شواهد من تاريخ الإسلام في آسيا
هكذا أصبحت إندونيسيا
مسلمة
______ د. عادل محيي الدّين
الألوسيّ* ______
في هذا العدد تقدّم «شعائر» - بتصرّف - تحقيقاً
تاريخيّاً عن انتشار الإسلام في إندونيسيا، أعدّه الباحث والأكاديمي اليمني عادل محيي
الدّين الألوسيّ، وقد عرض إلى العوامل التاريخية والاجتماعية التي أدّت إلى هذا
الانتشار، والدور الذي قام به التجّار المسلمون من اليمن والمشرق والجزيرة العربية
في نشر الإسلام في القارة الأسيويّة.
يعود انتشار الإسلام في إندونيسيا، بحسب المؤرّخين، إلى ثلاثة عوامل
أساسية:
الأوّل: وصول العرب
إلى هذه الأصقاع منذ وقت مبكّر على جناح التّجارة. ومع القرن السّابع الميلاديّ،
حين استقرّ بهم الحال واستوطنوا البلاد، تحوّلوا إلى دعاة للإسلام الحنيف.
الثّاني: إن شعوب جنوب
شرقيّ آسيا (ومنها: بورما ولاوس وفيتنام وكمبوديا وتايلاند وماليزيا الغربيّة؛ وأرخبيل
الملايو الذي يضمّ سنغافورة وإندونيسيا، وسريلانكا، أي سيلان أو سرنديب، والهند والسّند)
والشّرق الأقصى (الصّين واليابان والفلبّين) عرفت الإسلام واعتنقته سلميّاً وتدريجيّاً
بأسلوب الجدل والإقناع الذي يستند إلى الحكمة والمنطق والموعظة الحسنة.
الثّالث: قابليّة اللّغة
والثّقافة العربيّتين، وهما في ظلّ الإسلام، للانتشار في بلدان نائية تبعد عن الأرض
العربيّة آلاف الأميال بحيث تركت بصمات واضحة في حياة تلك البلدان، ولا سيّما إندونيسيا.
بواكير صلات العرب بإندونيسيا
ابتداء صلات بلاد العرب بالشّرق الأسيويّ
قديمة قِدمَ حضارتَي وادي الرّافديْن ووادي النّيل، ربّما تعود إلى الألف الثّالث قبل
الميلاد. ركبت البحر على جناح التّجارة عبر المحيط الهنديّ مُتّخذةً من ميناء أكيلا
(Acilla) الواقع على مقربة من رأس الخيمة
(مسندم) في الخليج «العربيّ» مُنطلقاً لها. وفيما بعد تتابعت هجرات عرب جنوب شبه الجزيرة
العربيّة في هذا الاتّجاه. وتعدّ هجرة الحضارمة قبيل انقراض الدّولة الحِمْيَريّة في
اليمن، أعظم هجرة عربيّة منظّمة إلى ربوع الشّرق، حيث كَوّن هؤلاء العرب في «كوجرات»
التّي يسمّيها العرب «قزرات» جالية كبيرة أطلق الهنود عليها اسم عربتو (Arabito)، ومنها انطلقوا
صوب جزائر الهند الشّرقيّة (إندونيسيا) والفلبّين والصّين.
وترجع هجرتهم هذه إلى عوامل طبيعيّة تتمثّل في قساوة مناخ جزيرة العرب الصّحراويّ
الحارّ الجافّ، فضلاً عن أزمات الجفاف التّي كان نصيب حضرموت منها كبيراً. وهناك من
يرجع هجرتهم إلى أحداث سياسيّة تعرّضت لها دولة الحميريّين في اليمن أدّت إلى تصدّع
الجبهة الدّاخليّة وفقدان الأمن ووقوع البلاد تحت أطماع البيزنطيّين والأمباس وأخيراً
سيطرة الفرس.
