اعبُر إلى حيِّ الحَبيب
أيُّها
الحبيب، استيقظ قليلاً من النّوم الثّقيل، وخذ طريق عشّاق [الحقّ تبارك وتعالى]،
واغسل اليدَ والوجه من هذا العالَم، عالَمِ الظّلمة والكُدورة والشّيطَنة، وَضعِ
القدمَ في حيِّ المحبّين، لا بل تحرّك إلى حيِّ الحبيب.
أيّها
العزيز، ستنتهي هذه الأيّام القليلة للمهلة الإلهيّة، وسيأخذوننا من هذه الدّنيا
طوعاً أو كَرْهاً؛ فإنْ ذهبتَ باختيار، فرَوحٌ وريحانٌ وكراماتُ الله، وإنْ ذهبْتَ
كرهاً، فنزعٌ وصعقٌ وضغطٌ وظلمةٌ وكدورة.
إنّ
مثَلَنا في هذه الدّنيا كمَثَل شجرٍ تأصّل في الأرض، فكلّما كان حديثَ الغرْسِ كان
نزعُه أسهل. وفي المثل: لو كان للشّجر إحساسٌ بالألم والعذاب، فكلّما كان جذره
أصغرَ وأغضَّ كان ألمُه وعذابه أقلّ؛ فالشّجرة المغروسة حديثاً تنقلع بضغطٍ قليل
وبلا تَعَب. ولكن إنْ مرّت عليها سنوات، ودخلت جذوعها في أعماق الأرض، ونشبت مخالبُها
الأصليّة والفرعيّة في باطنها واستحكمت، فإخراجها يحتاج إلى فأسٍ ليقطعَ جذورها
ويكسرَها. ".."
إنّ
جَذْرَ حبّ الدّنيا والنّفس، هو بمنزلة الجذر الأصليّ، وفروعُه من الحرص والطّمع
وحبّ الأهل والأولاد والمال والجاه وأمثالها، ما دامت حديثةَ الغَرْس في النّفس فقَلعُها
سهل، ولا يسلتزم الجهدَ من قِبل عمّال الموت وملائكة الله، ولا الضّغط على الرّوح
الإنسانيّة. ولكنْ لو - لا سمح الله - استحكمت جذورها في عالم الطّبيعة والدّنيا،
وامتدّت فيها، فليس هذا كامتداد جذر الشّجر، إذ تصل جذورها إلى عالَم الطّبيعة
كلّه.
فالشّجر
مهما كَبُر لا يشغل من الأرض أكثر من أمتار، ولكنّ شجرَ حبّ الدّنيا يتجذّر في عالَم
الطّبيعة؛ الظّاهر والباطن، ويجعل جميع العالَم في حيازته.
ولذلك،
فإنّ قلعَ هذا الشّجر من الجذر سالماً غيرُ ممكن، والإنسان، مع هذه المحبّة
للدّنيا والنّفس، في خطرٍ عظيم، ويُمكن أن يرى وقت معاينته عالَم الغَيب، وقد بقيت
بقايا من الحياة المُلكيّة وقد كُشِف حجاب الملكوت إلى حدٍّ ما، و[يرى] ما أُعدَّ
له في ذلك العالم، فيفرّقونه عن محبوبه ".."
ويجرّونه إلى دَرَكات ذلك العالم وظلماته، فيخرج الإنسان من الدّنيا مع بُغضه
وعداوته للحقّ تعالى، وعمّالِه من الملائكة. ومعلومٌ كيف يكون حال هذا الشّخص!