لجَابر في الكيمياء، ما لأرسطو في المنطق
قال ابن خلِّكان في (وفيّات الأعيان): «أبو
عبد الله، جعفر الصّادق، بن محمّد الباقر، بن عليّ زين العابدين، بن الحسين، بن عليّ
بن أبي طالب، رضي اللهُ عنهم أجمعين، أحدُ الأئمّة الاثنَي عشر على مذهب الإماميّة،
وكان من سادات أهل البيت، ولُقِّبَ بالصّادق لصِدقِه في مقالتِه، وفضلُه أشهرُ من أن
يُذكَر، وله كلامٌ في صَنعة الكيمياء، وكان تلميذُه أبو موسى، جابرُ بن حيّان قد ألّفَ كتاباً يشتملُ
على ألفِ ورقةٍ تتضمّنُ رسائلَ جعفر الصّادق، وهي خمسمائة رسالة».
وقال
خير الدّين الزّركليّ في الجزء الثّاني من (الأعلام): «جابر بنُ حيّان الكوفيّ، أبو
موسى: فيلسوفٌ كيميائيّ، له تصانيفُ كثيرة،
قِيلَ: بلغَتْ خمسمائة. ضاع أكثرُها، وتُرجِمَ بعضُ
ما بَقِيَ منها إلى اللّاتينية. وممّا بين أيدينا من
كُتبه: (أسرار الكيمياء)، و(أصول الكيمياء)، وكتابٌ في (السموم)، ولجابر شهرةٌ كبيرةٌ
عند الإفرَنج بما نَقلوه من كُتبه، في بدء يَقظتهم العلميّة».
قال
العالم الكيميائي الفرنسي مارسيلان برتيلو في كتابه (كيمياء القرون الوسطى): «لجابر
في الكيمياء، ما لأَرسطوطاليس قبلَه في المنطق، وهو أوّل مَن استخرجَ حامض
الكبريتيك، وسمّاه زيتَ الزّاج، وأوّل من اكتشف الصّودا الكاوية، وأوّل من استحضر
ماءَ الذّهب، ويُنسَب إليه استحضارُ مركّبات أخرى: مثل كَربونات البوتاسيوم، وكَربونات
الصّوديوم. وقد درسَ خصائصَ مركّبات الزّئبق واستحضَرها».
وقال
الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): «تتألّفُ من كُتب
جابر موسوعة علميّة تحتوي على خلاصة ما وصلَ إليه علمُ الكيمياء عند العرب في عصره.
وقد اشتملت كتبُه على بيان مركّبات كيماوية كانت مجهولةً قبله. وهو أوّل مَن وصفَ
أعمال التّقطير والتَّبَلوُر والتّذويب والتّحويل».
هرات (هراة)
تقع مدينة هرات Herat في شمال غربيّ أفغانستان، وتقترب من حدود إيران، وهي عاصمة
المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، يعتقد بأنّها تأسّست في القرن الرّابع قبل الميلاد
على يد الإسكندر الأكبر. فتحها المسلمون في القرن السّابع الميلاديّ. خرّبها
التتّار عند اجتياحهم الشّرق، ثمّ جعلها تيمورلنك عاصمةً لدولته عام 1381م.
استولى الأفغان عليها عام 1749م، وتعدّ، إلى جانب العاصمة كابل، من أهمّ المراكز
البشريّة والاقتصاديّة والتّجاريّة والعلميّة المُهمّة، وتُعّد مركزاً ثقافيّاً إسلاميّاً
مُهماً.
ما تزال المدينة القديمة تحافظ على كثير من معالمها الإسلاميّة بالرّغم من أنّ
العمران الحديث بدأ يبرز بجوار القديم، ويعيش أكثر من 50% من سكّانها، دون خطّ الفقر،
لكنّ موقعها على الطّرق التّجاريّة البريّة بين بلاد فارس والهند والصّين وأوروبّا
جعلها مدينة تجاريّة، فهي عقدة مواصلات مُهمّة، ولا تزال الطّرق بينها وبين تركمانستان
وإيران مُهمّة ونشيطة.
كانت هراة تتبع قديماً لخراسان بفارس، وعنها قال الحمويّ في (معجم البلدان):
«هَرَاةُ: بالفتح: مدينة عظيمة مشهورة من أُمّهات مدن خراسان؛ لم أَرَ بخراسان عند
كوني بها في سنة 607 مدينة أجلّ ولا أعظم ولا أفخم ولا أحسن ولا أكثر أهلاً منها،
فيها بساتين كثيرة، ومياه غزيرة، وخيرات كثيرة؛ محشوّة بالعلماء ومملوّة بأهل
الفضل والثّراء، وقد أصابها عين الزّمان ونكبتها طوارق الحدثان، وجاءها الكفّار من
التّتر فخربوها حتّى أدخلوها في خبر كان، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وذلك في
سنة 618».