وصيّة المجتهدة العَلويّة السيّدة نصرت أمين
الجاهلُ بالله
تعالى، لا قَدْرَ له
* السيّدة العلويّة نصرت أمين بنت محمّد الأصفهاني، الملقّبة بـ «مجتهدة
أصفهان» (1308 – 1403
هجريّة) هي من القلَّة
من أصحاب العلم من النساء اللّائي بلغنَ رتبة الاجتهاد.
* قال فيها السّيّد المرعشي قدّس سرّه: «لها عدّة إجازات اجتهاد وشهادات علميّة
من العلماء، كانت، رحمها الله، تدرّس الفقه والأصول في أصفهان وربّت عدّة عالمات؛ لها
مؤلَّفات طُبع أغلبها»، ومن آثارها: (الأربعون الهاشميّة)، و(تفسير للقرآن
الكريم).
* هذا النّصّ مقتطَف من وصيّتها لعموم المؤمنين والمسلمين.
ورد في الحديث أنّه: «مَن مَاتَ بِلَا وَصِيّةٍ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيّةً».
لذا نشرعُ في الوصيّة بما علّمنا إيّاه الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله
في الرواية المذكورة في (التهذيب): «عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السّلام، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ: مَنْ لَمْ يُحْسِنْ وَصِيَّتَه
عِنْدَ الْمَوْتِ كَانَ نَقْصاً فِي مُرُوءَتِه وَعَقْلِهِ...».
فأنا أيضاً، أوصي جميعَ أخواتي وإخواني، من المؤمنين والمسلمين، بما أعتقدُه
من موجبات السّعادة والاستقامة والكمال والنجاة، وأسألُ الله الأحدَ تعالى أن يوفِّقني،
وجميعَ المؤمنين والمؤمنات، لنَيلها والظّفَر بها.
لا معرفةَ إلّا بالتقوى
* التّقوى: أوصيكم بالتّقوى، بل أوصيكم بإيفاء التّقوى حقّها،
وبالتّوجّه إلى الله سبحانه بكامل العزم والقوّة، وأن لا تغفلوا عنه تعالى طرفةَ
عين، لا في راحةٍ وصحّة، أو مشقّةٍ ومرض، ولا في نعمةٍ أو عوَز، ولا في عافيةٍ أو
بلاء، ولا في فقرٍ أو غنى.
* ذِكرُ الله: وأوصيكم أن تذكروه دوماً بالقلب واللّسان، وألّا تُعرضوا
عن أوامره ونواهيه؛ كما قال الإمام الصّادق عليه السّلام في بعض كلامه لأبي عبيدة
الخزاعي: «مِنْ أَشَدِّ مَا فَرَضَ اللهُ عَلَى خَلْقِه ذِكْرُ الله كَثِيراً. ثُمَّ
قَالَ: لَا أَعْنِي سُبْحَانَ اللهِ والْحَمْدُ للهِ ولَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ
أَكْبَرُ، وإِنْ كَانَ مِنْهُ، ولَكِنْ ذِكْرَ اللهِ عِنْدَ مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ،
فَإِنْ كَانَ طَاعَةً عَمِلَ بِهَا وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً تَرَكَهَا».
ولا تغفل عن قوله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ
ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ
فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ
مِنْ فَضْلِهِ..﴾ النور:37-38. فالمتّقون – لا غير – تحظى أعمالُهم برضى الباري
تعالى، كما قال سبحانه: ﴿..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ المائدة:5.
* التقوى والمعرفة: وبالتّقوى تتكامل نفس الإنسان وتبلغ مرتبةَ العبوديّة -
وهي الرّبوبيّة نفسُها - وبها أيضاً يظفَر المتّقي بالعلم والمعرفة، كما قال الحقّ
تعالى: ﴿..وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ..﴾ البقرة:282.
ومعلومٌ أنّ العلم الذي يتحصّل من التقوى، غير العلم الذي يُنال من التّعلّم
ويُكتسب من الأدلّة النظريّة، فالأخير علم صوريٌّ لا يُفضي إلى نورٍ وضياء، كما
قال الشيخ بهاء الدّين العامليّ قدّس سرّه:
[مضمون بيت شعر
بالفارسيّة: العلوم النّظرية
كلّها قيلٌ وقال/ لا يتأتّى منها ما ينفع ولا يتأتّى منها أيُّ حال]
لكنّ العلم النّاتج عن التّقوى، إنّما هو نورٌ يقذفه الله تعالى في قلب مَن
يشاء من عباده.