نزل هؤلاء الحضارمة أوّلاً في شواطئ سومطرة الشّماليّة الغربيّة، ومن ثمّ تسلّلوا
إلى ثغور جاوة الشّماليّة وبقيّة الجزر الأخرى. لقد أثبتوا نشاطاً اقتصاديّاً لا يبارى،
وقدرة على الإتجار لا تجارى، حتّى وصلت سفنهم إلى أربعين سفينة تجوب أرخبيل الملايو
ومكاسر الصّين، وساعدهم على ذلك حسن معاملة الإندونيسيّين لهم، ما شجّعهم على استمرار
تجاراتهم واستيطان بعضهم هناك. وكان لهؤلاء العرب النّصيب الأوفر في نشر الإسلام لاحقاً.
هذه الفعّاليّات التّجاريّة كانت بداية صلات العرب بالشّرق الأقصى عموماً وبإندونيسيا
على وجه الخصوص. ذلك بأنّ التّجار العرب اتّخذوا من الهند محطّة توصلهم إلى «سرنديب»
أوّلاً، ثمّ إلى إندونيسيا ثانياً، وإلى الصّين وأطراف الشّرق الأقصى أخيراً، وهو ما
أكّدته مؤلّفات بلدانيِّينا أمثال سليمان التّاجر في رحلته إلى الصّين والهند والتّي
يرجع زمنها إلى سنة 237 للهجرة/851 م، وابن خرداذبة في مؤلّفه «المسالك والممالك» أواخر
القرن الثّالث الهجري/ التّاسع الميلاديّ، والمسعوديّ في «مروج الذهب ومعادن الجوهر»
الذي ألّفه في حدود النّصف الثّاني من القرن الرّابع الهجريّ.
Chau Ju-Kua الخبير المتمرّس بشؤون التّجارة الخارجيّة في ميناء خانقو (كانتون) إبّان
القرن الرّابع الهجريّ، دوّن، خلال عمله، كتاباً بالصّينيّة سمّاه «جوفان جي إي إي»
(تذكرة عن الأمم الأجنبيّة)، ورأى فيه أنّ الطّريق البحريّ إلى الصّين لا بدّ من أن
يمرّ عبر San-Fots، أي «بالمبانغ» في السّاحل الشّرقيّ
لسومطرة التّي يصفها بممرّ الأُمم ومخزن تجارات العالم. وأثنى على هذه الأهميّة ابن
بطّوطة الذي زعم أنّه مرّ في طريق عودته من الصّين بإندونيسيا بقوله: «بعد أن غادرت
ميناء الزّيتون- وهو ميناء أجوان شو في فوكين - جنوب الصّين. وبعد شهريْن وصلنا إلى
الجاوة ونزلنا في سومطرة وقضيت فيها شهريْن، سافرت بعدها فوصلت بعد أربعين يوماً إلى
كولم - أي كويلون - ومنها إلى قالقوط (ربّما هي كلكتا الآن)، ومنها إلى ظفار ومنها
إلى مسقط».
وقد كشفت التّنقيبات الآثاريّة التّي
قامت بها وزارة الثّقافة الإندونيسيّة عن ثلاثة آلاف رقيم حجريّ ومعدنيّ مكتوبة بالعربيّة،
بعضها منقوش عليه بالخطّ المسند الحِميريّ، والبعض الآخر عبارة عن شواهد قبور مدوّن
عليها أبيات من الشّعر العربيّ معلمّة بالتّاريخ الهجريّ. فقد كتب على قبر ابن عمّ
الملك الكامل، والذي كان داعية أسلم على يده كثير من أهل سومطرة الغربيّة، الأبيات
التّالية:
إنّمـا الدُّنْيـا فنـاءٌ لَيْسَ
للدُّنْيـا ثُبوتُ ولقد يَكفيـكَ مِنْها
أَيُّها الطّـالِبُ قـوتُ
إنّمـا الدّنيـا كَبَيْتٍ نَسَجَتْهُ
العَنْكبـوتُ لَيْـسَ إلاَّ في قليـلٍ كلُّ ما فيهـا يمـوتُ
دور التجّار اليمنيّين
وتشكّل الدّراسات الجادّة التّي قام بها ثلاثة من المؤرّخين الإندونيسيّين مؤخّراً
أهميّة خاصّة. فقد أثبتت هذه الدّراسات وجود التّجّار العرب في شواطئ سومطرة الشّماليّة،
وبالذّات في «أتشيه» (Atjeh) قبل مجيء الإسلام، حتّى أنّ هذه
الدّراسات أطلقت عليها «الواجهة العربيّة في إندونيسيا»، وأنّه بظهور الإسلام تحوّل
معظم هؤلاء المستوطنين إلى دعاة للدّين الجديد. من هذه الدّراسات ما ذكره البروفسور
قدر الله الفاطميّ الذي لخّص تاريخ دخول الإسلام إلى إندونيسيا على النّحو التّالي:
1 - أوّل اتّصال جرى بين المسلمين والإندونيسيّين كان عام 55 للهجرة.
