آياتُ يوم الغدير
«..عَلى وِلايَتي ولايةُ الله، وَعَلى عَدَاوَتي عَدَاوةُ اللهِ»
ـــــــــــــــــــــــــ
السّيّد علي الحسيني الميلاني ـــــــــــــــــــــــــ
قراءة
موجزة في الآيات القرآنيّة الّتي نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم غدير
خمّ، في الثّامن عشر من ذي الحجّة سنة عشرة للهجرة، اخترناها من كتاب (مقالتان في الغدير)
لسماحة المحقّق السّيّد عليّ الحسيني الميلاني.
نزلت في يوم الغدير عدّة
آياتٍ
من القرآن الكريم:
* الآية الأولى:
﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ
تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ..﴾. المائدة:67.
نزلت هذه الآية قبل
خطبة النّبيّ، صلّى الله عليه وآله، جاء ذلك في رواية أهل البيت عليهم السّلام:
روى الشّيخ محمّد بن
يعقوب الكلينيّ - المتوفّى سنة 328 - بإسناده عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه
السّلام، قال:
«أَمَرَ اللهُ رَسولَهُ بِوِلايَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ
السَّلامُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ
وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ﴾
المائدة:55،
وَفَرَضَ وِلايَةَ أُولي الأَمْرِ، فَلَمْ يَدْروا ما هِيَ.
فَأَمَرَ اللهُ مُحَمَّداً،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُفَسِّرَ لَهُمُ الوِلايَةَ كَما
فَسَّرَ لَهُمُ الصَّلاةَ وَالزَّكاةَ وَالصَّوْمَ وَالحَجَّ.
فَلَمّا أَتاهُ ذَلِكَ
عَنِ اللهِ، ضاقَ بِذَلِكَ صَدْرُ رَسولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ،
وَخافَ أَنْ يَرْتَدّوا عَنْ دينِهِمْ وَأَنْ يُكَذِّبوهُ، فَضاقَ صَدْرُهُ وَراجَعَ
رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَوْحى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ: ﴿يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما
بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ...﴾ المائدة:67.
فَصَدَعَ بِأَمْرِ
اللهِ تَعالى ذِكْرُهُ، فَقامَ بِوِلايَةِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلامُ، يَوْمَ غَديرِ
خُمّ؛ فَنادى: الصَّلاة جامِعَة، وَأَمَرَ النّاسَ أَنْ يُبَلِّغَ الشّاهِدُ الغائِبَ..».
وروى نزول الآية في
الغدير من كبار حفّاظ أهل السنّة وعلمائهم الأعلام: ابنُ أبي حاتم، وابن مردويه، والثّعلبي،
وأبو نعيم الأصفهاني، والواحدي، والحسكاني، وابن عساكر، والفخر الرّازي، والنّيسابوري،
والعيني، والسّيوطي...
* الآية الثانية:
﴿.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ
لَكُمُ اْلإِسْلامَ دينًا..﴾ المائدة:3.
نزلت هذه الآية بعد أن
فرغ النّبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم، من الخطبة وبايع الحاضرون أميرَ المؤمنين
عليه السّلام.
روى الشّيخ محمّد بن
يعقوب الكليني بسنده عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام، في حديث خطبة
أمير المؤمنين عليه السّلام، وهي خطبة الوسيلة، وهي طويلة، يقول فيها عليه السّلام:
«.. ثُمَّ صارَ إِلى غَديرِ خُمٍّ، فَأَمَرَ
فَأُصْلِحَ لَهُ مِثْلُ المِنْبَرِ، ثُمَّ عَلاهُ وَأَخَذَ بِعَضُدي حَتّى رُئِيَ
بَياضَ إِبْطَيْهِ، رافِعاً صَوْتَهُ، قائِلاً في مَحْفَلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ
فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ، أللَّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ.
وَكانَتْ عَلى وِلايَتي
وِلايَةُ اللهِ، وَعَلى عَداوَتي عَداوَةُ اللهِ. وَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿..الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ
اْلإِسْلامَ دينًا..﴾، فَكانَتْ وِلايَتي كَمالَ الدّينِ وَرِضا الرَّبِّ جَلَّ ذِكْرُهُ».
وروى نزول الآية في
الغدير من كبار حفّاظ أهل السّنّة وأعلام علمائهم: ابن مردويه، وأبو نعيم، وابن
المغازلي، والموفّق المكّيّ، وأبو حامد الصّالحاني، والحمويني...
* الآية الثالثة:
قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع * لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ *
مِنَ الله ذِي الْمَعارِجِ﴾ المعارج:1-3.
نزلت هذه الآية في
قضيّة الحارث بن النّعمان الفهريّ بعد أنْ تمّت البيعةُ لأمير المؤمنين عليه السّلام.