* معرفةُ الله: ثمّ أوصيكم بمعرفة الله، وحبّه تعالى، وأن ترجوا لقاءَه
سبحانه؛ لأنّ أحداً لن يفوز بالسّعادة والاستقامة إلّا بمعرفة البارئ تعالى وحبِّه،
واعلموا أنّ الجاهل بالله لا قَدْرَ له، ولا يُعبَأ بعمله، ولو جاء بأعمال الثّقلَين،
وبذلك تشهد كثيرٌ من الأخبار، فاجهدوا، إذاً، واجتهدوا لبلوغ التقوى وتحصيل
المعارف الإلهيّة، ومعرفة سبيل رضوان الله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ..﴾ هود:112.
واعلموا: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ
عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ القمر:54-55.
وآمنوا بالله تعالى، ورُسله، وخلفائه عليهم السّلام: ﴿..فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ
لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة:256.
بأئمّة الهدى، عُرف الله ورسوله صلّى
الله عليه وآله
* الإخلاص في العمل: واقترفوا الأعمال الحسنة، واعلموا أنّ الله عزَّ وجلَّ
يقول: ﴿..أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى..﴾
آل عمران:195.
وأخلِصوا أعمالكم لله، ولا تبتغوا منها أجراً ولا ثواباً، واتّخذوها وسيلةً
للقاء الله، كما قال تعالى: ﴿..فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ الكهف:110.
* الرضا والتسليم: توكّل في جميع أمورك على الله، فإنّه تعالى كافي مَن
استكفاه، وارضَ بقضاء الله وقدره، وأسلِم لأوامره، واعلم أنّ مرتبة الرّضى والتّسليم
من المراتب العظيمة، ومَن يبلغها لا ريبَ يصير من المفلِحين، واصبر عند البلايا
والنوائب، فـ ﴿..إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ الزمر:10.
* الولاية: واعلم أنّ طريق معرفة الله والفوز برضاه منحصرٌ في اتّباع
رسوله محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، والمودّة في قرابته ومحبّة أنصاره، فعليك
بموالاتهم فإنّها العروة الوثقى والحبلُ المتين وسفينةُ النّجاة، فمَن لزمَها نجا،
ومَن أعرض عنهم هلكَ من حيث لا يدري. واعلم أنّ السّفر إلى الله متعذّرٌ إلّا
بالاهتداء بأئمّة الهدى، بل هو منحصرٌ بولايتهم ومحبّتهم، مثلما بلَغنا عنهم عليهم
السّلام: «بِنا عُرِفَ اللهُ، وَبِنا عُبِدَ اللهُ، (نَحْنُ الأَدِلّاءُ عَلى اللهِ)،
وَلَوْلانا ما عُبِدَ اللهُ».
ويقول رسول الله صلّى الله عليه وآله في حديثٍ معروف: «وَمَا نُودِيَ بِشَيءٍ
كَمَا نُودِيَ بِالوِلَايَةِ».
اجتنابُ الغفلة، وتحرّي صحّة الأعمال
* التحذير من الشُّبهات: واجتنب المحرّمات والمكروهات، بل وحتّى الشّبهات، لأنّ
ارتكاب المحرّم يسدّ عليك الطّريق إلى الله، ويُبعدك عنه تعالى، وإتيان المكروهات
والتّعرّض للشّبهات يودي بك إلى ارتكاب المحرّمات، فتَهلكَ من غير أن تعلم، فإنّ «مَنِ
اجْتَنَبَ الشُّبُهاتِ نَجا مِنَ المُحَرَّماتِ».
* مراعاة شروط صحّة الطاعات: وأجهِد نفسك في أداء الواجبات، بل في أداء المُستحبّات
والسُّنن الإلهيّة والأعمال الصّالحة، واجتهد في مراعاة شرائط صحّتها وقبولها،
بحيث تكون صالحةً للعرض في محضر المولى جلّ شأنه، وجديرةً بأن ينظر [سبحانه
وتعالى] فيها.
* محاسبةُ النّفس: وجاهد نفسك في مخالفة نزَعاتها، وتطهيرها من الأخلاق
غير المحمودة، وتَحْليَتها بالصّفات الحميدة، واجتنب الغفلة والبطَالة. وحاسب نفسك
كلّ صباحٍ وعشيّة، وراقب كلّ عملٍ يصدر عنها حذرَ أن تتخطّى – ولو للحظة - طاعةَ
الله تعالى. وابذل روحك ومالك وكلّ قواك في سبيل رضى الله سبحانه.
* المبادرة إلى
إبراء الذمّة: وكُن
وصيَّ نفسك، وتعاهد بنفسك شؤونَ ما تملك، وتصرّف فيه كما كنت تودُّ أن يُتصرَّف
فيه [بعد موتك]، مثلما قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «يَا ابْنَ آدَمَ، كُنْ
وَصِيَّ نَفْسِكَ فِي مَالِكَ واعْمَلْ فِيهِ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ مِنْ
بَعْدِكَ».