2 - وصل الإسلام إلى مدن السّواحل، أي سواحل سومطرة الشّماليّة منذ عام 59 للهجرة.
3 - نال الإسلام السّلطة السّياسيّة وانتشر في إندونيسيا
عام 602 للهجرة.
وأكّد الأستاذ نجيب الغطّاس، أنّ أقدم المخطوطات التّي تحدّثت عن استيطان العرب
المسلمين للأرخبيل الإندونيسيّ هي عبارة عن تقارير صينيّة، في حين ذهب الأستاذ محمّد
حسين نانيا إلى أنّ وصول الإسلام إلى إندونيسيا قد حدث زمن الرّسول صلّى الله عليه
وآله.
التسامح والموعظة الحسنة
هنا يبرز السّؤال: كيف وصل الإسلام إلى إندونيسيا؟ بالتّأكيد، الإجابة تفرض
نفسها، إذ لا وسيلة لهذا الوصول إلا بالطّريق السّلميّ الذي تعدّ التّجارة مرتكزه الأساسيّ.
فطبيعة هذه الفعّاليّة تتطلّب انفتاحاً على النّاس وتقرّباً إليهم بإظهار الخُلُق والمعاملة
الحسنة وبالصّداقة وأحياناً بالمصاهرة التّي كثيراً ما تنتهي بالاستيطان. وهذا ما درج
عليه العرب الحضارمة الذين وصلت طلائعهم إلى جزائر الهند الشّرقيّة (إندونيسيا) منذ
عهد مبكّر يرجع إلى ثلاثة قرون سبقت الإسلام. هذا، إذا كان التّاجر ينشد الإتجار وسيلة
عيش وربح ليس غير. أمّا إذا كان التّاجر يدعو لمعتقد، فلا بدّ - والحالة هذه - من توافر
قدر معيّن من المنطق يمكن أن يستعمله التّاجر لبثّ ما يحمله من أفكار أو معتقدات؛ وهذا
ما حدث للتّجّار الدّعاة الذين نشروا الإسلام في هذه الأصقاع بالمنطق والمجادلة والموعظة
الحسنة والإقناع مستندين في ذلك إلى قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..﴾ سورة النّحل: 125.
ويمكن أن نطرح الآراء التّالية بشأن وصول الإسلام إلى إندونيسيا:
الرّأي الأوّل: يفترض أن التّجّار العرب - والحضارمة
في مقدّمتهم - هم أوّل من حمل الإسلام إلى «أرض الهند» وإندونيسيا منه. وبعد ظهور الإسلام
في القرن السّابع الميلاديّ وتنامي قوّته وتَبَلْور مفاهيمه، تحوّل معظم هؤلاء التّجّار
من العرب - وبعضهم كان قد استوطن - إلى دعاة لنشر الإسلام في إندونيسيا، وفي ذلك ضمان
لمصالحهم التّجاريّة وإبقاء لعقيدتهم التّي آمنوا بها. لقد وفد الإسلام إلى إندونيسيا
بين تيّارات متعدّدة صينيّة وهنديّة وعربيّة وأوروبيّة، تيّاراً متدفّقاً سلميّاً وتدريجيّاً
وساطته التّجارة، ولكنّه فعّال في تأثيره وانتشاره.
