لماذا لا نواكب موكبَ السّبايا؟*
_____ الشيخ حسين كوراني _____
أيّ مصائبَ توالت على السّيّدة زينب، عليها السّلام،
وأيّ رباطة جأشٍ هذه التي كانت أعظمَ من جبال هذه المصائب كلّها..
عندما رأت زينب عليها السلام أنّ هؤلاء العتاة يهجمون
على الخِيَم يَنهبون ويسلبون وبأيديهم السّياط يضربون كلّ مَن يجدونه في طريقهم..
أيّ مصيبةٍ عصفتْ بقلب زينب عليها السلام؟
وعندما رأتْ في ساحة المعركة جسد الإمام الحسين عليه
السّلام جثّةً بلا رأس..
أَوَرأيتم لوعةَ الأم على شهيدها كيف تختلف بين حالتَين:
بين أن يكون جسدُه سويّاً وبين أن تكون شظايا الكفر والنفاق قد مزّقَتْ جسدَه؟
رأسُ الإمام الحسين عليه السّلام ليس مع جسده.. جئتكَ يا
أخي لأودّعك وكنتُ أتمنّى أن أرى رأسَك مع جسدك.. أوَأنتَ يا ابن رسول الله جثّة
بلا رأس؟!
وأين رأسك يا أبا عبد الله؟
إذا أرادت زينب عليها السّلام أن تنظر إلى عينيك، أوَليس
الوداع عبر نظرة إلى الوجه والعينين؟..
هذه المصائب كلّها يضاف إليها أنّها ترى الأجساد موزّعةَ
الأشلاء على رمضاء كربلاء.
وإنْ كانت رأت الحسين عليه السّلام جثةً بلا رأس، فكيف
رأت أبا الفضل العبّاس عليه السّلام؟
السيدة زينب عليها السلام عند أبي الفضل العبّاس عليه
السلام
وأيُّ إحساس كان في قلب زينب عليها السّلام عندما وقفت
على جثّة أبي الفضل العبّاس عليه السّلام؟
أيّ مرارة في قلب زينب عليها السّلام وهي ترى العبّاس
حاملَ اللواء قطيع الكفَّين؟
لا شكّ في أنّها تذكّرت ما جرى له عندما قُطعت يمناه ثم
قُطعت يسراه، وأيّ حرقة كانت في قلب العبّاس وهو يرى أنّه يريد أن ينصرَ الإمام الحسين
عليه السّلام ولكن ليس له يدان ليُمسكَ السّيف..
أمسك السّيف بفمه فضُرِب تلك الضّربة المنكَرة على
رأسه.. ثمّ عندما وقف لا يستطيع أن يفعل شيئاً، بمَ كان يفكر أبو الفضل العبّاس؟ وهو
الذي عوّدنا أن لا يفكّر بنفسه أبداً، وإنّما كان يفكّر بالإمام الحسين عليه السّلام.
وعند عليّ الأكبر والقاسم
ثمّ ما بالها عندما وقفت عند جسد عليّ الأكبر وعند جسد
القاسم عليهما السلام.. لوعة خاصّة في قلب زينب عليها السّلام تجاه الإمام الحسن
عليه السّلام.. هذه اللّوعة تتذكّرها بكلّ جزئيّاتها وتفاصيلها وهي لا تنساها..
لكن تتذكّرها بشكلٍ خاصّ عندما تتجدّد مصيبة الإمام الحسن عليه السّلام بمصيبتها
بالقاسم عليه السّلام..
سيّدةُ الذين يسبونَها
زينب عليها السّلام! أيّ مصائب تحمّلت يا مولاتنا؟ ترى
حقّاً هل يمكن للموالي أن يهنأ بالحياة، أن يهنأ بطعامٍ، أن يهنأ بشيءٍ من ملذّات
الدّنيا إذا كانت الدّنيا تنكّرت لزينب عليها السّلام وأهل البيت عليهم السلام؟
على الأقلّ هل يستطيع الموالي في أيّام محرّم وأيّام صفر
- وزينب عليها السّلام في السّبي - أن ينسى عاشوراء وينسى موكب السّبايا، ويتصوّر
أنّ عاشوراء قد انتهت وأنّه انصرف إلى ما كان ممنوعاً عليه بالأمس من مظاهر الفرح
في أيّام عاشوراء؟
ما بالنا لا نواكب موكبَ السّبايا؟ ما بال قلبنا لا يخفق
مع قلوب أهل البيت؟ ما بالنا لا نتذكّر ما معنى أن تُسبى زينب عليها السّلام إلى
ابن زياد. أيّها المسلمون؟!
ما معنى أن تُسبى زينب عليها السّلام إلى يزيد؟!
