والتّقوى،
والاتّقاء كلّه واحد، ولهذا جاء في بعض القراءات القرآنية: ﴿..إلّا أنْ تتّقوا منهم
تَقيّة..﴾ آل عمران:28، في موضع ﴿تُقاة﴾.
وفي الاصطلاح، لا يختلف تعريف التّقيّة
عند أهل السّنّة عن تعريفها عند الشّيعة الإماميّة لا في قليل ولا في كثير إلّا من
حيث فنّيّة التّعبير وصياغة الألفاظ في تصوير المعنى الاصطلاحي للتّقيّة، وهذا إن دلّ
على شيء إنّما يدلّ على اتّفاقهم من حيث المبدأ على أنّ التّقيّة ليست كذباً، ولا نفاقاً،
ولا خداعاً للآخرين.
فقد عرّفها السّرخسي الحنفي (ت 490 هـ) بقوله: «والتّقيّة،
أن يقيَ نفسه من العقوبة بما يُظهره، وإن كان يُضمر خلافه».
وعرّفها ابن حجر العسقلاني الشّافعي (ت 852 هـ) بقوله: «التّقيّة،
الحذر من إظهار ما في النّفس - من معتقد وغيره – للغير». وقال الآلوسي الحنبلي الوهّابي
(ت 1270 هـ) في تفسير قوله تعالى: ﴿..إلّا أنْ تتّقوا منهم تُقاة..﴾:
«وعرّفوها [أي التّقيّة] بمحافظة النّفس أو
العرض، أو المال من شرّ الأعداء».
وعرّفها السّيد محمّد رشيد رضا (ت 1354 هـ) بأنّها: «ما يقال أو
يُفعل مخالفاً للحقّ لأجل توقّي الضّرر». وهذا التّعريف من أجود تعاريف التّقيّة اصطلاحاً،
وهو جامع مانع، ومنطبقٌ تماماً مع تعريف الشّيعة الإماميّة للتّقيّة.
أمّا موارد التّقيّة، فلمّا كانت التّقيّة
لا تحصل بغير إكراه عليها واضطرار إليها، فقد فصّل المسلمون في حالات الإكراه المتعدّدة،
وميّزوا تلك التي لا تصحّ فيها التّقيّة عن غيرها.
فأمّا حالات الإكراه التي لا تصحّ فيها التّقيّة،
فهي المتعلّقة بأفعال القلوب، والتي لا سبيل للمُكرِه إلى علمها في قلب المكرَه، كما
لو أُكره المسلمُ على بغض المؤمنين، أو حبّ الكافرين حقيقة، أو على الاعتقاد بعقيدة
فاسدة، أو على إنكار ما ثبت أنّه من الدّين إنكاراً قلبيّاً، ونحو ذلك.
وأمّا حالات الإكراه التي تصحّ فيها التّقيّة،
فهي الخارجة عن أفعال القلوب غالباً، بحيث يستطيع المُكرِه علمها عند المكرَه، وأمثلتها
كثيرة لا حصر لها. منها: الإكراه على شتم المؤمن، أو موالاة الكافر ظاهراً. ومنها:
الإكراه على ترك الواجب، كالإفطار في شهر رمضان، ونحوه.
على أنّ هناك بعض الحالات وإن لم تتعلّق بأفعال
القلوب إلّا أنّ التّقيّة فيها لا تصحّ مهما بلغت درجة الإكراه، ومثّلوا له بالإكراه
على قتل المسلم بغير حقّ، فعلى المكرَه أن يمتنعَ ولو أدّى إلى قتله، فليس له أن يقتُل،
ولو قتل بذريعة التّقيّة، فلوليّ الدّم القصاص.
ومن الجدير بالإشارة هو أنّ التقية ليست واجبة
في جميع الحالات وبلا قيد أو شرط عند فقهاء المسلمين، فهي قد تكون واجبة، وقد تكون
محرّمة، كما قد تكون مباحة أو مندوبة أو مكروهة بحسب الأحكام التّكليفيّة الخمسة.