الإخلاص في العمل
____ الشّيخ محمّد تقي الآمُلي*
____
الإخلاص:
مأخوذٌ من الخُلوص؛ بمعنى جعْل العمل خالصاً، وإتيانه بداعٍ واحد لا بدَواعٍ متعدّدة،
كما في الدّرهم الخالص إذا كان خالصاً عن العيار، متمحّضاً في الفضّة، ويصحّ
إطلاقه عليه إذا كان خالصاً عن الفضّة وكان متمحّضاً في العيار، لكن الاصطلاح
انعقد على تسمية الأوّل بـ «الخالص».
وكذا
العمل قد يكون خالصاً لله متمحّضاً له تعالى، وقد يكون خالصاً عنه متمحّضاً لغيره،
وبالمعنى اللّغويّ يصدق الخالص على كِلَيهما، لكنّ الاصطلاح إنّما هو في تسمية
الأوّل بالخالص، ولا يُطلق الخالص على الخالص عنه تعالى.
ثمّ
المراد بكون العمل خالصاً لله تعالى ليس تصوّر كونه له على نحو حديث النّفس والخُطور
بالبال، بل المقصود منه كون محرِّكُه نحو الفعل وداعيه إلى فعله لا يكون إلّا الله
تعالى وابتغاء وجهه الكريم - كما أنّ العطشان تحرُّكه نحو الماء يكون بداعي سقيه،
والعلّة التّامّة في تحريكه نحوه هو السّقي - وهو علّة غائيّة لفعله التي هي علّةُ
فاعليّة الفاعل بحسب التّصوّر، والتّرتّب على الفعل بحسب الخارج.
والخُلوصُ
في العمل هو: كَونُ محرّكِه نحوه، التّقرّبُ إلى الله تعالى المتقدّمُ على الفعل
بحسب الذّهن، المتأخّر عنه بحسب العَين.
اعتباره في العبادات
لا
إشكال في اعتبار الإخلاص في العبادات في الجملة، للإجماع على اعتباره، بل يدلّ على
اعتباره إرسالُهم له إرسالَ المسلَّمات، الكاشف عن كونه بديهيّاً عندهم فضلاً عن
كونه إجماعيّاً، ولتوقّف صدق الإطاعة عليه، وعدم حصول التّقرّب إلّا به في بعض
مراتبه. وقد يُستدلّ له بقوله تعالى:
-
﴿وما
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ..﴾ البيّنة:5.
-
وقوله
تعالى: ﴿.. وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً..﴾ التوبة:31.
وفي خبر ابن مسكان عن الصّادق عليه السّلام في
قول الله: ﴿..حَنِيفاً مُسْلِماً..﴾ آل عمران:67،
قال: «خَالِصَاً مُخْلَصَاً لَا يَشُوبُه شَيْءٌ».
وعنه
عليه السّلام، قال: «قال اللهُ عزّ وجلّ: أنا خَيْرُ شَريكٍ، مَنْ أَشْرَكَ مَعي
في عَمَلي غَيْري لَمْ أَقْبَلْهُ إلّا ما كان خالِصاً».
وعنه عليه السّلام، قال: «وَكُلُّ عَمَلٍ
تَعْمَلُهُ للهِ فلْيَكُنْ نَقِيّاً مِنَ الدَّنَسِ». وغير ذلك من الأخبار.
* مختصر من كتابه (مصباح الهدى في شرح العروة
الوثقى).
في
المعنى اللّغويّ:
خَلَصَ
الشّيء من التّلف خُلوصاً: سَلِمَ ونجا.
وخَلَصَ
الماءُ من الكدَر: صفا.
وخلَّصتُه:
ميزّتُه من غيره.
وخُلاصة
الشّيء: ما صَفا.
والتّخليص:
تنقية الشّيء وتهذيبه.
والخالص
كالصّافي، إلَّا أنّ الخالص هو ما زال عنه شَوبُه بعد أن كان فيه، والصّافي قد
يقال لِما لا شوبَ فيه.
من معاني الإخلاص في
القرآن الكريم
«الإخلاص
من العبد في مقابل الله عزّ وجل هو إخلاص النّيّة من الشّوائب، وتوحيده، والانقطاع
عمّا سواه سبحانه.
وأمّا
الإخلاص من الله المتعال في مقابل العبد، فهو التّخليص التّكوينيّ واختيار العبد
تكويناً من بين سائر العباد على صفات ممتازة، واستعدادٍ خاصّ، وصدرٍ منشرح يليق بأن
يُجعَل فيه الولاية، والرّسالة، وحقيقة الإيمان، وأنوار المعرفة - وهذا المعنى هو
المراد من الآيات الكريمة: ﴿..إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ مريم:51،
﴿..إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ يوسف:24،
ونظائرهما - أي المختارون تكويناً.
ثمّ
إنّ الدّين على ثلاث مراحل: الاعتقادات المربوطة بالجَنان، والأخلاقيّات، والأعمال
المربوطة بالأركان واللّسان. والخلوص فيها أن تكون مُتحقّقة على الصّحّة
والواقعيّة من دون شائبة وخليطة زائدة على المتن، وهذا معنى الآية الكريمة ﴿أَلا للهِ
الدِّينُ الْخالِصُ..﴾ الزمر:3،
فكلَّما اختلط وخرج عن الواقعيّة وازداد على المتن والحقيقة، فهو لغير الله، وراجعُ
إلى ما دونه تعالى».
(التّحقيق
في كلمات القرآن الكريم، المصطفوي)