مع إمام زمانها في السّبي
إنّ الإمام السجاد عليه السّلام سُبيَ، صحيح.. ولوعةُ
المسلم لسَبيِهِ ينبغي أن تكون كبيرة.. خصوصاً عندما نتذكّر ما رُوي من أنّه كان
مقيّداً إلى بطن الناقة لأنّه لم يكن - لشدّة مرضه - يستطيع الجلوس على ظهر النّاقة،
ولكن شتّان بين سَبي الرّجل وسَبي المرأة.. شتّان بين سبي الإمام السجاد عليه
السّلام وسبي زينب عليها السّلام..
من هنا لوعةُ الإمام المنتظَر عجّل الله تعالى فرجه الشريف لسَبي زينب عليها السّلام..
تصوّروا أنّ امرأة مسبيّة وهي بالأمس سيّدة هؤلاء الّذين
يَسبُونها.. بالأمس كانوا يقولون لها نحن من شيعتك، نحن نوالي وليّك ونعادي
عدوّك.. واليوم يَسْبونها بكلّ غِلظة وبكلّ قسوة..
أَيَسُوقُها زَجْرٌ.. (زَجر أحد القساة الذين كانوا في
القافلة)، يقول الشّاعر:
أَيَسُوقُهَا زَجْرٌ بِضَرْبِ مُتُونِها وَالشِّمْرُ
يَحْدُوهَا بِسَبِّ أَبيهَا
بِأَبي الّتِي وَرِثَتْ مَصَائِبَ أُمِّها فَغَدَتْ
تُقابِلُها بِصَبْرِ أَبيهَا
أيضاً، مجرّد أنّ زينب عليها السّلام كانت تنظر إلى
الإمام السجاد عليه السّلام كان ذلك يثير الحزن الكبير والمقيم في قلبها.. الإمام السجاد
عليه السّلام هو بقيّة السّيف، وبقتله ينقطع نسل رسول الله صلّى الله عليه وآله
وسلّم.. كان على زينب عليها السّلام أن تهتمّ بالسّبايا.. تُراعي أوضاع الأطفال..
والنّساء.. وأن تهتمّ بدرجة خاصّة بالإمام السّجّاد عليه السّلام.. فالخطر المتوجّه
إلى المسيرة ينصبُّ في الأساس على الإمام السجاد عليه السّلام..
كانت تريد لهذه الشّجرة التي رأت الرّياح تلعب بها في
منامها - في طفولتها - أن تستمرّ عبر الإمام السّجّاد عليه السّلام.. بمجرّد أن
يقع نظرها على الإمام السجاد عليه السّلام كانت تتذكّر رسول الله وأمير المؤمنين
والزّهراء والحسن والحسين عليهم السلام ومصاب كربلاء بأجمعها، وكانت تتذكّر ماذا
يحدث وأيَّ حزن يستبدّ بها لو أن الإمام السجاد عليه السّلام مُسَّ بسوء.. وهو
عليل والسّياط تلاحقه عليه السّلام وغيره في ما ينقل النّاقلون...
..فريدةٌ تفرّدت بمَصائبها
يقول بعض الموالين: «أمّا القتل، فإنّ الحسين عليه السّلام
قُتل ومضى شهيداً إلى رَوحٍ وريحان وجنّةِ رضوان..».
يريد أن يعقدَ هذا الموالي مقارنةً بين مصائب الإمام الحسين
عليه السّلام ومصائب زينب عليها السّلام..
زينب عليها السّلام شاركت الإمام الحسين عليه السّلام كلّ
مصائبه.. إلّا أنّها انفردت بعده بمصائب لم يشهدها الإمام الحسين عليه السّلام..
«أمّا القتل، فإنّ الحسين عليه السّلام قُتل ومضى شهيداً
إلى رَوحٍ وريحان وجنّة ورضوان.. وكانت زينب عليها السّلام في كلّ لحظة تُقتَل
قتلاً معنويّاً بين أولئك الظّالمين، وتذرف دماء القلب من جفونها القريحة..».
لماذا؟ لماذا تذرف الدّماء من القلب؟
ربّما كان هذا إشارة إلى أنّها كانت مضطرّة أن تتمالك
أعصابها حتّى عندما يغلبُها البكاء الطّبيعيّ لصاحبة القلب الرّقيق كزينب عليها
السّلام.. إلّا أنّها كانت مضطرّة أن تتمالك حتّى لا يؤثّر ذلك على معنويّات سائر
مَن في الموكب.. من النّساء والأطفال..
زينب عليها السّلام شاركت الإمام الحسين عليه السّلام
مصائبه وعايَنتْ كلّ ما عاين، إلّا أنّها تفرّدت بعده بمصائب كثيرة..
* مختصر عن بعض حلقات برنامج (في محراب كربلاء) للشيخ حسين كوراني
بُثّ عبر إذاعة النور في أواخر الثمانينات