الرّأي الثّاني: يفترض أنّ الدّعاة الهنود هم أوّل من نشروا الإسلام في أرخبيل
الملايو. ويستند أصحاب هذا الرّأي إلى أن معرفة الهنود بإندونيسيا قديمة تمتدّ إلى
بداية القرن الأوّل الميلاديّ. وخلال القرون التّي تلت، ظلّ الهنود يتجوّلون على طول
شواطئ الأرخبيل تجّاراً ودعاة للهندوسيّة. وخلال ذلك، كانت الحضارة الإندونيسيّة تعرف
بالحضارة الهندو - جاويّة. فاللّغة السّنسكريتيّة التّي حملها الهنود أضافت إلى اللّغة
الملاويّة مفردات أسهمت في تكوين لغة إندونيسيا المعاصرة (Bahasd)، ويذكرون التّشابه
المذهبيّ السّائد في إندونيسيا والمتمثّل في الشّافعيّة التّي يرجّحون أنّها انتقلت
إليهم في سواحل «كروماندل» و«ملابار» في الهند، فضلاً عن أنّ سِمَة الصّوفيّة بخصوصيّتها
الإندونيسيّة، لها ما يشابهها تماماً في بلاد الهند. وأخيراً، يفزع أصحاب هذا الرّأي
إلى الأدلّة المادّيّة ومنها المخطوطة التّي وجدت في قرية «سمدرة» في ساحل سومطرة الشّماليّ
الشّرقيّ، وهي شهادة وفاة تكريميّة مكتوبة على شاهد ضريح السّلطان مالك الصّالح الحاكم
المسلم المتوفّى في العام 696 للهجرة/ 1297م. وقد أثبتت الدّراسات التّي أُجريت على
هذه المخطوطة أنّ الحجر قد جلب من سواحل الهند الغربيّة بوساطة التّجار الهنود الذين
اعتنقوا الإسلام وتحوّلوا إلى دعاة للإسلام في إندونيسيا.
الرّأي الثّالث: مفاده أنّ الإسلام دخل إلى إندونيسيا على يد الدّعاة الفرس.
وأصحاب هذا الرّأي يستندون إلى حجج ودلائل، منها الخبرة التّجاريّة التّي عُرف بها
الإيرانيّون. وعلى رأي حمزة الأصفهانيّ، فإنّ أسطول السّاسانيّين زمن كسرى أنوشروان
قد وصل إلى سواحل سرنديب، قبيل ظهور النّفوذ البحريّ الإسلاميّ. حتّى إنّ أهل الصّين
أطلقوا تسميّة فارس (Pi-Se) على كلّ القادمين من منطقة الخليج
«العربيّ» وجنوب الجزيرة العربيّة. وفي هذا الصّدد يذكرون أنّ هناك حروفاً وكلمات إندونيسيّة
لها ما يشابهها في الفارسيّة، وأنه كان في حاشية ملك «أتشيه» فارسيّان أحدهما من شيراز
والآخر من أصفهان، وأنّ مولانا ملك إبراهيم الذي يعدّ من أوائل الدّعاة الذين نشروا
الإسلام في جاوة، قد جاء من إيران.
الرّأي الرّابع: يفترض أنّ الإسلام دخل إلى إندونيسيا بوساطة التّجّار الإندونيسيّين
أنفسهم الذين وصل بعضهم بتجاراته إلى الخليج «العربيّ» منذ القرن السّابع الميلاديّ،
وكانت لهم علاقات رفاقيّة ومصالح متبادلة مع التّجار المسلمين من الهنود والصّينيِّين
والعرب. لقد أسهم التّجّار الإندونيسيّون بدور ثانويّ، ولكنّه مهمّ في دخول أبناء جِلدتهم
في الإسلام؛ ذلك بأنّ الدّعاة التّجّار بمختلف جنسيّاتهم كانوا قد احتكّوا بالأهالي،
وهؤلاء بدورهم لقنّوه أفراد عائلاتهم ومنهم إلى أصدقائهم وعملائهم وهلمّ جرّاً، وهذا
ما حدث في جاوة وبقيّة الجهات الشّرقيّة.