رُوي عن الإمام الباقر
عليه السّلام ما خلاصتُه: أنّ الفهريّ قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله: يا
محمّد! إنّك دعوتنا أنْ نقول: لا إله إلاّ الله. فقلنا. ثمّ دعوتنا أن نقول: إنّك
رسولُ الله. فقلنا وفي القلب ما فيه! ثمّ قلت: فَصَلّوا. فَصَلّينا. ثمّ قلت: فَصوموا.
فَصمنا. ثمّ قلت: فحجّوا فحَجَجنا ".." ثمّ إنّك أقمتَ ابن عمّك، فجعلتَه
عَلَماً وقلت: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ، أللَّهُمَّ والِ
مَنْ والاهُ، وَعادِ مَنْ عاداهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ،
أَفَعَنْكَ أَمْ عَنِ اللهِ؟
قال صلّى الله عليه
وآله: «بَلْ عَنِ اللهِ»، (قالها ثلاثاً).
فنهض الفهريّ وإنّه لمُغضَبٌ،
وإنّه لَيَقول: أللّهمّ إنْ كان ما قال محمّدٌ حقّاً فأمطِر علينا حجارةً من السّماء
تكون نقمةً في أوّلنا وآيةً في آخرنا. وإنْ كان ما قال محمّد كَذِباً فأنزل به
نقمتك!
ثمّ أثار ناقتَه فحلّ
عِقالَها ثمّ استوى عليها. فلمّا خرج من الأبطح رماه اللهُ تعالى بحَجرٍ من السّماء،
فأصابَ رأسَه وسقط ميّتاً، فأنزل الله فيه: ﴿سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع *
لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ * مِنَ الله ذِي الْمَعارِجِ﴾.
وروى نزول الآية في
هذه القضيّة من كبار علماء أهل السّنّة ومُحدّثيهم: الثّعلبي، وسِبط ابن الجوزيّ،
والزّرندي، والسّمهودي، وابن الصبّاغ، والمناوي...
* الآية الرابعة:
﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزيلُ رَبِّ الْعالَمينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ اْلأَمينُ * عَلى
قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ﴾ الشّعراء:192-194.
روى الشّيخ عليّ بن
إبراهيم القمّيّ - من أعلام القرن الثالث – في (تفسيره) بإسناده عن الإمام الصّادق
عليه السّلام، قال: «نَزَلَتْ لِأَميرِ المُؤْمِنينَ، عَلَيْهِ السَّلامُ، يَوْمَ
الغَديرِ».
الفرقُ بين الإكمال والإتمام
هناك فرقٌ بين «الإكمال» و«الإتمام»، بدليل استعمال القرآن الكريم لفظ الإكمال للدّين، ولفظ الإتمام للنّعمة.
جاء في (الفروق اللّغويّة)
لأبي هلال العسكريّ، عند تفريقه بين اللّفظَين، أنّ:
«كمال»: اسمٌ لاجتماع أبعاض الموصوف به، و«تمام» اسمٌ للجزء الّذي
يتمّ به الموصوف، ويوصف من ثمَّ بأنّه تامّ.
والظّاهر أنّ مادّة (كمل)
تستعمَل للمركّب الّذي لا يحصل الغرضُ منه إلّا بكلّ أجزائه، فهو يكملُ بها جميعاً، وإن نقصَ
شيء منها يكون وجوده ناقصاً أو مثلوماً!
فقوله تعالى: ﴿أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دينَكُمْ﴾ معناه إكمالُه بتنزيل جزئه المكمّل لمركّبه، وبدونه يبقى الإسلام
ناقصاً مثلوماً، بمنزلة غير الموجود.
أمّا قوله تعالى: ﴿وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتي﴾ فهو يعني النّعمة بتنزيل الإسلام وشروط تحقيق أغراضه وأهدافه في
الأرض، فبإكمال مركّب الدّين بالإمامة يكون تعالى قد أتمّ النّعمة على المسلمين،
وبها ضمن تحقيق هدف الدّين في الأرض، إنْ هم أطاعوا الإمام الّذي نصبه لهم.
وبذلك يتّضح أنّ الإمامة
جزءٌ لا يتجزّأ من الإسلام، فلا وجودَ حقيقيّاً له من دونها، كما أنّ تبليغ النّبيّ
للإمامة تتميمٌ للنّعمة الإلهيّة على هذه الأُمّة، فالنّعمة موجودةٌ بدون تبليغها،
لكنّها لا تكون تامّة إلّا بها!
ويشير الرّاغب الأصفهانيّ في
(المفردات) إلى لفتة لطيفة في المقام، فيقول: «قوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ..﴾
الأنعام:115، إشارةٌ إلى نحو قوله: ﴿.. الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ..﴾ الآية، ونبّه بذلك أنّه
لا تنسَخ الشّريعة بعد هذا».
وهذا إنّ دلّ على شيءٍ فإنّما
يدلّ على أنّ النّسخَ كان مفتوحاً في القرآن والسّنّة حتّى نزلت الإمامة، فانتهى
النّسخُ وكمل الدّين بصيغته الخالدة، وتمّت به النّعمة.
(الشّيخ علي الكوراني، آيات الغدير)