ويمكن أن نقسّم الدّعاة الذين شكّلوا نواة الدّعوة الإسلاميّة
في إندونيسيا إلى: عرب سبق أن استوطنوا سواحل سومطرة الشّماليّة الغربيّة منذ القرن
الثّالثّ الهجريّ/ التّاسع الميلاديّ، منهم من اعتنق الإسلام وهو في بلاد المهجر، أو
من حمله معه إلى هناك في هجرته، وإلى تجّار غير عرب من جنسيّات مختلفة نقلوا إسلامهم
مع رحلاتهم التّي وصلوا بها إلى سواحل الأرخبيل.
السمات المميّزة لإندونيسيّا
المسلمة
ظاهرة تحوّل إندونيسيا السّريع نحو الإسلام لافتة للنّظر،
ونرى أنّها ترجع إلى عدّة عوامل، وفي مقدّمة هذه العوامل العامل الدّينيّ المتمثّل
في عقيدة الإسلام ومبادئه التّي دعت إلى رفع شأن الفرد وتحقيق ذاته، والقضاء على سلطة
الكَهَنة البراهميّين والنّظام الطّبقيّ الهندوكيّ، فضلاً عن أنّ الإسلام أشبع ميول
السّكّان المحليّين الرّوحيّة. كما أنّ الدعاة تجنّبوا استفزاز خصوصيّات السّكّان المحليّين،
من دون المساس بالرّكائز الدّينيّة للإسلام.
ثمّ العامل السّياسيّ المتمثّل في الصّراع الدّاخليّ بين
الدّويلات والإمارات الإندونيسيّة، حيث خفّف الإسلام من حدّة الاختلافات العنصريّة
والعصبيّة والمصلحيّة بين السكّان المحليّين، وصَهرَهم في وحدة وطنيّة تنشد التّحرّر
من السّيطرة الأجنبيّة وبناء إندونيسيا المسلمة.
ومن العوامل التّي أسهمت في الأسلمة الإندونيسيّة، العامل
الاقتصاديّ الذي تمثّله التّجارة النّشيطة بين جزر الأرخبيل أو التّي تتجاوز المياه
الإندونيسيّة إلى الصّين والهند والخليج «العربيّ».
لقد وجد الإندونيسيّون، تجّاراً وصنّاعاً وفقراء، عموماً،
في الإسلام ديناً يمنحهم العدل والمساواة ومتنفّساً يخلّصهم من سيطرة الطّبقات المستغلّة
بما أحياه فيهم من ديناميّة غذّت العمليّة الثّوريّة في إندونيسيا.
إنّ الرّأي القائل بأنّ العاملَين الاقتصاديّ والسّياسيّ
كانا الأساس في انتشار الإسلام في إندونيسيا، كما ذهب إلى ذلك «فان لير»، بتأكيده دور
الطّبقة الأرستقراطيّة والفئة الحاكمة، يغفل - بقصد أو من غير قصد - خاصيّة الإسلام
الإصلاحيّة الشّاملة لكلّ نواحي الحياة، وأسلوبه الإقناعيّ الذي بدا في وقت ما ملائماً
لنمط الحياة الإندونيسيّة.
إلى جانب ما ذكرنا، هناك عوامل أسهمت في هذه الأسلمة، منها
أنّ التّجّار العرب استفادوا من الخبرة التّي كوّنوها عن المجتمع الهنديّ - الذي وطئته
أقدامهم أوّل مرّة - في التّكيّف مع المجتمع الإندونيسيّ الذي يشبه إلى حدّ ما المجتمع
الهنديّ، ما أسهم في ارتفاع معنويّاتهم وتحسّن أوضاعهم النّفسيّة، فضلاً عن أنّ بعض
التّجّار كانوا هنوداً مسلمين، ولا يستبعد أن يكونوا إندونيسيّين اعتنقوا الإسلام وأخذوا
يدعون له. ثمّ إنّ طبيعة التّجارة آنذاك يغلب عليها طابع المقايضة وتخلو من التّنافس
الرّأسماليّ - هذا النّمط الاجتماعيّ والاقتصاديّ قرّب أو حبّب للمغترب فكرة التّأقلم
والاستيطان، وهو ما حدث مع بعض التّجّار المسلمين كما حدث لسابقيهم أو معاصريهم من
الصّينيين والهنود والإيرانيّين.
* نائب عميد كليّة الآداب، جامعة ذمار - اليمن.